في ذلك اليوم، وبعد انتهاء الحفل، لم يعد الحاضرون إلى منازلهم، بل تفرقوا نحو الشرق والشمال من القلعة الإمبراطورية.
كان من المعتاد أن يبقى جميع الحاضرين في القلعة خلال احتفالات رأس السنة.
أقام الضيوف المحليون في القصر الشرقي، بينما أقام الضيوف الأجانب في القصر الشمالي.
وبناءً على ذلك، حصلا أراسيلا وديميان على غرفة في الطابق الثالث من القصر الشرقي.
للأسف، كان ذلك في نفس الطابق الذي تقيم فيه عائلة الدوق فاندرمير، ولحسن الحظ، لم تكن غرفتهما متجاورتين مباشرة.
كانت غرفتهما تقع في نهاية الممر، على بعد ثلاث غرف من غرف الاثنين الآخرين.
بما أنهم يستخدمون نفس الممر، فإن احتمال التقائهم أثناء التنقل مرتفع، لكن بالإمكان تفادي ذلك بقليل من الحذر.
لم يلتقوا بأحد أثناء قدومهم إلى هنا. و بالطبع، كان ذلك بفضل عدم حضور عائلة الدوق لحفل استقبال الوفد اليوم.
ومما يثير الأسف حقًا أن الماركيز و الماركيزة هوغو حصلا على غرفة في الطابق الثاني، بينما كان من الأفضل والأريح أن يكونا في نفس الطابق معهما.
"لا بأس به."
علقت أراسيلا بإيجاز بعد أن جالت بعينيها في ديكور الغرفة الأنيق والنظيف، فأومأ داميان برأسه موافقًا أنها ليست سيئة.
من الطبيعي أن تفترض الجهة الإمبراطورية أن الاثنين زوجان، فخصصت لهما غرفةٌ واحدة.
وبما أنهما متعبان ولا يريدان الخوض في نقاش، اتفقا سريعًا على تقاسم السرير والأريكة للنوم.
"داميان، إذا شعرت أن الأريكة غير مريحة، أخبرني في أي وقت، سأُبادل معك السرير."
"أنا معتادٌ على النوم على الأريكة، لذا لا أعتقد أن ذلك سيحدث."
رد داميان بهذا ثم فك ربطة عنقه على الفور وخلع سترة زيه الرسمي، واستلقى على الأريكة مغطيًا عينيه بذراعه، وكأنه ينوي النوم فورًا.
لابد أن يكون قد تراكم لديه الكثير من التعب بعد أن تولى حتى مهام الحراسة اليوم، ففهمت أراسيلا ذلك واستدارت دون تعليق.
كان عليها ترتيب مكياجها وفستانها وغيرها من الأمور، فتوجهت بهدوء مع أودري، الخادمة التي رافقتها لمساعدتها، إلى الحمام.
بعد وقت طويل قضته في تغيير ملابسها هناك، خرجت أراسيلا لتجد داميان قد ارتدى ملابس مريحة وغط في نوم عميق.
"سأذهب الآن، تصبحين على خير، سيدتي."
"نامي جيدًا، أودري، أراكِ غدًا."
أغلقت أراسيلا الباب دون صوت بعد خروج أودري، ثم تسللت بخفة نحو السرير حتى لا تزعج نوم داميان.
استلقت على السرير المريح بدرجة معتدلة، ونظرت إلى السقف وهي ترمش بعينيها، بدت مستيقظة تمامًا ربما بسبب تغير مكان نومها.
تقلبت أراسيلا هنا وهناك حتى استلقت على جانبها ونظرت نحو الأريكة، حيث كان ضوء القمر المتسلل من بين الستائر ينير داميان النائم بهدوء كأميرة في قصة خرافية.
'مظهره وهو نائم جميلٌ نوعًا ما.'
ابتسمت وهي تفكر بتلك الفكرة السخيفة، ثم تذكرت فجأة الحوار الذي دار بينهما أثناء الرقص، حيث اتفقا على تأجيل الطلاق حتى يرغب داميان بذلك.
'متى ستظل بحاجة إليّ يا تُرى؟'
بناءً على المحادثات السابقة، ربما كانت بالنسبة إلى داميان قد أصبحت بالفعل شخصًا فقد فائدته.
فقد أصبح بإمكانه وراثة لقب الدوق دون الحاجة لاستمرار زواجهما.
'متى سننهي هذا العقد؟'
استدارت أراسيلا لتنظر أمامها، مؤمنةً أن العمل أهم من الحب، وهي قيمة لم تتغير، فقررت أن تقتل أي مشاعرها تجاه داميان.
لكن دون أن أدرك، وجدت نفسي أحاول إطالة الوقت معه، وأشعر بالضيق إذا وضع داميان حدودًا، ولم أستطع فعل شيء حيال ذلك.
يا له من تناقض، أريد الانفصال عنه لكنني لا أريد تركه.
كنت أعلم أن من الأفضل إنهاء علاقة الزوجين المزيفة هذه في أقرب وقت، ومع ذلك شعرت بذلك.
'أتمنى أن تتيح احتفالات رأس السنة هذه أن أفرغَ قلبي تمامًا.'
تمنت أراسيلا ذلك بصدق، فلا شيء أكثر بؤسًا من أن تكون الوحيدة التي تحمل مشاعراً في علاقة زائفة، لذا تمنت أن تكون هذه الاحتفالات نهاية هذا القلب.
كيلا يزداد الأمر عمقًا من هنا.
وبعد أن أنهت تمنياتها، بدأت جفون أراسيلا تثقل تدريجيًا، وسرعان ما غطاها النعاس الذي بدا وكأنه لن يأتي أبدًا.
عندما توقف صوت الخشخشة وعم الغرفة أنفاس منتظمة، فتح داميان عينيه بهدوء.
"هاه......"
كان في التنهيدة الخافتة التي أطلقها ارتباكٌ وتأمل وتوق أعمق مما شعرت به أراسيلا، فضلاً عن قلبٍ يعاني.
***
تستمر احتفالات رأس السنة أربعة أيام إجمالاً.
في اليوم الأول، يشاهدون حفلةً موسيقية خفيفة في البلاط، وفي الثاني تُقام مسابقة فروسية، وفي الثالث الحفل الرئيسي، وفي اليوم الأخير يُعقد عشاء رسمي.
لكن العشاء الرسمي يقتصر على من تمت دعوتهم خصيصًا، بينما يستمتع بقية الضيوف بوجبة فاخرة في ذلك اليوم وينتهي برنامجهم.
واليوم، بدأت احتفالات رأس السنة رسميًا أخيرًا.
"هل سنرتدي ملابس متطابقة؟"
سأل داميان أراسيلا وهي تتجه إلى غرفة الملابس للتتزين لحضور حفل الموسيقى في البلاط.
توقفت أراسيلا عن السير وعلى وجهها تعبير متردد.
"حسنًا، ما رأيكَ بذلك؟"
"لننسق ملابسنا، إذا فكرنا في حالة ولي العهد أمس، يبدو أننا بحاجة إلى إظهار علاقتنا الزوجية."
"صحيح."
عبست أراسيلا وهي تتذكر فريدريك الذي كان يتحدث بمودةٍ مبالغ فيها، و لم تكن تعتقد أن أسلوبه اللطيف المميز سيبدو لها بهذا السوء.
اتفق الاثنان على تنسيق ملابسهما باللون الأخضر، لم يكن ذلك متفقًا عليه مسبقًا، لكن من بين الملابس التي أحضراها كانت هناك العديد من القطع التي تحمل طابعًا متشابهًا.
أُقيم حفل الموسيقى في قاعة العزف الواقعة غرب القلعة الإمبراطورية، ووصل أراسيلا وديميان مبكرًا قليلاً عن الموعد المحدد.
كان النبلاء النشيطون قد تجمعوا بالفعل في القاعة يتبادلون الأحاديث.
"أراسيلا، داميان! تعاليا إلى هنا."
لوح لهما زوجا الماركيز هوغو بوجوه مرحبة، وكانا اليوم أيضًا متشابكي الأذرع بحنان، ويجلس حولهما العديد من أزواج النبلاء.
عندما اقترب الاثنان، نهض بعض من كانوا يجلسون إلى يمين زوجي الماركيز وتنازلوا عن مقاعدهم عمدًا.
"آه، شكرًا لكم."
"لا شيء، أليس من الأجمل أن يجلس الأزواج المتناغمون معًا؟"
قالت سيدةٌ نبيلة في منتصف العمر ذلك وهي تضحك بهدوء.
شعرت أراسيلا بالدهشة قليلاً لأن هذا التفضيل لم يكن لجلوس الآباء مع أبنائهم، بل لها ولداميان، فهل يبدو أنهما متناغمان مثل والديها؟
كان والداها بالنسبة لها مثال الزوجين المثاليين الأكثر انسجامًا، لذا شعرت بإحساس غريب بعض الشيء.
"كم مضى على زواجكما؟"
"أكثر من نصف عام بقليل."
"يا إلهي، يا إلهي، إذن أنتما في أوج السعادة! هل تستمتعان بالحياة الزوجية الجديدة؟"
ربما لأن الجالسين كانوا من جيل زوجي الماركيز، كان الاهتمام منصبًا بشدة على الزوجين الشابين.
"لا أعرف كيف يمكن أن يتناسبا بهذا الشكل الرائع، من بين كل الأزواج الذين رأيتهم في الأوساط الاجتماعية طوال حياتي، زوجا فاندرمير هما الأجمل."
"أوافقكُ الرأي، ليس من الشائع أن تجد زوجين يكملان بعضهما بهذا الانسجام دون أي نقص، لقد التقيا حقًا بطريقةٍ مثالية."
"الماركيزة محظوظة بالتأكيد، ابنتها وجدت زوجًا رائعًا مثله ويعيشان معًا في وئام."
"آه، لن أنكر ذلك."
أثارت إجابة الماركيزة المرحة موجةً من الضحك.
"أنا معروفةٌ بحدسي الجيد، وأشعر بقوة أن زوجي فاندرمير سيعيشان في سعادة دائمة لفترة طويلة."
"يقولون عادةً أن الأشخاص المتوافقين في طباعهم يعيشون حياةً مباركة، ومن الواضح أن هذين الاثنين متوافقان تمامًا."
"لكن لا تتهاونا، تذكرا دائمًا أن الحوار مهم بين الزوجين، بالطبع قد تتشاجران يوميًا مثلنا أحيانًا."
استمع أراسيلا وداميان بهدوء لمحادثة الكبار التي استمرت دون أن يجدا فرصةً للتدخل.
صحيح أنهما جاءا بنية أن يُنظر إليهما كزوجين متناغمين، لكن تدفق المديح أكثر من المتوقع جعل قلبيهما يشعران ببعض القلق.
لعبت أراسيلا بأصابعها الموضوعة على ركبتيها بخجل دون سبب واضح.
"لكن حتى دون قول ذلك، يبدو أن زوجي فاندرمير سيتدبران أمورهما بسلاسة."
"ما رأيك، الماركيزة؟ كيف ترين زوجي فاندرمير من وجهة نظركِ؟"
هذه المرة، اتجهت أنظار الجميع نحو الماركيزة، التي استقامت بظهرها وابتسمت قبل أن تتحدث.
"ما الذي يمكن قوله؟ أطفالنا لا يحتاجون لقلقنا، فحتى لو هبت رياحٌ عاصفة، فإنهم يتمسكون بأيدي بعضهم البعض بقوة ويتغلبون عليها معًا."
"من المفترض أن يعيش الزوجان بروح أنه لا شيء مستحيل طالما هما معًا، ومن هذه الناحية يمكن القول إنه أمرٌ مطمئن حقًا."
أضاف الماركيز هوغو كلماته، وهو الذي كان يستمع للحديث بهدوء طوال الوقت ونظر إلى زوجته بعينين حنونتين.
عندها، لم يعد قلب أراسيلا يشعر بالضيق فحسب، بل أصبح ثقيلاً.
صحيح أن الاثنين مرا بالكثير من الصعاب معًا وتغلبا عليها سويًا، لكنهما في النهاية ليسا إلا زوجين على وشك الطلاق.
'آه......لقد ارتكبتُ خطأً كبيرًا بحق أمي وأبي.'
ثم أدركت ذلك فجأة.
في الحقيقة، لم تفكر أراسيلا كثيرًا في رد فعل والديها بعد الطلاق حتى الآن.
بالطبع سيشعران بالقلق، وربما يوبخانها أيضًا، متسائلين لماذا اتخذت قرارًا متسرعًا كهذا من الأساس.
لكنها كانت تعتقد أن ذلك ليس بالأمر الكبير مقارنةً بألم الفراق الأبدي عن شخص تحبه، أليس كذلك؟
والأهم أن والديها شخصان حنونان، لذا كانت تعتقد أنهما في النهاية سيركزان على مواساة قلب أراسيلا المكسور بعد الطلاق.
'كنت أعيش براحة مع هذه الأفكار......'
لكنها لم تفكر بعمق في أنها تخون ثقة والديها اللذين تحبهما و ستخيب أملهما.
إذا أرادت أن تتعذر، ففي البداية كانت منشغلةً بإنقاذ آيريس، ومؤخرًا كانت غارقةً في صعوبة التعامل مع مشاعرها تجاه داميان.
عندما أدركت خطأها الذي لم تكن تدركه من قبل، أصبحت أراسيلا أكثر اضطرابًا وعدم استقرار.
"يا لها من صورة زوجين حقيقيين يمكن أن يكونا مثالًا للجميع."
لحسن حظها حقًا، انتهى سيل المديح المبالغ فيه بكلمات إحدى السيدات النبيلات. و كان ذلك لأن الإمبراطور قد دخل قاعة العزف.
تبعه الأمراء والأميرات الذين دخلوا وجلسوا تباعًا، وبدأ الحفل الموسيقي بعد ذلك بقليل.
جلس الجميع ينظرون إلى الأمام باستقامة وهم يستمتعون بالعزف.
نظرت أراسيلا أيضًا إلى العازفين على المسرح بجلوس مستقيم، لكن تركيزها كان مشوشًا بعض الشيء.
و كانت أفكارها تدور بعنف في رأسها حول أمور أخرى.
'هل يجب أن أبدأ الآن بإخبار أمي وأبي تدريجيًا أن علاقتي بديميان ليست جيدة؟'
بينما كانت تبحث بيأس عن حل، تنهدت أراسيلا تنهيدة خفيفة دون أن تدرك.
كان صوتها صغيرًا جدًا بحيث يغطيه العزف العالي ولا يُسمع.
لكن داميان، الذي سمع تلك التنهيدة بطريقة ما، ألقى نظرةً خاطفة نحوها. رغم تعبيرها الخالي من المشاعر، لاحظ اضطراباً في عيني أراسيلا.
خمّن تقريبًا سبب ذلك، فأمسك بهدوء يدها التي كانت مستندةً على مسند الذراع وغطاها بيده.
'متى أبدأ بإخبارهم؟ هل أُخبرهم اليوم مباشرة......؟'
بينما كانت غارقةً في التفكير العميق، تفاجأت أراسيلا فجأة بدفء يد اقتربت منها.
أدارت عينيها بدهشةٍ ونظرت جانبًا إلى من بجوارها، لكنها لم تتكلم خوفًا من أن يسمعها والداها.
فرد داميان يدها المقبوضة برفق، وبدأ يكتب بأصابعه ببطء على كفها.
تابعت أراسيلا حركة أصابعه بعينيها وهي تنظر للأسفل بتركيز لتقرأ ما كتب.
لا......تن.....ظري......إليّ.....
"
'لا تنظري إليّ؟'
نظرت أراسيلا إلى داميان فورًا بعينين مندهشتين.
هو من أمسك يدها فجأة، ومع ذلك، ظل داميان يحدق إلى الأمام بعناد وهو يحرك يده.
شعرت أراسيلا بالاستياء قليلاً، لكنها ظلت تراقب بفضول لتعرف ما يكتبه.
و هذه المرة كان الأمر قصيرًا جدًا.
'لا تفكري.'
ثم كتب مرة أخرى.
'لا تقلقي.'
اتسعت عينا أراسيلا بدهشة.
كيف عرف أنني غارقةٌ في التفكير والقلق؟
بعد أن أنهى داميان نقل ما يريد قوله، لم يضف شيئًا آخر، بل عاد وشبك أصابعه بأصابعها بهدوء.
كان الدفء الذي تنقله يده الكبيرة، التي بدت كبيرةً جدًا، يبعث على الطمأنينة.
شعرت أراسيلا، بشكل مفاجئ، أن عقلها أصبح صافيًا وأن قلبها هدأ. و كما قال، تخلصت من التفكير والقلق فعلاً.
ما دام التفكير الآن لن يحل شيئًا، قررت أن تستمتع بالحفل الموسيقي فحسب.
عدلت أراسيلا جلستها براحة وأصغت إلى الأنغام الجميلة المتجانسة.
لاحظ داميان من زاوية عينه أنها غرقت في الحفل الموسيقي، فابتسم بخفة وأطلق ضحكةً خافتة. ثم عاد هو أيضًا لمشاهدة عزف الفرقة الموسيقية بوجه أكثر ارتياحًا.
كان هذا اليوم من بين أيام احتفالات رأس السنة هو الأكثر راحةً بالنسبة لهما.
وربما، الوحيد حقًا.
________________________
أكره المؤلفة
داميان يجنن و أراسيلا تهبل بس تعتب متى يعرفون على الأقل انهم يحبون بعض خلااااعص
وأراسلا؟ بالله من قايل الي تتزوج ماتقدر تشتغل؟ يختي خل عنس الافكار القديمه ذي
Dana