“نظام الرفاهية الضعيف في برج السحر يمثل مشكلةً كبيرة أيضًا. الرفاهية يجب أن تكون عادلة، مع دعم الضعفاء نسبيًا، لكن برج السحر الآن يفعل العكس تمامًا.”
ولم يكن ذلك غريبًا، إذ إن نظام الرفاهية في البرج قائمٌ على مبدأ الإنجاز الصارم.
فكلما زادت النجوم على صدر الساحر، وكلما حقق إنجازاتٍ أكبر، نال امتيازات أكثر من غيره.
ولهذا السبب كانت أراسيلا قادرةً على أخذ إجازة متى ما شاءت، لأنها نفذت معظم أبحاثها ومهامها بنجاح. أما السحرة الذين لم يحققوا أي نتائج، فكانوا يعملون بلا راحة ولا يُمنحون أي تقدير.
لطالما كان إهمال غير الكفء وتفضيل الموهوبين من العادات المتجذّرة في برج السحر.
“لكن أليس من الطبيعي أن ينال من يحقق إنجازاتٍ عظيمة مكافأةً تستحق ذلك؟ هذا ما يمنحهم الدافع لبذل المزيد من الجهد.”
“لكن أن يُحرم سحرةٌ آخرون من أبسط الحقوق لمجرد أنهم لا يملكون نفس حجم الإنجازات، فهذا غير معقول. وقبل كل شيء، برج السحر الآن لا يوفّر بيئة عادلة لجميع السحرة ليثبتوا كفاءتهم.”
فكما ناقشوا في الموضوع السابق، كان تسلسل الرتب بين القدامى والجدد صارمًا إلى درجة أن الشباب نادرًا ما ينجحون في تحقيق إنجازات، كما أن الاجتماعات السابقة لكبار المسؤولين كانت تُظهر بوضوح التفاوت في المعاملة بين السحرة الذكور والإناث.
وكان لغياب نظامٍ داعم من البرج دور كبير أيضًا، إذ إن معظم الساحرات كنّ يُجبرن على التقاعد عند الزواج دون أي دعم مؤسسي.
لذلك، كانت أراسيلا تأمل على الأقل في تحسين هذه النقطة، لتقليل حالات التقاعد المبكر لدى الساحرات.
“إن أردنا أن نعيش بفخر لانتمائنا إلى برج السحر، فلا ينبغي أن نطرد من يتخلف قليلًا كما لو أننا نستبعده بسيف، بل يجب أن نمد له اليد وننتظر.”
قالت أراسيلا ذلك وهي تنظر بثبات إلى الساحر الذي اعترض عليها.
“لأننا لسنا جميعًا نمتلك نفس الظروف والبيئة.”
“……كـ……همم، هذا صحيح في الواقع. لقد كنتُ ضيق الأفق في تفكيري.”
قال الساحر ذلك وهو يسعل بحرج ويتراجع خطوةً إلى الوراء موافقًا.
عندها قرروا تعديل المعايير القديمة التي كانت تُقيِّم أحقية الإجازة والتفرغ فقط على أساس الأداء، ليضيفوا إليها عوامل مثل الحمل ورعاية الأطفال، مع صياغة قواعد صارمة داخل البرج تمنع أي معاملةٍ غير عادلة في حال استخدام تلك الإجازات.
وبعد ذلك، استمروا في تبادل الآراء بحماسٍ وهم يصغون لبعضهم البعض باهتمام.
ورغم أن الوقت المحدد للنقاش كان قد انتهى، لم يتوقف النقاش، بل تقرر استكماله في اليوم التالي.
و استمرت تلك الأيام الحماسية التي تفوق حرارتها برودة الشتاء القارس.
***
بينما كان داميان يمشي في الممر، توقف فجأةً وألقى نظرة إلى الخارج.
كانت الزهور الخضراء والملونة ترفع رؤوسها بحذر في الأماكن التي ذاب فيها الثلج الأبيض المتراكم طوال الشتاء.
لقد مرّت عدة أشهر منذ أصبحت أراسيلا سيدة برج السحر. وبينما كان الزوجان يقودان عائلتهما والبرج من مواقعهما المختلفة ويعيشان حياةً مزدحمة، كانت فصول السنة تتغير بسرعة، وموسم قد مضى بالفعل.
منذ أن أصبح داميان دوقًا في ربيع العام الماضي، بدأت حياته تستقر ويشعر بالهدوء والراحة، أما أراسيلا، فلم تكن قد وصلت إلى تلك المرحلة بعد.
لقد كانت منشغلةً للغاية، حتى أن الأيام التي تعود فيها إلى المنزل في الوقت المحدد تكاد تُعد على الأصابع.
'ترى، هل ستعود زوجتي مبكرًا اليوم؟'
تأمّل داميان زهرةً بلون بنفسجي باهت تشبه لون شعر أراسيلا، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفة.
في فصل الربيع، حين تستيقظ الحياة في الطبيعة، سيحلّ يوم ميلاد أراسيلا. و لم يتبقَ سوى أيام قليلة، إذ يصادف منتصف هذا الشهر.
ولأنه لم يسبق له أن احتفل بميلادها بشكل لائق طوال تلك السنوات، فقد قرر أن يبدأ من هذا العام، ويجعل من ميلادها مناسبةً يحتفلان بها سنويًا كذكرى خاصة.
باحتفالٍ لا يقل عن أي أحد، بهديةٍ، وبقبلةٍ، وبحفلٍ مميز.
من أجل ذلك كان داميان قد بحث مسبقًا في أمورٍ شتى ووضع خطته بالفعل. لكنه كان بحاجة إلى سؤال أراسيلا عن بعض الأمور ليقدّم لها يوم ميلاد مثالي.
لذا كان يرجو من أعماقه أن تعود إلى المنزل مبكرًا اليوم. فهو لم يتمكّن من تناول العشاء مع زوجته ولو مرةً واحدة طوال هذا الأسبوع.
لكن أمنيته لم تتحقّق. ولسوء الحظ، تأخرت أراسيلا في العودة إلى المنزل أكثر من المعتاد في ذلك اليوم. و لم تعد إلا بعد أن مضى وقتٌ طويل على حلول الظلام.
ما إن سمع داميان صوت الباب يُفتح، وهو لا يزال مستيقظًا ينتظر زوجته، حتى نهض من على الأريكة.
“عزيزتي، هل عدتِ سالمة؟”
“آه، داميان. لم تكن نائمًا؟ هل أيقظتكَ بالخطأ؟”
“لا، لا، لقد كنت مستيقظًا. لقد عانيتِ كثيرًا اليوم أيضًا.”
قال داميان ذلك وهو يحتضن وجنتي أراسيلا بكل حنان ويطبع عليهما قبلةً خفيفة. ثم قبلة، و قبلة. لكن صوت القبلات اللطيفة تغيّر بسرعة ليصبح أعمق.
وضع داميان إحدى يديه خلف رأس أراسيلا وعانقها، وفي الأخرى جذب خصرها نحوه. فبادلتْه أراسيلا العناق، ولفّت ذراعيها حول عنقه واندفعت إلى حضنه.
لقد مرّ وقتٌ طويل منذ أن تبادلا قبلةً كهذه، بعد أيام مزدحمة بالكاد تمكّنا فيها من رؤية بعضهما.
أمال داميان رأسه، وأدخل يده بين طيات سترتها الرسمية الخاصة ببرج السحر، وراح يمررها على خصرها النحيل.
حتى الآن، كان داميان يمتنع عن لمس أراسيلا كثيرًا مراعاةً لحالتها الصحية. فعندما كان يراها مرهقة تمامًا، تنهار في النوم مباشرةً بعد الاستحمام وتناول الطعام، لم يكن ليشعر بالرغبة قبل الشفقة، وإلا لما كان إنسانًا.
وفوق ذلك، كان يدرك من حديثها المقتضب أثناء تواصلهما كم تعاني وتُجهد في قيادة التغيير داخل برج السحر. لذا لم يشأ أن يضيف عبئًا آخر عليها فصبر وكبح نفسه.
'بما أن عزيزتي هي من تبادر الآن، فلا بأس إن انتقلنا إلى الخطوة التالية.'
ما إن اشتعلت النار، حتى بات من الصعب على داميان أن يتصرّف كقديس. و راح يقبل شفتي أراسيلا أكثر، وفي اللحظة التي مدّ فيها يده أعمق قليلاً، توقّفت فجأة كل حركةٍ من أراسيلا، وانهار جسدها الخفيف كريشة في حضنه.
“……أراسيلا؟”
رفع داميان رأسه بقلق وحدّق بزوجته بلهفة. بينما كانت تستند بوجهها إلى كتفه، مغمضة العينين بهدوء. و أنفاسها كانت منتظمة، وملامحها ساكنة.
بكلمةٍ واحدة، لقد نامت.
“آه……”
تنهد داميان ورفع يده إلى جبينه بشعورٍ متداخل من الارتياح والحيرة.
كانت أراسيلا، النائمة بعمق في حضنه دون أن تدري بشيء، تبدو محبوبة……وإن كانت تستحق بعض اللوم.
ومع ذلك، حملها برفق ووضعها في السرير. و خلع عنها زيها الرسمي غير المريح، وألبسها بنفسه ثوب النوم، ثم وضع وسادةً تحت رأسها وغطّاها حتى صدرها.
وبينما يتأمّل وجهها النائم كالأطفال، ذابت مشاعره دفعةً واحدة. و لمس طرف أنفها المستدير الحاد بلطف، ثم ابتسم بخفة واستلقى إلى جانبها.
“أحلامًا سعيدة، عزيزتي.”
همس داميان بصوتٍ خافت وأغمض عينيه، تاركًا أمانيه التي لم تتحقّق لتخمد من تلقاء نفسها، ومؤجلًا أسئلته إلى الغد.
وفي صباح اليوم التالي، لم تتذكر أراسيلا شيئًا عن تصرفاتها في الليلة السابقة. وهذا يعني أنها كانت متعبةً للغاية عند عودتها إلى المنزل.
لكن داميان، الذي تفهّم الأمر، لم يشعر بأي استياء، وكان يستعد ليسألها عن الأمور المتعلقة بالميلاد.
“آه، داميان. لديّ شيءٌ أودّ قوله لكَ.”
حتى باغتته أراسيلا بالكلام أولًا.
“أعتقد أنني سأسافر الأسبوع القادم في رحلة عمل عاجلة لمدة أسبوع.”
“……هكذا فجأة؟ لأي سبب؟”
سألها داميان بدهشة، فيما أخذ عقله يدور بسرعة.
رحلة عملٍ لمدة أسبوع تبدأ من الأسبوع القادم……وهذا يتزامن تمامًا مع أسبوع ميلاد أراسيلا.
بمعنى آخر، فإن الحفلة الفاخرة واليوم الرائع الذي خطط له بكل جدّية……في طريقها للتبخر.
“سيُعقد مؤتمرٌ سحري يحضره سحرةٌ من جميع أنحاء القارة في مملكة سيلين. وأردت أن أستغل الفرصة لأعلن رسميًا أنني أصبحت سيدة برج السحر، وأقوم ببعض اللقاءات والتحيات الرسمية.”
“……هل من الضروري أن تذهبي؟ ماذا لو أجلتِ الأمر إلى العام القادم؟”
“لا يمكن. لا أحد يعلم متى سيُعقد في المرة القادمة. فهم ينظمونه دائمًا فجأة، بحجة أنه من المستحيل تنسيق الجداول الزمنية لجميع السحرة.”
قالت أراسيلا ذلك بحزم، من دون أن تدري كم كان حلق داميان جافًا من التوتر. لذا كانت تخبره بالأمر على عجل بعد أن اضطرت لتأكيد الرحلة.
و لم يستطع داميان، الذي كان يُحضّر لحفلة ميلادها، أن يطلب منها صراحةً ألا تذهب. فأخفى حزنه وأومأ برأسه بهدوء.
“إذًا……رافقتكِ السلامة.”
“حسنًا، سأُحضر لكَ هديةً في طريق العودة. هل هناك شيءٌ تهتم به من المنتجات المحلية لمملكة سيلين؟”
“لا، لا يوجد. لا أريد شيئًا، فقط عودي سالمةً وبصحةٍ جيدة.”
ابتسم داميان ابتسامةً ناضجة قدر استطاعته. فليس من اللائق أن يتشبث بزوجته الأصغر منه ليُحقق خطته الأنانية.
كما أن ذلك لا يتماشى مع صورة الزوج الداعم التي يسعى إليها.
وكما حدث في الليلة الماضية، لم يكن أمامه سوى أن يبتلع خيبته وحده.
وهكذا، حتى حين ودّع أراسيلا بعد أيام عند مغادرتها إلى مملكة سيلين، ظل داميان هادئًا ومليئًا بالحنان.
“سأشتاق إليكَ يا داميان. سأعود سريعًا، لذا انتظرني قليلًا فقط.”
“لا تتعجلي، استمتعي بوقتكِ وعُودي على مهل. أنا باقٍ هنا ولن أذهب إلى أي مكان.”
طبع داميان قبلةً على جبينها الأبيض ثم وقف، و يده في جيبه، يراقب أراسيلا وهي تصعد إلى السفينة الجوية المتجهة إلى مملكة سيلين.
و يبدو أنها نسيت تمامًا أن الأسبوع القادم يصادف يوم ميلادها. وحيث أن كل تفكيرها منصبٌ هذه الأيام على برج السحر ومسؤولياته، فإن ذلك لم يكن مستغربًا.
وأثناء نظره إلى السفينة التي أخذت ترتفع في السماء، قرر داميان إعادة النظر كليًا في خطة حفلة الميلاد الفخمة.
صحيح أن صاحبة المناسبة قد نسيت ميلادها كليًا، لكن فكرة تجاهله تمامًا لم تكن واردةً عنده ولو للحظة.
بما أن الأمور سارت على هذا النحو، فعلى الأقل عليه أن يحتفل بها بشكلٍ بسيط.
ولحسن الحظ، كانت أراسيلا تنوي العودة إلى البلاد في يوم عيد ميلادها نفسه. ربما ستصل مساءً، لكن مجرد عودتها في اليوم ذاته كان كافيًا ليشعر بالرضا.
ظل داميان واقفًا في مكانه حتى اختفت السفينة في السماء كنقطة صغيرة، ثم عاد إلى المنزل وأصدر أمرًا مباشرًا للخادم،
“ألبرت، استدعِ كبير الطهاة.”
“أمرُك، يا دوق.”
وبينما لم تمضِ سوى لحظاتٍ على جلوسه واضعًا ساقًا على ساق في مكتبه، كان كبير الطهاة قد هرول إليه وهو يراقب تعابير الدوق بحذر، ثم انحنى احترامًا.
“هل استدعيتني يا دوق؟”
“سمعت أنكَ ساعدت زوجتي قبل سنوات في إعداد الكعكة يوم ميلادي، صحيح؟”
“نعم، صحيح.”
ارتجف كتفا الطاهي وهو يتذكّر تلك الكعكة الفظيعة.
هل ينوي الدوق فجأة محاسبته عليها؟
أخذ ينظر حوله في حيرة، لكن ما سمعه بعد لحظة كان كالصاعقة على أذنيه.
“هل يمكنك أن تعلّمني كيف أصنع كعكةً أنا أيضًا؟”
“نـ-نعم……عفوًا؟”
حدّق كبير الطهاة بدهشةٍ في سيده الذي بدا أنيقًا وفخمًا كتمثال منحوت.
ثم ابتسم داميان بهدوء، ورفع زاوية فمه بسلاسة،
“اقترب يوم ميلاد زوجتي، وأريد أن أعدّ لها كعكةً بيدي.”
“آه……”
أغمض كبير الطهاة عينيه بقوة وهو يتذكّر مهارات أراسيلا المروّعة في الخَبز، حين كانت تخوض تلك التجربة بكل ثقة منذ سنوات.
'ألا يمكنكٍ فقط ترك هذه الأمور لنا يا سيدي……؟'
فإذا كانت أراسيلا، صاحبة اليدين النحيلتين والناعمتين، قد فشلت في صنع كعكة، فما الذي يمكن أن يفعله داميان، الذي لم يستخدم يديه قط إلا في حمل السيف طوال حياته؟
“……ألا يمكنكَ ذلك؟”
“لـ-لا! بالتأكيد! سأبذل قصارى جهدي!”
لكن في حضرة سيده المرعب الذي كان يحدّق إليه بعينين لامعتين، لم يجرؤ كبير الطهاة على الرفض، فصرخ بحماسٍ وكأن الدموع تغمر عينيه.
“أحسنتَ.”
فابتسم داميان برضا، وصرفه.
وبما أن إقامة حفلةٍ كبيرة بدعوة الأصدقاء والعائلة باتت مستبعدة، فقد قرر أن يعبّر عن مشاعره بطريقته الخاصة، من خلال إعداد كل شيء بنفسه.
وعندما فكّر في الأمر مجددًا، بدا له أن إقامة حفلةٍ بسيطة بينه وبين أراسيلا فقط قد تكون أجمل بكثير، لذا بات ينتظر عودتها في أقرب وقتٍ بكل لهفة.
_____________________
عساها ترجع عاد 😭 ياعمري مسكين رحمته😭😭😭😭😭😭😭
المهم ابشركم صح ذا الست فصول مافيها عيال والصدق اني سحبت يوم دريت ان مافيه عيال بس فيه ست فصول خاصه نزلتتتت
وفرتها لي سورا ادعوا لها بنشوف اراسيلا وداميان عندهم عياااال
Dana