لم ينظر كاراكس إلى الهائج.
لم يستطع.
كانت عيناه مثبتتين على 'الملكة' وهي تبتعد.
لم يكن في خطواتها أي تردد. لم تلتفت لتنظر إليه، ولا إلى أطفالها.
إذًا، لا شيء منها تبقى حقًا. لقد قتلها الهائج، واستولى على جسدها، تمامًا كما كانت الأساطير تقول إنه يستطيع أن يفعل.
كان كاراكس ملطخًا بالدماء.
جسده، روحه، نواته، بذرة وجوده، وحتى وعيه—كلها دُمّرت على يد الهائج.
العناصر كانت تملك قوة رهيبة قادرة على قتل كل شيء.
من حول كاراكس، كانت الحجرة ممتلئة بالجثث. إخوته، أخواته، الجنود، المربيات. مستعمرته بأكملها. جميعهم قد ماتوا.
كانت فكيّه متدليين. أنفاسه تخرج في دفعات ضعيفة. كان حيًا، بالكاد.
هذا هو، فكّر، وعيناه مثبتتان على الدم المتجمّع تحته.
هل هذه هي ميتتي؟ من دون أن أحمي أحدًا؟
لم يكن يتوقع جوابًا. لقد غادر الهائج بالفعل، من دون أن يقول شيئًا آخر. لا سخرية، ولا خطاب عن النصر أو القوة. فقط غضب نقي، ثم لا مبالاة، وكأن إضاعة الوقت على نمل مثله أقل من شأنه.
وكأنهم كانوا مجرد حشرات خُلقت لتُسحق تحت الأقدام.
ظل كاراكس ملقى هناك، دون حراك.
الألم أصبح باهتًا الآن، يكاد يكون بعيدًا.
ما كان يلتهمه أكثر من أي شيء آخر هو ثقل الفشل الذي كان يضغط على صدره.
الملكة قد رحلت. لم تمت—بل… أُخذت. استُخدمت.
لم يكن هناك طريقة لوصف ما شعر به، وهو يشاهد يديها تفتكان بأطفالها، ويسمع صوتها وقد التوى بغضب وحش لا ينتمي إلى عالمهم.
بدأ ذهنه يتوه بين الذكريات. معركته الأولى. يوم اختير فيه ليكون البطل. القسم الذي أدّاه.
ثم، صورة رفاقه الجنود الممددين إلى جانبه أعادته إلى الحاضر.
رمش ببطء. كان ذهنه يتآكل على الأطراف.
لكن فجأة، حدث شيء.
لم يأتِ من الخارج. بل من داخله.
كان دفئًا، ناعمًا في البداية، يكاد يكون كالنسيم، ثم تدفّق.
كان حياة.
تدفّق الدفء مثل مجرى ماء ثابت.
خيط من الضوء الأزرق اللامع ظهر من العدم حوله، يلتف برفق في الهواء.
لم يتحرك كاراكس. فقط راقبه.
التيار—الكنز المقدّس الذي منحته إياه الملكة—التف حوله كعناق الأم.
بذرة وجوده، التي تحطّمت أثناء المجزرة، نبضت نبضة خافتة. ثم، بدأت تشققاتها تختفي واحدة تلو الأخرى.
وعيه، الذي كاد أن يُمحى، بدأ يعود ويتّضح.
استنشق نفسًا، ببطء. هذه المرة، لم يكن هناك ألم في صدره. ولم تعد أطرافه ترتجف.
لقد نفخ الكنز المقدّس الحياة فيه.
جلس كاراكس. لا يزال جسده يحمل جراح المعركة، لكن شيئًا ما قد تغيّر. كان يشعر… بالكمال، وبالحياة.
كان يشعر بالقوة.
كما لو أنه قد وُلد من جديد.
ألقى نظرة أخرى على الحجرة من حوله.
لم يتغير شيء.
كانت الجثث لا تزال هناك. وكان الدم لا يزال طازجًا. وكانت الصمت لا يزال ثقيلًا.
لكن نظرته لم تعد معماة بالصدمة.
رأى كل وجه. كل رفيق. كل حياة قد أُخذت.
وهذه المرة، لم يشيح بنظره.
كرلاس. ميرا. ثيلن.توالت الأسماء. بعضها حارب إلى جانبه، وبعضها الآخر لم يرها إلا عابرًا. لكنهم جميعًا كانوا جزءًا من مستعمرته.
كانوا عائلته.
وقد ماتوا جميعًا دون أن تُتاح لهم فرصة للقتال.
وقف، ببطء، تاركًا وزنه يستقر على سيقانه من جديد. نبض الكنز المقدس أمامه قبل أن يعود إلى حيثما كان مختبئًا بداخله.
فتح يديه وأغلقهما. كانت أنفاسه مستقرة الآن.
هذا...
كانت هذه فرصة ثانية.
تقدّم كاراكس خطوة إلى الأمام. لم تتعثر ساقاه هذه المرة.
سار عبر الحجرة، عابرًا بين الجثث، متجهًا نحو الجدار حيث كانت النقوش القديمة محفورة. كانت علامات لانتصارات سابقة ومحاربين مكرّمين.
وضع يده على الحجر. كان باردًا، خشنًا، ومألوفًا.
"لقد خذلتكم جميعًا،" قال بهدوء. "لم أكن قويًا بما يكفي حين كان الأمر مهمًا."
كانت الكلمات ثقيلة في الهواء، لكنها كانت صادقة.
استدار نحو مدخل الحجرة. كان فارغًا، وصامتًا.
ومع ذلك، في ذلك الصمت، عاد هدفه.
زاجيروس.
الهائج.
الموت بلا اسم.
كانوا هم المسؤولين عن المجزرة التي وقعت للتو.
زاجيروس هو من اقتحم أراضيهم، وأطلق شرارة الصراع.
الهائج هو من استحوذ على ملكتهم، وارتكب المذبحة.
الموت بلا اسم، فقد جلب الهائج إلى هنا، حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. وجوده، تعطشه للقوة، انسحابه... كلها كانت الشرارة.
قبض كاراكس قبضتيه.
لم يعد يهتم بالأعذار.
سواء قصد الموت بلا اسم ذلك أم لا، فقد جلب عليهم الخراب.
"يجب أن يدفعوا جميعًا الثمن،" همس كاراكس.
لم يصرخ، ولم يغضب.
فقط تقبّل ذلك.
الكنز المقدّس — نعمة حاكمة الربيع والحياة — سيُبقيه حيًا. ومعه، لن يتمكن الموت من الإمساك به.
والآن، لم يتبقَ سوى الطريق إلى الأمام.
أن يصبح أقوى. أن يتعقبهم. وأن يُنهيهم. واحدًا تلو الآخر.
لم يكن كاراكس يعرف كم سيستغرق الأمر. ولم يعرف ما الذي سيتعيّن عليه أن يصبح. لكن القرار قد اتُخذ.
ألقى نظرة أخيرة على الحجرة خلفه. ثم مشى مبتعدًا.
…
وجهة نظر زاجيروس
كان زاجيروس يركض عبر الغابة.
وعلى عكس ما قاله كاراكس، لم يكن وحشًا شبيهًا بالبشر.
بل كان إنسانًا حقيقيًا.
الأشجار كانت تندفع من جانبيه كظلالٍ باهتة. بدلته السوداء كانت تلتصق بجسده، والتوهج الأحمر في عينيه لم يتذبذب أبدًا.
إلى جانبه، كان أخطبوط غريب يطفو في الهواء، يحافظ على وتيرته بسهولة.
"لقد كنت تركض دون توقف،" قال الأخطبوط. "ما سبب هذا الاندفاع؟"
"الوجود الذي اندلع ثم مات في الدائرة الخارجية قبل يوم… عاد،" قال زاجيروس.
مال الأخطبوط قليلًا. "تقصد الهائج؟"
"نعم، هذه فرصتي. لقد تجلّى أخيرًا."
لم يقل شيئًا آخر.
كان الهواء يلفح وجهه بينما واصل الركض.
لم يهتم بالضوضاء أو الأثر الذي يتركه خلفه.
في هذه اللحظة، كل ما يهم هو أن يصل إلى مصدر ذلك الوجود قبل أن يختفي مجددًا.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات