أخرج داميان الرسالة عندما أنهى جميع أعماله وبقي وحده في مكتبه.
أخرجها بحذر من درج مكتبه حيث كان يحتفظ بها بعناية وكأنها كنزٌ ثمين.
لم تكن سوى الرسالة التي كتبتها له أراسيلا في يوم ميلاده.
حرص على الالتزام بكلامها بضرورة قراءتها وحده، فانتظر بضعة أيام بعد حفل ميلاده حتى يحين الوقت المناسب.
والآن، حيث لا يمكن أن يزعجه أحد، قرر أن يقرأ رسالتها بقلبٍ صافٍ وبوضعية جادة.
'ترى ماذا كتبت لي زوجتي؟'
بمشاعر يغمرها الترقب، فتح الرسالة بعناية حتى لا تتجعد الورقة.
「 إلى داميان.
داميان، يبدو أنه مضى وقت طويل منذ آخر مرة كتبتُ لكَ فيها رسالة.
هل تتذكر أول رسالة أرسلتها لك؟
في ذلك الوقت، لم أكن لأتخيل أبدًا أننا سنقضي معًا أربعة فصول كاملة.
الوقت الذي قضيناه معًا من الربيع إلى الشتاء كان مليئًا بالكثير من الأحداث، سواء بسببك أو بسببي.
الأمر ليس و كأنني كرهت ذلك، بل على العكس، أشعر أننا نمونا كثيرًا بفضله.
أليس من المدهش أن نفكر في كيف كنا في البداية، حين كنا نحذر من بعضنا البعض ولا نطيق بعضنا، مقارنةً بما نحن عليه الآن؟
أنا ممتنةٌ لك في أشياء كثيرة. أشكركَ لأنكَ كنت دائمًا تبادر بالاعتذار أولًا، وأشكركَ لأنكَ كنت بجانبي لتدعمني حتى لا أنهار عندما كنت أمرُّ بأوقاتٍ صعبة.
لم أكن لأتخيل أبدًا أن يدخل أحدٌ إلى حياتي بهذه الدرجة من العمق.
لكن عندما تم طردي من برج السحر، لولاك لكان الأمر في غاية الصعوبة.
ربما كنت سأفقد صوابي وأُشعل النار في البرج ثم يُقبض علي.
أنا ممتنةٌ لك من أعماق قلبي لأنكَ ساعدتني حتى لا أسلك طريق الجريمة.
تعلمتُ منك الكثير، وحصلت منكَ على الكثير أيضًا. أتمنى أن تكون قد شعرت بالأمر نفسه.
حسنًا، بما أنني بارعةٌ في كل شيء، فمن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك، أليس كذلك؟
أهذا مزعج بعض الشيء؟ بصراحة، لا بد أنكَ فكرت بذلك أثناء قراءتك للجملة السابقة، أليس كذلك؟
أتفهم ذلك. في الحقيقة، أنا لست بارعةً جدًا في الكتابة.
شخصيتي تميل أكثر إلى التعبير عن مشاعري بالكلام أو الأفعال بدلًا من الكتابة. لذلك عندما أحاول أن أكتب بجدية، أشعر أن كلماتي تتبعثر.
و فجأة، بدأت أندم وأتساءل، هل كان عليّ أن أكتب جملةً واحدة فقط مثلك؟
أنت الفارس الوحيد الذي أكنّ له الاحترام.
لو كنت قد كتبتها بهذه الطريقة، لبدت أكثر روعة، لكنني لستُ من النوع الذي يفعل ما يفعله الآخرون لمجرد أنهم فعلوه.
على أي حال، هناك شيئان فقط أود قولهما في النهاية.
لقد التقينا بدافع الحاجة، لكنني أعتقد أننا أصبحنا على الأقل صديقين الآن. لذا، دعنا نحافظ على علاقتنا الجيدة في المستقبل أيضًا.
سأبذل جهدي، لذا عليك أن تفعل الشيء نفسه.
ميلادٌ سعيد، داميان.
ملاحظة:
بالمناسبة، يوم ميلادي في الربيع.
لن أتوقع الكثير، لكنني سأنتظر شيئًا صغيرًا على الأقل.
من أراسيلا. 」
قرأ داميان الرسالة بتمعن، ولم يستطع منع شفتيه من الانحناء إلى الأعلى. و غطى فمه بيده الكبيرة وهو يترك ضحكةً خفيفة تفلت منه.
'يا لها من رسالة تشبه صاحبتها تمامًا.'
أول رسالةٍ طويلة يتلقاها كانت طريفة جدًا وتعكس شخصية أراسيلا بوضوح، مما جعله يبتسم بلا توقف.
عيناه الذهبيتان عادت مرارًا إلى العبارات التي نالت إعجابه، و يكرر قراءتها دون أن ينتبه إلى أشعة الغروب الحمراء التي تسللت عبر النافذة ثم انحسرت.
'هذا أمر خطير حقًا.'
لم يستطع حتى طي الرسالة خوفًا من أن تتجعد، فتركها مفتوحةً ووضعها بعناية في درج مكتبه، وهو يفكر بجدية.
بعد تلقيه هذه الرسالة، لم يستطع إلا أن يشعر وكأن علاقتهما أصبحت شيئًا حقيقيًا.
في رسالتها، قالت أراسيلا أنهما أصبحا صديقين. و كانت هذه الكلمة تحمل وقعًا أكثر دفئًا وألفةً من مجرد زوجين بعقد يمكن أن يفترقا دون لقاء مرة أخرى.
ثم خشِي أن يستولي عليه طمعٌ لا طائل منه.
أغمض عينيه وزفر نفسًا عميقًا.
لم يكن بإمكانه أن يكون لها عائلةً حقيقية، لكنه شعر بالارتياح على الأقل لكون أراسيلا تبدو راضية عن حاضرها.
فهذا يعني أنه، ولو لفترة من الزمن، سيظل جزءًا من مستقبلها، وأنها لا تنوي إنهاء زواجهما الصوري في الوقت الحالي.
بالنسبة لداميان، كان مجرد هذا الإدراك كافيًا ليملأه بالسعادة والرضا.
استشعر في داخله شبعًا غريزيًا نابعًا من فكرة أن وقتهما معًا قد ازداد. ثم، فجأة، وقع بصره على القلم والورقة أمامه.
'همم، هل ينبغي لي أن أكتب ردًا أيضًا؟'
كانت الكتابة في رسالتها أنيقة ومنظمة، مما أظهر مدى العناية التي بذلتها في كتابتها. ولكي يردّ على هذا الإخلاص، شعر أنه من الأفضل أن يكتب لها ردًا بسيطًا على الأقل.
أخرج داميان أنقى ورقة بيضاء يملكها، و الأغلى سعرًا والأفضل جودة، وبدأ يخط كلماته بعناية، مترددًا في كل حرف يكتبه.
كتب أنه ممتن لها بصدق، وأنه مدينٌ لها بالكثير، وأنه تعلّم ونما بفضلها، وأنه سيحرص على أن يكون جيدًا معها دائمًا، وأنه يأمل أن يبقيا معًا لفترة طويلة.
أما الملاحظة الأخيرة، فكتبها مازحًا مثلها، قائلاً إنه سيتظاهر بالتحضير لشيء كبير لكنه في الواقع سيحضر شيئًا صغيرًا فقط.
بالطبع، كان مجرد مزاح.
عندما يحلّ ربيع العام المقبل، كان داميان عازمًا على منح أراسيلا أجمل يوم في حياتها، مقدمًا لها كل ما يملك.
لم يكن لديه الكثير ليقدمه، لذا كان عليه أن يستغل كل فرصة متاحة بأفضل شكل ممكن.
'ليت الشتاء ينتهي سريعًا.'
ورغم أن الشتاء بالكاد قد بدأ، لم يكن لديه أي حياء في استعجال الفصول. فقط فكرة أنه سيستقبل الربيع الثاني بجانب أراسيلا كانت كافيةً لتثير حماسه.
عندها، سُمع صوت طرق على باب مكتبه.
"سيدي، العشاء جاهز."
أعلن كبير الخدم من خلف الباب. فأجاب داميان بالموافقة بينما وضع الرسالة في الجيب الداخلي لمعطفه، عازمًا على إعطائها لأراسيلا عندما يلتقيان في قاعة الطعام.
نزل إلى الأسفل بابتسامةٍ هادئة مرتسمةٍ على وجهه، متشوقًا لرؤية رد فعلها عند استلام الرد.
"أوه أنتَ هنا، داميان."
استقبلته أراسيلا بهدوء وهي جالسة بالفعل، على غير العادة.
"مرحباً، زوجتي."
حاول داميان التصرف بطبيعية بينما كان مدركًا للرسالة في جيبه.
و ربما لهذا السبب لم يلحظ أن تعابير وجه أراسيلا كانت كئيبةً بعض الشيء، وجلس مقابلها دون أن يدرك ذلك.
ساد الصمت فوق طاولة الطعام. وبينما كانت الأطباق تُقدَّم واحدةً تلو الأخرى، كان داميان غارقًا في التفكير، محتارًا بين أن يعطيها الرسالة الآن أو بعد العشاء.
تردد كثيرًا لدرجة أن الطعام قُدِّم بالكامل لكنه لم يلمس أدوات المائدة بعد.
عندها، قطعت أراسيلا الصمت،
"داميان، لدي ما أقوله لكَ."
عندها فقط رفع نظره إليها مباشرةً وأومأ برأسه.
"تفضلي، قولي ما لديك."
"لقد حصلتُ رسميًا على تعييني كخليفة لسيد برج السحر. سيتم الإعلان عنه رسميًا الأسبوع القادم، لكني أردت إخباركَ مسبقًا."
"أهذا حقيقي؟"
اتسعت عينا داميان بدهشة.
ألم يكن هذا حلم أراسيلا الذي سعت إليه طويلًا؟
الآن وقد تحقق، شعر وكأن الفرح يغمره بدلًا منها. لكنه لم يلحظ أي شيء غريب في هدوئها المفرط، بل ابتسم بسعادة وهنّأها بحرارة.
"هذا خبر رائع. مباركٌ لكِ، زوجتي."
"شكرًا لك."
"أليس من المفترض أن نحتفل بذلك؟ سأقوم بتحضير كل شيء."
دفع داميان بشكل نشطٍ لإقامة الحفل، حيث جاءت فرصة المكافأة أسرع مما كان يتوقع. لكن أراسيلا هزت رأسها بحسم.
لم تكن في المزاج لذلك، وكانت تشعر أن الأمر سيكون مبالغًا فيه.
"لا داعي لذلك. يمكننا إقامة الحفل بعد أن أصبح سيدة برج السحر رسميًا. لن يكون الوقت متأخرًا حينها."
"أفهم. إذا كان هذا رأيكِ، فسألتزم به."
لاحظ داميان أخيرًا أن صوت أراسيلا كان منخفضًا، فانسحب بهدوء.
ظن أنه ربما كان السبب في عدم رغبتها في إقامة الحفل. ومع ذلك، رغب هو في الاحتفال بطريقة خاصة، ففكر في بديل.
"ماذا عن أن نتناول كأسًا من الشراب للاحتفال؟"
"هل سيكون ذلك ممكنًا؟ أعلم أنكَ لا تستطيع شرب الكحول جيدًا."
تذكرت أراسيلا جيدًا كيف أن داميان كان قد شرب نصف كأس فقط في ليلة الزفاف وبدأ وجهه يحمر.
فابتسمت بخفة.
بدلاً من الرد على كلامها، أمر داميان الخادم بإحضار النبيذ.
"لا يُمكن للشراب الذي نحتسيه من الفرح أن يُشعرنا يالثمالة."
"همم، لا أظن ذلك."
"لنرى بأنفسنا."
صب داميان النبيذ في أكوابهم حتى نصف الكأس وقدم الكأس لها أولًا. فأخذت أراسيلا كأسها بسرور.
تصادمت الأكواب الزجاجية مع بعضها بنغمة واضحة. و بينما كانت أراسيلا تبلع النبيذ ببطء، كانت تحاول ترتيب أفكارها في ذهنها.
في الواقع، كان لديها ما تقوله لداميان بعد، لكنها لم تستطع أن تنطق بالكلمات.
نظرت إليهِ للحظة، ثم انفجرت ضاحكة. فقد كان وجه داميان محمرٌ بالكامل من مجرد رشفة واحدة.
"داميان، هل تعلم أن وجهك الآن يبدو مثل تفاحة لم تنضج تمامًا؟"
"وجهي فقط هكذا، لكنني لست في حالة سكر."
"حقًا؟ هل أنتَ متأكد؟"
"ألم أقل لكِ؟ عندما نشرب من أجل شيء سعيد، لا نصاب بالسكر."
صوت داميان الناعم جعل شفتي أراسيلا ترتجفان للحظة.
كان تعيينها لتكون سيدة البرج القادمة أمرًا جيدًا تمامًا بالنسبة لها فقط. لكن رؤيته يعبر عن فرحه و كأنه شيء يخصه أيضًا جعلها تشعر بالقلق مرة أخرى.
كانت أراسيلا تعبث بحافة الكأس الزجاجي الناعم قبل أن تفتح فمها.
"......داميان، هناك شيء أريد قوله."
"نعم؟"
"متى تعتقد أن عقدنا سينتهي؟"
رفع داميان يده نحو صدره ثم أغمض عينيه ببطء.
لم يكن يشعر أنه قد أصبح في حالة سكر، لكن حركته كانت بطيئة.
سؤال "متى سينتهي عقدنا؟" كان مشابهًا لسؤال "متى سنتطلق؟". و إذا لم تكن أراسيلا تتمنى الطلاق بسرعة، فليس من المفترض أن يظهر هذا السؤال.
حين فهم داميان ما تعنيه، سقطت يده إلى أسفل كما لو أن أحدهم سكَب ماءً باردًا على رأسه.
بينما كنت أحلم بمستقبل مشترك معكِ، كنت أنتِ تنتظرين الفراق.
كان على وشك إخراج الرسالة وإعطائها لأراسيلا، و كان يريد أن يُخبرها بقراره في أن يكون جيدًا معها بعد أن تحقق حلمها.
لكن عندما فكر في الأمر، بدأ يشك في فائدة ذلك لها.
كانا في الأساس مرتبطين بعقد قائم على المصالح المتبادلة، ومنذ عدة مرات تأكد أنه كان عقبةً في طريق خطواتها.
إذاً، ما كانت أراسيلا تريده أكثر من أي شيء آخر هو أن تنفصل عني في أقرب وقت......
'ما الذي ظننتُ أنني سأفعله؟'
قبض داميان يده بشدة. و شعر بالارتياح لأنه لم يخرج الرسالة بعد.
كان يعتقد أن أراسيلا لن تحتاج إلى تلك الإجابة.
أصبح في حالة عقلية منطقية تمامًا، فنظر إلى الأسفل وقال ببرود.
"أنا حاليًا أبحث بعناية عن وصية جدي. الشيء الوحيد الذي يبعث على الاطمئنان هو أن عائلة الدوق لم تحصل عليها بعد. إذا كان من المحتمل أن يعيق زواجي منكِ وصولكِ إلى منصب سيدة برج السحر-"
ضغط داميان على نفسه لكي يوجه أفكاره بطريقة إيجابية لصالح أراسيلا. ومع ذلك، توقفت كلماته لفترة قصيرة في حلقه قبل أن تخرج.
"إذاً......يمكنكِ ببساطة إنهاء الزواج إذا أردتِ."
رفعت أراسيلا، التي كانت تحدق في الطعام بلا حراك، رأسها فجأة بدهشة.
كان من شروط الطلاق أن يرث داميان لقب الدوق، ومع ذلك، قال إنه لا يمانع في إنهاء العقد قبل ذلك.
شعرت أراسيلا بجدية كلمات داميان في عينيه الثابتتين، فأجابته بارتباك.
"ماذا ستفعل إذا لم تتمكن من وراثة لقب الدوق؟"
"الاحتمال الآن ضئيلٌ جدًا. بسبب مسألة الابن غير الشرعي، أصبح أوسكار في وضع غير مواتٍ. وعلى أي حال، لقد حققت الشرط الأول بالزواج من حفيدة الماركيز هوغو."
حتى لو تم الطلاق غدًا، فإن حقيقة أنه تزوجها ستظل قائمة.
أصبح أوسكار الآن في موقف غير مواتٍ تمامًا ولن يكون لديه فرصةٌ لتمرير شروط الوصية. وكان داميان في وضع أفضل بكثير.
وحتى إذا لم يعثر على الوصية، فبما أن الإمبراطور على دراية بمحتوياتها، فلا مشكلة. فقد كان لديه أقوى الشهود.
ابتسم داميان بخفة بينما كانت أراسيلا تحدق فيه، مشوشةً من ابتسامته التي كانت و كأنها لوحة فنية.
"لذا لا تشغلي بالكِ بي، هذه حلمكِ الذي لطالما تمنيتِه، فقط انطلقي نحو الأمام."
"......."
"لن أكون عقبةً أمامكِ أبدًا. فهذا سيكون انتهاكًا للعقد أيضًا."
صوت داميان الذي ارتفع بهدوء كان لطيفًا في السمع، لكن أراسيلا شعرت بشيء ما في قلبها يضيق.
كما لو أنها لم تكن تطلب هذا النوع من الإجابة، شعرت بضيق في منطقة المعدة وكان التنفس صعبًا.
"سأكون مستعدًا للطلاق في أي وقت تشائين. فقط قولي لي."
"......فهمت. شكرًا لكَ."
فتحت أراسيلا فمها أخيرًا لترد. و رغم أن القلق الذي كانت تشعر به قد زال، إلا أنها لم تشعر بالراحة.
استمر كلاهما في تناول الطعام في حالة من الانزعاج، وكان المكان مليئًا بصمت غير مريح إلى حد مذهل.
________________________
اها اجل هذا الخبر الي جا لأراسيلا وقلب حياتهم
بس مب على كيف داميان ياخي يمديك تقول لوء تو ماصرت انا الدوق استني ياخي تمسك فيها صر مهووس اي شييي😭
واضح نص دفعة العيد وناسه والنص الثاني تعاسة
Dana