تساقطت أولى ثلوج هذا العام.
تراكمت الثلوج قليلاً فوق العشب الذي فقد حيويته بسبب البرد القارس.
نظر الدوق فاندرمير بضيق إلى الثلج المتطاير كنعومة القطن وهو يشعل سيجاره.
استنشق الدوق السيجار بعمق ثم نفث الدخان بقوة، وفتح فمه بصوت خشن،
"ألم تجدوا الوصية بعد؟"
"كلا، أعتذر يا سيدي الدوق."
عندما انحنى المساعد معتذرًا، تجعد وجه الدوق، وعاجزًا عن كبح غضبه، التقط منفضة السجائر ورماها نحو المساعد.
"هل تظن أنني دعوتكَ لأسمع اعتذاراتكَ البائسة؟! كم مضى من الشهور بالفعل و أنا أسمعُ ذلك!"
"......أعتذر."
تلقى المساعد ضربةً المنفضة في جبهته واعتذر مجددًا بهدوء، فما دام لم يحقق أي نجاح يُذكر، لم يكن أمامه سوى تحمل غضب الدوق.
سال الدم الحار من جبهة المساعد، ثم ضربه الدوق بقدمه في ساقه وهو يصرخ غاضبًا،
"اصمت واخرج من هنا! وبما أنك لم تنجز ما أمرتك به، فاعلم أن راتب هذا الشهر سيُخصم!"
"......نعم، فهمت."
غادر المساعد المكتب بوجه كئيب.
حاول الدوق تهدئة نفسه وهو يمسح شعره المتدلي على جبهته.
فكما يُقال، كلما استعجلت، طال الطريق، وكلما غضبت، كان عليكَ أن تهدأ.
بالطبع، بالنسبة لهذا الدوق ذو الطباع النارية، كان ذلك قولًا يصعب اتباعه.
و بعد ذلك، عندما هدأت حدة انفعاله قليلاً، طرقت الدوقة الباب بحذر ودخلت.
"عزيزي، هل أنتَ مشغول؟"
"لماذا؟"
"لا شيء كبير، فقط أردت رؤية وجهكَ......"
عبس الدوق بعنف بين حاجبيه عند سماع تلك الكلمات التي قالتها زوجته بنبرة متملقة و كأنها تتدلل.
"أتيتِ إليّ وأنا مشغولٌ لهذا السبب التافه؟ أنتِ! هل لديكِ عقلٌ أم لا؟"
"آسفة، أنا فقط......"
"كفى! ما الذي حدث مع تلك الممثلة أو أيًا كان ما تكون؟"
بينما كان الدوق يبحث عن الوصية، كُلفت الدوقة بالتخلص من كلير، التي كانت حاملاً بطفل أوسكار.
إذا أنجبت كلير الطفل بالفعل، فسيصبح لأوسكار ابنٌ غير شرعي مختلط الدم بعامية، وهو ما سيشكل نقطة ضعف قاتلةٍ يجب التعامل معها قبل حدوثها.
جلست الدوقة بهدوء على الأريكة وهي تراقب تعابير زوجها، ثم ابتلعت ريقها وأجابت،
"لم أتمكن من التعامل معها......"
"ماذا؟ لماذا؟"
"الرجل الذي استأجرناه هاجمها في زقاق مظلم، لكن تدخل أحد المارة مصادفةً ففشل الأمر."
بالتحديد، كان ذلك الشخص تابعًا لداميان وكُلف بحماية كلير، لكن الدوقة، التي لم تعلم بذلك، كانت محبطةً تمامًا.
و كانت تخشى ما قد تسمعه من زوجها من تعليقات لاذعة مجددًا.
فرك الدوق شعره بعصبية وهو ينفث دخان السيجار بقوة، شعر وكأن صخرةً استقرت في صدره من الضيق.
"حقًا سأجن! من قال لكِ أن تقتليها؟ مع كل تلك الأعين المراقبة، قلت لكِ تجاهلي ذلك وتتسببي في إجهاضها فقط، كيف عجزتِ عن هذا أيضًا؟"
"أنا آسفة حقًا، عزيزي. تلك المرأة ليست عنيدةً ومتحفظة بالقليل......حتى مجرد طلب رؤيتها يجعلها تتحفز ولا تتحرك قيد أنملة."
انتشرت فضيحةُ ابن أوسكار غير الشرعي في أنحاء الإمبراطورية، مما جعل الأوضاع داخل إقليم الدوق مضطربة.
كان بعض الأتباع يستعدون للانحياز إلى داميان، مما جعل الدوق وزوجته في حالة من القلق الشديد.
كانا يستخدمان كل الوسائل، من الترغيب إلى الترهيب، لكن كلير ظلت صامدةً لا تتزحزح. كان تصميمها القوي على إنجاب الطفل واضحًا، مما جعلهما يشعران بالغضب الشديد.
"ماذا نفعل، عزيزي؟ إذا استولى داميان على منصب الدوق......"
"من يجرؤ على انتزاع منصب الدوق مني؟! أنا الدوق فاندرمير! لي الحق في تعيين الدوق التالي!"
صرخ الدوق غاضبًا، وهو يفكر في أنه لم يتحرر بعد من نفوذ والده.
أومأت الدوقة برأسها مرارًا موافقةً على كلام زوجها وهي تكمش كتفيها.
بعد أن أفرغ غضبه برمي الأشياء لفترة، جلس الدوق على الأريكة متنهدًا. ثم أشعل سيجارةً جديدة ونظر إلى الخارج.
أشجارٌ خالية، ثلوجٌ بيضاء ناصعة، سماءٌ زرقاء صافية، وأشعة شمس قوية.
كانت هذه دلائل على قدوم موسم يستعد فيه كل كائن حي في هذه الأرض للعام المقبل.
تذكر الدوق أن السنة تقترب من نهايتها، فقال بهدوء،
"لا يزال أمامنا فرصة."
"حقًا......؟ هل سيصبح أوسكار الدوق التالي بأمان؟"
"بالطبع. مع بداية العام الجديد، ستأتي تلك الفرصة بلا شك."
ابتسم الدوق ابتسامةً غامضة وكأن لديه ما يعتمد عليه، ففي العام الجديد القادم ستظهر فرصةً جديدة لا محالة.
إذا انهار ابنه الأحمق هكذا، فسيُدمر هو أيضًا، لذا كان عليه أن يرفعه مهما كلف الأمر.
***
كانت قافلة "دوم" قد نمت وترعرعت في منطقة ساحلية قرب العاصمة.
لكن هذا حديث العهد، فإذا تتبعنا تاريخ القافلة إلى الوراء، نجد أن بدايتها لم تكن شرعية.
كانوا في الأصل قراصنةً، ينهبون سكان القرى الساحلية ويهاجمون السفن المجاورة ليسرقوا ممتلكاتها.
ثم، مع ازدياد قوتهم وتشديد السلطات على القراصنة، غيروا مهنتهم.
أسسوا القافلة بفضل الأموال الطائلة والأيدي العاملة الوفيرة.
لكن يبدو أن جذورهم الشريرة لم تختف، فحتى بعد استقرارهم نسبيًا، ظلوا يرتكبون أعمالاً سيئةً في الخفاء.
وكان أبرزها المزاد غير القانوني للعبيد الذي يُعقد كل أسبوعين.
في حين أُلغي نظام العبودية في إمبراطورية سيترون منذ زمن، كانوا لا يزالون يبيعون الناس كالسلع ويجنون الأرباح.
اكتشف داميان هذا الأمر أثناء تحقيقه في قنبلة السحر الأسود الخاصة بكين وتجمع "دوم".
"هل تلك السفينة لهم؟"
أشار داميان إلى سفينة سياحية راسية بمفردها في ميناء هادئ.
سمع بأنت سيعقد فيها اليوم سوق سري تحت غطاء "حفلة على متن السفينة" موجهة للنبلاء.
وإذ كان بحاجة إلى مزيد من المعلومات الداخلية عن التجمع، قرر استغلال ذلك فورًا، بمهاجمة موقع المزاد غير القانوني للسيطرة على التجمع ومالكه.
"نعم، هي لهم بالتأكيد."
"هل الجميع جاهزون للهجوم؟"
أومأ إيزيك برأسه وأعطى إشارةً هادئة للرجال خلفه.
تقدم داميان أولاً مرتديًا رداءً قديمًا لإخفاء مظهره.
عندما اقترب من مدخل السفينة، عبس الحراس الواقفون هناك ولوحوا بأيديهم لرؤيتهم شخصًا بملابس رثة.
"يا هذا، لا أحد هنا سيعطيك مالاً، اخرج من هنا."
"لا أريد."
"ماذا؟ هل جن هذا المتسول؟ اخرج من هنا، الآن!"
لوّح أحد الحراس بيده بتهديد وضرب قبعة رداء داميان، فانكشف وجه ناعم لا يمت للمتسولين بصلة.
تردد الرجل للحظة، مرتبكًا من الوجه غير المتوقع الذي رآه.
"أهغ!"
ارتدى داميان قبعته مجددًا وابتسم ابتسامةً باردة وهو يوجه لكمةً دقيقة إلى صدر الرجل.
كانت الهجمة سريعةً ومحكمة لدرجة أن أحدًا لم يرها.
سقط الحارس ضخم الجثة على الأرض بصوت ثقيل، وتخبط الباقون في ذهول من الموقف المفاجئ.
"ما الذي يحدث؟"
"لماذا سقط فجأة؟"
"هل هو متسلل؟"
قبل أن يتمكنوا من استيعاب ما يجري، ضرب داميان أصابعه معًا. و في اللحظة نفسها، ظهر الفرسان الذين كانوا مختبئين حول السفينة بناءً على إشارته.
سقط الحراس الذين كانوا يحمون السطح دون أن يتمكنوا من إطلاق صرخةٍ واحدة حتى.
ترك داميان بعض رجاله على السطح بينما قاد الباقين إلى داخل المدخل الفارغ.
"من أنتم؟"
"آهغ!"
"أنقذوني......"
كل حارسٍ صادفهم في الطريق تم إسكاته دون استثناء. وحرصًا منه، كان يترك اثنين من رجاله عند كل درج.
عندما وصل إلى الطابق الأدنى من السفينة، بدأت أصواتٌ بشرية خافتة تُسمع أخيرًا.
وصل داميان إلى الباب الأحمر، مصدر تلك الضوضاء، حيث كان الحارس الذي يقف أمامه فاقدًا للوعي وملقى على الأرض.
"سأفتحه."
"حسنًا."
أدار إيزيك مقبض الباب بحذر، بينما رفع داميان قبعة رداءه قليلاً ليوسع مجال رؤيته.
كان الفضاء خلف الباب في حالة فوضى، مليئًا بدخان قد يكون من السجائر أو شيء آخر، وكان الناس المتجمعون في أرجائه يصرخون بحماس.
اتجهت عينا داميان بعيدًا عن المتحمسين بالملذات نحو رجل يقف على منصة دائرية.
"هيا، هيا! هذه السلعة ليست من النوع العادي! إنه فتى بعينين مختلفتي اللون!"
صاح الرجل المقنع، فهلل الحاضرون، ثم جرّوا فتى مكبل اليدين والقدمين بالأغلال إلى المنصة وهو يتعثر.
كانت عينا الفتى مختلفتين بالفعل، ووجهه يبدو و كأنه على وشك البكاء في أي لحظة.
'هم الشياطين بحق.'
عبس داميان بين حاجبيه أمام هذا المشهد الذي يبدو خاليًا من أي إنسانية، متسائلاً كيف يمكن لأحد أن يرغب في فعل شيء مقزز كهذا لطفل لا يتجاوز منتصف سن المراهقة.
أدار عينيه ليستكشف المكان، حتى رأى الوجه الذي يبحث عنه عند طاولة خلف المنصة، فأمر بصوت منخفض،
"أخرج سيفك."
"نعم، سيدي القائد."
سحب إيزيك سيفه من خصره، وفي اللحظة نفسها، ركل داميان الباب بقوة.
بام-!
جذب الدوي المدوّي الذي لا يمكن تجاهله أنظار الجميع نحو الباب. و أعلن داميان، بعد أن خلع قبعة رداءه،
"جئت باسم فرسان الصقر الأحمر للقبض على مزاد العبيد غير القانوني. اجلسوا جميعًا في أماكنكم وارفعوا أيديكم فوق رؤوسكم. أي حركةٍ ولو بمقدار خطوة ستُعتبر محاولة هجوم وسنتخذ إجراءً فوريًا."
تحولت وجوه الناس إلى الشحوب في لحظة. فقد كانوا جميعًا من النبلاء الذين يعيشون مترفين، جاؤوا اليوم بحجة الراحة من عناء حياتهم، وهم من لديهم الكثير ليخسرونه.
لكن أن يُكتشفوا وهم يرتكبون فعلاً غير قانوني، جعلهم يشعرون وكأن الظلام يعمي أبصارهم.
رفع نصفهم أيديهم فوق رؤوسهم بهدوء كما أُمر، بينما حاول النصف الآخر الهروب بتهور.
اندفع الحراس الداخليون أيضًا للهجوم، فتحول المكان في لحظات إلى فوضى عارمة.
"ابتعدوا عن طريقي!"
"اهربوا!"
"اقضوا على هؤلاء الأوغاد!"
وسط هذا الاضطراب، أصدر داميان أوامره بهدوء،
"جيروم، تولَ أنت المسؤولية هنا. لا تدع أحدًا يفلت. وإيزيك، اتبعني."
تتبع داميان بعينيه رجلاً يجمع الأوراق والنقود من فوق الطاولة ويفر هاربًا، ثم أشار برأسه. و حاول الحراس اعتراض طريقه، لكنهم تراجعوا مذعورين من هالة سيف سيد السيف.
انطلق داميان مع إيزيك نحو الهدف.
كان الرجل الذي يركض مذعورًا، وشعره نصف أصلع، هو براندون، مالك قافلة "دوم".
هرب براندون مع أحد أتباعه إلى ممر خلفي هادئ وصرخ،
"اللعنة، اذهب فورًا إلى هانز وقل له أن يحرق الوثائق السرية!"
"لن يحدث ذلك."
اقترب داميان دون أي صوت وأمسك بطوق ملابس براندون مُتحدثاً بنبرة مخيفة.
اختنق براندون وأصدر أصواتًا مكتومة بسبب شدّ الملابس عكس اتجاه جسده المتقدم.
تمكن إيزيك من الإمساك بالتابع الذي كان يهمّ بالركض لتنفيذ أوامره. ثم ألقى داميان براندون على أرضية الممر، و طعن السيف بجانب رقبته قبل أن يتمكن من النهوض.
"هييك-!"
ارتجف براندون وهو ينظر إلى داميان بوجه شاحب من الخوف، مدركًا تهديد حياته.
"مـ-من أنت؟ كيف عرفتَ هذا المكان؟"
"كلامكَ مختصرٌ جدًا. أتريد أن تكون حياتكَ مختصرةً أيضًا؟"
حرك داميان السيف قليلاً ليجرح جلد براندون بخفة، فتكور ج على نفسه بوجه بدا وكأنه سيُغمى عليه.
"آ-آسف! أرجوك، أنقذني!"
"إذا أجبت جيدًا على أسئلتي من الآن فصاعدًا، ستعيش. لكن اعلم أنني أكره تكرار كلامي، لذا من الأفضل أن تجيب من المرة الأولى."
"نـ-نعم، نعم. تفضل!"
أدرك براندون أن لديه ما يريده، فانبطح على الأرض بسرعة، متمنيًا أن يتجاوز هذه الأزمة بسلام إذا تصرف بحكمة.
تساءل عما قد يريده هذا الرجل الوسيم أمامه،
ربما المال؟
بينما كان يحسب ثروته في ذهنه، جاءت كلمات داميان التالية لتُفاجئه تمامًا بعيدًا عن توقعاتهى
"لمن بعت قنابل السحر الأسود من A70 إلى 85؟"
تنفس براندون بسرعة وهز رأسه بيأس محاولاً التهرب،
"أ-أي كلامٍ هذا......"
"قلت لك أجب من المرة الأولى. ولا تفكر في التلاعب عبثًا."
ابتسم داميان بزاوية فمه بطريقة ملتوية.
"فرساننا موجودون بالفعل في مكتب قافلتكك، وقد حصلنا على معلومات تفيد بأنك تهربت من الضرائب لأكثر من عشر سنوات."
لم تكن هذه الغارة هي الأولى من نوعها أصلاً. فقد احتلوا مكتب القافلة الخالي من صاحبه مسبقًا قبل القدوم إلى هنا.
كان الهدف الظاهري هو القبض على مزاد العبيد غير القانوني، لكن الهدف الحقيقي كان تتبع قنابل السحر الأسود.
"آه، وربما يكون قتلكَ عن طريق الخطأ وتفتيش المكتب أسرع؟"
أغلق براندون عينيه بقوة عند سماع هذه الكلمات التي تحمل تهديدًا واضحًا.
نعم، حتى لو حافظ على السر هنا ومات، فإن هذا الرجل سيفتش المكتب ويجد الوثائق السرية، وينتهي كل شيء.
فقرر براندون أن يحافظ على حياته على الأقل، و فتح فمه ليتكلم.
_________________________
أويلاو الفصل بدون أراسيلا وش صار العقد تمام؟
المهم داميان السايكو فنتاستك باقي يصير مهووس 😘
هو قرين فلاق مع اراسيلا واهلها بس انفداه
Dana