“هوهوهو، يجب أن أتقاعد قبل أن يزداد الجو برودة.”
في أحد أيام أواخر الخريف حين بدأت الرياح تبرد تدريجيًا، أعلن فيليب تقاعده رسميًا.
و قد مرّ عامان منذ أن عيّنت أراسيلا وريثةً له.
كان هادئًا كما لو كان يختار قائمة الغداء. فمنذ أن اختار خليفةً له، كانت هذه الخطوة متوقعة، لذا لم يكن هناك ما يدعو للدهشة.
بدأ في تنظيم حياته تدريجيًا استعدادًا للتقاعد، وهو يتخلى بهدوء عن مهامه كسيد برج السحر. وبعد شهر من إعلان تقاعده، أُقيم حفل وداع فيليب.
ورغم شعورهم بالأسى، لم يتردد الناس في مدحه على إنجازاته العظيمة طوال حياته، والتمنّي له بمستقبل مشرق.
تقدّمت أراسيلا ممثلةً سحرة البرج لتُلقي عليه التحية.
“بفضل وجودكَ كسيد للبرج، تمكّنا من رؤية الكثير، والتعلُّم، والتطور. سنحفظ تعاليمكَ في قلوبنا ونواصل السعي للأمام. شكرًا لك على كل شيء، سيد البرج فيليب.”
وعندما انحنت برأسها باحترام، انحنى السحرة الواقفون أسفل المنصة جميعًا في صمت.
نظر فيليب إلى هذا المشهد بعينين تختلط فيهما المشاعر. و مرت أمامه لمحاتٌ من حياته التي كرّسها للبرج، وامتلأ قلبه بالفخر.
'آه، لم أعش حياتي عبثًا إذاً.'
لقد أثبت له تلاميذه وخلفاؤه الذين أمامه الآن أن الطريق الذي سار فيه، رغم ما ضحى به من حياته كإنسان، لم يكن باطلًا.
السحرة الذين ربّاهم في الماضي أصبحوا الآن مستقبل البرج.
و لم يكتفِ ببناء أمجاد مضيئة كسيد للبرج، بل وضع أيضًا أساسًا متينًا للجيل القادم.
وربما، فقط ربما، كان هذا أعظم إنجاز له، وأعز ما يمكن أن يفتخر به.
“هوهوهو، شكرًا لكِ. بوجود خلفاء متينين مثلكم، يمكنني الرحيل بلا همّ. البرج الذي ستقودونه سيزداد بريقًا وروعة. أهنئكم على استقبال مستقبل جديد.”
ابتسم فيليب بارتياح. لأنه يعلم أن هناك العديد من الخلفاء الرائعين، كان قادرًا على ترك كل شيء دون تردد.
وبالمثل، كان يعلم أن مستقبلًا مشوقًا ينتظره الجميع، مما جعل وداعه محاطًا بالاحترام والتقدير.
وسط تصفيق حار، قدّمت أراسيلا له باقةً كبيرة من الزهور واحتضنته للمرة الأخيرة وهمست له،
“لقد تعبت كثيرًا يا سيدي. سأصبح سيد البرج الذي لن يخذلك، لذا أرجوكَ راقبني عن كثب.”
“لا أحتاج لأن أفعل ذلك، فأنا أثق بكِ يا أراسيلا. عيشي حياتكِ وأطلقي طاقاتك بحرية. هوهوهو!”
صدى ضحكة فيليب المميزة كان أجمل من أي وقت مضى.
ضوء الشمس الذي ارتطم بالثريات تناثر كقطع قوس المطر. و كانت نهايةً جميلة كسماء الغروب المشرقة.
بعد انتهاء حفل وداع فيليب بنجاح، أُقيم حفل تنصيب أراسيلا بفاصلٍ زمني أسبوعي.
اختارت أراسيلا ترتيب مظهرها بشكل مرتب وأنيق بدلًا من التأنق المبالغ فيه، وكان إلى جانبها داميان الذي تزين كطاووس.
تحت الشعر الفضي المصقول إلى الجانب، كان وجهه النحتي يلمع بشكل بارز.
كان يرتدي زيًا أبيض يشبه زي برج السحر مع رداء أزرق، مما جعل مظهره أكثر بروزًا.
ما ستظهره أراسيلا اليوم هو الهيبة والكاريزما كسيدة البرج، لكن داميان كان يرى أن دوره هو أن يكون أفضل “كأس” يحتويها.
وبفضل ذلك، جذب تناغم زوجته البسيطة والأنيقة مع زوجها المزخرف بأفضل صورة، انتباه الكثيرين.
“واو، زوج سيدة برج السحر الجديد وسيمٌ حقًا. يبدوان مناسبين لبعضهما البعض.”
“كما هو متوقع، يبدو أن الشخص القادر دائمًا ما ينال الجميلات. وبالطبع في حالة السيدة فهي التقت بشخص يشبهها.”
“مع ذلك، يبدو أن لديها زوجًا يدعمها جيدًا. سمعت أنه بمناسبة حفل التنصيب اليوم قام أيضًا بالتبرع لمكان ما.”
“أوه، حقًا؟ إذًا هذا الحفل لن يكون له معنى بالنسبة لنا فقط بل سيكون ذا مغزى للآخرين أيضًا.”
أصوات السحرة المحيطين كانت تصل أحيانًا إلى مسامع داميان. و كان راضيًا جدًا عن قيامه بدوره على أكمل وجه.
و لم يكن يتوقع أن يكون مناداته كزوج أحدهم أمرًا يسر السمع إلى هذا الحد. لدرجة أنه شعر برغبة في أن يصرخ بأنه زوج أراسيلا ويفاخر بذلك.
“أنا أيضًا أريد أن أصبح ساحرًا مثل سيدة برج السحر الجديد. عندما أفكر في المصاعب التي مرت بها، أليس من الرائع أنها تغلبت على كل شيء وحققت هذا النجاح؟”
“أتفق معك. من خلال سيدة برج السحر تعلمت أنه حتى عندما نصطدم بجدار الواقع لا يجب أن نيأس بل من المهم ألا نفقد الشجاعة والصبر وأن نستمر في أداء ما علينا.”
“لذلك علينا نحن أيضًا ألا نُحبطَ ونجتهد أكثر! حتى لا نتخلف عن السيدة ونظل نسير خلفها.”
بينما كان يشاهد من يكنّون احترامًا حقيقيًا لزوجته، شعر داميان بالاعتزاز بدلًا عنها. وفي الوقت نفسه غمره شعورٌ عميق بالارتياح.
فقد تأكد بعينيه أن زواجه منها لم يكن عائقًا أمام أراسيلا. وتلاشى القلق الصغير الذي ظل عالقًا في ركن من قلبه.
نظرت أراسيلا إلى زوجها الذي بدا فجأةً مرتاح الملامح ومالت برأسها باستغراب. فابتسم داميان بهدوء وفتح فمه،
“من الرائع رؤية هذا العدد من الأشخاص يهنئون زوجتي على تنصيبها. كيف تشعرين بتحقيقكِ لهذا الحلم؟”
“أنا سعيدةٌ جدًا ومسرورة، لكن لا يمكنني أن أكتفي بهذا. فهذا ليس إلا نقطة البداية في حلمي.”
قبضت أراسيلا يدها وأشرقَت عيناها.
تحقيق حلم الطفولة بأن تصبح سيدة برج السحر لم يكن النهاية بل البداية. فلا يزال أمامها الكثير من العمل.
لكن بدل أن تشعر بالقلق، كانت واثقة. لدرجة أنها كانت تتطلع بشوق لبدء فترة ولايتها كسيدة للبرج في أقرب وقت.
نظر إليها داميان بحب، وكأنها نبتةٌ يافعة في ربيع مشرق مفعمة بالحيوية.
كان يريد دائمًا أن يدعمها بقوة من الخلف حتى تتمكن من نشر إرادتها كما تشاء. فراح يمسح برفق ظهر يدها بإبهامه،
“إذًا، سأستمر في دعم زوجتي بإخلاص كما أفعل الآن.”
“ليس هناك داعٍ لذلك. أنتَ أيضًا مشغولٌ بأعمال الدوقية وفِرَقة الفرسان.”
“لا يوجد شيءٌ أهم عندي من زوجتي. أي عمل مهما كان يأتي بعدها. لذا أرجوكِ لا تحاولي انتزاع هذا المتعة التي سأحظى بها بقية حياتي منذ الآن.”
ثم طبع قبلةً خفيفة على ظهر يدها وابتسم بخفة.
و تزامن ذلك مع بداية كلمة التهنئة الرسمية التي سيلقيها سالي ورودِي.
أطلقوا الناس هتافات حماسية باتجاه سيدة البرج وزوجها. وبرغم أن تلك الملامسة لم تكن ذات شأن، إلا أن ردود الفعل كانت شديدةً لدرجة أن أراسيلا شعرت بالارتباك.
أما كلمات التهنئة المخلصة من التلاميذ الصغار فقد زادت من حماس الأجواء.
ثم وقفت أراسيلا على المنصة ورفعت الكأس الذي احتوى شراب التهنئة.
“من أجل تطور وازدهار البرج الدائم.”
بعد الكلمة البسيطة، انطلقت من كل جانب أصوات اصطدام الكؤوس الزجاجية.
شربت أراسيلا كأسها بالكامل وألقت نظرةً على القاعة. ولم تجد في وجوه الناس ولا في نظراتهم المتحمسة أي أثر للقلق نحوها.
كانت انطلاقةً منعشة بحق لكونها بدأت بهذه الصورة المشجعة والمفعمة بالأمل.
***
فيلِب ترك مكتب العمل نظيفًا ومرتبًا. و بفضله، استطاعت أراسيلا نقل أمتعتها بسهولة إلى ذلك المكتب، وتحويله إلى مكتبها الخاص الجديد.
إن كان مكتب المعلم فخمًا وعتيق الطراز، فمكتب التلميذة كان العكس تمامًا.
بدلًا من الأجواء العتيقة، كان أنيقًا، و مشرقًا، وبسيطًا. انعكس فيه تمامًا طبع أراسيلا التي لا تحب الفوضى والتعقيد.
أما المختبر الذي أصبح خاليًا بعد انتقالها إلى قمة البرج، فقد آل إلى سالي ورودِي ليتقاسماه سويًا.
في الأصل، كانت تنوي منح كل واحد منهما مختبرًا مستقلًا، لكن رغم مشاحناتهما الدائمة، أرادا هذه المرة البقاء معًا.
وبالنسبة لأراسيلا، التي كانت مترددةً لمن تهدي مختبرها، كان هذا الحل مريحًا.
“يا رفاق، يجب أن تبقوا دائمًا على هذا الوئام. لا يجوز أن تتشاجروا وتفترقوا. وإن حدث ذلك، سيُدمَّر هذا المختبر.”
قالت أراسيلا ذلك وهي تنقل آخر أغراضها من المختبر. أما سالي ورودِي اللذان كانا يتشاجران قليلًا، فقد هزّا رأسيهما بسرعة.
“لا تقلقي، سينباي. لا، بل يا سيدة البرج! سنحمي هذا المكان حتى النهاية.”
“هذا المكان مليءٌ بذكرياتنا وجهودنا وشغفنا. لن نسمح أن يُسلَّم لشخص آخر. سأهتم به جيدًا، يمكنكِ الاعتماد عليَّ.”
“ما هذا الكلام، يجب أن تعتمدي عليّ أنا. سأراقب رودِي كي لا يتسبب في المشاكل! شكرًا لكِ لأنكِ كنت لنا معلمةً رغم تقصيرنا.”
“تلك المشاكل أنتِ من تتسبب بها غالبًا، وأنا من يتكفل بحلّها. على كل حال، كان شرفًا لي أن أكون تلميذكِ.”
احتضنتهما أراسيلا وهي تربّت على كتفيهما بلطف، رغم استمرار مشاحناتهما حتى اللحظة الأخيرة.
من الآن فصاعدًا، لم يعودوا سينباي و متدربيها، بل سيدة البرج وسحرته.
كان في لمستها تلك الكثير من الامتنان والحنين.
"أنا أيضًا كان شرفًا لي أن ألتقي بتلاميذ موهوبين مثلكما. سالي، رودِي، أشكركما حقًا. أعتمد عليكما في المستقبل أيضًا."
ابتسمت أراسيلا وهي تلقي تحية الوداع كمعلمة، وتحيتها الأولى كسيدة البرج. فارتسمت ابتسامة مشرقة كذلك على وجهي سالي ورودِي.
بعد أن رتبت مختبرها مع متدربيها، بدأت حياتها كسيدة البرج بشكل رسمي.
قضت أراسيلا أسبوعها الأول في التأقلم مع العمل وفهم وضع البرج الداخلي بسلاسة. وفي الأسبوع التالي، عقدت أول اجتماع للقياديين.
كان أول اجتماع تعقده سيدة البرج الجديدة، فحضر القادة بمزيجٍ من التوتر والفضول.
جلست أراسيلا في المقعد الرئيسي ونظرت بهدوء إلى الحاضرين.
قبل بضع سنوات فقط، كانت هي الساحرة الوحيدة بين القادة. لكن أثناء تعيين القياديين الجدد، حدث تغيير. إذ اختارت أراسيلا بعناية الساحرات ذوات الخبرة والقدرة بين القلة المتوفرة في البرج، حتى أصبح التوازن بين الجنسين متقاربًا نوعًا ما.
“أنا جمعتكم اليوم لأن هناك مسألةً أود مناقشتها معكم.”
“وما هي تلك المسألة، يا سيدتنا؟”
سأل ساحر مسن يكبر أراسيلا بعقود بكل احترام. و كان يظهر كامل التقدير لسيدة البرج الجديدة.
“بعد متابعتي للأمور خلال الأسبوع الماضي، شعرت بضرورة تحسين بعض الجوانب الثقافية والتنظيمية غير السليمة داخل البرج.”
“ما هي بالتحديد تلك الأمور التي تقصدينها؟”
“أولًا، مختبراتنا شديدة الانغلاق. لقد منحنا أصحاب المختبرات كافة الصلاحيات لإدارتها بحرية، حتى صرنا لا نعرف فعليًا ما يجري داخلها من الخارج.”
كانت النية الأصلية احترام خصوصية الأفراد وضمان حرية الإبداع، لكن مع مرور الوقت، صار الجانب السلبي يتفوق على الإيجابي.
بما أن الإدارة العليا لا تتدخل إطلاقًا، يزداد عدد الذين يتصرفون كملوك داخل المختبرات. وبسبب ذلك، هناك العديد من السحرة الصغار الذين يعانون من الظلم ولا يستطيعون التعبير عنه.
علاوةً على ذلك، لا يمكن العمل في المختبر إلا بعد الحصول على إذن من السحرة الأكبر، لذلك لا يمكنهم حتى الاعتراض ويتوجب عليهم الخضوع.
“تركيز السلطة في يد شخص واحد ليس حرية، بل هو فعل يسبب القمع. أرى ضرورة تصحيح هذا الوضع.”
عندما تحدثت أراسيلا بحزم، بدأ القادة الذين كانوا يستمعون بجدية يعبرون عن موافقتهم واحدًا تلو الآخر.
“حقًا كلامكِ صحيح. في شبابي عانيت كثيرًا بسبب السحرة الأكبر، لذا أستطيع أن أتفهم ما تقولينه جيدًا.”
“لكن عندما يكون العمر صغيرًا يشعر الجميع بالظلم، ومع مرور الوقت والتعود عليه، حتى وإن أصبح لديهم القوة، لا يفكرون في تغييره.”
“في هذا الجانب، أعتقد أن سيدة البرج أشارت إلى النقطة الصحيحة. هل فكرتِ في حلول لتحسين الوضع؟”
أومأت أراسيلا برأسها.
اقترحت إلغاء نظام اختيار التلاميذ مباشرةً من قبل السحرة الأكبر، وأن يقوم البرج نفسه بتعيين تلاميذ لكل مختبر.
وإجراء تقييم ومراجعةٍ داخلية لكل مختبر مرتين في السنة. وإنشاء قسم جديد للوساطة عند حدوث مشاكل بين السحرة الأكبر والأصغر.
عندما عرضت هذه الحلول التي فكرت بها بجد، أبدى الجميع ردود فعل إيجابية، وقالوا إن هذا سيحل المشكلة دون الإضرار بحرية واستقلالية المختبرات بشكل مفرط.
“وقد وجدت مشكلةً أخرى أيضًا.”
بعد أن تم اختتام البند الأول بهدوء، بدأت أراسيلا فورًا بطرح الموضوع التالي.
_____________________
هلو ادري طولت مره بس عاد معلش كله من آيريس
المهم ذي آخر دفعة من ست فصول وماعاد فيه شي 😔
بس نزلت زياده فصول خاصه عشان المانهوا و لا أعرف شلون بأسحبها لأنها بنافير 😭
كان ودي اسحبها عشان يمكن اراسيلا تولد فيها😔
المهم الجزء ذاه مافيه ولاده بس اراسيلا حملت وانتهى قبل تولد
Dana