لم يوفر الظلام شيئا.
جثة الحامي، والغابة، والنهر، والسماء، والوحوش التي كانت مختبئة من التنانين ونيو — كلها التُهِمت.
ثم بدأ الجنون بالغناء.
بدأ كورال الجنون بهمسٍ خافت، ثم تحول إلى صخبٍ لا يُوصف من عالمٍ آخر.
إرادة نيو، المُعززة بفتح كونه الداخلي، منحته سيطرة مُتقنة على النية.
استخدمها دون توقف لفك تشابك النية التي صنعت الجنون.
لكنه لم يستطع تهدئة سوى جزء صغير من الجنون.
والباقي؟
واجهه بإرادته الصلبة.
تحملَه—
لا.
لم يكتفِ بتحمله.
بل احتضنه.
سمح لنيات الجنون أن تغمره بغضبها. أصغى إلى حكاياتها. تعلم عن حياتها.
لحظات الفرح، سنوات الاكتفاء، عقود الجهل.
كل شيء كان له قصة يرويها. سواء كان شريطًا من العشب، أو حبة تراب، أو ملوك العالم أنفسهم.
في ذهن نيو، بدأت حكاية عالمٍ تُنسج لتولد.
عالم الأدغال: فيردونيا.
عالم بري، مزدهر، حيث كانت النباتات ذكية، والوحوش مقدسة، والجميع يعيشون في انسجام.
يوتوبيا.
عالم تحكمه الملكة أزاريل من سلالة روتبورن.
امتدت كروم الملكة الطفيلية إلى العوالم المجاورة، استخدمتها كغذاء، واستنزفتها حتى الجفاف، وتركتها لتتعفن.
الناس الذين لم يكونوا على علم بأفعال الملكة استخدموا "العناصر الغذائية" المستخلصة من أرواح العوالم الأخرى.
ازدهر المجتمع في فيردونيا. غنّت النباتات بأغاني الفرح، وانحنت الوحوش للملكة.
مطالبهم، طلباتهم. كلها كانت تُلبّى من الملكة الكريمة.
وُلد طفل بمرضٍ قاتل؟ كان وحش يحتضر من الشيخوخة، غير قادر على رؤية ابنه يكبر؟
شفت الملكة الطفل. وباركت الوحش، مما سمح له بأن يشهد حياة ابنه.
كل ما قدمته الملكة جاء من العوالم الأخرى، ومن أكوام لا تُحصى من الأرواح.
لقد كانت شريرة، وكذلك الناس الذين استفادوا منها، حتى لو فعلوا ذلك بجهل — هكذا حكم تارتاروس.
"نيو هارغريفز؟"
أعاد صوت التنين نيو إلى وعيه.
هز نيو رأسه مهدئًا نفسه.
نية الجنون كانت تحفر الجنون في عقله. وكان تأثيرها يتصاعد كلما احتضن الجنون.
وقد فعل ذلك عن علم.
أراد أن يتعرف على العالم، ليعرف تاريخه، وشعبه. فعل ذلك ليتمكن من الإجابة على سؤال نيكثاريون #2:
هل كانوا حقًا على صواب عندما عاقبوا تلك العوالم "الشريرة"؟
"واحدة انتهت. تبقّى ثمانية."
استخدم نيو "السعادة" لتهدئة نفسه، وتهدئة نية الجنون. ومع تعزيز وعيه مؤخرًا، واستمراره في تفكيك نية الجنون، تمكن من الصمود أمام الجنون.
ظهرت أمام عينيه العديد من الإشعارات.
تقنيات، إحصائيات، إتقان، انتماءات عنصرية، مفاهيم.
لقد حصل على الكثير.
ومع ذلك، ظل نيو حزينًا.
ظل عقله يعيد ذكريات حصل عليها.
الطفل الذي شُفي على يد الملكة وشكرها بفرحٍ صادق، لعنها عندما عرف الحقيقة.
الرجل الذي باركته الملكة، رمى عليها الحجارة عندما جره تارتاروس إلى السجن.
والملكة؟
بكت.
لم تستطع فهم ما فعلته بشكل خاطئ. لقد قتلت، صحيح، لكن كان ذلك من أجل شعبها.
قانون الغابة علمها أن الأقوياء يستطيعون فعل كل شيء.
استخدمت قوتها لتأخذ من الغرباء، وأعطت شعبها الضعفاء. فعلت ذلك حتى لا يأخذ أحدٌ من شعبها شيئًا، حتى إن كانوا ضعفاء.
"نيو هارغريفز؟" ناداه نيكثاريون #4 مرة أخرى.
"لا شيء." هز نيو رأسه. "لنذهب."
أومأ التنين. كان يشعر بالقوة الغامضة التي تشع من نيو.
"ما زال عاقلًا بعد أن التهم عالمًا كاملًا. ما نوع الإرادة التي يمتلكها ليحافظ على عقله بهذا الشكل؟"
ابتسم التنين ابتسامة عريضة.
"إن استطعنا تغذية نيو هارغريفز أكثر، فسيتمكن من هزيمة جاك هانما!"
كان التنانين يتبعون نيو باتجاه مركز المنطقة 3، حين فجأة انتقلت ثلاث هالات إلى داخل المنطقة.
كانوا أقوياء، وبعضهم مألوف قليلاً.
لا، كانوا ثلاث هالات.
اثنان منهم تنانين، على الأرجح من المرحلة الثالثة، والآخر كيان فراغي ضعيف.
"زعيم عشيرة التنانين تيركايل، لسان الحقيقة، وزعيمة عشيرة التنانين سيليستارا، راعية لهب الفجر، دخلوا المنطقة 3!" صرخ نيكثاريون #69. "هذه فرصتنا! لقد أتوا من دون جيوشهم!"
"أمسكوهم—"
"بيليزبوب."
اليرقة، التي كانت قد خرجت من جيب نيو، تحولت إلى حشرة عملاقة. صرخت بصوتٍ عالٍ، وبدأت تمتص الوقت من التنانين.
تجمدت التنانين في مكانها.
"كنا على وشك الانكشاف،" تمتم نيو. "شكرًا لك يا بعلزبول. لولاك، لكان الوضع خرج عن السيطرة."
كان قادة عشائر التنانين سيظنون أن نيو عدو لهم عند رؤيته مع نيكثاريون.
علاوة على ذلك، ربما يكتشف نيكثاريونات من القادة أن كين لم يأخذ أي تلميذ.
وحتى إن لم تنكشف الحقيقة، ربما يُجبر نيو على التدخل لحماية القادة.
وهذا يعني أن نيكثاريون سيكتشف أنه عدو.
وسيتدخل نيكثاريون #1 لمحاربته.
"نيكثاريون #1 سيقتل نيكثاريون #2 إن علم بخيانته."
"لا يمكنني القتال ضدهم إلا إذا كنت واثقًا من قدرتي على القتال وحماية نيكثاريون #2 في آنٍ واحد."
وهو أمر سهل في القول، صعب في الفعل.
نيكسثاريونات #2 إلى #537 تم إحياؤهم بواسطة نيكسثاريون #1.
إذا مات نيكثاريون #1، وهو مستحضر الأرواح الرئيسي، سيموت باقي القطع معه.
وصل نيو إلى الموقع الذي ظهر فيه كل من تير (تيركايل)، سيليستيا (سيليستارا)، وفيلكاريا.
"يجب أن نبحث عن نيو بحذر، ونتجنب التنين القديم—"
توقف تير عن الكلام حينما غلفت هالة قوية المنطقة.
تغرق ظهره في العرق البارد، وبدأ قلبه ينبض بعنف. لم تكن سيليستارا أفضل حالًا.
للحظة، نسوا كيف يتنفسون.
وصلهم صوت خطوات.
وتوقف نبض قلوبهم.
***
وصلني الى فصل 500🥳🥳