<حصري) داميان فاندرمير، يقرع أجراس النصر توالياً على الحدود!>
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي أراسيلا حين تأكدت من المقالة التي نُشرت بخطٍ عريض في الصحيفة الصباحية.
في البداية، لم يكن هناك أي خبرٍ عنه مما جعلها قلقة، لكن بعد مرور بعض الوقت، بدأ داميان يطمئنها بانتصاراته المتواصلة في المعارك.
أودري التي رأت وجه أراسيلا وهي تبتسم بأبهى حلة هذا الأسبوع، فابتسمت هي الأخرى بخفة.
“كما هو متوقع من سيدي. لا عجب أنه أصغر سيّد سيف في الإمبراطورية وقائد فرسان الصقر الأحمر. أتمنى فقط أن يعود سالماً كما هو.”
“سيعود. لقد وعدني بذلك.”
“نعم، نعم بالتأكيد! لكن منعهم له حتى من إرسال الرسائل، أظنه مبالغاً فيه قليلاً. إنه يقاتل بكل هذا الجهد، فكم سيكون جميلاً لو سمحوا له بمكافأةٍ بسيطة كهذه، حقاً.”
تذمّرت أودري وهي تطيل في آخر كلامها.
من جهة العائلة الإمبراطورية، كان ممنوعاً على داميان التواصل مع العالم الخارجي. لأن خروجه للقتال لم يكن بأمر رسمي، بل لأنه ارتكب جريمة.
ولهذا السبب ظلت أراسيلا لأشهر تتفحص الصحف يومياً بلا كلل. رغم أنه كان بإمكانها محاولة الاتصال به سراً، إلا أنها لم تشأ أن تسبب له أي ضرر.
لكي يعود داميان في حالةٍ تامة الكمال ويثبت براءته، كان عليها أن تتجنب أي شبهةٍ إضافية.
“أنا بخير. لأني أثق بداميان، فانتظاري هذا لا يعني لي شيئاً.”
قالت أراسيلا ذلك وهي تفصل الورقة التي نُشر فيها مقال داميان وتطويها بعناية وجمال.
رغم ما كانت تقوله، لم تستطع كبح شوقها، فأصبح جمع مقالات داميان هوايةً لها في الآونة الأخيرة.
“تماماً كما يفعل داميان، يجب أن أؤدي أنا أيضاً واجبي في مكاني بكل جد. ومع مرور الوقت، سيعود داميان في يومٍ من الأيام.”
“كلام سيدتي صحيح. وأنا أيضاً سأبذل قصارى جهدي في خدمتكِ حتى يعود السيد.”
“نعم، شكراً لكِ يا أودري.”
قالت أراسيلا ذلك وهي تربّت بلطف على كتف خادمتها ثم نهضت من مكانها. فقد اقترب وقت التوجّه إلى برج السحر.
ثم ارتدت زي برج السحر الرسمي بعناية وركبت العربة.
روتين أراسيلا في هذه الأيام كان بسيطاً. تذهب إلى العمل في برج السحر، ثم عند العودة تبدأ بالتحقيق في شؤون دوقية ليستر.
المشكلة أن تتبّع أسرار دوقية ليستر لم يكن سهلاً كما كانت تظن. فكما هو متوقع من إحدى الدوقيات الثلاث العظمى، كانت خصماً بالغ الصعوبة.
كان لطبيعة دوق ليستر المتعجرفة دور كبير أيضاً. فشخصيته الحساسة والمتعالية جعلت من الصعب الاقتراب منه والحصول على معلومات.
'من حسن الحظ أنني تمكنت على الأقل من اكتشاف أن مساعد الدوق يخرج بشكلٍ مريب مؤخراً.'
عندما أصبحت مراقبة الدوق نفسه أمراً صعباً، كان من الحكمة أن تحوّل أنظارها إلى من حوله.
فقد علمت أن مساعد الدوق ليستر، وهو أقرب شخص إليه، صار يخرج إلى أطراف العاصمة كل ليلة عند منتصف الليل.
لكن لا تزال تجهل وجهته الدقيقة، أو ما إن كان ما يفعله له علاقة بالدوق. ولمعرفة ذلك، قررت أراسيلا أن تلاحقه بنفسها هذه الليلة.
'لقد أعددت كل شيء، فلا داعي للقلق.'
فكرت بثقة.
من أجل هذه الليلة، تلقت دروساً مكثفة في فنون التتبع من رايلي، كما جهزت العديد من الأدوات اللازمة لذلك.
جهزّت صبغةْ لتغيير لون الشعر مؤقتاً، وقناع لإخفاء الوجه، وعباءة سوداء قاتمة تختفي تماماً في الظلام، وحذاءٌ سحري لا يُصدر أي صوت عند المشي، وحتى جرعات علاجية تحسباً لأي إصابة محتملة.
لم يكن ينقصها شيء، لذا بعد عودتها من العمل استعدت بهدوء.
رشت الصبغة على شعرها حتى أصبح أسود، وارتدت القناع الأسود الذي يغطي وجهها بالكامل، ولبست العباءة والحذاء القاتمين، كما أحضرت عدة زجاجاتٍ من جرعات العلاج بإحكام.
ثم خرجت من منزلها قبل منتصف الليل، واختبأت في أحد الأزقة في الحي الذي يقطنه مساعد الدوق.
'سأجد نقطة ضعف واحدة على الأقل……وسأهدمه بها.'
هكذا عقدت أراسيلا العزم وهي تراقب منزل المساعد من الظلال بصمت.
لم تكن تهتم إن كانت تلك الثغرة تخص الدوق ليستر أم مساعده، فهي واثقةٌ من قدرتها على استغلال أي منهما.
وبعد دقائق من منتصف الليل، ظهر أخيراً مساعد الدوق ليستر وهو مرتدٍ عباءة.
تفحّص المكان من حوله بحذر مرةً واحدة، ثم بدأ بالسير بعد أن تأكد من عدم وجود أحد. و يبدو أنه لا يرغب في لفت الأنظار، إذ لم يستقل عربةً بل كان يسير على قدميه.
تبعت أراسيلا المساعد بهدوء شديد. ومجدداً، كما في كل مرة، كان يتجه إلى أطراف العاصمة.
الطرق في الضواحي كانت مزدحماً بالناس الذين يعملون ليلاً. وبين الحشود، اختفى المساعد فجأة دون أن يُرى.
لكن أراسيلا لم ترتبك، بل استعانت بتعويذة تعقّبٍ لتجد أثره من جديد.
كان قد انحرف إلى ساحةٍ خالية نادراً ما يمر بها أحد.
تابعته أراسيلا بسرعة مع الحفاظ على مسافة آمنة، فقد كان يتوقف من حينٍ لآخر ليتفقد محيطه.
توغّل المساعد في أعماق الساحة. وبعد أن مرّ بطريقٍ سري مخفي خلف الأشجار، ظهر أمامه كوخٌ خشبي مهجور.
وكان أمام ذلك الكوخ رجلان ضخمان يبدوان في غاية الريبة يحرسانه.
عندما رأت أراسيلا المساعد يقترب منهما، ضاقت عيناها بتركيز.
'ما الذي جاء بمساعد دوق ليستر إلى مكانٍ كهذا؟'
تساءلت أراسيلا في نفسها وهي تختبئ خلف شجرةٍ وتُرهف سمعها لمراقبة الرجال الثلاثة.
انحنى الرجلان أمام المساعد،
“وصلتَ يا سيدي.”
“هل ما زال يرفض الكلام اليوم أيضاً؟”
“نعم، إنه عنيدٌ للغاية.”
زفر المساعد بأنفاسٍ متضايقة، ثم عبث بشعره بخشونة،
“وصلني أمرٌ بأنه إن لم يتكلم حتى الغد، فلنتخلص منه فحسب. لقد قطع علاقته بأسرته وهرب من بيته على أية حال، لذا ما دام الجثمان سيُتخلص منها بعناية، فلن تكون هناك أي تبعاتٍ لاحقة.”
“مفهوم.”
تركهم بعد أن أمرهم بتهديده بقوة أكثر عدة مرات. أما أراسيلا فلم تتبعه هذه المرة، بل بقيت في مكانها.
من الحوار الذي التقطته، بدا واضحاً أنهم يحتجزون شخصاً ما داخل ذلك الكوخ. وبما أن المساعد تلقى الأوامر، فعلى الأرجح أن من يقف خلف الأمر هو الدوق ليستر نفسه.
'يبدو أنهم يحاولون ابتزازه لمعرفة شيء ما……لكن ما هو؟ ومن يكون الشخص في الداخل حتى يظنوا أن انقطاعه عن عائلته سيمنع حدوث أي تبعاتٍ لاحقاً؟'
أياً كان الأمر، وأياً كان ذلك الشخص، فقد رأت أراسيلا أن إنقاذه بيدها سيكون أفضل من تركه يختفي على يد دوقية ليستر.
وما إن اختفى المساعد عن الأنظار، حتى أطلقت أراسيلا كرةً سحرية نحو الرجلين اللذين تراخيا في حذرهم.
وكانت الضربة قويةً بما يكفي لإفقادهما الوعي في لحظة.
“آخ!”
“أوه!”
سقط الرجلان أرضاً بعد صرخة قصيرة. ثم تقدّمت أراسيلا بهدوء من فوق جسديهما إلى باب الكوخ الخشبي.
كان مقبض الباب مقفلاً، لكنها فكّت القفل بسهولة باستخدام السحر. ثم دفعت الباب المفتوح برفق بطرف قدمها، ودخلت إلى الداخل.
إن كان الشخص الذي يحتجزه الدوق ليستر ويبتزه يستحق كل هذا، فهل يكون أحد مرؤوسيه السابقين؟
أم قاتلاً مأجوراً يعمل لصالح نقابةٍ مظلمة؟
راحت أراسيلا تفكر في كل الاحتمالات الممكنة……لكن من ظهرت أمامها فجأة، كانت شخصاً لم تتوقعه على الإطلاق.
امرأةٌ يداها وقدماها مقيدةٌ بالحبال، وفمها موثوقٌ بلجام.
نظرت إليها بعينين مليئتين بالرجاء. فنادت أراسيلا اسمها بدهشة واضحة في صوتها،
“الآنسة وايت……؟”
“أمم! أمم!”
“لا، لحظة، لماذا أنتِ هنا؟”
تحركت نيرا بجسدها الضعيف، وهي تبدو بحالةٍ يرثى لها، وشعرها مبعثرٌ وهيئتها فوضوية.
رفعت رأسها نحو أراسيلا بعينين دامعتين ومليئتين بالحزن.
فازدادت حيرة أراسيلا
'لماذا يتم اختطاف نبيلةٍ يُقال أنها تخضع للإقامة الجبرية داخل دوقية ليستر؟'
لكنها كانت تبدو بحاجةٍ إلى مساعدةٍ فورية، لذلك فكّت أراسيلا الحبال التي كانت تقيد يدي وقدمي نيرا وأزالت القيود من فمها.
وبمجرد أن استرجعت نيرا حركتها الحرة، اندفعت إلى أحضان أراسيلا وبدأت في البكاء بصوت عالٍ.
“آه، كنت خائفةً بشدة. كنت أظن أنني سأموت هنا، كنت خائفةً جداً……”
“اهدئي، الآنسة وايت.”
“شكراً، شكراً لإنقاذي……آآآه.”
“حسناً، توقفي الآن……لا، ابكي براحة. عندما تنتهين من البكاء، سنتحدث.”
شعرت أراسيلا بهزاتٍ شديدة في جسد نيرا، فربّتت على ظهرها بلطف.
وبعد فترة طويلة من البكاء، توقفت نيرا عن البكاء عندما أصبحت عيناها منتفختين. و مسحت دموعها وأنفها بسرعة باستخدام المنديل الذي قدمته لها أراسيلا، و مع استعادتها لوعيها، شعرت بالحرج.
“الآنسة وايت، لماذا كنتِ محتجزةً هنا؟”
“كان هناك ظرفٌ ما……لكن، كيف وصلتِ إلى هنا يا سيدة فاندرمير؟”
“كنت أتعقب مساعد الدوق ليستر.”
اتسعت عينا نيرا بدهشة. بالطبع، لم تكن عيناها بالحجم المعتاد لأن جفنيها كانا منتفخين.
“لـ، لما الدوق ليستر……”
“بما أنني كنت صادقةً في إجابتي، فلتشرحي أنتِ أيضاً يا آنسة وايت. كيف انتهى بكِ الأمر مختطَفة؟”
“في الواقع، الأمر هو……”
تراجعت نيرا قليلًا وبدأت تتلعثم وهي تروي ما جرى لها.
منذ الفضيحة المزيفة بين فريدريك وأراسيلا، والتي نُفيت على إثرها مع عائلتها إلى المقاطعة، بدأت نيرا تواجه صراعاتٍ حادة مع والديها.
عندما حاول الماركيز وزوجته السيطرة عليها وتأنيبها وكأنها السبب، قاومتهم وردّت عليهم، وبهذا سرعان ما توترت العلاقة بينهم.
“من البداية، لم أكن أريدُ هذا! أنتما، أمي وأبي، أجبرتماني على ذلك بالقوة، فلماذا تلقون باللوم كله عليّ فقط؟ إلى متى عليّ أن أعيش كدميةٍ في أيديكما؟”
لم تعد نيرا ترغب في العيش كنيرا وايت بعد الآن. حتى وإن خسرت كل شيء، كانت تريد أن تعيش ببساطة على حقيقتها، بحرية.
لكن رغم ذلك، لم تكن قادرةً على أن تتخلى عن كل شيء وترحل هكذا فحسب، فقد شعرت بأن في الأمر ظلمًا.
و هل سيؤثر اختفاؤها على حياة والديها حقًا؟
'على أي حال، لم أكن يومًا ابنةً حقيقية بالنسبة لهما، بل مجرد أداة……لهذا، لا يمكنني أن أرحل ببساطة.'
في الليلة التي قررت فيها الهروب من المنزل، تسللت إلى غرفة والديها.
بما أنها فقدت كل ما تملكه حين انتقلوا إلى المقاطعة، كانت تنوي أخذ ما تحتاجه لتمويل استقلالها من والديها.
أولًا، اختارت بعناية المجوهرات الثمينة من صندوق مجوهرات والدتها، ثم دخلت إلى مكتب والدها.
و كانت تخطط لأخذ بعض قطع الذهب فقط من الخزنة هناك.
كانت نيرا قد رأت والدها ذات مرة وهو يفتح الخزنة من فوق كتفه، وبعد ثلاث أو أربع محاولات، نجحت في فتحها.
“ما هذا، لا شيء مهم كما توقعت. لا بأس، سأكتفي بهذا فقط……هه؟ ما هذا؟”
خلافًا لتوقعها بأنها ستكون ممتلئةً بالذهب، فوجئت بخلوها النسبي، وبينما كانت تبحث داخلها بخيبةِ أمل، عثرت على بعض الوثائق في قاع الخزنة.
بدافع الفضول، أخرجت نيرا الأوراق وبدأت في قراءتها. لكنها توقفت فجأة عند ظهور كلمات تنذر بالسوء.
لقد عبثت بشيء لا يجب لمسه.
وبسرعة، قررت أن تعيد الوثائق إلى مكانها في الخزنة. لكن في تلك اللحظة، سمعت خطواتٍ تقترب في الرواق، ففزعت واختبأت، ثم خرجت هاربةً على عجل. وفي غمرة ارتباكها، أخذت الوثائق معها دون أن تنتبه.
وهكذا، قطعت نيرا علاقتها بعائلتها و أتت لوحدها إلى العاصمة.
كانت مليئةً بالحماس والاستعداد لبدء حياة جديدة. لكنها تعرّضت لهجومٍ مفاجئ وتم اقتيادي إلى هذا المكان.
"أعتقد أنهم خطفوني بسبب تلك الوثائق. فقد ظلوا يطالبونني بتسليمها.”
“ما نوع تلك الوثائق؟”
ترددت نيرا قليلًا ثم أجابت بحذر.
“إنها……عقدٌ بين دوقية ليستر وأحد سحرة الظلام.”
اتسعت العيون الزرقاء في اللحظة نفسها بدهشة.
فحتى عائلة الماركيز غرانت، وهي عائلة الإمبراطورة من جهة الأم، دُمرت بالكامل فقط بسبب شرائهم سلاحًا مرتبطًا بالسحر الأسود.
و حتى لو كانت دوقيةً من أعلى مراتب النبل، فإن ارتباطها بالسحر الأسود يعني انهيار نصف نفوذها على الأقل.
بمعنى آخر، لقد عثرت نيرا بالفعل على نقطة ضعفٍ قاتلة لدوقية ليستر.
“فيما بعد، علمت أن والدتي كانت صديقةً مقربة من الدوقة ليستر في ذلك الوقت، ويبدو أن الدوقية كانت تخضع لتحقيق بسبب تهم التهرب الضريبي. ويبدو أنهم عهدوا بتلك الوثائق المهمة إلى والدتي مؤقتًا.”
قامت الماركيزة بسرقة الوثيقة عندما عثرت بالصدفة على عقد السحر ضمن باقي الأوراق. و وضعت بدلاً منه مستنداتٍ مزيفة، و كان الدوق ليستر مشتت الذهن فلم يلاحظ شيئًا.
“وعندما وقعنا في أزمة، يبدو أن والدتي بدأت تبتز الدوق ليستر بتلك الوثيقة. لكنني هربت بها.”
واعتبرت عائلة وايت تصرف نيرا خيانة، فأسرعوا بإبلاغ الدوق ليستر بالأمر، وهم يعلمون جيدًا أنه لن يترك ابنتهم دون عقاب.
ورغم تعرّضها للخطف، صمدت نيرا ورفضت تمامًا الكشف عن مكان الوثيقة، رغم كل الإغراءات والتهديدات التي تعرضت لها.
كانت تعرف جيدًا أنها إن تكلمت، فسيتم قتلها على الفور. وكان ذلك قرارًا حكيمًا فعلًا، إذ أن مصيرها كان الموت بمجرد استعادة الوثيقة.
لقد تمسكت بالحياة بكل ما أوتيت من قوة، وبفضل ذلك، استطاعت أن تلتقي بأراسيلا.
“أشكركِ مرة أخرى لإنقاذي. لو لم تكوني هنا، لكنت الآن جثةً هامدة. لا أدري كيف يمكنني رد هذا الجميل……”
كانت نيرا في حيرة من أمرها، فقد نجت بحياتها من قبل الشخص التي كانت تكرهه وتؤذيه ذات يوم بلا سبب.
وضعت أراسيلا يدها على كتف نيرا ونظرت في عينيها مباشرة.
“آنسة وايت، هل يمكنكِ تسليمي ذلك العقد إذاً؟”
“لِكِ……؟ بالطبع يمكنني تسليمه لكِ، لكن ماذا لو نشب صراعٌ بينك وبين الدوق ليستر بسبب ذلك؟”
“لا بأس، سأنتصر.”
قالت أراسيلا ذلك بابتسامة مشرقة، ثم نهضت ومدّت يدها نحو نيرا.
“هيا بنا الآن.”
ترددت نيرا للحظة، ثم أمسكت بيدها ونهضت.
وبينما كانت تتبع أراسيلا خارج الكوخ، شعرت بدموع تغمر عينيها تأثرًا بهواء الخارج الذي لم تتنفسه منذ زمنٍ طويل.
استخدمت أراسيلا السحر لنقل الرجال المغمى عليهم إلى داخل الكوخ وأغلقت الباب بإحكام، ثم سألت،
“بالمناسبة، أين أخفيتِ العقد؟”
“أودعته في المعبد مقابل مبلغٍ كبير. شعرت أن الاحتفاظ به بنفسي سيكون خطيرًا.”
“أحسنتِ. إذًا، سنستلم العقد بعد أن نأخذ قسطًا من الراحة، لنذهب إلى منزلي أولًا.”
أومأت نيرا برأسها بخفة. فلم يكن لديها مكانٌ لتذهب إليه على أي حال، لذا كان ذلك أفضل ما يمكن أن يحدث لها.
أعطتها أراسيلا عباءتها لتلبسها. فعلى عكس أراسيلا التي غيّرت لون شعرها وارتدت قناعًا، بدت نيرا بهيئتها الأصلية، فكان من السهل التعرف عليها.
وهكذا، خرجت الاثنتان من ضواحي العاصمة بهدوء وثقة.
***
وكما وعدت، سلمت نيرا العقد لأراسيلا.
أما أراسيلا، فقد اشترت لها تذكرة سفر إلى مملكة كايل.
“عندما تصلين إلى هناك، سيُعرض عليكِ عمل ومكانٌ للإقامة.”
رغم أن حادثًا كبيرًا قد وقع خلال مهرجان العام الجديد،
إلا أن أراسيلا طلبت المساعدة من الأمير نواه، الذي ظل يكنّ لها الود بصفتها ساحرةً مثله.
وافق الأمير بسرور، بشرط أن تأتي أراسيلا إلى المملكة لإعطاء دروس في السحر، وقد قبلت بذلك فورًا.
“لكنني لم أخبرهم أنكِ من النبلاء، لذا قد يعاملونكِ كخادمة. إن كنتِ لا تمانعين، فاذهبي. ففرص نجاتكِ هناك ستكون أكبر من بقائكِ في الإمبراطورية.”
لم يكن هناك خيارٌ آخر، فلو كُشف عن نسب نيرا النبيل، قد تلتقط دوقية ليستر أثرها وتبدأ بمطاردتها.
لكن نيرا لم تعد تلك الفتاة التي تتذمر بدلال كما في الماضي، بل أمسكت بتذكرة السفر بعزيمة،
“سأذهب.”
“أحسنتِ. غادري الإمبراطورية لبعض الوقت. وعندما يتغير ولي العهد، عودي.”
“…..هاه، إنها مزحة، أليس كذلك؟”
قالت نيرا ذلك وهي تبتسم بخفة وتنظر إلى أراسيلا، لكن عندما رأت أن ملامحها جادة تمامًا، تلاشت ابتسامتها ببطء.
“آه…..كنتِ جادة…..حقًا..…”
تمتمت وكأنها تحدث نفسها، ثم سرعان ما اعتدلت في وقفتها وانحنت بأدب.
“شكرًا لمساعدتكِ لي، سيدة فاندرمير.”
“لا داعي، فقد حصلتُ أنا أيضًا على شيءٍ ثمين.”
ابتسمت أراسيلا ابتسامةً خفيفة، وكانت صادقةً في قولها، فالمعلومة التي حصلت عليها من نيرا كانت مكسبًا غير متوقع وثمينًا.
“اعتني بنفسكِ، آنسة وايت.”
“نعم، إلى اللقاء.”
أمسكت نيرا بحقيبتها وبدأت تمشي مبتعدةً ببطء، لكنها فجأة توقفت في مكانها، ثم استدارت وركضت عائدةً نحو أراسيلا.
نظرت أراسيلا إلى نيرا بوجه يملؤه الاستغراب، و بينما كانت نيرا تلتقط أنفاسها، تحدثت بتردد وخجل،
“أوه، إذا لم يكن لديكِ مانع…..هل يمكنك مناداتي بنيرا في المرة القادمة التي نلتقي فيها؟ لم أعد من عائلة الماركيز وايت، ولستُ الآنسة وايت بعد الآن.”
“بالطبع.”
أجابت أراسيلا بكل بساطة، فعادت الابتسامة المشرقة إلى وجه نيرا أخيرًا.
“حسنًا، سأذهب الآن حقًا! أراكِ لاحقًا!”
قالت نيرا ذلك بصوتٍ مفعم بالحيوية على عكس وداعها الأول، ثم انطلقت بخفةٍ في طريقها.
وهكذا، غادرت إلى مملكة كايل.
وعلمت أراسيلا لاحقًا، من خلال الأمير، أن نيرا قد أصبحت خادمةً من الطبقة الدنيا داخل القصر الملكي.
كان ذلك أمرًا جيدًا، فبما أنها تعمل داخل القصر الملكي، سيكون من الأصعب على عائلة الماركيز وايت أو دوقية ليستر العثور عليها.
وبعد ذلك، اكتشفت أراسيلا حقيقةً مذهلة من خلال العقد الذي سلّمته لها نيرا.
_____________________
حلو الفصل من زمان وانا ودي اراسيلا ونيرا يصيرون خويات 😂
بس ماتوقعتها منها طقت من بيت اهلها مره وحده مع انها مب ضامنه وين تروح 😭
المهم مملكة كايل اسمها حلو غش حتنى ابي اروح
شكل القصر الملكي في مملكة كايل هو قصر راون الأسود ✨
Dana