206 - الإضافي9: الحياة اليومية لزوجين عاديين (3)

كان مؤتمر السحر المقام في مملكة سيلين صاخبًا ومفعمًا بالحيوية. و كان الخمر يُقدَّم في كل زاوية، وعندما يحل المساء تنطلق عروض الألعاب النارية، حتى بات أشبه بمهرجان.

وكانت أراسيلا محطّ الأنظار أكثر من أي ساحر آخر في المؤتمر، فقد كانت أول امرأةٍ شابة تتولى منصب سيّدة برج السحر في إمبراطورية عريقة ذات تاريخ طويل.

البعض كان مدفوعًا بالفضول، والبعض الآخر وجد في أمرها ما يثير الاهتمام، وكان هناك من أظهر اللطف، كما وُجد من نظر إليها باستعلاءٍ واحتقار.

ومع هذا التنوع في ردود الأفعال، اتخذت أراسيلا موقفًا مرنًا. فكانت تردّ بلطف على من يبادر باللطف، أما من يسخر منها أو يستفزّها، فكانت تسحق غروره بردّ قاسٍ وساخر.

وبفضل ذلك، لم تمضِ سوى أيامٍ قليلة حتى انتشرت شائعةٌ تقول أن سيّدة البرج الجديدة ليست بالشخص السهل أبدًا.

لكن أراسيلا لم تكترث كثيرًا. فهي ترى أن يُنظر إليها بشيءٍ من الصعوبة أفضل بكثير من أن تبدو سهلة المنال.

فاندمجت في محيطها مع أولئك السحرة الذين أبدوا حسن النية منذ البداية، وبحلول منتصف جدول المؤتمر، لم يجرؤ أحدٌ بعد ذلك على مضايقتها، مما جعل الأجواء أكثر راحةً بالنسبة لها.

“على فكرة، هل صحيحٌ أنكِ ما زلتِ غير متزوجة، يا سيدة أراسيلا؟”

“لا، أنا متزوجة.”

أجابت أراسيلا وهي تُري السائل خاتم الزواج في خنصر يدها اليسرى. فابتسم الطرف الآخر ابتسامةً محرجة،

“آه، أعتذر. بدوتِ صغيرةً جدًا، فظننت أنكِ غير مرتبطة.”

“لا بأس، من الطبيعي أن يظن المرء ذلك.”

“وهل زوجكِ ساحرٌ أيضًا؟”

كان من بين الحضور من لم يكن يعرف تفاصيل حياة أراسيلا وزوجها، لكونهم ليسوا من نفس الإمبراطورية، فسألوا بفضول.

و أجابت أراسيلا دون أي تردد أو تفكير،

“زوجي فارس. وهو شخصٌ لطيف……وظريفٌ للغاية.”

“هاهاها، واضحٌ من كلامكِ أن بينكما علاقةً زوجية مليئة بالود والانسجام!”

“بما أنكِ وصفته بالظريف، فلا بد أن ملامحه ناعمةً بعض الشيء؟ يقال أن الإنسان غالبًا ما ينجذب إلى الشكل النقيض له.”

أمالت أراسيلا رأسها قليلًا، لكنها لم تُنكر ما قيل. مع أنها سمعت كثيرًا من قبل أن ملامحهما متشابهةٍ إلى حد ما، إلا أن داميان كان بالفعل لطيفًا……وظريفًا أيضًا.

صحيحٌ أن داميان، من وجهة نظر الناس، كان وسيماً إلى حد مخيف، لكن في عيني أراسيلا، لم يكن سوى رجل لطيف يبتسم لها دائمًا، ولهذا لم تستطع إصدار حكم موضوعي على شكله، واكتفت بالابتسام والموافقة على كلامهم.

من دون أن تدري أنه، في المستقبل البعيد، حين يرى الناس صورته في الصحف، سيفزعون من وسامته الباردة ونظرته الحادة.

بعد أن أمضت وقتًا في الحديث مع الآخرين، تسللت أراسيلا وحدها نحو الشرفة.

كان الليل قد خيّم بالفعل، وكما هي العادة، بدأت الألعاب النارية تنفجر في السماء. فتأملت أراسيلا تلك الألوان الساحرة التي تناثرت في السماء المظلمة، وفكّرت في داميان.

'كم كان سيكون جميلًا لو كان داميان معي الآن……'

لو كان بقربها، لضمّها بذراعيه الدافئتين وأعارها كتفه العريض، وكانت ستتّكئ عليه براحة، ممسكةً بيده، يشاهدان سويًا الألعاب النارية.

'آه……أشتاق إليه كثيرًا.'

وفجأة اجتاحها شوقٌ كبير لداميان. فقد كانت مشغولةً للغاية مؤخرًا، حتى أنها بالكاد رأته قبل سفرها.

لكنها كانت تعلم أنه بمجرد انتهاء هذا المؤتمر، ستحظى ببعض الراحة، وستتمكن من قضاء وقت دافئ معه كزوجين.

“لا يمكنني الاحتمال……حين أعود، لن أدعه ينجو بسهولة!”

قبضت أراسيلا بيدها بهدوء واتخذت قرارها.

بعد أشهرٍ طويلة قضتها غارقةً في العمل، فإنها ستستمتع حتمًا بوقتها الشخصي بعد عودتها. فبالنسبة لها، كان داميان لا يقلّ أهميةً أو قيمة عن منصبها كسيدة لبرج السحر.

***

عندما انتهى مؤتمر السحر وعادت أراسيلا من مملكة سيلين إلى إمبراطورية سيترون، كانت الشمس قد أوشكت على المغيب.

ركبت العربة، وأثناء مرورها على الطرق المغمورة بضوء الشفق الأحمر، حلّ الظلام تدريجيًا، حتى وصلت إلى المنزل في وقت متأخر من المساء، وهي تتمني في نفسها بأن تجد داميان في استقبالها.

“مرحباً بعودتكِ، سيدتي.”

“أهلًا بعودتكِ، سيدتي.”

لكن من استقبلها كان الخدم فقط، ولم يظهر لزوجها أي أثر، لا ظلًا ولا صوتًا.

فشعرت أراسيلا بخيبة أمل مفاجئة، وأخذت تنظر حولها، ثم سألت أودري،

“أين داميان؟”

“هممم، لست متأكدة. لا أعلم بصراحة.”

أجابت أودري بابتسامةٍ غريبة، تحاول كتم ضحكة ترتسم على زاويتي فمها، لكن لم تستطع إخفاء الارتعاش الخفيف في شفتيها.

إلا أن أراسيلا، التي كان تفكيرها مشغولًا بداميان، لم تلاحظ شيئًا وصعدت الدرج.

ربما لم يعد من العمل بعد……بما أن أودري لا تعرف مكانه، فذلك محتمل.

هل نسي أنها ستعود اليوم؟ أم أنه مضطرٌ للعمل لوقت إضافي بسبب ظرف طارئ؟

“تفضلي بالدخول، سيدتي.”

“آه، شكرًا.”

وفي حين كانت أودري دائمًا ترافقها إلى الداخل وتخدمها حتى ترتاح، اكتفت هذه المرة بفتح الباب قليلًا وتراجعت بهدوء.

ومع ذلك، لم تلاحظ أراسيلا هذا التصرف الغريب، وأومأت برأسها بجدية وهي تحمل وجهًا خاليًا من التعبير.

كانت لا تزال تفكّر في داميان وهي تتساءل إن كان عليها إرسال أحد فرسان “الصقر الأحمر” للبحث عنه.

وبينما كانت قد اتخذت قرارها بإرسال أحدهم بعد أن تغيّر ملابسها، وما إن خطت داخل الغرفة……

بوووم-!

انفجرت فوق رأس أراسيلا مفرقعاتٌ صغير.

“…...؟”

فنظرت للأعلى مذهولة، تتابع تطاير القصاصات الورقية والغبار الزهري، ثم وجّهت نظرها إلى الأمام، وإذا بداميان، الذي لم يُر له أثرٍ منذ عودتها، واقف وسط غرفة النوم.

تدحرجت عيناها الزرقاوان وهي تتفحّص الغرفة، قبل أن تتوسّع دهشة.

كانت الغرفة مزينةً بشكل رائع، بالزهور البيضاء الممزوجة بزهور التوليب البنفسجية، زهرتها المفضلة، والتي تمثل زهرة ميلادها.

قبل مغادرتها، كانت الغرفة عاديةً كعادتها، أما الآن، فقد تحوّلت فجأة إلى مكان احتفال مصغّر، مزين بأجواء دافئة وأنيقة.

“داميان……ما كل هذا؟”

سألت أراسيلا بدهشة، بينما أومأ داميان برأسه وكأنه يدعوها للاقتراب، ويداه خلف ظهره.

فتقدّمت نحوه بخطى متسارعة. وما إن اقتربت منه بما فيه الكفاية، حتى أخرج داميان من خلف ظهره باقةً ضخمة من الزهور.

فاتسعت عينا أراسيلا إلى أقصى حد، ظنًا منها أنه لا يمكن أن تُفاجأ أكثر.

كانت باقةً من الورود الحمراء النضرة، لا تقل عن مئة وردة.

وبينما لا تزال مذهولة، اقترب منها داميان وهمس بصوت خافت،

“ميلادٌ سعيد، أراسيلا.”

“……آه……”

عندها فقط تذكّرت أراسيلا أن اليوم هو ميلادها، فأطلقت تنهيدةً صغيرة من المفاجأة.

أخذت الزهور بيديها، ورفعت يدها الأخرى تغطي فمها بحرج وارتباك.

“صحيح……إنه يوم ميلادي……لقد نسيته تمامًا.”

“توقعت ذلك. منذ أن أصبحتِ سيدة البرج، كنتِ مشغولةً على نحوٍ لا يُحتمل.”

ابتسم داميان ابتسامةً خفيفة، ثم فتح ذراعيه ليضمّها إليه. فشعرت أراسيلا بيده تربّت على ظهرها بلطف، بينما ارتخت ابتسامة شفتيها بدفء.

“شكرًا لكَ……لأنك لم تنسَ.”

“وهل هذا أمرٌ يحتاج إلى شكر؟ لا يوجد رجلٌ ينسى يوم ميلاد من يحب.”

ثم تراجع داميان قليلًا، وأمسك وجهها ينظر فيه مطوّلًا.

نظراته كانت مليئةً بالعاطفة، ولمسته رقيقةٌ بشكل يبعث على الراحة،

فوقفت أراسيلا بهدوء دون أن تحرّك ساكنة.

وبعد أن تأملها دون أن يجد ما يثير القلق، أخذ يُدلّك وجنتها بإبهامه برقة،

“كيف كانت رحلتكِ؟ ألم تكن مُتعبة؟”

“على الإطلاق. اشتقت إليكَ كثيرًا، وهذا هو الجزء المتعب الوحيد، أما الباقي فكان سهلًا.”

قالت ذلك وهي تميل بوجهها عمدًا إلى راحة يده الكبيرة، فدفء كفه وثباته منحاها شعورًا بالراحة والسكينة.

“أرجو أن تعتني بصحتكِ جيدًا، زوجتي. تبدين منهمكةً هذه الأيام، وهذا يقلقني.”

“لكن، في المقابل، أشعر برضا داخلي كبير. و أحيانًا أفكر……أن هذه هي الحياة الحقيقية التي كنت أبحث عنها.”

ضحك داميان بخفة، بأسلوب من يدرك أنه لا يمكن مجاراتها.

وبالفعل، منذ أن أصبحت سيدة البرج، بات في عينيها نورٌ وتوهّجٌ لم يكن موجودًا من قبل. ورغم قلقه، لم يُرِد أن يقف في طريقها.

ومع ذلك، وهو يراها تستند إليه بثقة وتبتسم بذلك الصفاء الطفولي، تسلّلت مشاعر الغيرة إليه دون أن يستطيع منعها.

“هل يعجبكِ هذا أكثر من حياتكِ كزوجتي؟”

وفي النهاية، لم يتمالك نفسه، وطرح عليها ذلك السؤال الطفولي.

فنظرت إليه أراسيلا، نصف مغمضة العينين، وأجابته بنبرة جادة،

“لا، أنا أشعر بسعادةٍ أكبر حين أكون معكَ.”

البرج كان يمنحها الإنجاز والاعتزاز، أما داميان، فكان يجعل حياتها أجمل……وأكثر إشراقًا.

وهذا أمرٌ لا يستطيع أن يمنحها إيّاه سوى داميان وحده.

فالحب والطمأنينة التي منحها لها داميان جعلا أراسيلا أقوى، ووسّعا حياتها بطرق لم تتخيّلها من قبل.

كانت تلك حقيقةً واضحة وضوح الشمس، لا يمكن لأحد إنكارها.

“حقًا؟”

بمجرد أن سمع داميان تلك الكلمات، ارتسمت على وجهه ابتسامة، وأخذ بيد زوجته واقتادها نحو الطاولة.

وكان هناك صندوقان، أحدهما كبير والآخر صغير.

ثم بدأ داميان بدفع الصندوق الكبير أمام أراسيلا. فتقدّمت وبدأت تحلّ الشريط برفق، ثم فتحت الصندوق.

فإذا بكعكة فواكه مزيّنة بالكريمة البنفسجية تظهر داخلها. وقد كُتب عليها بخط واضح ومرتب باستخدام التشكيل: “ميلادٌ سعيد.”

فلم تستطع أراسيلا إلا أن تُبدي إعجابها،

“واو……إنها جميلةٌ جدًا! هل أعدّها الطاهي؟ أم أنكَ اشتريتها؟”

“أنا من صنعها.”

قال داميان ذلك بثقة وهو يرمقها بنظرات فخر، بينما لم تكن عيناها تفارق الكعكة. فاستدارت إليه بدهشة شديدة،

“حقًا؟ أنت الذي أعددتها بنفسكَ؟”

“نعم. ألستِ من أعدّ لي كعكةً في السابق؟ هذه المرة أردتُ أن أفعل الشيء نفسه من أجلكِ.”

“واو……داميان، مهارتكَ في هذا مذهلةٌ حقًا.”

قالت أراسيلا ذلك وهي ترفع إبهامها مشيرةً بإعجاب صادق.

وكان الطاهي أيضًا قد شعر بالمثل. فهو كان متوتّرًا للغاية وهو يتذكّر كيف كانت السيدة تفشل فشلًا ذريعًا في الطهي، لكنه كاد يبكي من التأثر عندما رأى أن داميان فاق كل التوقعات بكعكة جميلة لا تشوبها شائبة.

'سيدي أفضل من سيدتي! هه……صُنع كعكةٍ بهذا الجمال والدقة لا يُصدّق……'

فابتسم داميان وهو يثبت الشموع على الكعكة ويشعلها.

“تمني أمنية.”

“آه، حسنًا.”

أغمضت أراسيلا عينيها بسرعة وتمنت في سرّها، أن تبقى عائلتهما سعيدةً هكذا إلى الأبد. ثم نفخت على الشموع وأطفأتها.

و أزاح داميان الكعكة جانبًا بهدوء، ثم التقط الصندوق الصغير.

“وهذه هي هديتي لميلادك. شعرتُ أنه شيءٌ ستحتاجينه.”

“حقًا؟ أنا متحمسةٌ لمعرفة ما بداخله.”

قالت أراسيلا ذلك بعيون متلألئةٍ بالفضول، وفتحت الصندوق.

و فوجئت بقلم فاخر مطلي بالذهب، ذا جسم ناعم وسميك بدرجة مناسبة، وقد نُقش عليه اسمها "أراسيلا" بأحرفٍ واضحة.

مرّرت أصابعها على النقش برقة، بينما ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ على شكل هلال.

“بما أنكِ أصبحتِ سيدة البرج، فستحتاجين إلى توقيع الكثير من الأوراق، وستستخدمين القلم كثيرًا. لذا أردت أن يكون القلم الذي تستخدمينه……يحمل شيئًا من قلبي.”

“شكرًا لكَ من كل قلبي، داميان……سأستخدمه حتى آخر يوم في حياتي. لقد أعجبني كثيرًا، حقًا.”

فابتسم داميان برضا وهو يرى سعادتها.

قد لا يكون الحفل كبيرًا أو مبهرًا، لكن بما أنه أعدّه بكل محبة واهتمام، ويبدو أنه وصل إلى قلبها، شعر بالرضا التام.

ومع ارتياحه لتفاعلها، رفع يده يمرّر أصابعه في شعره الناعم،

“هل تغتسلين أولًا، ثم نتناول الكعكة معًا؟”

“آه، نعم. فكرةٌ رائعة.”

وضعت أراسيلا القلم بعناية داخل العلبة ثم نهضت. ونهض داميان أيضًا ليُنظف الطاولة ويُحضّر بعض النبيذ ريثما تنتهي من الاغتسال.

لكن في اللحظة التي كانت فيها أراسيلا متجهةً إلى الحمام، توقفت فجأة واستدارت عائدةً نحو داميان.

“داميان.”

همست أراسيلا وهي تمسك بطرف قميصه بأطراف أصابعها بلطف وتشدّه قليلًا.

“هل تريد أن نستحم معًا؟”

فنظر إليها داميان بدهشة، قبل أن يتجمد في مكانه تمامًا.

كان الجو هادئًا منذ لحظاتٍ فقط، لكنه الآن احمرّ خجلًا حتى أذنيه.

فوضع يده برفق على كتفها، محاولًا ألا يضغط عليها كثيرًا، ثم سأل بصوتٍ منخفض،

“……ألن تندمي على هذا؟”

“ولِمَ أندم؟ لا تقل أنني الوحيدة التي لا تطيق البقاء بعيدةً عنكَ بعد هذا الغياب.”

“في الحقيقة……أنا أشعر بذلك أكثر منكِ.”

قال داميان ذلك وكأنها تنهيدة، بعد أن ضرب جبهتها بجبهته برفق، فضحكت أراسيلا وابتسمت بمكر.

ثم دخل الاثنان معًا إلى الحمّام، وما حدث خلف الباب المغلق……فهو سرٌ لا يعرفه إلا الزوجان فقط.

___________________

اشواااا اراسيلا رجعت وداميان سوا الحفله الي بخاطره

والكيكة خير ابي اشوفها غش

المهم عيالي يجننون😔

Dana

2025/07/12 · 11 مشاهدة · 1756 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025