192 - الفصل الإضافي1: رحلة شهر العسل (1)

تسلّلت أشعة الشمس من بين الستارة نصف المفتوحة.

أدارت أراسيلا جسدها جانبًا وفتحت عينيها. كان استيقاظها أبكر بقليل من المعتاد.

وفي رؤيتها التي لم تزل مشوشةً من أثر النعاس، ظهر وجهٌ جعل وعيها ينهض دفعةً واحدة.

شعر فضيٌ لامع، ملامح دقيقة، أنفٌ حاد، شفاهٌ منسقة.

داميان كان مستلقيًا باستقامة كأنه تمثال.

أشعة شمس الصباح الربيعية الناعمة أضاءت ملامحه الجميلة. فحدقت أراسيلا بهدوء في جانبه الذي بدا كأنه منحوت.

بعد أن مزّقا عقد الزواج وقررا أن يصبحا زوجين رسميًا، وحدا غرفتهما. و لم يعد داميان يستخدم أريكة المكتب المزعجة، بل حين يحلّ الليل، يستلقي بجانب أراسيلا.

لكن، بما أن كليهما اعتادا النوم وحدهما لفترةٍ طويلة، فقد احتاجا إلى بعض الوقت للتأقلم. مثل هذه اللحظة مثلًا، حيث يكون أول ما يريانه عند الاستيقاظ هو وجه أحدهما الآخر.

'همم، مهما نظرت إليه، يظل وسيماً، أليس كذلك؟'

رغم مرور عدة أسابيع على تقاسمهما السرير ذاته، كانت الدهشة تتجدد في كل مرة.

وكأنه سمع ما يدور في قلبها، استدار داميان النائم بهدوءٍ فجأة نحو أراسيلا. وبفضله، أصبح وجهه المنحوت بعناية أقرب إلى ناظريها.

و ما لبثت جفون داميان حتى انفتحت ببطء.

أراسيلا، التي كانت تحدّق به علنًا، ابتسمت ابتسامةً رقيقة حين تلاقت أعينهما، وألقت تحية الصباح.

“هل نمتَ جيدًا، داميان؟”

“وهل نامت زوجتي أيضًا جيداً؟”

“نعم، وعيناي تشكرانك على هذا المنظر منذ الصباح.”

ابتسم داميان بخفة ومدّ يده ليعيد ترتيب خصلات شعر أراسيلا المنسدلة. ثم ارتكز على ذراعه واستقام، تاركًا قبلةً خفيفة على خدها وشفتيها.

“هيا، دعينا ننهض.”

“حسنًا.”

حين مدت أراسيلا يدها، ساعدها داميان على النهوض بكل طبيعية.

كفه الكبيرة أسندت ظهرها بثبات، ثم انزلقت ببطء مبتعدة.

شعرت أراسيلا بوخزٍ خفيف سببه دفء يده الذي انتقل عبر قماش ثوب النوم الرقيق.

كانت تظن أنها لن تجد يومًا معنى لمشاركة الحياة مع أحد. لكن وهي تحدق في ظهر زوجها المغادر نحو الحمّام، أدركت مجددًا كم كانت مخطئة.

أن يكونا اثنين لا واحدًا……يا له من شعورٍ جميل.

وتذكّرت أنه ما زال هناك بعض المسافة بينهما لم تقصر بعد، فنهضت ببطء.

لقد كان صباحًا جميلًا.

***

بعد أن تبادلت قبلة وداعٍ مع داميان أمام العربة، توجّهت أراسيلا إلى برج السحرة لتبدأ عملها.

أنهت أعمال الصباح بجد، وفي وقت الغداء تناولت الطعام في الخارج مع باولا التي جاءت لزيارتها.

وأثناء تبادلهما أحاديث تافهة وعادية، مدت باولا ظرفًا أبيض في اللحظة التي وصلت فيها الحلوى.

“سأتزوج هذا الخريف، أراسيلا. استغرق الأمر وقتًا أطول مما توقعتِ، أليس كذلك؟”

قالت باولا ذلك بابتسامةٍ خفيفة، وهي تنظر إلى صديقتها التي كانت تتفقد بطاقة الدعوة بدهشة.

فرغم أنها خُطبت قبل أراسيلا بفترةٍ طويلة، إلا أن ظروف خطيبها تسببت في تأجيل الزواج. و لكن أخيرًا تم تحديد الموعد رسميًا، وجاءت بنفسها لتسلم الدعوة إلى أعز صديقاتها.

“مباركٌ لكِ يا بولا. أتمنى حقًا أن تعيشي حياةً سعيدة. وسأحضر زفافكِ حتماً.”

“شكرًا لكِ، أراسيلا. أنا أيضًا أطمح أن أعيش حياةً زوجية متماسكة مثلكما تمامًا.”

بعد المرور بفترةٍ مليئة بالأحداث، دخلا أراسيلا وداميان في مرحلة من الاستقرار. وباولا، التي شاهدت معاناتهما عن قرب، ابتسمت بفخرٍ كأن الإنجاز يخصها هي.

“هل يمكنني أن أطرح عليكِ بعض الأسئلة، بما أنكِ متزوجةٌ قبلي؟”

“طبعًا. إن كنتِ أنتِ من يسأل، فسأجيبك عن أي شيء، فلا تترددي واسألي.”

قالت أراسيلا ذلك وهي تفرد صدرها بثقة. كانت متحمسةً بشدة لمساعدة صديقتها، وعيناها تتوهجان بالحماس.

وبينما كانت باولا تحتسي الشاي مبتسمة، تذكّرت فجأة وسألت،

“آه، صحيح، إلى أين ذهبتما في شهر العسل؟ حان الوقت لاتخاذ القرار، لكنني محتارة.”

“……هاه؟ آه، لم نذهب في شهر عسلٍ حينها……كنا مشغولين جدًا……”

أجابت أراسيلا بإحراج، وكأن وعدها بالإجابة عن أي شيء قد تلاشى فورًا.

“آه، صحيح! نسيتُ تمامًا، آسفة.”

لوّحت أراسيلا بيدها و هي تشير بأن الأمر لا بأس به، بينما كانت صديقتها ترسم ملامح الحرج على وجهها. ثم بدأت تقطع الكعكة التي قُدّمت كتحلية.

تابعتا الحديث بهدوءٍ في مواضيع أخرى، وحين خيّم الصمت للحظة، فتحت باولا فمها بتردد.

“لكن، ألا تشعرين بالأسف لعدم ذهابكما في شهر عسل؟ أنا أشعر بالحماس وأنا أخطط للمكان والمدة من الآن.”

“أمم……لم أفكر كثيرًا في الأمر.”

“فكري فيه الآن على الأقل، أراسيلا. هذه الأشياء تتحول لذكرياتٍ جميلة في النهاية.”

“حقًا……؟”

ارتسمت على وجه أراسيلا ملامح شرود.

'ذكريات، هكذا إذاً.'

والحقيقة أنها لم تكن تملك الكثير من الذكريات المشرقة مع داميان. ففي النهاية، لم يمضِ وقتٌ طويل منذ أن تأكدا من مشاعرهما وأصبحا زوجين حقيقيين.

ربما لو ذهبنا في شهر عسل الآن……لن يكون أمرًا سيئًا على الإطلاق.

بعد أن اتخذت قرارها، توجّهت أراسيلا مباشرةً إلى داميان فور انتهاء عملها. ولحسن الحظ، التقت به عند المدخل تمامًا، حيث طبع قبلةً على خدها،

“لقد عدتُ، زوجتي.”

“مرحبًا بعودتكَ. لديّ شيءٌ أود قوله، داميان.”

لم تمانع أراسيلا حين طوّق خصرها بذراعه القوية، ورفعت رأسها وهي شبه مستريحة بين ذراعيه لتتحدث.

داميان، الذي كان يتأمل ملامح زوجته التي لم يرها طوال اليوم، أظهر تعبيرًا حائرًا.

“ما الأمر؟”

“لنذهب في شهر عسل، نحن الاثنين.”

اتسعت عينا داميان قليلًا من وقع هذا الاقتراح غير المتوقع. لكن وجه زوجته الجاد والمصمم بدا لطيفًا بنظره، فابتسم بخفة وأومأ موافقًا بكل رضا.

ففي النهاية، إن كانت أراسيلا تريد ذلك، فهو على استعدادٍ للسير حتى في نيران البراكين لأجلها.

“الأمر مفاجئٌ قليلًا، لكن لا بأس. سأختار بعض الوجهات وأعدّ خطة، وكل ما عليكِ هو أن تختاري من بينها، زوجتي.”

“حسنًا.”

ابتسمت أراسيلا برضا، ورفعت قدميها على أطراف أصابعها لتطبع قبلةً على شفتيه.

قبلةٌ بعد أخرى، ظل الزوجان يتبادلان القبلات الرقيقة بلا انقطاع، وسط نظرات إعجاب دافئة من كل من حولهما.

وبعد عدة أيام، أرسل داميان خطةً تتضمن خمس وجهاتٍ مختلفة إلى زوجته. ومن بينها، اختارت أراسيلا مملكة روشان.

البلد الذي أُرسل إليه داميان صغيرًا للدراسة كأنه منفي، تقع في شمال غرب الإمبراطورية، وتشتهر بسواحلها الجميلة، مما يجعلها مقصدًا سياحيًا شهيرًا في الصيف.

وبمجرد أن تم تحديد وجهة شهر العسل، سارت الأمور بسرعةٍ كبيرة. قدّمت أراسيلا طلب إجازة صيفية رسميًا من برج السحرة وبدأت استعداداتها للرحيل. وقد أنجزت مسبقًا كل المهام التي عليها، فلم يكن هناك ما يعوقها. و لم يمنعها أحد.

“يا رفاق، سآخذ إجازةً لفترة. اعتنوا بأنفسكم وتقاتلوا باعتدال.”

“حاضر، سينباي. لكن إلى أين أنتِ ذاهبة؟”

سألت سالي وهي تمد عنقها بفضول. فأجابت أراسيلا بهدوء وهي تحضر حقيبتها.

“سنذهب في شهر العسل إلى مملكة روشان. وسأجلب لكم هدايا في طريق العودة.”

“واو، شكراً لكِ! استمتعوا برحلة شهر العسل!”

“حسناً، أراكم بعد الإجازة.”

لوّحت أراسيلا بيدها مبتسمة.

كانا سالي و رودي مشغولين بتوديعها ثم عادا للتشاجر من جديد. على أية حال، يبدو أنهما مقربان فعلاً.

بدأت أراسيلا تسير وهي تدندن. أما داميَان، فقد أوكل قيادة فرسان الصقر الأحمر إلى إيزيك وغادر.

استقل الاثنان مركبةٍ جوية متجهة إلى مملكة روشان برفقة عدد قليلٍ من الخدم.

دق-دق-دق.

كان اهتزاز المربكة لطيفٌ و استولى على قلبها بسعادة.

وقفت أراسيلا عند النافذة تنظر إلى المنظر الشاسع الممتد على الأرض. ثم اقترب منها داميَان بلطف واحتضن كتفها ووقف بجانبها.

“لسببٍ ما أشعر بالحماس.”

“أنتَ أيضاً؟ ربما لأن هذه أول مرة نسافر فيها معاً، أنا أيضاً متحمسةٌ جداً.”

“أتمنى أن نعود محملين بذكرياتٍ لا تُنسى تخصنا نحن فقط.”

ابتسمت أراسيلا موافقة وأسندت رأسها على صدره.

كلما اقتربا من وجهتهما، زادت مشاعر الترقب والحماس.

وعندما وطأت أقدامهما أرض مملكة روشان أخيراً، هبت رياحٌ قوية محملةً بنسيم البحر وكأنها ترحب بهما.

داميَان أمسك قبعة أراسيلا كي لا تطير.

“إنها جميلةٌ حقاً.”

أُعجبت أراسيلا بمنظر مملكة روشان، التي تزينت بمبانٍ كبيرة وصغيرة بألوانٍ زاهية، وخلفها بحر بلون الزمرد.

وبينما كانت منشغلةً بتأمل هذا المشهد الجديد كلياً عليها، ركز داميَان على مراقبة زوجته والاهتمام بها، إذ لم يشعر بنفس الانبهار.

وعندما رأى عينيها تتلألآن كعيني طفل، ارتسمت ابتسامةٌ تلقائية على شفتيه.

بعد ذلك، استقل الاثنان عربةً وتوجها إلى القصر الذي سيقيمان فيه طوال الرحلة. كان ذلك القصر قد استخدمه داميَان خلال فترة دراسته في الخارج.

كان داميَان يأمل في شراء قصرٍ جديد، لكن أراسيلا رفضت واختارت ذلك المكان.

“بما أن هناك بيتاً موجوداً بالفعل، لماذا نشتري واحداً جديداً؟ خصوصاً أننا لن نأتي إلى هنا كثيراً.”

“لكن القصر صغير، ومظهره الخارجي ليس جميلاً جداً. هل هذا لا يزعجكِ؟”

“لا بأس. يكفيني أنه المكان الذي أقمتَ فيه ذات يوم، وهذا وحده يحمل لي معنى كبيراً.”

وأمام ابتسامتها المشرقة، لم يستطع داميَان الرفض، فاضطر في النهاية إلى إصدار أوامر بتنظيف القصر وترتيبه وتزيينه قدر الإمكان مسبقاً.

لكن أول ما فعله الاثنان بعد وصولهما إلى القصر وتفريغ أمتعتهما، لم يكن الاسترخاء في الغرف المرتبة والنظيفة. فقد تلقيا دعوةَ عشاء من ملك وملكة روشان فور سماعهم بخبر زيارتهما، وكان عليهما الاستعداد للحضور.

استراح داميَان وأراسيلا قليلاً، ثم بدّلا ملابسهما وتوجها إلى القصر الملكي.

“هاهاها، مرحباً بكم!”

رحب بهما الملك، الذي كان يتمتع بمظهر دافئ وودود. فانحنى الاثنان بابتسامةٍ مهذبة وقدّما تحيتهما.

“يشرفني لقاؤكَ، جلالتك. أنا داميَان فاندرمير.”

“وأنا أراسيلا فاندرمير. شكراً جزيلاً على دعوتكَ الكريمة.”

بالطبع كان ذلك كذباً. فالزوجان كانا يرغبان فقط في الاستمتاع بشهر العسل والاسترخاء، لكن الملك و الملكة أرادا اغتنام الفرصة لتوطيد علاقتهما بدوقين جديدين، فلم يفوّتا المناسبة.

“يا له من زوجان جميلان! لا أصدق أن هناك من يبدوان بهذا الانسجام! هوه هوه!”

قالت الملكة النحيفة ذلك بابتسامةٍ دافئة وهي تمتدحهم.

وخلفها، وقفت ثلاث فتياتٍ بأدب ويديهن متشابكتان—كنّ أميرات مملكة روشان.

سحبت الملكة يد ابنتها الكبرى، التي كانت الأطول وتبدو الأكبر سناً، واقتربت بها.

“هذه ابنتي الكبرى، فايلوت. تحلم بأن تكون عروساً مهذبة ومثالية مثل الدوقة فاندرمير.”

“هكذا إذاً.”

أراسيلا لم تكن يوماً مثل هذه الفتاة، ولم ترغب في أن تكون كذلك، لكنها اكتفت بابتسامةٍ خفيفة وهزت رأسها بهدوء.

المثير للاهتمام هو أن من بدت نظراتها متمردة للحظة لم تكن أراسيلا، بل فايلوت نفسها.

_________________________

هذا اول جزء كله بعنوان شهر العسل✨

واضح جاينا رخصص هههههعهعهعه✨

المهم داميان واقع مره يجنن طول الفصل ماغير استحي 😭

Dana

2025/04/12 · 28 مشاهدة · 1503 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025