نيو شعر بنية قوية تصطدم به بمجرّد أن فُتح الباب.
وقف شعره علـى ظهره، وبدأ قلبه ينبـض بصوت عالٍ.
كان المكتب الفسيح مضيئًـا بشكل ساطع.
شارلوت، الجالسة خلف المكتب، ابتسمت بخفّة.
لم تكن تطلـق هالتهـا.
كانـت نيتهـا.
مثل الجميـع، لم يكن لديهـا تحكّم جيّـد بنيّتهـا، ممّـا سمح لـ نـيو بالإحسـاس بالعـمق الحقيقـي لقوّتـها.
شـعر وكأنـه يقف أمـام شمـس.
كانـت هالتـها الحارقـة تضغـط علـى روحـه نفسـها.
"إذن هـذا هـو شـعور أن تكـون أمـام أنصـاف الآلهـة المبجّليـن."
رفـضت قدمـا نيـو التحـرّك.
جـاك، العاجـز عن الإحسـاس بنيّتهـا، خطـا داخـل الغرفـة واسـتدار.
"ألن تدخـل؟"
"بلى."
هزّ نيـو نيّـة القـوّة التـي كانـت تمسـكه مكـانـه.
دخـل الغرفـة.
"مرحبًـا بعودتكـم، نيـو، جـاك."
كان صـوت شـارلوت هادئًـا لكن آمـرًا، يتـردّد فـي الفضـاء الهادئ.
نظـرت إليهـم.
"تعـالوا اجلسـوا، واشـربوا الشـاي."
أومـأ الثنـائي واتّبعـا كلماتهـا، جالسـين علـى الكراسـي الفاخرـة مقابلهـا.
امتلأ المكـان برائحـة الورق القـديم والأعشـاب.
ظهـرت دميتيـن بصمـت وبدأتـا بتحضيـر الشـاي.
ركّـز جـاك عينـاه عليهـم.
عبـس حاجبـاه.
الدمـى، أو الدمى المتحركـة حسـب مـا يسـمّيها البعـض، كانـت مألوفـة بالنسبـة لـه.
"هـل رأيـت شـيئًا تعـرفـه؟" سـألت شـارلوت، مديـرة أكاديميـة أنصـاف الآلهـة.
"الدمـى مشـابهة لحـرّاس البـوابـة فـي عـالم الظـلال." أجـاب جـاك.
"هـل هـو كـذلك؟"
ابتسـمت شـارلوت.
لم تقدّم أي تفسـير للتشـابـه فـي مظهـر الدمـى وحـرّاس البـوابـة.
قـدّمت الدمـى الشـاي.
شـرب نيـو وجـاك الشـاي.
بمجرّد دخـوله أجسـادهما، شعـرا بهـدوء فـي عقولهمـا، وتحسـّنت أنظمـة استعادتهمـا.
انتشـر دفـء مهدّئ فـي أبدانهـم، ممّـا خفّـف مـن التوتّـر والإرهاق.
"إنّه شـاي عشـبي، جيـّد للاستعـادة والتجدّيـد والعـلاج. حصـلنا عليـه مـن تشـيما الأسبـوع الماضـي." قالـت شـارلوت، وهـي تنظـر إلـى نيـو.
أومـأ جـاك بشـكل غائـب، عـدم معرفتـه بـ تشـيما.
لكـن نيـو بـدا متفاجئًـا أثنـاء وضـع فنجانـه.
"تشـيما؟ ظننـت أنّهـا لا تـزال ضمـن منطقـة بحـر الـدم."
"نعم، كانـت. لكن فرسـان المعبـد المـائي وعشـيرة بوسـيدون استعادوهـا قبـل أيـام.
"فـي الواقـع، ظهـرت الأخبـار أثنـاء وجـودك فـي عـالم الظـلال."
تجمّـد نيـو.
ابتسـمت شـارلوت، ملاحظـة تعبيـره.
"إنهـا مفاجـأة، لا بـد مـن القـول. كيـف عرفت عـن تشـيما؟
"تمّت تسميتهـا بالأمس، بعـد استعادتهـا مـن بحـر الـدم."
'واه، تبًـا.'
ظـنّ أنّ شارلوت سـوف تسـأله عـن درب الظـلال.
لكنها بدلاً مـن ذلك، كانت تحاول معرفـة ما إذا كان يعلم عـن المستقبل.
'يـبدو أنّ مـا قلـت لها بقي فـي ذهنهـا.'
بعـد إصابـة إليزابيث علـى يـد معبـد الخـلاء، كشف نيـو لشـارلوت أنّـه يعـرف عـن الدمـار الحتمـي للعـالم الـذي كان يجـب أن يحـدث قبـل ٣٠٠ عـام.
"رأيـت الأخبـار أثنـاء طريـق عودتنـا للأكاديميـة." قـال نيـو، محاولاً أن يبـدو طبيعـيًّا.
"هـل هـو كـذلك؟"
ابتسـمت شـارلوت.
لم تتابـع الموضـوع أكثـر.
شـرب الثلاثـة الشـاي بصمـت.
قبـل فتـرة وجيـزة، طـرحت شـارلوت سـؤالاً.
"هـل تنـويان الكشـف عـمّـا حصـل فـي درب الظـلال ومـا كانـت المكافـآت؟"
"لا."
"حسنًـا."
وضـعت فنجانهـا بصـوت خفيـف وأخرجـت بضـع وثائـق مـن المكـتب المصنـوع مـن الماهوجنـي المصقـول.
بعـد مراجعتهـا لفـترة وجيـزة، مرّرتهـا إلـى نيـو وجـاك.
"وقّعـوا عليهـا."
"مـا هـذا؟"
"الأكاديميـة سـتحميكمـا مـن أيّ شخـص يحاول إجبـاركم علـى الكشـف عـن معلومـات درب الظـلال.
"إنهـا موافقـة علـى ذلـك." شـرحَت شـارلوت.
"الأكاديميـة بخيـر مـع إبقائنـا للمعلومـات سـرّية؟" سـأل جـاك، متفاجئًـا.
نظـر بـين الأوراق وتعبـير شـارلوت الهـادئ.
"نعـم، الأكاديميـة موافقـة." قـالَت شـارلوت. "أحـد مبـادئ الأكاديميـة هـو إعطـاء الطـلاب حريـة الاختيـار.
"لن نجبركـم علـى فعـل أيّ شـيء لا تريـدون فعـله."
أومـأ نيـو.
كـان يعـرف أنّ شـارلوت لا تكـذب.
حتـّى نافـذة الظـلال، حيـث مـات كريسـتيان ولينـورا، لم تكـن مهمـة إلزاميـة.
الأكاديميـة أعطتهـم الخيـار بـين الدخـول أو الرفـض.
"مـاذا لـو غيّرتـم رأيـكم؟" سـأل جـاك بشـكل حـاد.
رفعت شـارلوت حاجبـها، متفاجئـة.
علـى حـد علمهـا، جـاك كـان يفتقـر إلـى الثقـة.
كـان هـو آخـر شخـص توقّعـت أن يشـكّك فيهـا.
"لا تقلـق بشـأن ذلـك."
أطلقت شـارلوت ضحكـة خفيفـة، مسـرورة بنمـوه.
"لـو كنـت مـن النـوع الـذي يقـوم بذلـك، لكـنت قـتلت نيـو بالفعل."
"….!"
"….؟"
اتسـعت عيـون جـاك بينمـا ميـل نيـو رأسـه بقـدر طفيـف.
نظـرت شـارلوت إلـى نيـو، بالتحديـد إلـى ظلّـه.
"حمايـة كيـان خـلاء يعـدّ جريمـة تستوجـب الإعـدام. لكن كمـا تـرى، ليـس لديّ نيّـة لإلحـاق الأذى بنيـو هارجريـفز."
"هـل تسـتطيعين رؤيـة مـا بداخـل فضـاء ظلـي؟"
"نعـم، أستطيـع. لديّ عيـون خاصـة، بعـد كـل شـيء."
ابتسـامة المـرأة العجـوز اللطيفـة لم تعـد تبدُ لطيفـة بعـد الآن.
سخر نيـو.
فتـح جـزءًا صغيـرًا مـن فضـاء ظلـه فـوق يـده.
تجمّعـت الظـلال فـوق راحتـه، وظهـرت عيـن واحـدة تراقـب مـن داخـل الظـل.
التفـتَت فلكاريـا نحـو نيـو، ثـم نظـرت حـول المكـان، ملاحظـة نظـرات المديـرة.
'مـا اللعـنة!؟'
انتفض جـاك عـند سـماع الصـوت.
غلفـه نيـو بهالتـه ليخفـف الألـم عنـه.
سـارعت شـارلوت فـي إنشـاء حاجـز حـول الغرفـة، مـانعةً انتشـار الفسـاد إلـى الخـارج.
'يـا لـك مـن لعيـن، قـلت لـي أنـك سـتساعـدني!'
'لمـاذا جلبتنـي إلـى شخص بـلـغ المرحلـة الثانيـة مـن الألـوهية!؟'
'إن كـنت تحـاول قتـلي، فسـآخذك معـي—'
"هـي ليـست إلهـًا. انظـري جيّدًا." قـال نيـو، مقاطعًـا فلكاريـا.
تحـوّلت العيـن لتنظـر إلـى شـارلوت المتفاجئـة.
'آه.'
'إنّهـا مسـتنيرة فـي المرحلـة الخامسـة.'
أطلـقت فلكاريـا زفـرة ارتيـاح وتابعـت،
'مـا اللعـنة الـتي تنظـرين إليهـا، أيتهـا العجـوز؟'
أظـهر نيـو تعبيـرًا غريبًـا عنـد سـماع الغطـرسة فـي صوتها.
استخدم النيّـة لنقـل رسـالة تخاطـريّـة إلـى فلكاريا.
'هـي أَقوى منكِ.'
'وماذا فـي ذلك؟ لست إلهًا، ولا ملَكًـا، ولا وحشًا ملعونًا مثلك. لا تسـتطيع قتلي—'
"هي أَقوى مني أيضًا."
'هاه؟'