استيقظ فيليب عند بزوغ الفجر كعادته. و كان يشعر بأن نومه الصباحي يتلاشى يومًا بعد يوم.

تحرك ببطء ليجهز نفسه للخروج إلى العمل.

استحم جيدًا، وارتدى زيه الرسمي المكوي بعناية، وسرح شعره الأبيض الناصع إلى الخلف بعناية قبل أن يضع قبعته.

كان مظهره مطابقًا تمامًا للصورة النمطية التي يتخيلها الناس عن السحرة، لكنه فجأة حدق في انعكاسه على النافذة.

"متى مضى الوقت هكذا؟"

لم يعد هناك أثر لوجه شبابه المليء بالحيوية والأحلام، فقد غطت التجاعيد آثار الزمن على ملامحه بالكامل.

"لقد أصبحتُ عجوزًا حقًا."

تمتم فيليب بصوت منخفض.

ترهل الجلد حول عينيه أكثر، مما جعل نظراته الهابطة تبدو أكثر انخفاضًا، وجسده الصغير أصلًا أصبح يتضاءل مع مرور الوقت.

كعادته، كان على وشك استخدام السحر لارتداء حذائه وأخذ عصاه، لكنه غيّر رأيه هذه المرة.

لأول مرة منذ زمن، أمسك عصاه بيده وارتدى حذاءه بنفسه.

جلس على الأرض وربط رباط حذائه بإحكام، ثم اتكأ على ركبتيه ونهض ببطء.

شعر بألم لا يمكن تجاهله في مفاصله. ثم أدرك فجأة أنه كبر في السن لدرجة أن حتى هذه الحركات البسيطة أصبحت شاقةً من دون سحر.

"كح كح!"

سعل فيليب سعالًا جافًا بلا سبب واضح، ثم خرج من المنزل وركب العربة.

شدد جفنيه لينظر إلى مشهد برج السحر من نافذة العربة، فقد كرس معظم حياته في الذهاب والإياب على هذا الطريق، ولم يكن ذلك مبالغة.

خلال فترة توليه منصب سيد برج السحر، تخلى فيليب عن حياته الشخصية.

لم يكن لديه عائلة لأنه لم يؤسس أسرة، وكان عدد أصدقائه المقربين قليلٌ للغاية.

حقق الكثير كسيد البرج، لكنه لم يكن متأكدًا مما حققه كإنسان.

ما الذي تبقى له غير الشرف والإنجازات؟

منذ طفولته، كرس حياته للسحر لدرجة أن حياته الشخصية كانت شبه معدومة. و حين أدرك ذلك فجأة، راح يفكر بهدوء.

'ربما قد حان الوقت لأهتم بحياتي.'

كان بحاجة إلى وقت ليعيش كإنسان، قبل فوات الأوان.

لم يكن عليه أن يحقق إنجازات عظيمة أو يقود الناس، بل أن يستيقظ صباحًا ليحتسي الشاي، ويتمشى تحت أشعة الشمس الدافئة في الظهيرة.

لقد حان الوقت الذي باتت فيه تلك الأيام العادية والبسيطة ذات قيمة وأهمية حقيقية.

دخل فيليب برج السحر بعد أن تخلص بسرعة من أفكاره المضطربة. و انحنى له مساعده بإيماءة احترام، وهو الذي أصبح يستيقظ مبكرًا شبه قسرًا بسبب رئيسه المجتهد.

"مرحباً، سيد البرج."

"هوه هوه هوه، صباح الخير."

"هل أقدم لك بعض الشاي؟"

لم يُجب فيليب فورًا، بل وقف في مكانه للحظة متأملًا مساعده. لقد مر أكثر من عشرين عامًا منذ أن بدأ العمل تحت إمرته، وأصبح الآن في منتصف العمر.

عندما رآه لأول مرة، كان شابًا متحمسًا يشع عينيه بالبريق، أما الآن فقد انتشر الشيب في رأسه، وأصبح رب أسرةً و لديه طفلان.

شعر المساعد بالحرج من النظرة الطويلة التي يحدق بها فيليب، فسأله مترددًا،

"هل هناك شيء تود قوله لي؟"

"هوه هوه، لا حاجة للشاي. قم بدعوة أعضاء مجلس البرج لاجتماع بعد الظهر."

"حسنًا، ولكن ما الموضوع الذي ستناقشونه؟"

سأل المساعد بدقة، عازمًا على تنفيذ الأمر غير المتوقع بإتقان. فابتسم فيليب بلطف وأجاب،

"إنه للإعلان رسميًا عن سيد البرج القادم."

"نعم، مفهوم......ماذا؟!"

اتسعت عينا المساعد وكادت أن تخرج من محجريهما.

الإعلان عن خليفة لسيد البرج يعني أن فيليب ينوي التقاعد!

فتح فمه متلعثمًا ووجهه مليء بالدهشة.

"سـ-سيدي سيد البرج......!"

"لقد أصبحت عجوزًا جدًا. حان الوقت لأفسح المجال للمستقبل الجديد."

"لكن......"

"إذاً، أعتمد عليكَ في ذلك."

ربّت فيليب بخفة على كتف مساعده، ثم اختفى بهدوء داخل مكتبه.

كان ظهره يبدو أصغر مما كان عليه من قبل، فلم يستطع المساعد قول أي شيء.

***

توقفت أراسيلا فجأةً عن السير نحو الخارج. و استدارت بسرعة، متجهةً إلى المرآة.

تأملت عيناها الزرقاوان الحادتان مظهرها من رأسها حتى أخمص قدميها بدقة. بدا وكأن شيئًا لم يعجبها، إذ ارتسمت تجاعيدُ خفيفة بين حاجبيها.

"......سيدتي؟ ما الأمر؟"

سألت أودري متأخرة، وهي واقفة عند الباب المفتوح دون أن تفهم شيئًا. عندها، ردّت أراسيلا بجدية وهي تحدق في انعكاسها في المرآة،

"أعتقد أن علي إعادة ربط شعري."

"ماذا؟"

"ألا يبدو فوضويًا بعض الشيء؟ سأرفعه للأعلى بشكل أنيق."

رمشت أودري بعينيها بدهشة، إذ لم تعتد أن تشتكي أراسيلا من مظهرها أثناء تحضيرها للخروج.

ألم تكن دائمًا تترك شعرها منسدلًا بحرية عندما لا ترغب في الاهتمام به؟

'ما الذي يجعلها تهتم بهذا فجأة......؟'

ورغم استغرابها، لبّت أودري طلب سيدتها. و رفعت شعرها وثبّتته للأعلى بإحكام، بدلًا من ربطه بشريط منخفض ومرتخٍ.

"هل هذا جيدٌ الآن؟"

"نعم."

تأكدت أراسيلا من عدم وجود خصلات متناثرة، ثم أومأت برضا.

"بما أنك تهتمين بشعركِ فجأة، لا بد أن لديك أمرًا مهمًا اليوم في برج السحر، أليس كذلك؟"

"......لا، الأمر ليس كذلك."

تمتمت أراسيلا بتردد وهي تتجنب النظر مباشرة في عيني أودري. فلم تستطع الاعتراف بالحقيقة، وهي أنها لم تكن تريد أن يرى داميان أي جزء غير مرتب من مظهرها.

سعلت بخفة في محاولة لإخفاء إحراجها.

المرء بعرف نفسه أكثر من أي شخص آخر عندما يتصرف بطريقة غير معتادة.

"لنذهب بسرعة."

تحركت أراسيلا بخطوات أسرع، متظاهرةً بالعجلة وهي تتوجه إلى قاعة الطعام.

كان داميان قد وصل قبلها وكان جالسًا في انتظارها.

كان شعره الفضي مصففًا بعناية كالمعتاد. تمامًا كما كان شعر أراسيلا اليوم.

"صباح الخير، زوجتي."

"صباح الخير. هل نمتَ جيدًا؟"

"نعم."

ابتسم داميان بلطف وهو ينظر إلى أراسيلا. وبشكل انعكاسي، ارتسمت على شفتيها أيضًا ابتسامةٌ هادئة.

بدا وكأن الأزهار تفتحت حولهما وعمّ النور وجهيهما المبتسمين، لكن في اللحظة نفسها، أشاح كلاهما بنظره بعيدًا، وكأنهما اتفقا على ذلك مسبقًا.

لم يرغبا في إظهار وجهيهما المحمرين منذ الصباح الباكر.

لحسن الحظ، أو لسوئه، بما أنهما تصرفا بالطريقة نفسها في الوقت ذاته، لم يلحظ أي منهما غرابة الآخر.

بعدما أنهيا فطورهما البسيط، غادرت أراسيلا القصر، وفتح لها داميان باب العربة بنفسه ومد يده نحوها.

"أتمنى لكِ يومًا موفقًا، عودي سالمة."

"شكرًا لك، وأنتَ أيضًا."

أمسكت أراسيلا بيده وصعدت إلى العربة، لكنه، قبل أن تسحب يدها تمامًا، فاجأها بالإمساك بأطراف أصابعها.

ثم انحنى ببطء وطبع قبلةً على ظهر يدها البيضاء.

عندما لامستها حرارته الدافئة وملمسه الناعم، اتسعت عينا أراسيلا باندهاش من هذه التحية غير المتوقعة.

ضغط داميان شفتيه ثم رفع نظره قليلًا، و ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على زاوية فمه.

"أتمنى لكِ يومًا سعيدًا."

"......نعم."

أخفضت أراسيلا رأسها قليلاً وأغلقت الباب، بينما شعرت بحرارة على خديها، وكان ظهر يدها التي قبّلها يثير شعورًا غريبًا من الحكة.

إتكأت على نافذة العربة بذراعها وغطت فمها بيدها.

و خرجت منها ضحكةٌ لا إرادية، فقد شعرت بسعادة غير مفسرة منذ الصباح.

ثم ابتسمت ابتسامةً خفيفة، و استمرت في ذلك حتى وصلت إلى برج السحر.

"مرحبًا، يا رفاق."

"أهلاً وسهلاً، سينباي! أوه، هل حدث شيء جيدٌ اليوم؟"

رحبت بها سالي بحيوية، ثم نظرت إلى وجه أراسيلا بدهشة.

"لماذا؟"

"لقد كنتِ مبتسمةً طوال الوقت."

ابتسمت سالي بشكل واسع، مشيرةً إلى فمها بإصبعها. فمسحت أراسيلا خديها بيدها بخجل.

"آه......هل فعلتُ ذلك؟"

"نعم، كنتِ تبدين سعيدةً جدًا."

أضاف رودي أيضًا تعليقه، ثم لمست أراسيلا فمها بخفة، لتجد أن زوايا شفتيها لا تزال مرتفعةً قليلاً.

"ربما لأنني شعرت أن الحظ سيكون حليفي اليوم."

أخيرًا، قررت أراسيلا التوقف عن إخفاء ابتسامتها وأجابتها بابتسامةٍ صغيرة.

في تلك اللحظة، لم تكن تتخيل أن كلماتها ستصبح واقعًا.

كما هو الحال عادة، كانت تواصل إجراء أبحاثها عندما وصلها خبر اجتماع طارئ للمسؤولين.

فأنهت أراسيلا طعامها بلا تفكير ثم حضرت الاجتماع.

بسبب الحادث الأخير الذي أدى إلى إقصاء نصف أعضاء المجلس، كان قاعة الاجتماع خاليةً إلى حد ما.

تبادلت أراسيلا التحيات مع من تبقى من الأعضاء وجلست لتفكر.

'سمعت أنه سيكون هناك إعلانٌ مهم، هل يعتزمُ الرئيس اختيار مسؤولين جدد؟'

لم يخبر المساعد أحدًا عن سبب عقد الاجتماع، ربما تحسبًا لتغيير رأي فيليب، مما جعل أراسيلا وبقية المسؤولين في حيرة من أمرهم.

بعد فترة قصيرة، ظهر فيليب من مكانه المعتاد. و كان يبدو كما هو، لكن كان هناك شعورٌ غريب من الراحة يحيط به.

"هوه هوه هوه، شكرًا لكم جميعًا على حضوركم. لدي شيء مهم لأقوله، ولهذا استدعيتكم بشكل عاجل."

"هل ستقوم اختيار مسؤولين جدد؟"

أحد الأعضاء، الذي شارك أراسيلا نفس التخمين، طرح السؤال. فابتسم فيليب بلطف وهز رأسه.

"لا، ليس هذا."

"إذاً، ما هو الإعلان الذي ستقدمه؟"

"أنا هنا لإعلان خلفية برج السحر."

على الفور، امتلأت قاعة الاجتماع بالهمسات. و نظر الجميع إلى فيليب بوجوه مذهولة.

كانت أراسيلا أيضًا في نفس الحالة.

اختيار خليفة لبرج السحر يعني أن فيليب سيترك مكانه ويعهد بالسلطة إلى شخص آخر.

وهذا كان يعني أيضًا أن مسألة تعيين خليفة لبرج السحر، التي كانت حديث الجميع منذ فترة طويلة، قد حُسمت أخيرًا.

وسط الجو المربك، وقف أكبر السحرة سناً، الذي كان قد خدم فيليب لأطول فترة بين الحاضرين.

"سيدي، هذا مفاجئٌ جدًا. في ظل الوضع الحالي، حيث تم إقصاء نصف الأعضاء، كيف يمكن أن تترك منصبك؟ قد يسبب هذا فوضى كبيرة في البرج."

أومأ بقية السحرة موافقين على كلامه. وكان هذا هو نفس رأي أراسيلا. فلم تستطع أن تتخيل برج السحر بدون فيليب.

علاوةً على ذلك، بعد الأحداث الأخيرة التي أدت إلى طرد بعض السحرة، كان البرج في حاجة إلى شخص قوي ليكون مركزًا للاتحاد.

فهم فيليب مشاعرهم كما لو كان يشعر بها بنفسه، وأخذ يعبر عن نفسه بابتسامة لطيفة، لكنه أجاب بحزم،

"لهذا، يجب أن نختار خليفةً لبرج السحر الآن. يجب أن يكون هذا الشخص قادرًا على اختيار أفراد الجيل القادم. فهناك قول يقول أن الفرص تأتي في أوقات الأزمات. وأنا أعتقد أن هذا هو الوضع الحالي. البرج قد اهتز الآن، وهذا هو الوقت المثالي للتغيير."

فهم الأعضاء مقصده، ولكنهم لم يستطيعوا إخفاء مشاعر الحزن والأسف.

"لكننا لا نزال غير مستعدين لتوديعكَ، سيدي."

"نعم، منذ أن دخلت البرج، كان سيدي هو الرئيس، ولا أستطيع تصديق أن ذلك سيتغير."

كان فيليب هو أطول سحرةٍ في تاريخ برج السحر في تولي منصب القائد، ولهذا كان هناك العديد من السحرة الذين يؤمنون به ويتبعونه.

أخذ فيليب ينظر بهدوء إلى السحرة الذين كانوا يهمسون بوجوه قلقه، ثم فتح فمه ليقول.

"لا داعي للقلق كثيرًا. تعيين خليفة لا يعني أنني سأتقاعد فورًا. لكن هذا الشيخ العجوز قد حان الوقت لكي لا أكون من يواصل العمل، بل يجب أن أعد الشباب لتحمل المسؤولية."

"إذا كانت هذه هي رغبة سيدي، فسنقبل بذلك."

لم يكن هناك مجال للمطالبة بالمزيد، لأن فيليب كان في آخر سنواته. و لقد لاحظ بعضهم مؤخرًا تدهور صحته بشكل ملحوظ.

من الأفضل اختيار خليفة الآن بينما لا يزال فيليب على قيد الحياة قليلاً، والتحضير للمستقبل.

"هل يوجد شخص قد تم اختياره ليكون خليفة البرج؟"

عند طرح هذا السؤال بشكل خفيف، خيم الصمت على قاعة الاجتماع. و لم ينكر فيليب السؤال، بل أومأ برأسه ببطء.

قبل أن يكشف عن اسم الشخص، تجمعت الأنظار في مكان واحد.

وكانت الأنظار مركزةً على أراسيلا.

_______________________

كفووو أنفدا الرئيسة

بس لحظة رئيستكم توها مستحيه من زوجها خلوها تستوعب😘

الصراحة كنت خايفه من ذا الفصل بسبة آخر جملة في الفصل الي راح بس اشوى شكل المشاكل مطولة مب الحين😂

Dana

2025/03/29 · 30 مشاهدة · 1676 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025