“…..لديَّ حلم.”

كان هذا ما قالته فايوليت بعد ترددٍ طويل في الرد.

“إذا تزوجت، فسأضطر إلى مساعدة وريث الرجل الذي اختاره والداي وتلقي دروس الزوجة فقط. و لن أستطيع حتى أن أحلم بشيءٍ آخر.”

“…….”

“لا أريد أن أُجبر على هذا الطريق قبل أن أتمكن من محاولة السعي وراء حلمي. أتمنى فقط أن تُمنح لي الفرصة لمرة واحدة على الأقل.”

نظرت عيناها المبللتان بالدموع إلى أراسيلا بنظرةٍ حزينة. مما جعل أراسيلا تشعر بحرج شديد، فقد كان من المؤلم لها أن تتجاهل الأمر وكأنها لا تعرف، لأن ذلك ذكّرها بنفسها في الماضي.

“همم، هل لي أن أسأل ما هو حلم الأميرة؟”

“…..أريد أن أصبح فارسة.”

تورد خدّي فايوليت بخجل. فقد كان من المحرج لها أن تقول مثل هذا الكلام أمام زوجة أفضل فارسٍ في الإمبراطورية.

بدت على وجه أراسيلا ملامح الدهشة من حلم الأميرة الشجاع أكثر مما توقعت.

حتى هي، التي لم تكن سوى نبيلةٍ عادية، قيل عنها أنها غريبة الأطوار لأنها حلمت بأن تصبح ساحرة، فلو عُرف هذا الأمر عن الأميرة، فسيطلق عليها لقبٌ أعجب وأقسى.

“هل حاولتِ التحدث إلى جلالتيهما بهذا الشأن؟”

“…...”

“ألم تخبريهما بذلك بجدية ولو لمرةٍ واحدة؟”

أجابت فايوليت بصمتها، مثبتةً الأمر. ومن عينيها المكتسيتين بحزن، كانت تنبعث مشاعر معقدة.

بدأت فايوليت تتحدث بصوتٍ خافت وهي تعبث بأصابعها.

“لم أستطع أبداً إخبار والديّ..…”

“ولماذا؟”

“لأنني الابنة الكبرى.”

صدر من فايوليت سببٌ لا تستطيع أراسيلا، وهي الابنة الثانية من بين ثلاثة إخوة، أن تتعاطف معه تمامًا.

تابعت فايوليت بابتسامة مرهقة،

“والدتي ووالدي يعلقان آمالًا كبيرة عليّ. صحيحٌ أنهما تحدثا عني بسوء بعض الشيء خلال العشاء البارحة…..لكن تلك مجرد عادةٍ سيئة لدى والدتي.”

كانت الملكة غالبًا ما تتبع أسلوب التقليل من شأن بناتها الثلاث لتمدح الطرف الآخر.

لم تكن تفعل ذلك لأنها تتمنى أن يكون أحدٌ ما فوق بناتها، بل فقط لأنها اعتادت على هذا الأسلوب في الكلام.

كانت تعتقد أن هذا الأسلوب يُظهر الود للطرف الآخر بشكلٍ فعّال، وفي الوقت نفسه يُظهر لبناتها عيوبهن بموضوعية ويمنحهن فرصةً لتصحيحها، وهذه كانت طريقتها الخاصة في التعبير عن حبها لهن.

“في الحقيقة، كلا والديّ لديهما الكثير من التوقعات مني. مع أنني لم أختر أن أكون الإبنة الكبرى.”

“…..فهمت.”

“نعم، ولأني أفهم مشاعر والديّ جيدًا، لم أستطع أن أُظهر تعبي، ولم أتمكن من البوح حتى بما أرغب به.”

تغيرت ملامح فايوليت إلى الحزن والمرارة. و لم تكن أراسيلا تملك كلماتٍ مناسبة لتعزّيها بها، فاكتفت بالاستماع بهدوء إلى حديثها.

“وإذا أظهرتُ أي ضعف، فسيصبح ذلك عبئًا على إخواتي الصغار. الحمل الذي أحمله سينتقل إليهم. حين أفكر بذلك، أشعر أنني مضطرةْ إلى القبول حتى بالزواج السياسي..…”

وعندما رأت أراسيلا ملامح الذنب ترتسم على وجه فايوليت الذي لم يخلُ بعد من البراءة، أمسكت بيدها فجأة،

“لا تفكري في إخواتكِ الآن، فكّري فقط في نفسكِ يا أميرة.”

“هاها، أنا أيضًا أود أن أفعل ذلك، لكن الأمر ليس سهلاً. فأنا أشعر بالمسؤولية لأن عليّ أن أكون قدوةً كأختٍ كبرى..….”

قالت فايوليت ذلك وهي ترفع شفتيها بابتسامةٍ متكلفة وتفرك فمها هامسة بصوت خافت،

“لهذا السبب غالبًا ما أفكر بأنه لو كان لي أختٌ أو أخ أكبر، لكان الأمر أفضل. لكنت استطعت أن أتنفس وأعيش براحةٍ أكثر.”

ابتسمت فايوليت ابتسامةً باهتة، كاشفة عن ضعف لم تستطع أبدًا إظهاره أمام عائلتها.

بدأت أراسيلا ترى في فايوليت صورة آيريس بشكلٍ متكرر—الأخت الكبرى المضحية، المليئة بالمسؤولية.

هل كل من تكون الابنة الأولى و الكبرى هكذا؟

هل فكرت أختها يومًا بما تفكر به فايوليت الآن؟

عندما رأت نفسها في فايوليت شعرت ببعض التعاطف، لكن حين رأت صورة آيريس تنعكس فيها، اشتدت رغبتها في أن تساعدها.

وبينما كانت لا تزال تمسك بيد الأميرة، فتحت أراسيلا فمها،

“أعتذر، لكن مهما فكّرت، لا أستطيع تلبية طلبكِ بإقناع جلالتي الملك والملكة.”

“……كنتُ أعلم ذلك.”

“لكن، سأساعدكِ حتى يعترف والداكِ بحلمك.”

رفعت فايوليت رأسها فجأةً بدهشة، بعدما كانت كتفاها متدليتين بخيبة أمل.

كانت أراسيلا تنظر إليها بابتسامةٍ دافئة.

“أحقًا..…؟”

“نعم، لأنني أريد مساعدتكِ يا أميرة.”

“شكرًا لكِ، دوقة!”

ابتسمت فايوليت ابتسامةً عريضة كالأطفال، وعندما رأت أراسيلا فرحتها، شعرت هي الأخرى بالسعادة.

وبرغم أنها كانت ضيفةً منتصف الليل التي لم تدعُها أبدًا، فقد أصبحت أراسيلا قريبةً منها بسرعة.

في تلك الأثناء، كان داميان قد عاد إلى غرفته وحده، وهو يحدّق في الطاولة المبعثرة بشكلٍ غير مرتب.

كأس مقلوب، وزجاجة خمر موضوعة على الحافة بشكل خطير، وزهرةٌ على الأرض.

كل هذا كان نتيجة خروجهما مسرعين بعد أن سمعا الصرخة.

بدأ داميان في ترتيب الأشياء، ثم جلس بهدوءٍ على الأريكة منتظرًا عودة أراسيلا. لكنها لم تعد بالسرعة التي توقعها.

'…..أشعر بعدم الارتياح.'

بدأ شعورٌ غامض بالتوجس ينتشر داخله، وكأن هناك ما يُنذر بالشر.

شعر أن هذا النوع من الإزعاجات قد لا يتوقف هنا، بل سيستمر لاحقًا أيضًا.

وسرعان ما أصبح هذا الإحساس واقعًا.

“داميان، لدي شيءٌ مهم يجب أن أخبركَ به.”

قالت أراسيلا ذلك بوجه جاد حين عادت مع اقتراب الفجر، ثم بدأت تشرح له بهدوء وضع فايوليت بالتفصيل.

أخبرته بأنها أُجبرت على زواجٍ سياسي، وأنها رفضت ذلك وجاءت إلى القصر طالبةً المساعدة، وأن حلمها الحقيقي هو أن تصبح فارسة.

وكذلك أخبرته بأنها لم تستطع أبدًا أن ترفض الأميرة، فقررت مساعدتها.

“وكيف…..تنوين مساعدتها؟”

سأل داميان بقلق بعدما استمع بهدوء إلى شرح زوجته.

فأمسكت أراسيلا بيديه بكلتا يديها،

“سموها قالت بأنها تود أن تُظهر لجلالة الملك والملكة أنها تملك مقومات الفارسة ولو لمرة واحدة.”

“حقًا؟”

“نعم، ولهذا السبب…..داميان، هل من الممكن أن تقيم الأميرة في قصرنا لبضعة أيام، وتتلقى تدريبًا على يديكَ؟”

قالت أراسيلا ذلك وهي تحدّق فيه بعينيها اللامعتين كالزجاج، فتردّد داميان وأخذ حاجباه يتحركان بتوتر، غير قادرٍ على الإجابة بسرعة.

قبول هذا الطلب يعني عائقًا كبيرًا أمام شهر العسل.

وبما أنه لم يكن متحمسًا، بقي صامتًا، لكن أراسيلا قرّبت وجهها منه وحدّقت إليه بعينيها المتسعتين كعيني أرنب.

“أعتذر إن كنت أضع عليك عبئًا…..لكن الأميرة تشبهني وتشبه أختي، ولم أستطع أن أتجاهلها. أنت أعظم فارسٍ أعرفه، داميان. وليس لدي من أطلب منه هذا غيركَ.”

“…..كحم، إن كان الأمر كذلك، فلا مفر.”

استسلم داميان في النهاية لتوسلها العاطفي وثنائها الصادق، ووافق على طلبها.

في الحقيقة، حتى لو لم تقل شيئًا، لكان سيفعل ما تريده في النهاية. فهو لا يعرف طريقةً للانتصار على زوجته.

“لكن، هل العائلة المالكة تعلم أن الأميرة موجودةٌ في قصرنا؟”

“قالت إن فرسان الحراسة أبلغوا عن قدومها منذ البداية. وسأرسل وصيفةً في الصباح لإبلاغهم رسميًا بأنها ستقيم هنا لبعض الوقت.”

“حسنًا.”

“شكرًا جزيلًا، داميان.”

قالت أراسيلا ذلك بابتسامةٍ مشرقة وهي تطبع قبلةً على خده.

رسم داميان قوسًا خفيفًا على شفتيه وهو يراقبها بعينيه بينما كانت تستلقي على السرير.

“هل ستنامين؟”

“نعم، أشعر بالتعب. تعال أنت أيضًا ونَم.”

فقد استغرقت وقتًا طويلاً في تهدئة فايوليت والتحدث معها. وكان الليل قد تأخر كثيرًا، حتى أن القمر بدأ يميل نحو الغروب.

تدلّت علامات النعاس من عيني أراسيلا بشكلٍ واضح. و داميان، الذي ظل يتردد جالسًا على الأريكة، لم يستطع في النهاية المقاومة وتمدّد بجانبها.

لكنها كانت قد غرقت بالفعل في نومٍ عميق كطفلة.

داعب بأنامله طرف أنفها المستدير والمدبب قليلًا، ثم أغلق عينيه بالقوة محاولًا النوم.

وهكذا، انتهت ليلة الزفاف بالفشل.

***

لم يسمح الملك والملكة لابنتهما الكبرى بتلقّي تدريبٍ رسمي كفارسة، لكن فايوليت كانت قد تعلمت فنون السيف سرًا من أحد فرسان الحراسة.

ومع ذلك، لم تُظهر مهاراتها لأي شخص آخر غير ذلك الفارس، لذلك لم تكن تعرف بمقياسٍ موضوعي مدى قدراتها، أو إن كانت مؤهلة حقًا لأن تصبح فارسة.

داميان، أصغر سيد سيف في تاريخ الإمبراطورية وقائد فرقة “الصقر الأحمر”، قرر بنفسه -بعد طلب أراسيلا- أن يختبر مؤهلات فايوليت.

فتواجه معها مباشرةً مستخدمًا سيفًا خشبيًا.

“هيّااااه!”

صرخت فايوليت وهي توجّه أقوى ضربةٍ لديها، لكن داميان تفاداها بسهولة وهو يميل بجسده جانبًا. وبسبب ذلك، تعثرت فايوليت وسقطت أرضًا بصخب، ثم نهضت بسرعة بوجهٍ ممتلئ بالغيظ.

وحاولت الانقضاض عليه مجددًا، لكنها لم تستطع حتى أن تلامس طرف شعره، وانتهى بها الأمر بإسقاط سيفها الخشبي من يدها.

“…..تبًا.”

فايوليت، التي أُصيبت بالإحباط من نتيجة المبارزة المزرية، ارتمت على الأرض ممددةً على ظهرها.

وكان صدرها يعلو ويهبط بسرعةٍ من شدة الإرهاق.

كان تصرفًا بعيدًا كل البعد عن الرقي المتوقع من أميرة، لكن التعب الشديد لم يترك لها مجالًا للتفكير بتلك التفاصيل.

“ما رأيكَ، داميان؟”

سألته أراسيلا وهي تقترب بعد أن كانت تراقب المبارزة من بعيد. أما داميان، فلم يجب بكلمة، واكتفى بجمع السيف الخشبي بهدوء.

فايلوت، التي كانت تلتقط أنفاسها وقد غطت عينيها بذراعها، تحدثت بصوتٍ يملؤه الحزن،

“بإمكانكَ قول الحقيقة…..حتى لو كنتُ سيئةً للغاية، سأقبل ذلك بتواضع.”

“لم تكن بتلك الدرجة من السوء.”

أجاب داميان بهدوء.

رغم انزعاجه من الضيفة غير المدعوة التي استقرت فجأة في القصر، إلا أنه لم يفقد حياده كفارس.

فايوليت كانت تمتلك أساسياتٍ متينة إلى حدٍّ كبير.

ورغم أنها لم تتلقَ تدريباتٍ متقدمة وظلت تكرر الأساسيات، إلا أن ذلك جعل قواعدها أكثر صلابة.

بل وخلال المبارزة، استطاعت في بعض اللحظات أن تهاجم نقاط الضعف بذكاءٍ وبشكل حاد.

صحيح أنها لم تصب أي ضربة فعّالة، لكن مجرد قدرتها على ملاحظة تلك الفُرص كان دليلًا على إمكانياتها الواعدة.

“الأميرة تملك موهبةً بالفعل. وإن تلقت تدريبًا مناسبًا، فستنمو بسرعةٍ كبيرة.”

“حقًّا؟ هل…..هل تقول هذا فقط لمجرد أن ترفع من معنوياتي..…؟”

قالت فايوليت ذلك وهي تحرك شفتيها بتردد، و على وجهها مزيجٌ من الفرح والخوف.

أمسكت بها أراسيلا بلطف وساعدتها على الوقوف، ثم تحدثت،

“داميان شخصٌ يملك فخرًا عظيمًا كفارس، لذلك لا يمكن أن يكذب بشأن أمرٍ كهذا. وفوق كل ذلك، أنتِ الآن تقفين أمامه كطالبةٍ تسعى لأن تصبح فارسة، لا كأميرة.”

لم يكن داميان ليُجامل متدرّبةً بالسيف لمنصبها فقط.

تفتحت ملامح فايوليت التي كانت منكمشةً خجلًا.

“إذًا…ططهذا يعني أن لدي فرصةً حقيقية؟”

“نعم، بالتأكيد.”

“لا أصدق..…!”

انفجرت فايوليت بالبكاء من شدّة التأثر.

شعرت أن كل الجهد الذي بذلته سرًا بعيدًا عن أعين والديها لم يذهب سُدى، فغمرها شعور عميق بالامتنان.

ومسحت دموعها بقوة وهي تمسك السيف الخشبي بعزم.

ثم بدأت من جديد تتدرب بحماس، وعندها رسمت أراسيلا ابتسامةً فخورة على وجهها.

وبعد صباحٍ شاق من التدريب، اجتمع الثلاثة لتناول الغداء معًا.

“آه..…! يبدو أن عضلاتي قد صُدمت قليلًا، فهذه أول مرة أتدرب على السيف كل هذا الوقت.”

أمسكت فايوليتت الشوكة بذراعين ترتجفان بشدة وأسقطت الطعام من يدها، ثم تورد وجهها حرجًا واعتذرت بابتسامةٍ خجلة.

تعاملت أراسيلا معها بلطف وسكبت لها الطعام في صحنها بنفسها.

“من الطبيعي أن يحدث هذا، سمو الأميرة. سأساعدكِ.”

“شكرًا لكِ. دوقة، أنتِ لا تملكين جمال الوجه فقط، بل حتى قلبكِ جميل.”

“أسمع هذا كثيرًا، لكن شكرًا لكِ.”

ورغم الرد الوقح بعض الشيء، إلا أن فايوليت ابتسمت بلطف.

وبما أنها لم تكن قادرةً على استخدام أدوات الطعام بسهولة، قامت أراسيلا بإطعامها بالشوكة بنفسها.

ومن الجهة المقابلة، كان داميان يشاهد هذا المشهد وهو يشعر بغيرةٍ غريبة.

شعر بانزعاجٍ طفولي أشبه بغيرة الأطفال، لأنه شعر بأن زوجته قد سُرقت منه.

لكنه كره ذلك الشعور الصغير بداخله، فحاول ألا يُظهره وظل يمضغ قطع اللحم بصمت.

كان الصوص المحضر بالأناناس حلوًا، لكنه بالنسبة له كان مريرًا بشكلٍ غريب.

“دوق فاندرمير، أرجو أن أكون تحت رعايتكَ من الآن فصاعدًا. لدي ثقةٌ بأنني قادرة على تحمّل أي تدريب صعب، لذا لا تتردد في أن تدفعني لأقصى حدودي.”

أظهرت فايوليت عزمها بحزم، إذ عليها أن تُثبت كفاءتها كفارسة قبل أن يُعقد الزواج الملكي رسميًا.

“لا تقلقي، سمو الأميرة. سأقوم بتدريبكِ تدريبًا مكثفًا.”

رفع داميان زاوية فمه بابتسامةٍ ماكرة.

كان عازمًا على تطوير مهارات الأميرة بسرعة فائقة حتى يتمكن من طردها في أسرع وقت ومتابعة شهر العسل مع زوجته.

وبينما توافقت مصالحهما الغريبة، بقيت أراسيلا وحدها تبتسم بهدوءٍ وبملامح مطمئنة.

___________________

غيرة داميان تجنن ضحكت😭

المهم داميان بيعذب فايوليت الباعوصه تقريباً هاهاهاهاعا

Dana

2025/04/13 · 26 مشاهدة · 1787 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025