الجو داخل المكان كان كثيفًا بضغطٍ غريب. بدا كما لو أن المكان مليء بالحياة.
وكلما تعمقوا، زادت قناعته بذلك.
كانت الحياة تنبض بخفوتٍ في الحجارة من حولهم.
في النهاية، اتسع النفق ليكشف عن كهفٍ واسع.
أمامهم امتدت مدينة مدفونة تحت الجبل، ضخمة لدرجة أن أطرافها تلاشت في الضوء الخافت.
الهياكل أدناه كانت ضخمة، بُنيت بخطوط حادة ومواد داكنة. أبراجٌ وقفت مثل عمالقة يراقبون، وجسورٌ ربطت بينها في شبكاتٍ فوقهم.
لكن لم يكن المعمار هو ما لفت انتباه الموت بلا اسم.
بل كانت التماثيل.
كانت في كل مكان.
مصطفة على جانبي الطرقات، واقفة في الحدائد، متربعة على الشرفات.
أشكالٌ ضخمة، كلها متجمدة في منتصف حركة.
كلٌ منها يملك أكتافًا عريضة، وأطرافًا سميكة، وجذوعًا ثقيلة.
بدوا كأنهم بشرٌ أقزام قد كبروا في الحجم، لكن بنفس النسب الجسدية.
"ما هؤلاء؟" سأل الموت بلا اسم.
"الأقزام،" أجاب زاجيروس وهم يسيرون.
"اعتقدت أن الأقزام من المفترض أن يكونوا قصار القامة؟"
"كان لديهم أبعاد شخص قصير."
عبس الموت بلا اسم بينما كان ينظر حول المكان بنظراته المقصودة.
شعر بأن هناك خطبًا ما في هذا المكان.
هذه التماثيل كانت تفتقر إلى نية الوجود. وهو أمرٌ يملكه الجميع، حتى الجثث، وحتى الجمادات.
عادةً، تكون نية وجود الشخص مخفيةً بالطاقة التي زرعها. وكلما ارتفع تصنيف الشخص، أصبح من الصعب رؤية نية وجوده.
وبالعكس، كان من الأسهل فحص نية وجود الأشياء غير المزروعة بالطاقة.
كلما أمعن الموت بلا اسم النظر، زاد شعوره بعدم الراحة.
التماثيل كانت مفصلة بشكل مزعج.
لم تكن متآكلة أو متهالكة. كأن الزمن قد توقف حولها ببساطة.
بعضها كان يسير في الطرقات. آخرون كانوا يتحدثون أو يضحكون. أو من المفترض أنهم كانوا كذلك.
سار الموت بلا اسم و زاجيروس فوق جسرٍ عالٍ يتقوس نحو قلب المدينة.
أسفلهم، رأى تماثيل مجمدة في منتصف الكلام، وأخرى متجمعة في ما يبدو كساحات السوق. المدينة لم تمت في معركة. لقد... توقفت فحسب.
توقف الموت بلا اسم فجأة والتفت نحو التماثيل داخل الحدادة.
كانت تمسك بمطرقة بكلتا يديها، في منتصف الضربة، وفمها مفتوح كما لو كانت تصرخ.
حدق بها لوهلة طويلة.
"هل هناك خطبٌ ما؟" سأله زاجيروس.
"شعرت وكأنها نظرت إليّ."
"أأنت متأكد أنك لم تستنشق شيئًا غريبًا في الطريق؟ ذلك الشيء لم يتحرك منذ دهور. لا أحد منهم تحرك."
لم يرد الموت بلا اسم.
لم يكن متأكدًا بنفسه. ربما كانت طاقة المكان تعبث به. أو ربما لا.
تابعا طريقهما.
وكلما اقتربا من مركز المدينة، كبرت الأبنية. واتسعت الطرقات. وتحول الحجر إلى معدن. واصطفت الأنابيب على الجدران والسقوف، وبعضها لا يزال دافئًا قليلًا عند اللمس.
في قلب المدينة وقف حصن شاهق.
بواباته الخارجية أُغلقت بطبقات من المعدن المحفور بالأحرف السحرية والحجر السميك. بدا البناء أقل شبهًا بقلعة، وأكثر شبهًا بآلةٍ صُممت للحرب والبقاء.
أشار زاجيروس إليه.
"هذا هو الحداد الأعلى."
تأمل الموت بلا اسم البوابات. بدت قديمة، لكنها سليمة.
عندما اقتربا، انفتحت البوابات بصوت صرير، كاشفة عن ممرٍ واسع بما يكفي لسير جيشٍ بأكمله.
اصطفت القاعات بنقوشٍ للحدائد، وبعضها لا يزال يحمل أدواتٍ في منتصف الحركة، تمامًا كحال المدينة بالخارج.
تبع الموت بلا اسم زاجيروس عبر الصمت.
وكلما تعمقا أكثر، بدأ يشعر بشيءٍ من التذكر.
لم تكن المشاعر واضحة أو حادة، لكن بدا له أنه من المفترض أن يعرف هذا المكان.
مشاعر غريبة اجتاحت قلبه. لم يتمكن من تحديدها بدقة.
هل كانت غضبًا؟ فراغًا؟ يأسًا؟
أم كانت وحدة؟
بحلول الوقت الذي وصلا فيه إلى زوج من الأبواب السميكة المدعّمة في المستوى السفلي، كانت أفكاره قد ازدادت تعقيدًا.
فتح زاجيروس الأبواب بلمسةٍ واحدة.
خلف الأبواب كان هناك حدادة تختلف عن غيرها.
كانت واسعة ومفتوحة، أشبه بكاتدرائيةٍ أكثر من كونها ورشة عمل.
وقفت التماثيل متجمدةً في أماكنها، وكلٌ منها مركزٌ على أمرٍ ما.
حتى الشرارات بدت وكأنها مجمدة في الزمن.
تحرك الموت بلا اسم ببطء عبر الغرفة.
مرّ بجانب صفٍ من السنادين، كل واحدٍ منها أكبر من سرير. تناثرت طاولاتٌ طويلة فوقها أدواتٌ صدئت في مكانها. وعلى الجدار البعيد، لفت انتباهه صفٌ من النقوش.
توقف.
لاحظ زاجيروس رد فعله.
لم يتكلم الموت بلا اسم فورًا. سار نحو الجدار ورفع يده نحوه، لكنه لم يلمسه.
كانت مخططًا.
تصميمٌ بسيط، منقوشٌ على سطح الجدار.
كان يُظهر مكعبًا.
احتوى النقش على عدد لا يُحصى من تفاصيل المكعب.
عرض عدة أقسام داخلية، طبقات داخل طبقات، ورموز منقوشة على كل وجه من وجوه المكعب.
كانت النقوش نظيفة، تكاد تكون مقدسة.
اقترب منه زاجيروس.
"هل تعرف ما هي؟"
"لا،" هزّ الموت بلا اسم رأسه. "لكن شعرت أن هذا المخطط لابد وأنه مهم. لنقشه على الجدار بهذه الطريقة… لا بد أنهم رأوه أحد أعظم أعمالهم."
"أعظم اختراع، هاه؟ هذه طريقة لرؤيته." ابتسم زاجيروس بسخرية.
ونقر مفصل إصبعه على المخطط.
"إنه يُدعى ’رحم الشيطان‘."
"يا له من اسم، إن كنت قد سمعت واحدًا كهذا من قبل."
ضحك زاجيروس على كلماته.
"فما الذي يفعله؟" سأل الموت بلا اسم. "إذا كان أعظم اختراعاتهم، فلا بد أن له قدرة أسطورية."
"إنه جهازٌ لصنع شيطان."
لم يكن زاجيروس هو من أجاب.
بل الأخطبوط الغريب الطافي الذي كان يحوم بهدوءٍ بالقرب منهما انزلق إلى الأمام. نبض قليلًا عندما توقف بينهما.
"الشيطان،" قال، "هو النِهاية. الكائن المتحول الذي يجسد النهاية الحقيقية."
"...؟" عبس الموت بلا اسم.
شرح الأخطبوط.
"النهاية ليست دمارًا، ولا موتًا. إنها النهاية فحسب. اللحظة التي تتوقف فيها جميع الطرق. الشيطان هو من سيجسد تلك النهاية ويطوي كل الوجود إلى العدم."
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات