ارتجف كتفا الوالدين عندما دوّى صوت الابنة المجروحة في الفضاء بخفوت.
“أنا آسفة أيتها الدوقة، و الدوق”
شعرت فايوليت بالخجل والعار من الشخصين اللذين ساعداها بصدقٍ ولو لفترة قصيرة، فنهضت وانحنت برأسها بعمق.
و لم يستطع أراسيلا ولا داميان قول أي شيء أمام هذا المشهد المؤلم.
مسحت فايوليت دموعها بعنف ثم غيّرت تعابير وجهها إلى الجمود و التفتت لوالديها.
“لا تقلقا بعد الآن، سأعود لأكون الابنة الطيبة التي تريدانها وأعيش بهدوء.”
“فايوليت، نحن.…!”
في اللحظة التي حاولت فيها الملكة التحرك بسرعة للإمساك بابنتها التي أدارت ظهرها ببرود، تحطّم شيءٌ ما.
رفعت الملكة رأسها إلى الأعلى بفعل صوت الانفجار المفاجئ واتسعت عيناها، كان الحبل الذي يحمل الثريا، المثقلة بالزينة، قد انقطع.
“آآاه!”
صرخت الملكة وأغلقت عينيها بقوةٍ تحت الظل الكثيف الذي أُسقط فوق رأسها، و مدّ الملك يده متأخرًا في محاولةٍ لإنقاذ زوجته، لكن دون جدوى كبيرة.
من سبق الجميع بخطوةٍ لم تكن سوى فايوليت، فقد اندفع جسدها قبل أن تفكر حتى، وأخرجت السيف الذي كانت تحمله عند خصرها وضربت به الثريا.
كووونغ-!
طارت الثريا الضخمة واصطدمت بالجدار.
“أمي! هل أنتِ بخير؟!”
“فايـ، فايوليت.…”
عانقت الملكة ابنتها بوجهٍ يغمره التأثر بعد أن نجت بأعجوبة بفضلها، وسارع الملك أيضًا إلى جانب زوجته، واحتضن كتفيها المرتجفتين.
وحين تأكد من أنها لم تصب بأي أذى، التفت الملك نحو فايوليت و تحدث إليها بجدية.
“لقد أنقذتِ والدتكِ، يا فايوليت”
“حين رأيت أن أمي في خطر، تحركت دون وعي……”
كانت فايوليت أيضًا في حالة صدمة شديدة، فمع أنها سمعت كثيرًا من داميان عن مدى تطور مهاراتها مؤخرًا، الا أنها لم تكن تعلم أن قوتها وصلت إلى حد أن تطيح بشيء ضخم كهذا بضربةٍ واحدة.
“أحسنتِ، أن تنقذي حياة شخصٍ باستخدام السيف بتلك السرعة الفطرية……هل هناك فارسةٌ أروع من ذلك في العالم؟”
“……ماذا؟”
فايوليت، التي كانت تخشى في داخلها أن تتعرض للتوبيخ بسبب استخدامها للسيف، اتسعت عيناها بدهشة حين جاءها المديح عكس توقعاتها.
شعرت أراسيلا بالتغير المفاجئ في الأجواء المحيطة بالأسرة الثلاثية، فسحبت بهدوء الحاجز الشفاف الذي كانت قد شكلته حول الملكة.
لأنها رأت أن من الأفضل أن يُنسب هذا الفضل كاملاً للأميرة.
“كما توقعت، كان كلام دوق والدوقة صائبًا، لقد كنتِ تملكين موهبة الفروسية منذ البداية، ووالدكِ الأحمق لم يدرك ذلك إلا الآن.”
“أبي……هل تقول هذا من قلبكَ حقًا؟”
“بالطبع، حتى لو استخدمتِ السيف، ألن تظلين ابنتي؟ لطالما اعتبرتكِ ناضجةً ومتميزة بشكل خاص، لكن تأكدي أن هذا ليس السبب في حبي لكِ أبدًا.”
بصوتٍ صار أكثر دفئًا، كشف الملك عن مشاعره الحقيقية.
وبما أنه قائد أمة، لم يكن بوسعه أن يكون أبًا لطيفًا دائمًا مع بناته، فكان عليه في بعض الأحيان أن يقسو عليهن ويكتم ألمه، من أجل مستقبل مملكة روشان وبناء أساسها المتين.
لكن في انغماسه الشديد بذلك الدور، نسي تمامًا جوهره كأب، و قد أدرك للتو أنه بصفته ملكًا، كان يفرض سلطته على الأميرات ويقمعهن.
وكان الأمر ذاته ينطبق على الملكة أيضًا.
“فايوليت”
"……أمي؟"
“شكرًا لأنكِ أنقذتني، لقد كنتِ مذهلة حقًا قبل قليل”
قالت الملكة ذلك، وقد نجحت بالكاد في تهدئة جسدها المرتجف، ممسكةً بيد فايوليت بإحكام وابتسامةٍ خفيفة على شفتيها.
لأنها لم تنجب ولدًا يرث العرش، كانت تحمل شعورًا بالذنب، وبدلاً من ذلك، أصبحت مهووسةً بتزويج بناتها تحت ضغط أنها يجب أن تربيهن على أكمل وجه.
لكن إدراكها بأن ذلك لم يسبب لفايوليت سوى الألم، أشعرها بوخزٍ من تأنيب الضمير.
تحدثت الملكة بصوتٍ مختنق بالبكاء.
“رغم أنني قلت كلامًا قاسيًا……الا أنني لم أعتبركِ يومًا ابنة ناقصة أو غير كافية.”
“حقًا……؟”
“لقد كنا في غاية السعادة عندما وُلدتِ، فكيف لنا أن نفكر بكِ كابنةٍ يسهل استخدامها؟”
أكثر ما آلَمهما كوالدين هو أن فايوليت كانت تُقلل من شأن نفسها بذلك الشكل.
صحيح أن فكرة قيام الأميرات الثلاث بواجباتهن كأميرات لم تتغير، لكن……بعيدًا عن ذلك، لم يكن الملك والملكة يريان بناتهن كأدواتٍ يومًا.
وبعد أن عاشوا كوالدين صارمين وابنةٍ مطيعة، تمكن الثلاثة أخيرًا من البوح بمشاعرهم الحقيقية التي ظلوا يخفونها، وامتلأت أعينهم بالدموع التي تلألأت عند أطرافها.
أما أراسيلا وداميان، فقد نهضا بهدوءٍ كي لا يزعجا وقت العائلة الخاص، وغادرا القصر بخطى خفيفةٍ جدًا.
***
منح الملك والملكة الإذن رسميًا للأميرة الكبرى بتلقي دروس الفروسية. وأكدا دعمهما الكامل لفايوليت قائلين أنهما لا يحتاجان إلى صهر لا يستطيع التعامل مع ابنةٍ بارعة وفارسة ذكية مثلها.
وبفضل أراسيلا وداميان، تمكنت فايوليت أخيرًا من تحقيق حلمٍ لطالما راودها منذ الطفولة، وجاءت لتعبّر عن شكرها بنفسها.
“هذا طقمٌ شوكولاتة من المنتجات المحلية لمملكتنا. جُلب من متجرٍ فاخر متخصص بالشوكولاتة ويُدار منذ خمسة أجيال.”
“شكرًا جزيلاً، سأستمتع بتذوقه بالتأكيد.”
“لا، في الحقيقة أشعر بالحرج لأنه لا يضاهي أبدًا ما قدمتماه لي من مساعدة.”
ابتسمت فايوليت بخجل، لكن أراسيلا، التي كانت تكبرها بست سنوات ولم تكن تتوقع هديةً فخمة من فتاة صغيرة، كانت راضيةً تمامًا.
“أتمنى لكِ أن تصبحي فارسةً عظيمة، يا أميرة.”
“شكرًا لكِ، يا دوقة. لا بد أن شهر عسلكما قد تعرّض للكثير من الإرباك بسببي، لذا أتمنى أن تقضيا ما تبقى من الأيام بسعادةٍ فقط.”
“نعم، عودي بسلام.”
رافقت أراسيلا فايوليت مودّعة، والتي انحنت لها عدة مرات، ثم عادت إلى غرفتها حاملةً علبة الشوكولاتة.
وعندما دخلت، رفع داميان حاجبًا بتعبيرٍ مستغرب، وهو جالس على الأريكة عاقدًا ساقيه بوجه متجهم، ينتظرها.
“ما هذا، زوجتي؟”
“الأميرة أهدتني الشوكولاتة كهدية.”
“أفهم……آمل فقط ألا تأتي لزيارتنا مرة أخرى.”
فهو لم يعد يحتمل أن يُقاطع شهر عسله، حتى أنه رفض مكافأة الملك. كان يتمنى من أعماقه أن تتركهم العائلة المالكة وشأنهم فقط.
نظرت أراسيلا إلى ديميان باهتمام، وهو يفرغ مشاعره التي كبتها طوال فترة إقامة فايوليت في القصر.
“يبدو أنكَ كنت ممتلئًا بالضيق أثناء وجود الأميرة، أليس كذلك؟”
“بل كثيرٌ جدًا، في الحقيقة……شعرت بالغيرة أيضًا.”
“غيرة؟ مماذا؟”
دوقٌ يغار من أميرةٍ صغيرة؟
تساءلت أراسيلا باندهاش وهي تميل برأسها. فأجابها داميان بنبرةٍ تحمل شيئًا من الشكوى.
“إطعامكِ لها أثناء الوجبات، واهتمامكِ بها أولًا في كل تدريب……شعرت أنني لم أعد الأولوية بالنسبة لكِ، فغمرتني الغيرة.”
اتسعت عينا أراسيلا بدهشة، فلم يخطر ببالها مطلقًا أنه كان يحتفظ بتلك المشاعر الصغيرة في قلبه.
ثم انفجرت بضحكةٍ خفيفة وسألته بصوتٍ مفعم بالمرح والمزاح.
“من بين كل ذلك، ما الذي شعرت بالغيرة منه أكثر؟”
“……من إطعامكِ لها الطعام.”
أما الاهتمام بها أثناء التدريب، فقد كان أمرًا عاديًا لأن أراسيلا كانت تزور دائمًا فرقة فرسان الصقر الأحمر، لكن الجلوس معًا وتناول الطعام من يدها كان شيئًا لم يفعله داميان معها بعد.
ومع أن شخصًا آخر كان يحصل على هذا الاهتمام من أراسيلا، فلم يستطع إلا أن يشعر بالألم في قلبه لمجرد رؤية ذلك.
وبعد أن قال ذلك، أصبح داميان محرجًا، وأدار وجهه وهو يشعر بالخجل بينما تحولت أذنه إلى اللون الأحمر.
نظرت إليه أراسيلا بابتسامةٍ لطيفة،
“إذاً، سأعوضك عن ذلك الآن.”
“……؟”
قبلته بلطف و في المسافة القريبة حيث كانت ترى عينيه بوضوح، همست أراسيلا،
“داميان، في الحقيقة، أنا أيضًا شعرت بالغيرة.”
“……على ماذا تقصدين؟”
“مظهركَ وأنت تمسك السيف كان رائعًا حقًا. لدرجة أنني لا أريد أبدًا أن يراه أي شخصٌ عاقل آخر غيري.”
على الرغم من أنها هي من جلبت الأميرة أمام داميان، إلا أن أراسيلا لم تكن ترغب مطلقًا في أن يكونا معًا بمفردهما. فلا يمكن أن يُسرق زوجها في شهر العسل.
لمستْ فكَّ داميان القوي والنحيف في آنٍ واحد، واعترفتْ بصدق،
“لهذا كنتُ أذهب بإصرارٍ لرؤية التدريبات، وأحرص على حجز المقعد بجانب الأميرة.”
“آه.”
“أتعلم؟ يُصبح الأمر صعبًا إذا كنتَ جذابًا جدًا أمام نساءٍ أخريات.”
لم يستطع داميان كبح ضحكته التي تفلتت، فأمسك خصر أراسيلا وسحبها نحوه أكثر.
ثم نقرتْ أراسيلا أصابعها. و ظهر سحر الرياح الذي أطلقته ليُغلق الستائر و النوافذ. فأصبحت الغرفة في منتصف النهار مظلمةً بما يكفي.
***
انتهت رحلة شهر العسل التي استمرت عشرة أيام.
بعد أن أعادت فايوليت إلى القصر، قضت أراسيلا ما تبقى من الوقت في المنزل، وفي اليوم الأخير أسرعت لشراء الهدايا لتوزيعها على من حولها.
بينما رافقها داميان بصمت، يساندها ويراقب حالتها بعناية.
ولحسن الحظ، صادف عودتهما إلى المنزل عطلة نهاية الأسبوع، فتمكنا من أخذ يوم إضافي للراحة قبل العودة إلى العمل.
و عندما عادت أراسيلا ووزعت الشوكولاتة التي اشترتها بالجملة، فرحت سالي كثيرًا.
“كنت دائمًا أسمع أن شوكولاتة مملكة روشان لذيذةٌ جدًا، وأردت تذوقها يومًا ما! شكرًا لكِ، سينباي! سأتناولها باستمتاع!”
“حسنًا، سالي……”
ربتت أراسيلا على رأس زميلتها الصغيرة اللطيفة، وبينما كانت غائبة، بدا أن زميليها اعتادا الشجار بلطف كعادتهما، إذ ما إن رأتهم حتى بدأ كل منهما يشتكي قائلاً: “لا أريد البقاء معهُ وحدي” و”لا نتفق أبدًا”، وما إلى ذلك.
“سأقوم بتوزيع الباقي على باقي المختبرات.”
“حسنًا.”
لوحت أراسيلا بيدها لروودي الذي كان بارعًا في العلاقات الاجتماعية، ثم أسندت ظهرها إلى الكرسي.
وأثناء تناولها للشوكولاتة واحدةً تلو الأخرى، سألتها سالي فجأةً وكأن شيئًا ما خطر في بالها.
“سينباي، بشرتكِ لم تسمر كثيرًا، أليس كذلك؟ كيف فعلتِ ذلك؟ سمعت أن شمس الشاطئ في مملكة روشان حارّةٌ جدًا وتجعل الجميع يسمرّون.”
“آه، لم أذهب إلى البحر.”
“حقًا؟ إذاً، الى أين ذهبتِ؟”
بدت سالي متعجبةً من أن أراسيلا لم تزُر أحد أشهر المعالم السياحية في مملكة روشان.
استعادت أراسيلا بعضًا من ذكرياتها هناك، لكنها بالكاد قضت وقتًا في الهواء الطلق باستثناء الأيام الأولى.
“فقط تجولت في المناطق المحيطة.”
“آه، فهمت. وكيف كانت رحلة شهر العسل؟ هل استمتعتِ بها؟”
أجابت أراسيلا بابتسامةٍ هادئة على سؤال سالي المشرق.
“كانت……رحلة شهر عسلٍ مميزة جدًا.”
رغم أن وزنها انخفض قليلًا بشكلٍ طفيف، إلا أن سالي لم تستطع إلا أن تظن أن أراسيلا قد قضت وقتًا سعيدًا، فقد بدا بأنها مشرقةٌ ومليئة بالحيوية.
____________________________
وبكذا انتهى الجزء الأول من الفصول الإضافيه ✨
المهم ام وابو فايوليت طلعوا مساكين بس تخيلوا لو الثريا ماطاحت؟ كان مب صاير شي وتكمل فايوليت حياة الاميره النموذجية!
صدق الروايات غريبين
و داميان يابزر اجل تغار لأنها تأكل وحده عمرها 17؟ 😭 بس حلوه
و أراسيلا يوم حطت الحمايه على الملكة🤏🏻 بنتي كفوة
Dana