إذا لم يرد داميان أن تسير الأمور وفقًا لرغبة فريدريك، فلم يكن أمامه سوى رفض اعتذاره......

'إن رددت اعتذار ولي العهد هكذا أمام هذا الجمع، فسأكون الوحيد الذي يُعتبر وقحًا.'

لم يكونا وحدهما، بل كان المكان يعجّ بفرسان القصر والخدم، الذين اجتمعوا لاستقبال الضيوف الأجانب. حتى أن بعضهم بدأ يرمق داميان بنظرات تحثّه على الإسراع في الرد.

ضحك داميان بسخرية في نفسه أمام دهاء فريدريك الحاد، لكنه سرعان ما ضبط ملامحه واستقام في وقفته قبل أن يفتح فمه،

"أعتذر، سموك. لقد كان خطئي. فلو كنت أعلم أنك تحمل هذا الأمر على هذا القدر من الأهمية، لبادرت بزيارتكَ منذ زمن."

وهكذا، بدلاً من قبول الاعتذار، تفادى داميان فخ فريدريك ببراعة عبر إعادته بأسلوب لبق.

بهذا، سيظهر داميان وكأنه الرجل النبيل الذي يتلقى الضرر ومع ذلك يقدم الاعتذار.

ابتسم فريدريك بسخريةٍ دون أن يُصدر صوتًا.

'ظننتُه بليد الذهن، لا يجيد سوى التلويح بسيفه طيلة حياته......'

لكن داميان فاندرمير ليس سوى ثعلب ماكر.

عضّ فريدريك على أسنانه للحظة، لكنه سرعان ما رسم ابتسامةً ودودة وربّت على كتف داميان،

"لا، لمَ يعتذر اللورد؟ إن نظرنا للأمر، فالمشكلة تكمن في طبعي القلق......لقد أقلقت نفسي بشأن أراسيلا بلا داعٍ."

عندما خرج اسم أراسيلا مرة أخرى من فم فريدريك بهذه الألفة، ازداد انزعاج داميان أكثر فأكثر.

على الرغم من معرفته الواضحة بأنه قد قُطع كل شيء بينهما، إلا أنه استمر في مناداة اسمها وكأنهما ما زالا صديقين مقربين، ولم يستطع داميان فهم ذلك.

'هل هو مجرد تعلق بائس، أم إصرار أعمى على تجاهل الواقع؟'

وفي كلتا الحالتين، لم يكن ذلك أمرًا يسرّه. فحاول داميان جاهدًا ضبط ملامح وجهه التي كادت أن تتجهم،

"يبدو أن سموك قلقٌ جدًا بشأن زوجتي."

فأجابه فريدريك ببساطة، متظاهرًا بالبراءة،

"آه، بالطبع. فقد سمعت أن صراع الوراثة في عائلة الدوق فاندرمير محتدم للغاية، وكنت أتساءل إن كانت صديقتي القديمة قادرةٌ على دعمك جيدًا."

'يا له من كلام.'

بعد كل ما فعله بأراسيلا، لا يزال يملك الجرأة ليسميها "صديقتي القديمة"

أمام هذا القدر من الوقاحة، لم يستطع داميان إلا أن يهزّ رأسه استنكارًا قبل أن يرد ببرود،

"لا داعي للقلق، فدعم الزوجة هو مسؤولية زوجها، وهذا أمر أتكفل به بنفسي."

"حقًا؟ يبدو أنكَ زوجٌ رائع."

في تلك اللحظة، ظهرت عربة الوفد الدبلوماسي عند بوابة القصر. فاستدار فريدريك ببطء، مضيفًا بصوت خافت،

"لكن لا أدري إن كنت ستبقى زوجًا رائعًا حتى النهاية."

لم يكن لدى داميان الوقت للرد على تلك الكلمات، إذ كان عليه التحرك فورًا لمرافقة ولي العهد وحمايته.

اقترب فريدريك من الوفد بابتسامةٍ مشرقة وهو يرحب بهم أثناء نزولهم من العربة.

أما داميان، الذي تبعه على بعد خطوة واحدة، شعر بانقباض غريب في صدره.

كانت كلمات فريدريك تبدو عابرة، لكنها حملت في طياتها معنى غامضًا يصعب تجاهله.

ومع ذلك، لم يكن بإمكانه التوقف لمواجهته بشأنها، لذا لم يجد خيارًا سوى أن يتجاهلها ويمضي قدمًا.

***

قبل يومين من احتفالات العام الجديد، وصل آخر وفد دبلوماسي بأمان.

وفي اليوم التالي، أقامت العائلة الإمبراطورية حفلًا بمناسبة ليلة رأس السنة، بالإضافة إلى استقبال الوفود الدبلوماسية.

حضرت أراسيلا الحفل مرتديةً فستانًا مخمليًا أسود، تتدرج ألوانه نحو الأحمر القوي كلما انسدل للأسفل، ويتزين بياقة ناعمة من الفرو الأبيض حول العنق.

سرّحت شعرها بتقسيمه إلى الجانب الأيسر، مما منحه كثافة وأناقة، ووضعت إكسسوارات من الياقوت الأسود، مع كشف كتفٍ واحد، ما أضفى عليها هالةً آسرة من الجاذبية.

"السيدة أراسيلا فاندرمير تدخل القاعة!"

كان داميان مشغولًا بإدارة الفرسان المسؤولين عن حراسة الحفل من الخارج، لذا كان عليها أن تدخل بمفردها.

لكن لحسن الحظ، لم تكن بحاجة للقلق بشأن الشعور بالوحدة، فقد كان الماركيز هوغو و الماركيزة من بين الضيوف المدعوين.

عندما ألقت أراسيلا نظرةً حول القاعة، أدركت أن والديها لم يصلا بعد، فقررت التوجه إلى الجانب والانتظار حتى يأتيا.

"السيدة فاندرمير."

و في تلك اللحظة، لمحَت الدوقة كيستن الكبرى أراسيلا وهي وحدها، فاقتربت منها بابتسامة دافئة لتبادرها بالتحية.

و بادلتها أراسيلا النظرة بسرور.

"أين زوجكِ؟ لماذا أنتِ وحدكِ؟"

"ذهب لتفقّد الفرسان لبعض الوقت، لكنه سيأتي قريبًا."

"هكذا. إذاً. لا بد أنكِ تشعرين بالملل، تعالي معي."

أمسكت الدوقة الكبرى بيد أراسيلا بلطف وجذبتها معها، و لم تعترض أراسيلا وتبعتها بسلاسة.

قادتها إلى مجموعة كانت تتحدث معها، حيث وجدت بين الحاضرين بعض الوجوه المألوفة، وأخرى تراها لأول مرة.

"سأعرفكم ببعضكم. هذه السيدة فاندرمير، وهي مقربةٌ مني، أما هؤلاء فهم الأمير ونبلاء مملكة كايل، الذين حضروا كجزء من الوفد الدبلوماسي لاحتفالات العام الجديد."

بعد أن أدركت أراسيلا هوية الوجوه غير المألوفة، انحنت بأدب لتحييهم.

"يشرفني لقاؤكم. أنا أراسيلا فاندرمير."

ابتسم الأمير بلطف واتزان،

"أنا نواه، ولي عهد مملكة كايل. سررت بلقائكِ، سيدة فاندرمير."

و بعده، قدم بقية النبلاء أنفسهم، كان بينهم رجلان في منتصف العمر، وسيدة شابة تبدو في عمر أراسيلا.

بفضل الدوقة الكبرى، اندمجت أراسيلا بسهولة في الحديث معهم، وسرعان ما أصبح الجو وديًا ومريحًا.

وأثناء تبادلهم الحديث بود، بدا وكأن الدوقة الكبرى تذكرت شيئًا فجأة، فسألت،

"آه، تذكرت أمرًا كنت أرغب في الاستفسار عنه. هل يوجد في مملكة كايل شخص يُدعى سيان موندور؟"

كانت قد لاحظت سابقًا بحث أراسيلا بحدية عن هذا الاسم، وأرادت مساعدتها بطرح السؤال.

كانت أراسيلا قد قررت بالفعل التخلّي عن هذا الأمر، فارتعش كتفها للحظة. لكنها التزمت الصمت، إذ لم ترغب في إحراج الدوقة الكبرى برفض البحث عنه الآن.

"سيان موندور......سيان موندور، همم......لا أعتقد أنني سمعت بهذا الاسم من قبل. ماذا عنكم؟"

كرّر نواه الاسم عدة مرات، لكنه في النهاية هزّ رأسه ونظر إلى النبلاء الآخرين. غير أنهم كانوا جميعًا على نفس الحال، فلم يعرفه أيٌّ منهم.

"هل هذا الشخص أحد نبلاء مملكة كايل؟"

"لست متأكدةً بنفسي. فالسيدة فاندرمير تبحث عنه، لكنها لا تملك سوى اسمه."

قالت الدوقة الكبرى ذلك وهي تضع يدها على كتف أراسيلا بلطف.

عندها، قال أحد النبلاء، وكان رجلاً ذا شارب ملتفّ بشكل مميز، وهو يمسّد ذقنه،

"همم، إن كان الأمر كذلك، فلا يبدو أنه من أبناء مملكتنا. فهذه أول مرة في حياتي أسمع باسم سيان موندور."

"الكونت روسو هنا هو أكثر شخص معرفةً بالناس في المملكة. إن كان لا يعرف هذا الاسم، فمن المؤكد أن هذا الشخص ليس من مملكتنا."

قال نواه ذلك بابتسامة هادئة، مؤكدًا الأمر.

لكن أراسيلا لم تعد مهتمةً بالحوار، فقد انشغل ذهنها بشيء آخر تمامًا.

فقبل لحظات، حين كرر نواه اسم "سيان موندور" عدة مرات......

تحطّم-!

أسقط أحدهم كأسه عند سماع الاسم.

ألقت أراسيلا نظرةً خاطفة نحو مصدر الصوت، فرأت رجلاً مسنًا بدا مألوفًا لها، يقف متيبسًا في مكانه.

'......هل كان رد فعله هذا بسبب سماعه اسم سيان موندور؟'

وعندما ذُكر الاسم مرة أخرى، لاحظت أن يديه أخذتا ترتجفان بشدة، وكأنه بالكاد يستطيع السيطرة على نفسه.

و حينها تأكدت أراسيلا.

'ذلك الرجل يعرف من هو سيان موندور.'

لتتمكن من التحدث مع الرجل المسن، طلبت إذنًا من الدوقة الكبرى ومن الجميع، ثم ابتعدت عنهم قليلاً.

على الرغم من أنها كانت قد قررت التوقف عن البحث، إلا أن وجود هذه الفرصة الواضحة أمام عينيها دفع جسدها للتحرك دون تفكير.

اقتربت أراسيلا من الرجل المسن بثقة، و بادرته بالتحية.

"مرحبًا، أيها السيد."

لكن الرجل نظر إليها بدهشة، وتفاجأ من حديثها المفاجئ.

كانت عيناه الذهبيتان المرتجفتان تشبهان عيون داميان بشدة.

فحص الرجل أراسيلا بنظرات حذرة، ثم أغلق فمه بإحكام ودار برأسه بعيدًا.

و كانت ملامحه الحادة حتى وهو مسن تعكس برودته.

بعد أن تجاهل تحيتها بشكل علني، لم تتراجع اراسيلا بل حاولت مجددًا، مُوجهةً إليه كلمات ودية.

"أنا أراسيلا فاندرمير. ما اسمكَ، أيها السيد؟"

حدقت فيه بعينيها الزرقاوين اللامعتين وكأنها لن تتراجع حتى تحصل على إجابة.

تردد الرجل قليلاً قبل أن يفتح فمه أخيرًا.

"......لماذا تسألين؟ ماذا ستفعلين بمعرفة اسمي؟"

أجابها بنبرة غير لطيفة، ما جعل أراسيلا ترمش بعينيها قليلًا قبل أن تبتسم ابتسامةً مشرقة.

"ألا يمكنني أن أكون فقط فضوليةً بمعرفة اسم الشخص الذي أنقذته؟"

على الرغم من أنها لم تتذكر اسمه في البداية، إلا أنها تذكرته فور أن التقت عيناها بعينيه.

كان هذا هو الرجل الذي وجدته بعد ان كاد يققد وعيه في المعبد خلال احتفالات تأسيس الإمبراطورية وساعدته.

ر تذكرت جيدًا كيف جمعت الزجاجة المكسورة وأعطته الدواء.

ابتسمت أراسيلا بلطف تجاه الرجل المسن، الذي بدا وكأنه يتذكر تلك الحادثة أيضًا، وكان وجهه خاليًا من الكلمات.

"أنا لا أسألكَ من أجل طلب شيء مثل شكر أو مكافأة. فقط أردتُ التحدث معكَ، وأعتقد بأنه من الأدب أن نتعرف أولًا قبل بدء الحديث."

تسبب تفسيرها الهادئ في اهتزاز عيني الرجل مرة أخرى. وبعد أن كان يراقبها من دون أن ينطق بكلمة، بدأ أخيرًا بالكلام ببطء.

"أنا هاوارد روند."

'روند؟'

تساءلت أراسيلا في نفسها عن هذا اللقب الذي بدا مألوفًا لها. و بدأت تتذكر بشكل أكبر، ثم اتسعت عيناها ببطء.

'روند!'

كان اسم عائلة "روند" هو اسم عائلة والدة داميان، الدوقة مونيكا فاندرمير، من عائلة الكونت روند.

فقدت أراسيلا القدرة على الكلام للحظة، وكانت تحدق في هاوارد بدهشة.

كان من الواضح الآن أن لون عينيه كان متشابهًا تمامًا مع داميان، الذي كان يشبه والده كثيرًا، لكن الشيء الوحيد الذي ورثه من والدته كان لون عينيها.

كان ذلك شهادةً على نسبه من عائلة الكونت روند.

لكنها تذكرت أن داميان قد قال في وقتٍ ما بأن علاقته مع عائلته من جهة والدته لم تكن جيدة......

كان من المعروف أن عائلة الكونت روند كانت تكره عائلة فاندرمير، بما في ذلك داميان، بسبب وفاة مونيكا.

كلما تذكرت ذلك، أصبح من الصعب على أراسيلا أن تفتح فمها.

كانت ترغب في سؤال هاوارد عن سيان موندور، لكن كيف لها أن تتحدث بلطف مع جد زوجها الذي يكره داميان كما ذكر سابقًا؟

وبينما ساد الصمت، نظر هاوارد الى الخلف، ثم عبس قليلاً،

"إذا لم يكن لديكِ شيء آخر لتقوليه، فأنا سأذهب."

كان داميان يدخل القاعة. نظرًا لاحتمال أنه سيتوجه مباشرةً نحو زوجته، فاستدار هاوارد ببرود.

لم تتمكن أراسيلا من تحيته، وتركته يذهب دون أن تقول كلمة.

عندما اقترب منها داميان، انحنى قليلًا ليرى وجهها المأخوذ في التفكير. فقد حجبته الحشود عن رؤية أراسيلا وهي مع هاوارد.

"ماذا تفعلين هنا وحدكِ؟ زوجا الماركيز هوغو هناك."

"......."

"زوجتي؟ هل هناك مشكلة؟"

"......لا، داميان."

على الرغم من أنها تأخرت في الرد، ابتسمت أراسيلا بلطف وأجابته.

"لا شيء. لكن قبل أن أذهب إلى والديّ، أعتقد أنه يجب علينا أن نحيي الدوقة الكبرى. كنت في حديث معها في الأصل."

"حسناً، فلنذهب."

وضعت أراسيلا يدها على ذراع داميان الممدودة، و لم تتحدث عن لقائها مع هاوارد.

عندما فكرت في ذلك الظهر البارد الذي التفت مبتعدًا لتجنب مواجهة حفيده الوحيد، شعرت أنه لا يوجد فائدة من إخبار داميان بذلك.

تكفيه عائلة الدوق فاندرمير التي تسبب له الألم، ولا حاجة لإضافة المزيد من المعاناةِ له.

_______________________

ياعمري يا أراسيلا 🫂

داميان هنا كأنه طبيعي البروده الي بينهم في بيتهم اختفت

اجل الخطة ب انخلطوا مع الناس عشان تعرفون قيمة بعض 🙂‍↕️

الزفت جد داميان للحين صامل ذا الشايب على كرهه؟ حتى السلام مايسلم!

قلنا بس منهو سيان وانقلع

Dana

2025/03/29 · 31 مشاهدة · 1671 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025