"أنا أفكر في تعيين أراسيلا خلفًا لي."
خرج الاسم الذي توقعه الجميع من فم فيليب. و في الحقيقة، حتى أراسيلا نفسها كانت تتوقع ذلك إلى حد ما، فخفق قلبها بسرعة.
اللحظة التي حلمت بها منذ طفولتها جاءت إليها الآن.
كان صدرها يغلي بمشاعرٍ جياشة لدرجة أنها شعرت وكأنها ستُخرج كل ما تناولته على الغداء.
قبضت أراسيلا يدها بإحكام تحت الطاولة لتسيطر على التوتر الذي اجتاحها. ثم نظر إليها فيليب بطرف عينه لوهلة قبل أن يتابع بهدوء.
"لكن لا يمكنني تحديد سيد برج السحر القادم بإرادتي وحدها."
ارتعشت يد أراسيلا لا إراديًا. و التفت فيليب نحو السحرة واقترح بثقة.
"ما رأيكم أن نحسم الأمر بالتصويت؟"
"موافقون."
أيد القادة الاقتراح. كما حدث عندما طُردت أراسيلا من برج السحر، سيُجرى تصويت هذه المرة لتحديد خليفة السيد الحالي.
وهكذا، بدأ التصويت بين القادة الخمسة باستثناء أراسيلا.
راقبت أراسيلا السحرة بطرف عينها وهم يتنقلون للإدلاء بأصواتهم.
في ذلك الوقت، كان هناك ثلاثةٌ فقط صوتوا لبقائها. أما الاثنان الآخران، فقد جرفهم التيار وألقوا أصواتهم بالموافقة على طردها، وهما لا يزالان هنا الآن.
ترى، أي خيار سيتخذونه هذه المرة؟
لم يكن هناك شخصٌ مثل فرناندو يقود الرأي العام، لذا كان الجميع يدلون بأصواتهم بصمت، مما جعل من المستحيل التنبؤ بالنتيجة.
لم تكن أراسيلا تعرف بالضبط كيف يرى الآخرون شخصيتها. و ربما ستتمكن من التأكد من ذلك من خلال هذه الفرصة.
"انتهى التصويت."
أعلن مساعد فيليب ذلك وهو يضع الصندوق الذي يحتوي على أوراق التصويت فوق الطاولة.
"سنبدأ الآن في فرز الأصوات."
راقبت أراسيلا المساعد وهو يمد يده داخل الصندوق، وابتلعت ريقها بصعوبة.
أخرج الورقة الأولى وقرأ بصوت واضح.
"صوتٌ واحد بالموافقة."
لحسن الحظ، كانت البداية جيدة. فحبست أراسيلا أنفاسها بصمت.
حتى شخصيتها الهادئة عادةً لم تمنعها من الارتجاف بجنون في هذه اللحظة. فإذا حصلت على صوتين إضافيين بالموافقة من بين الأوراق المتبقية، فستتمكن من الفوز بالأغلبية.
شعرت و كأنها قد أُلقيت في وسط صحراء قاحلة، فجف حلقها من التوتر.
أخرج المساعد الورقة التالية وبسطها.
"صوتان بالموافقة."
واصل بعدها فرز الأصوات بصوت منخفض ودقيق.
عندما حان وقت فتح الورقة الأخيرة، كانت كفّا أراسيلا قد ابتلّتا بالعرق. وهي التي بالكاد تعرق عادةً، مما يدل على مدى توترها.
و بعد أن جمع المساعد أوراق التصويت ونظمها، أعلن النتيجة النهائية بصوت رسمي.
"خمسة أصوات بالموافقة، ولا صوت واحد بالرفض. تمت الموافقة على تعيين أراسيلا فاندرمير كسيدة برج السحر القادمة."
تم تمرير القرار بالإجماع. في تلك اللحظة، شعرت أراسيلا بأن قوتها قد تلاشت بالكامل، ورفّت عيناها ببطء.
كانت سعيدةً للغاية لدرجة أنها لم تستطع استيعاب الأمر فورًا.
ابتسم السحرة وقدموا لها التهاني والتشجيع بينما كانت لا تزال جالسةً في مكانها.
"تهانينا، أراسيلا. لقد استحققتِ هذه النتيجة بجدارة."
"أجل، لقد حققتِ إنجازات عظيمةً في البرج السحري حتى الآن. لا يوجد ساحر يتطلع الجميع إلى مستقبله بقدر ما يتطلعون إليكِ!"
"أنا واثق من أنكِ ستكتبين تاريخًا جديدًا في البرج السحري."
"هاهاها، نأمل أن تقودي البرج جيدًا بعد السيد فيليب."
"سنكون هنا لدعمكِ، لذا لا تترددِ في طلب المساعدة متى ما احتجتِ إليها."
كانت هذه هي المرة الأولى منذ انضمامها إلى برج السحر التي تتلقى فيها دعمًا من أشخاص غير فيليب.
لم يعد هناك أولئك الذين كانوا ينظرون إليها ذات يوم بنظرات متحيزة ويحكمون على حدود أرسيلا مسبقًا.
لقد أدركوا أخيرًا، بموضوعية، أنه لا يوجد بين السحرة الشباب من يمتلك الموهبة والقدرة على قيادة برج السحر مثل أرسيلا.
استفاقت أرسيلا متأخرةً وقفزت واقفة، ثم انحنت للجميع بوجه محمر كأوراق البلسم المصبوغة.
"أتطلع إلى العمل معكم من الآن فصاعدًا."
تحولت أجواء قاعة الاجتماع إلى الدفء بعد التحية البسيطة ولكن المليئة بالعزم من خليفة سيد برج السحر. فنظر إليها السحرة بابتسامات راضية.
كانت أعينهم تحمل بوضوح التوقعات تجاه أراسيلا، على عكس ما كان عليه الأمر من قبل.
بعد انتهاء الاجتماع وخروج الجميع، لم يبقَ في القاعة سوى فيليب وأراسيلا.
وقف المعلم والتلميذة ببطء متقابلين.
لطالما انتظرا هذه اللحظة.
المعلم يسلّم تلميذه المستقبل، والتلميذ يتلقى المجد من معلمه.
تفحّص فيليب وجه أراسيلا، التي لا تزال عيناها تلمعان مثل درب التبانة من الحماس، ثم تحدث بصوت يملؤه بعض الضحك،
"هل تشعرين برغبة في البكاء؟"
"......لا. قال لي والداي يأنه من الأفضل ألا أبكي في الأيام السعيدة قدر الإمكان."
"هوهُوهُو. نعم، من الأفضل أن نضحكَ في الأيام الجيدة."
أراسيلا، التي كانت تراقب معلمها الذي يبتسم بحيوية مفتعلة، قامت بتعديل وضعها وأخذت وضعيةً صحيحة، ثم انحنت بأدب،
"أشكركَ على الإيمان بي ودعمي حتى الآن، معلمي."
لولا دعم فيليب، لكان من الممكن أن تستغرق أراسيلا وقتًا طويلاً للوصول إلى هنا.
بفضل قدرته على رؤية الناس بعينين يقظتين، استطاعت أراسيلا أن تسلك طريقًا شاقًا ولكنه ذو مغزى.
كانت تريد أن ترد الجميل لذلك. ثم أضافت بصوت مليء بالعزم،
"سأبذل قصارى جهدي حتى لا أخون ثقة معلمي والآخرين."
"أنتِ حقًا محل ثقة."
أجاب فيليب بصدق. كان تلميذته دائمًا تفوق التوقعات، فقد كانت شخصًا كفؤًا وحكيمًا.
ارتفع فيليب في الهواء، متوافقًا مع مستوى عيني أراسيلا، ووضع يده على كتفها.
"أراسيلا، أعتقد أنكِ ستكونين المرشدة الجديدة والأمل لمَجْتمج السحر الذي كنتِ فيه لفترة طويلة."
منذ عدة عقود، كان فيليب قائدًا لمجتمع السحر، ولكن في لحظة ما بدأ يشعر بالحدود.
كانت لديه انطباع أن المجتمع والسحرة بداخله لم يتطوروا، بل استمروا في الدوران في نفس المكان.
السمة المميزة للسحرة هي التعمق في شيء واحد، وهي ميزة، لكنها سرعان ما تصبح عيبًا أيضًا.
كان فيليب يحذر من العالم الضيق الذي يعيشه السحرة.
إضافةً إلى ذلك، كانت موهبته واضحةً جدًا، لكن لم يتمكن من إحداث ثورة في المجمع، وكان يدرك أنه لن يستطيع فعل ذلك في المستقبل أيضًا.
طالما بقي المجتمع وزعيمه كما هما، سيظل الناس على حالهم. و لم يكن يجب أن يحدث ذلك. فإذا لم يكن هناك إرادةٌ للمضي قدمًا، فلن يكون هناك مستقبل.
بهذه العقلية، بدأ فيليب في البحث عن شخص جديد، فوجد أراسيلا.
قبولها كآخر تلميذةٍ له كان من أفضل القرارات التي اتخذها في حياته كمعلم سحر، وكان يعد من بين الخمسة الأفضل في مسيرته.
مرر يده الصغيرة والمجعدة برفق على كتف أراسيلا.
"أنا أؤمن تمامًا أن النور الذي رأيته فيكِ سيكون نور مجتمع السحر."
"سأجعل ذلك يحدث بلا شك."
أجابت أراسيلا بإصرار.
كانت ترغب في إثبات إمكانياتها التي رآها معلمها فيها. و أرادت أن تجعل الجميع لا يندمون على اختيارهم اليوم.
ضحك فيليب بصوت عالٍ وهو يعبث بلحيته.
"هوهُوهُو، أنتِ من النوع الذي إذا قرر فعل شيء، فبالتأكيد ستحققينه، لذا لا بأس."
"بالطبع، فأنا تلميذتكَ."
رغم ردها الجريء، امتلأ قلب أراسيلا بالفخر والسعادة.
لم تكن تعلم أن شعور الوقعات الكاملة التي تحظى بها من شخص آخر يمكن أن يكون أمرًا مفعمًا بالفخر والفرح بهذا الشكل.
حاولت ألا تنجرف في مشاعرها، لكن رغم ذلك، استمر طرفا فمها في الارتفاع.
و استمر ذلك حتى سمعت كلمة فيليب التالية.
"ولكن، كان هناك شيء يثير اهتمامي......"
"......؟"
"متى سينتهي زواجكِ الوهمي؟"
تصلب وجه أراسيلا للحظة.
كان فيليب هو الشخص الوحيد الذي يعرف عن زواجها المقرر من داميان. ولم يكن قد أزعجها أو ضغط عليها بشأنه، فنَسيت ذلك.
مع بروز لمحة خفيفة من الاضطراب على وجه أراسيلا، تابع فيليب حديثه بصوت هادئ.
"ألم تقولي أنكِ ستفترقين بمجرد أن تحققي ما تريدينه من هذا الزواج؟ إذا كان الأمر كذلك، أليس من الأفضل أن تنفصلي قبل أن تصبحي رئيسة البرج؟"
كانت الكلمات لطيفة، لكن أراسيلا لم تستطع قول شيء. و كأن أحدهم قد سحر شفتيها، فلم تتحركا ولم تخرجا بأي كلمة.
كانت كلماتها السابقة في الماضي هي التي خنقتها الآن، وقيّدت مشاعرها الحالية. فقد جعلها فيليب تتذكر شيئًا كانت قد نسيته وسط الانشغال بالواقع أمامها.
"أتذكرين قولكِ بأنكِ لن تدعي مشاعراً تافهة تُفسد مستقبلكِ؟ لهذا السبب اخترتكِ كخليفة لي."
"......."
"لذا، أراسيلا، إذا كنتِ ترغبين في بناء أفضل مستقبل لكِ، يجب عليكِ إزالة كل ما قد يعرقل حياتكِ في وقت مبكر."
كانت هذا النصيحة اللطيفة من فيليب، الدي كان يطلب منها ترتيب علاقتها مع داميان قبل أن تصبح رئيسة البرك، تهز أراسيلا وتغلق على أنفاسها.
كانت هي نفسها تتذكر جيدًا ما قالته لفيليب قبل الزواج.
"إنه ليس زواجًا جادًا. قررنا الزواج لأننا نريد بعض الأمور، وعندما نحقق ذلك، سننفصل."
"سأبقى مع هذا الفارس المزعج؟ لا أستطيع أن أضيع الفرصة بسببه."
"أنا أعتبر العمل أهم من الحب. لن أسمح لمشاعر تافهة أن تُفسد مستقبلي."
كانت تلك الكلمات صادقةً في ذلك الوقت. فلم تكن تعلم أنها ستتعلق بداميان إلى هذه الدرجة، وأنها ستشعر بما تشعر به الآن.
ماذا سيحدث إذا اكتشف مشاعرها؟ هل سينتهي العقد فورًا؟ وهل سيصبح مستقبلي في برج السحر مهددًا؟
استنادًا إلى كلمات فيليب، بدا أنه كان يعتقد أنني سأقوم بإنهاء زواجي الوهمي في وقت ما، ولهذا دفعني لأن أكون خليفةً له في البرج.
خيانة ثقة معلمها كانت أمرًا مروعًا لدرجة أن أراسيلا لم ترغب حتى في تخيله.
شعرت بالخوف من مشاعرها تجاه داميان، لأن تلك المشاعر قد تدمّر الحلم الذي لطالما سعت لتحقيقه.
...لا، لا يجب أن أفكر هكذا.
لم يكتشف أحد شيئًا بعد، إذاً يمكنني أن أتخلص منها.
وبخت أراسيلا نفسها. فقد كان أمامها ما يكفي من الفرص. و كانت هناك فرصةٌ للوفاء بما قالته أمام فيليب.
إذا تخلصت من مشاعرها تجاه داميان، فلن تخسر شيئًا وستتمكن من الحفاظ على كل شيء. فعلى الأقل، كانت آخر كلماتها أمام فيليب لا تزال سارية.
ما زالت أراسيلا ترغب في تحقيق حلمها أكثر من حبها.
أخفَت يديها المرتعشتين خلف ظهرها، ثم ابتسمت ابتسامةً خفيفة وأومأت برأسها.
"لا تقلق، سأحرص على إنهاء كل شيء في الوقت المناسب حتى لا يسبب عائقًا."
"نعم، نعم. أنتِ تعرفين ما يجب عليكِ فعله دون الحاجة إلى أن أكررها، لذا لا بأس."
بكلمات فيليب المليئة بالثقة تجاهها، ابتسمت أراسيلا فقط. و استمرت في الابتسام حتى بعد أن قدمت تحياتها وغادرت.
كان اليوم هو اليوم الذي تحقق فيه حلمها، لذا كان من الأفضل أن تبتسم بأكبر قدر ممكن. كان ذلك هو الصحيح.
ربما ستملأ هذه الابتسامة قلبها بالسعادة الحقيقية مرة أخرى، وستتخلص من هذا الشعور غير المريح كما لو كانت تجلس على مسمار.
لكن حتى عودتها إلى المنزل، لم تتمكن أراسيلا من التخلص من ثقل قلبها.
لأن ذلك كان الوزن الذي فرضته مشاعرها تجاه داميان.
قررت أراسيلا أخيرًا أن تخفي ذلك الشعور الذي لا يمكنها التخلص منه في أعماق قلبها ودخلت إلى القصر.
________________________
لاااااااااااااااااااااااا
الله يشغلك بنفسك يافيليب ياشايب ياعايب وش دخلك؟
الحين اي مشكلة تصير بين أراسيلا وداميان السبة فيليب
ماصدقت اراسيلا تستوعب مشاعرها والحين تبي تخليها😭؟ يا تبنن يافيليبب
Dana