"توقفوا."

وسط همسات الناس، سُمعت فجأة نبرةُ صوت أشبه بشعاع من الضوء. فاستدار أوسكار بوجه مبتهج.

تراجع الناس إلى الجانبين بخفة، ليظهر فريدريك من بينهم.

"أن يتشاجر شقيقان أمام ضيوف أجانب، يا لها من فضيحة."

وبصوت مهيب، وبّخ أوسكار وداميان في آنٍ واحد.

رغم أنه كان الضحية في هذه المواجهة، إلا أن داميان وجد نفسه موصوماً بالشجار مع شقيقه، مما جعله يقطب حاجبيه بانزعاج.

ثم، متظاهراً بالحياد بوقاحة، وجّه فريدريك سؤاله إلى داميان.

"إذاً، اللورد فاندرمير، هل أنتَ بخير؟ هل أصبت بأي مكان؟"

"......لا، لم أُصب."

"هذا مطمئن. رغم وقوع حادث مؤسف، لم يكن هناك أي ضحايا، لذا فلننهي الأمر عند هذا الحد."

عند سماع تلك الكلمات، أظهرا أراسيلا ولوكاس تعابير احتجاج متزامنة.

لولا سحر أراسيلا، لكان داميان قد تعرض لإصابة خطيرة. لكن تجاهل الأمر لمجرد أن النتيجة انتهت بسلام كان أمراً غير مقبول.

"ولكن......!"

"بالطبع، هذا لا يعني أننا لن نقدم أي تعويض لللورد فاندرمير. في النهاية، وقع الحادث في فعالية تنظمها العائلة الإمبراطورية."

رفع فريدريك يده ليمنع أراسيلا من الاعتراض، ثم ابتسم برفق.

"كان من المقرر أن تُمنح بطاقة دعوة إلى مأدبة العشاء كهدية خاصة لمن يحصد المركز الأول في منافسة اليوم. في العادة، كان ينبغي أن يحصل عليها فقط السيد فاندرمير، لكن سنوجه الدعوة أيضًا إلى اللورد فاندرمير."

"......."

"دوقية فاندرمير تمثل الإمبراطورية، لذا من الأفضل تجنب النزاعات العائلية غير الضرورية، أليس كذلك؟ وإلا، فقد تتضرر سمعة دوقية فاندرمير وفيلق فرسان الصقر الأحمر."

كانت كلماته الأخيرة همسًا بالكاد يُسمع للآخرين، لكنه كان تهديدًا صريحًا موجهًا لداميان وحده—إن لم يرضخ، فسيتضرر فيلقه.

أومأ داميان برأسه على مضض.

"فهمت."

"جيد، من الرائع أنكَ تتفهم الأمور بسهولة."

و كأنه يثني على طفل مطيع، امتدح فريدريك داميان، و ما إن همّ بالاستدارة حتى توقف ونظر إلى لوكاس.

كان لوكاس واقفًا بين من كانوا يساندون داميان، عابسًا بشكل طفيف.

لم يكن راضيًا عن الطريقة التي أنهى بها فريدريك الموقف بشكل أحادي، لكنه لم يستطع مواجهة ولي العهد، فاضطر إلى كبح اعتراضه.

"أخي، لا تقف هناك هكذا. تعال معي لنهدئ الأجواء وننظم المكان. أليس هذا من واجبات العائلة الإمبراطورية؟"

في كلماته لمحةُ سخرية خفية جعلت لوكاس ينتفض قليلاً، لكنه استجاب على مضض.

وبمجرد أن غادر ولي العهد والأمير، بدأ الناس بالتفرق تدريجيًا. حتى أراسيلا، التي كانت تبدو غير راضية، استدارت مع داميان.

وهكذا انتهت مسابقة الفروسية، ولم تُمنح بطاقة الدعوة إلى المأدبة سوى للفائز الرسمي، أوسكار، ولداميان، الذي تعرض للحادث.

***

بمجرد انتهاء الجدول الزمني وعودتها إلى القصر الشرقي، تم استدعاء أراسيلا من قبل والدتها. أما داميان، فكان لديه عملٌ آخر، لذا افترق الزوجان لفترة قصيرة.

عندما توجهت إلى غرفة والديها وطرقت الباب، خرجت الماركيزة منها سريعًا بوجه يملؤه القلق.

"هذا مرهم أحضرته احتياطًا، اذهبي وتحققي مما إذا كان داميان بخير حقًا، واستخدميه إن لزم الأمر."

وضعت زوجة الماركيز علبة المرهم في يد ابنتها. وبما أنه كان دواءً شائع الاستخدام داخل منزل الماركيز، فقد تعرفت عليه أراسيلا على الفور.

ولتطمئن والدتها، ردت بهدوء،

"لا تقلقي، أمي. بما أنني الخليفة القادمة لبرج السحر، فقد أنقذته بمهاراتي السحرية المتفوقة دون أن يصاب بخدش واحد."

"أوه، أعلم جيدًا مدى مهارتكِ. لكن داميان من النوع الذي يتألم بصمت دون إظهار أي علامة، لذا تأكدي من حالته بنفسكِ، أراسيلا."

تفاجأت أراسيلا ببصيرة والدتها، فاتسعت عيناها بدهشة وكأنها تتساءل: "أمي، كيف عرفتِ ذلك......؟"

عندها، ابتسمت الماركيز، برفق وتحدثت،

"أنتِ أيضًا هكذا، أراسيلا. وبما أن بينكِ وبين داميان أوجه شبه كثيرة، شعرتُ بأن حتى طبعكما قد يكون متشابهاً."

"......هل أنا كذلك؟"

"نعم. لم أقم بتربيتكِ بهذه الطريقة، لكن لا أدري كيف كنتِ منذ صغركِ تصرين على فعل كل شيء بنفسكِ مهما كلف الأمر."

عند سماع تنهيدة والدتها العميقة، بدت أراسيلا محرجة.

"يمكنكِ اعتبار ذلك قوةً في الاعتماد على النفس."

"حسنًا، إذاً فلترجع ابنتي المستقلة الآن وتعتنِ بأسرتها."

ابتسمت زوجة الماركيز وربتت على كتف ابنتها بلطف دون أن تؤلمها. فقامت أراسيلا بحك مؤخرة رأسها بإحراج، ثم عادت إلى غرفتها حاملةً علبة المرهم.

لم يكن داميان قد عاد بعد، إذ بدت الغرفة فارغةً تمامًا.

"سيدتي، هل تودين أن أجهز لكِ الحمام؟ لقد قمتُ بتسخين الماء مسبقًا."

"نعم، أرجوكِ."

أجابت أراسيلا بينما تضع علبة المرهم على الطاولة الجانبية.

كان من الأفضل أن تستحم قبل عودة داميان، حتى يتمكن هو أيضًا من استخدام الحمام براحة.

بدلت ملابسها إلى رداء الحمام بمساعدة أودري، وبينما كانت تستعد للاستحمام، لاحظت أن أودري تنظر حولها وكأنها تبحث عن شيء.

"ما الأمر؟ عمّ تبحثين؟"

"لا أجد زيت الاستحمام، سيدتي. ادخلي أنتِ أولًا، سأحضره بسرعة."

"حسنًا."

دخلت أراسيلا الحمام دون تفكير. و حتى عندما أدارت مقبض الباب وفتحته، لم تشعر بأي شيء غريب.

لكن في الحمام الذي كانت تعتقد أنه خالٍ، كان هناك ضيفٌ وصل أولاً.

في اللحظة التي التقت فيها أنظارها مع الشخص الجالس في حوض الاستحمام الواسع والمستطيل، تجمدت أراسيلا في مكانها.

شعرٌ فضي مبلل، وكتفين عريضين وجسم مشدود ومبني بشكل متناسق، وعينان ذهبيتان متسعتان.

كان هو، داميان.

في مكان غير متوقع، التقى الزوجان، وتفاجئا، ليحدقا في بعضهما البعض في حيرة.

"لماذا أنتَ هنا......؟"

"لماذا أتيتِ الى هنا......؟"

بعد فترة من التحديق، تحركت أراسيلا أولاً.

"سيدتي، لقد جلبت العطر!"

و مع اقتراب صوت خطوات قادمة من هذا الاتجاه، سمعت أراسيلا صوت أودري، فدخلت الحمام فجأة وأغلقت الباب، ثم صرخت.

"أودري، تعالي لاحقًا!"

"نعم؟ لماذا......؟"

"أريد أن أسترخي في الماء الدافئ قليلاً. يمكنكِ الذهاب إلى......هاه، هل يمكنكِ ترتيب غرفة الملابس؟"

"آه، فهمت. إذا احتجتني، ناديني!"

لحسن الحظ، عادت أودري كما طلبت، لكن المشكلة كانت فيما بعد.

فجأة، بقيت أراسيلا مع داميان في الحمام، وعندما التقت عيناهما مجددًا، سعلت بشكل غير متعمد.

"أعتذر. لم أكن أعلم أنكَ تستحم، فأزعجتك."

"لا بأس. لقد انتهيت من الاستحمام، يمكنكِ الخروج الآن. سأطلب تغيير الماء."

"إذن، سأخرجُ أولاً. ربما تظن أودري شيئًا غريبًا إذا رأتنا."

ابتسم داميان بابتسامة ماكرة في تلك اللحظة.

"إذا قلتُ أن زوجتي طلبت مني أن أخدمها أثناء الاستحمام، ألن يكون هذا أمراً طبيعياً؟"

قال ذلك وهو يلقي كلامًا استفزازيًا، ثم أمال رأسه بكسل. و تسببت قطرة ماء انسابت على خط ذقنه الحاد في تكوين تموجات هادئة على سطح الماء.

أراسيلا، التي كانت تحدق في داميان ببطء، حركت شفاهها الحمراء.

"إذاً، هل من المفترض أن تغسل على الأقل قدميَّ؟"

فجأة، تجمد داميان في مكانه، ثم انفجر ضاحكًا وهو يغطي فمه.

كان يظن أنه فاز ضد زوجته هذه المرة، لكن ها هو قد تم الرد عليه بشكل جميل.

مد يده إلى الكرسي الموجود خلفه، وأخذ رداءً أبيضًا ومنشفة. ثم نظر إلى أراسيلا التي كانت ما زالت تحدق فيه، وسأل.

"هل ستستمرين في النظر إليّ هكذا؟ سأنهضُ الآن."

"آه."

التفت أراسيلا بسرعة. مع صوت الماء المتلاطم، فقد كان صوت داميان وهو يُخرج قدميه من قاع الحوض واضحًا.

على الرغم من أنها حاولت التظاهر بالثقة، إلا أن أذنيها احمرّتا، فواصلت النظر إلى الأمام.

مسح داميان جسده بمنشفة ثم ارتدى الرداء، وتحدث وهو يقف في وضعية متوترة.

"تعالي الى هنا، زوجتي."

ترددت أراسيلا قبل أن تدير ظهرها، ثم تحركت خطواتها كما طلب.

جلس داميان على الكرسي وأخذ وعاء مملوءًا بالماء من قريب.

وضع الوعاء عند قدميها، ثم ركع على ركبة واحدة أمامها. ففوجئت أراسيلا حقًا، لأنه كان يبدو جادًا في غسل قدميها.

"لا......هل ستفعلها حقًا؟"

"أنتِ من بدأتِ بطلب ذلك أولاً."

"كنتُ أمزح."

"آه، لكنني كنتُ جادًا."

ابتسم داميان ابتسامةً خفيفة وهو يمسك بكاحلها النحيل. في لحظة غير متوقعة، فوضعت أراسيلا قدمها في الوعاء كما قادها.

كانت حرارة الماء دافئةً بشكل مناسب.

جلست أراسيلا على الكرسي، وهي تراقب داميان وهو يغسل قدميها، وكان الشعور غريبًا حقًا.

بين طيات رداءه المربوط بإهمال، كانت عضلات صدره تظهر و كأنها قطع متماثلة.

شعرت أراسيلا بقليلً من الخجل، فرفعت رأسها بهدوء ونظرت إلى مكان آخر.

ثم، لم تستطع تحمل الجو الصامت في الحمام، ففتحت فمها أخيرًا.

"لكن، يبدو أن أموركَ انتهت مبكرًا عما توقعت."

"لقد تحققنا من خادم الأمير لوكاس فقط للتأكد من كل شيء، ثم غادرنا."

"آه، فهمت."

توقف الحديث عند تلك النقطة.

كانت أراسيلا تفكر في موضوع آخر لتتحدث عنه، وهي تدير عينيها بحيرة، ثم نظرت إلى الأسفل بخفة.

كان داميان يعامل قدميها الصغيرة والبيضاء بحذر باستخدام يديه الكبيرة والمتشققه.

كانت أصابعه الطويلة والمستقيمة تدلك بين أصابع قدميها برفق، وتضغط عليها كما لو كان يقوم بتدليكها. فانتشرت حكةٌ غريبة في جسد أراسيلا بالكامل.

وبدون أن تشعر، رفعت قدمها فجأة، فامسك داميان بكاحلها النحيل بلطف ليمنعها من الحركة.

بينما كانت أراسيلا تراقب داميان وهو يغسل قدميها بهدوء، سألته فجأة.

"ألا تجد ذلك قذرًا؟"

لم يكن من السهل لمس قدمي شخصٍ آخر، خاصة بالنسبة للنبلاء مثلهم الذين اعتادوا على أن يُعاملوا بشكل خاص.

ومع ذلك، كان داميان يقوم بذلك بشكل طبيعي للغاية ودون تردد.

كانت أراسيلا تجد ذلك غريبًا، وفي نفس الوقت كان يشعرها بشيء غريب. أليس هذا يعني أنه يعتبرها قريبةً بما يكفي ليلمس قدميها حافيتي القدم؟

إذاً، هل يفعل هذا كزوجين أم كأصدقاء؟

"نحن زوجان، فما الفرق؟"

اختار داميان بهدوء الخيار الأول. لكن قلب أراسيلا لم يشعر بالراحة. صحيح أنهم زوجان، لكنهما في الواقع ليسا حقًا زوجين.

لاحظ داميان الجو الغريب في الصمت، فتابع.

"بما أن زوجتي هي من أجلت الطلاق، فلا يجب أن تقولي شيئًا."

كان ذلك يعني أن التظاهر بأنهما زوجان كان بسبب قرار أراسيلا بتأجيل الطلاق، وكان عليهما قبول ذلك.

لكن لماذا كانت يده تتباطأ وكأنه يحاول مراقبة رد فعلها؟

ابتسمت أراسيلا ابتسامةً خفيفة، ثم انحنت قليلًا إلى الأمام، و طرحت سؤالًا مفاجئًا.

"داميان، كيف تراني؟"

كان هذا أمرًا لم تتحقق منه أبدًا.

كانت ترغب في معرفة كيف يراها، ولكنها في نفس الوقت كانت لا تريد معرفة الإجابة.

انساب الشعر البنفسجي الفاتح برفق ليلامس خد داميان. ثم رفع داميان رأسه وأجاب وهو يواجهها.

"أنتِ شخصٌ عفوي، جريئة، لا أستطيع التنبؤ بما ستفعلينه، لكنكِ ذكيةٌ ولديكِ نية طيبة."

......هل هذا مدح أم إهانة؟

"يبدو أن هناك ثلاث إهانات و كلمتين من المديح."

قالت أراسيلا ذلك وهي تضيق عينيها بحيرة، فابتسم داميان قليلًا.

بينما كان يغسل الرغوة عن قدمها البيضاء بالماء، تحدث ببطء.

"لن ألتقي بشخص مثل زوجتي في حياتي مجددًا. حتى لو قابلت شخصًا مشابهًا، فلن يكون مثل زوجتي، أليس كذلك؟"

"......."

"حتى بعد أن نفترق، ستظل اللحظات التي قضيناها معًا ذكرى جميلة."

صوت داميان الذي كان يرن في الحمام كان منخفضًا وجميلًا. و كان أكثر لطفًا من المعتاد، لكنه كان أيضًا يحمل لمسةً من الحزن.

جلست أراسيلا مشدودة الظهر بتعبير غريب.

كانت كلمات داميان نصفها مليئة بالفرح والرضا أكثر مما كانت تتوقع. و قد تأكدت من أنها كانت شخصًا فريدًا في نظره.

لكن النصف الآخر كان مليئًا بالحزن. مهما حدث، كانت كل كلمات داميان تحتوي على فكرة الوداع.

شعرت بخيبة أمل جديدة بسبب هذه الحقيقة البديهية، لكن لم يكن بإمكانها فعل شيء حيال ذلك. فالقلوب لا تتبع دائمًا ما نريده.

"......لقد انتهيت. سأغادر الآن، يمكنكِ أن تكملي استحمامكِ."

رفع داميان قدميها النظيفتين من الوعاء ووضعهما على الأرض، ثم نهض.

لم تعترض أراسيلا عليه وهي تراه يغادر الحمام.

و بعد لحظة، دخلت أودري وهي تدير رأسها مرارًا وتكرارًا، ثم نظرت بعينيها الواسعتين وسألت بحذر.

"سيدتي، السيد خرج من الحمام......هل استحميتما معًا؟"

هزت أراسيلا رأسها ببطء، وأعطت الجواب الذي كانت قد اتفقت عليه مع داميان مسبقًا.

"لا، فقط ساعدني داميان في غسل قدمي. لا تسيئي الفهم."

"......ماذا؟"

ارتفعت نبرة صوت أودري بشكل مفاجئ. كانت الإجابة غير المتوقعة بمثابة صدمة لها، ففتحت فمها من الدهشة.

لكن أراسيلا لم تلاحظ ذلك، وواصلت تحريك قدمها وكأن لمسة داميان ما تزال موجودةً عليها.

كانت مشاعرها متناقضة ومتداخلة، مما جعل ذهنها في حالة من الفوضى.

________________________

آخر فصل من دفعة العيد حلو كح

كان بقول ليتهم اعترفوا بس اشوا ما اعترفوا تخيلوا يطلع الاعتراف من الحمام وانتم الكرامة؟😭😭😭

المهم بعد ذاه خلاص تكفون اجلسوا جلسة محترمة وتكلموا سوا لين تفهمون بعض

Dana

2025/03/29 · 36 مشاهدة · 1811 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025