كانت بوركنيوا، عاصمة مملكة روشان، مدينةً صغيرة مفعمة بالحيوية، كان فيها ترابطٌ وحيوية متدفقة لا يمكن رؤيتها في عاصمة الإمبراطورية.
ارتدت أراسيلا فستاناً خفيفاً وقبعةً عريضة الحواف وخرجت في موعد مع داميان بوجه مفعم بالفرح.
وبما أنها نالت قسطاً وافراً من النوم في الليلة الماضية، فقد بدا وجهها مشرقاً، أما داميان، فرغم أن الهالات كانت ظاهرةً قليلاً تحت عينيه، إلا أن حالته الصحية لم تكن سيئة.
كان يملك على الأقل ما يكفي من الطاقة للتجول هنا وهناك مع زوجته.
تناول الاثنان الغداء في مطعمٍ كان داميان يرتاده كثيراً أثناء دراسته في الخارج، ثم تمشيا في طريق الغابة الذي كان يسلكه عندما تكثر أفكاره.
“لقد مر وقتٌ طويل منذ زيارتي لهذا المكان.”
“هل كنت تمشي هنا دائماً بمفردكَ؟”
“نعم، لم يكن لدي في ذلك الحين أي متسع في قلبي لأُبقي أحداً إلى جانبي.”
الأشجار الكثيفة حجبت أشعة الشمس الصيفية الحارّة، و تأمل داميان منظر الغابة الخضراء بوجه خالٍ من التعبير.
ربما لأنه كان يأتي إلى هذا المكان عندما لا يكون في مزاجٍ جيد أو يغرق في الهموم، فلم يشعر بحنينٍ خاص إليه، ففي ذلك الوقت كان الأمر شاقاً للغاية.
“كنت آتي إلى هنا وأمشي بلا هدف كلما شعرت أنني أبدو تعيساً فجأة، ومع التكرار والمشي لعدة جولات، كانت الأفكار المزعجة تختفي تدريجياً.”
“همم……لم أكن مخطئةً بطلب المجيء إلى هنا، صحيح؟”
“بالطبع لا، لو كان هذا المكان يثير فيّ نفوراً شديداً، لكنت شرحت لكِ الأمر ولم آتِ.”
أمسك داميان يد أراسيلا التي كانت متشابكةً بذراعه بلطف، ومع ذلك لم تستطع أراسيلا أن تتخلص من شعورها بعدم الارتياح، فعضّت شفتها إلى الداخل.
كانت أشعة الشمس المتسللة بين أوراق الأشجار تتمايل كموجاتٍ مع هبوب الرياح، وأثناء سيرهما في الطريق المنخفض والمستوي، تحدثت أراسيلا بعد صمت،
“……لكن من الآن فصاعداً، لن تمشي وحدكَ أبداً، لأنني سأكون دوماً إلى جانبكَ.”
“أشكركِ، مجرد سماع ذلك يمنحني القوة.”
“أنا لا أقول هذا كمجرد الكلام.”
“وأنا أعلم ذلك.”
ابتسم داميان بخفة، فهو يعرف جيداً أن أراسيلا تفي دائماً بما تعد به.
أن يكون هنالك شخصٌ إلى جواره مدى الحياة، كان شعوراً يمنحه الطمأنينة والدفء.
“حتى هذا المكان المليء بالذكريات السيئة، يبدو جميلاً الآن لأنني أتيتُ إليه معكِ.”
قال ذلك بصدقٍ وهو ينظر من حوله بعينين متجدّدتين، فقط بوجود أراسيلا، كانت كل الآلام والأحزان تذوب كما يذوب الثلج. ولا يبقى إلا المشاعر التي تغمره بفضلها.
الحياة التي كانت بائسةً على الدوام، أصبحت الآن حياةً تتذوق السعادة ويتعلم معناها، وكان ذلك كله بفضل أراسيلا، فلم يستطع داميان إخفاء امتنانه.
أن يكون مثل هذا الشخص إلى جانبه الآن، كان يبدو له كالسعادة العظيمة التي لا يمكن لأحد أن يظفر بها.
“أحبكِ، أراسيلا.”
وعلى الرغم من بساطة اعترافه، إلا أنه كان مفعماً بالمحبة، فارتسمت على شفتي أراسيلا ابتسامةٌ كزهورٍ تتفتح.
“أنا أيضاً أحبكَ، داميان.”
“من الممتع سماع تلك الكلمات مهما تكررت.”
“وأنا كذلك.”
شبكت أراسيلا أصابعها في يده وهي تدندن بلحنٍ صغير. كانت السكينة التي تتقاسمها مع من تحب أحلى من أي عطلة.
وبينما كانت تراقب سنجاباً يقفز بنشاط فوق الأغصان، سألت فجأة.
“لكن، لماذا تحبني؟”
“سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لشرح كل الأسباب، هل لديكِ وقتٌ كافٍ؟”
“الوقت هو أكثر ما نملكه الآن، لذا أخبرني، أريد أن أسمع.”
فرغم أنها كانت تعرف جيداً لماذا تحبه هي، إلا أن مشاعره لا يمكن معرفتها إلم تُقال.
كانت أراسيلا تتساءل في داخلها كيف وقع هذا الفارس الجاف في حبها.
نظر إليها داميان وضحك بخفةٍ عندما رأى عينيها الزرقاوين تتلألآن فضولاً، ثم بدأ يتحدث ببطء.
“أحب الطريقة اللطيفة التي تأكلين بها فطوركِ صباحاً.”
وكان هذا مجرد بدايةٍ لقائمة لا نهاية لها من الأسباب،
كان يحب كيف تضع نظارةً بلا عدسات عندما تعمل لأنها تبدو مركّزة، ويحب خصلات الشعر الصغيرة التي تبرز عند ربطها لشعرها لأنها تبدو لطيفة.
ويحب الطريقة التي تقود بها زملاءها لأنها تُظهر فيها كاريزما خاصة.
كانت أشياءً بسيطة، لكنها تشكّل كل جزءٍ من أراسيلا، ولهذا السبب بالضبط، كان قلبها يخفق بخفةٍ وهي تسمعه يذكر تلك التفاصيل الصغيرة.
'آه، يبدو أنه يكفي إلى هذا الحد.'
فقد فهمت أراشيللا مشاعر داميان تماماً، ولم تكن بحاجةٍ لسماع المزيد لتشعر بفيض حبه، لكن إن طلبت منه التوقف وهو يذكر الأسباب بكل جدية، فقد يشعر بنوع من الخيبة.
“وأيضاً عندما تركزين، تحركين أنفكِ بطريقةِ لطيفـ—”
قبلة-
لامست شفتي داميان رقةٌ دافئة وطرية سرعان ما انفصلت.
أراسيلا، التي جذبت زوجها فجأةً وقبّلته، ابتسمت بلطافة.
فالشفاه لا تُوقَف إلا بالشفاه.
رمش داميان للحظة، لكنه سرعان ما فهم قصدها، وردّ بقبلةٍ خفيفة.
“ما زال لدي الكثير لأقوله، هل اكتفيتِ بالفعل؟”
“في الحقيقة، حتى لو قلتَ سبباً واحداً فقط، لكنتُ راضيةً تماماً."
كانت أراسيلا تعرف أن الحب لا يحتاج إلى أسبابٍ كثيرة، فمجرد دفء بسيط، أو لمسة عزاء، أو لحظة من الفهم، كافيةٌ لتأسر قلب الإنسان.
لكنها كانت تتمنى أن يكون حبهما أكثر غنى وامتلاء، ولهذا شعرت بالامتنان تجاه داميان الذي أطال الحديث تعبيراً عن مشاعره.
نظر داميان إلى زوجته التي تبتسم ابتسامةً نقية وجميلة، ثم أعاد عليها السؤال.
“إذاً، لماذا تحبينني أنتِ يا عزيزتي؟”
“لأنكَ إنسانٌ جدير بأن يُحَب.”
أجابت أراسيلا دون أي تردد، وعيناها الصافيتان تنظران إليه بثبات.
“لأنكَ شخصٌ يحبني، ويعرف كيف يحتفظ بحبي كشيءٍ ثمين.”
“إذاً، كنتُ أنا ذلك الشخص بالنسبة لكِ.”
“نعم.”
ذلك الجواب الموجز بعفويته ملأ قلب داميان بفرحٍ وسعادة لا توصف، حقاً. حين يكون مع أراسيلا، يشعر أن كل شيء يصبح كاملاً دون نقص.
سار الزوجان جنباً إلى جنب، متشابكي الأيدي، بتناغم وقع أقدامهما معاً. وكانت أشعة الشمس الساطعة تنعكس فوق ظهريهما المتشابهين بضياءٍ دافئ.
***
بدأ التوتر الخفيف يظهر على داميان مع اقتراب موعد العشاء، فبعد انتهاء موعدهما وعودتهما إلى القصر، توجها معاً إلى قاعة الطعام.
وبفضل تعليمات داميان المسبقة، كانت المائدة ممتلئةٌ بالأطعمة التي تحبها أراسيلا، وبينما تناولت هي الطعام بسعادة ممتنة لتلك اللفتة، كان هو بالكاد يلمس طعامه.
لم يستطع التوقف عن تحريك يديه، فراح يمسحها على بنطاله أو يضعها متشابكةً على صدره، وكان يمرر يده خلف عنقه مراراً، كاشفاً عن توتره.
ورغم أن أراسيلا لم تلاحظ ذلك، إلا أن لهذا التوتر سبباً واضحاً. فقد كان قد جهّز لليلة الأولى. ليس بشيءٍ مبالغ فيه، لكنه أعد أجواءً رومانسية على طريقته، مع زجاجة نبيذ وزهور
وبما أن داميان لا يُجيد شرب الكحول، فقد اختار شمبانيا قليلة الكحول.
'أتمنى أن يعجبها الأمر……'
ولأول مرة، كان داميان قد خرج من الاستحمام قبل أراسيلا، وجلس على الأريكة ينتظرها.
وبعد قليل، دخلت أراسيلا الغرفة، فتوقفت فجأةً عندما رأت الأضواء الخافتة المشتعلة في الداخل، ثم نظرت إلى داميان.
تجاوزت بعينيها الزجاجات والكؤوس والزهور الموضوعة على الطاولة أمامه.
“ما كل هذا؟”
“ما رأيكِ بتناول كأسٍ الليلة؟”
“هل سيكون ذلك مناسباً؟ أنت لا تشرب الكحول، أليس كذلك؟”
“سأشرب بشكلٍ معتدل.”
بدون أن ترفض، جلست أراسيلا بجانب داميان، بينما صب داميان شراباً بلون فاتح في الكأس.
وعندما أخذت رشفة، انتشر طعمٌ حلو في فمها.
كان الشراب منخفض الكحول نسبياً، لذلك كان داميان قادراً على تناول كأس واحد دون أن يُرهق.
أفرغت أراسيلا الكأس الذي كان طعمه يشبه العصير المُر و الحلو قليلاً، ثم نظرت إلى زوجها بتأنٍ.
كان يرتدي رداءً فضفاضاً يكشف عن جسمه المتماسك والمبني على عضلات قوية، وبسبب فضفاضية الرداء، كان من الصعب عليها تجاهل رؤية صدره الواضح وحدود بطنه.
أرسلت إليه نظرةً خفية مليئةً بالاعجاب، ثم رفعت عينيها ببطء. وكان وجهه، الذي يختبئ تحت شعره الفضي الذي يبدو كأنه يمتص ضوء القمر، يبتسم ابتسامةً ساحرة.
“هل تحاول إغوائي الآن؟”
“وإذا كان الأمر كذلك، ماذا ستفعلين؟”
إذا كان الأمر كذلك……
وفي اللحظة التي كانت فيها أراسيلا على وشك أن تقول شيئاً بوجهٍ جاد بينما جف فمها.
“آآآآآه!”
اهتز القصر من صرخةٍ حادة، فانطلق الزوجان بسرعة، و قاما بتعديل ملابسهما بسرعة وخرجا إلى الخارج.
كانت هناك خادمةٌ جالسة على الأرض أمام باب المدخل في الطابق الأول.
اقتربت أراسيلا من الخادمة التي كانت ترتجف وتبدو مرعوبة، و وضعت يدها على كتفها.
“ما الأمر؟ ماذا حدث؟”
“سـ، سـ، سيدتي……هناك، هناك……”
عندما حولت الخادمة يديها إلى الاتجاه الذي تشير إليه، التفتت أراسيلا، ورأت شكلًا أسود يظهر من بين الباب المفتوح جزئياً.
ظهرت شعيراتٍ طويلة مبللة بسبب المطر الخفيف الذي هطل منذ وقت طويل وجسدٌ أسود داكن،
ما هذا؟
شدّت أراسيلا عينيها بخوف.
“ه، هل هو شبح..…؟”
“لا، هو إنسان.”
بعد أن سلمت الخادمة التي كانت ترتجف للآخرين الذين وصلوا متأخرين، أمرت أراسيلا بفتح الباب.
اقترب داميان منها، حذرًا.
وبشجاعة خادمةٍ من الخادمات فُتح الباب، وعندما دخل الشكل الأسود، اتسعت أعين أراسيلا وداميان.
كان وجهها الشاحب يضيء بضوء المصباح.
“مرحباً، سيدتي الدوقة. و الدوق…..أنا آسفة على الزيارة في هذه الساعة المتأخرة دون إخطارٍ مسبق، أرجو أن تسامحيني على قلة الأدب..…”
كانت تلك الكلمات تتلعثم من شفتي فتاةٍ لم تكن سوى، الأميرة الكبرى من مملكة روشان، فايوليت.
***
عندما طرق أحدهم باب القصر في وقتٍ متأخر من الليل، ظنّت الخادمة التي ذهبت للتحقق أن الأميرة، التي كانت ترتدي رداءً أسوداً ومبللةً بالمطر، كانت شبحاً فصرخت.
عندما انتهت الفوضى، اصطحبت أراسيلا فايوليت إلى غرفة الاستقبال. وباستخدام منشفة، قامت بتجفيف وجهها وجسدها المبللين، ما أعاد لون وجه فايوليت إلى حالته الطبيعية.
“كيف علمتِ عن هذا المكان؟”
“أه…..سَمِعْتُ من والديّ، قالوا إنكما تقيمان في القصر الذي كان يُستخدم من قبل الدوق أثناء فترة شبابه.”
“إذاً، ما هو سبب زيارتكِ في هذا الوقت؟”
كيف يمكن لأميرةٍ كبرى أن تأتي في هذا الليل الماطر دون أن تخبر أحداً؟
ترددت فايوليت قليلاً، ثم فتحت فمها بحذر،
“أردت أن أطلب المساعدة من الدوقة.”
“مني؟”
أومأت فايوليت برأسها قليلاً،
“أرجو منكِ أن تقنعي والديّ بإلغاء زواجي. من فضلكِ، أرجوكِ.”
ثم خفضت رأسها، متخليةً عن كبريائها وكرامتها كأميرة.
شعرت أراسيلا بالدهشة الشديدة، فوضعت يدها على كتف فايوليت وأجابتها بهدوء.
“ماذا تقولين فجأة، يا أميرة؟ لا تفعلين هذا، ارفعي رأسكِ.”
“عندما أصبح بالغةً في العام المقبل، سيجبرني والديّ على الزواج. و بعد مشاجرةٍ معهما، هربت وأتيت إليكِ مباشرة.”
كان هناك سببٌ وراء زيارة فايوليت المفاجئة والغير لائقة في هذا المطر.
بعد مشادةٍ حادة مع والديها، تحركت فايوليت في حالة من التوتر الشديد دون تفكير، باحثةً عن مساعدة بشكلٍ عشوائي.
من ناحية، كان تصرفها غير ناضج، لكونها في السابعة عشرة من عمرها.
تنهدت أراسيلا بعمق و تحدثت بحزم،
“أفهم وضعك، لكن هذا صعب. أنا لست من مملكة روشان ولا أستطيع التدخل في شؤون العائلة المالكة. لماذا تطلبين مني هذا أساساً؟”
“أمي تحترم الدوقة بشكل كبير. هي لا تسمع مني شيئاً، لكن إذا كانت الدوقة هي من تتحدث معها، أظن أن الأمر سيكون مختلفاً.”
تغير وجه فايوليت وأصبح عابساً. وكان من الصعب تجاهل الإحباط والحزن الذي بدا عليها، مما دفع أراسيلا لتسأل،
“ألا تريدين الزواج، يا أميرة؟”
“نعم..…”
“لماذا؟”
___________________
فايوليت يالباعوصه!!!!!
داميان راح يبكي لحاله في الزاويه خطته انبعصت😭
بعدين فايوليت ذي كان استنت للصبح يعني وش فيها؟
وش ذا الغباء صدق يعني جايه آخر الليل عشانس طاقه من اهلس ؟ واراسيلا وداميان وش دخلهم😭
Dana