بعد أن ختم زاجيروس، حوّل الموت بلا اسم نظره نحو بارباتوس والهائج.
في اللحظة التي التقت فيها أعينهم، توتر كلاهما.
'خطير.'
كانت حواسهم تحذرهم من القتال ضد الموت بلا اسم.
قبل أن يتمكن أيٌّ منهما من التحرك، تجسد كيان ضخم فوق الموت بلا اسم.
ملاك هائل ظهر في السماء.
كان له وجهان وسبعة أجنحة متألقة.
كان وجوده خانقًا ومهيبًا.
فتح الملاك فمه ببطء، وبدأت كرتان متوهجتان بالتكوّن أمام كلٍّ من وجهيه.
الطاقة المنبعثة من الكرتين كانت مرعبة وغير طبيعية حتى بالنسبة لكائنات مثلهم.
أطلقت الكرتان، متحولتين إلى شعاع مركز من الطاقة البيضاء اندفع نحوهما.
من دون تردد، ردّ بارباتوس بنفس التقنية التي استخدمها سابقًا لصدّ هجوم الهائج.
غطّت منجله ظلال خبيثة وهو يلوّح بها.
أما الهائج فرفع كفّه، مُنشئًا درعًا مُشكّلًا من الفوضى والفراغ المعززين بطاقة صدى.
ارتجف درعه حين اصطدم به الشعاع المقدّس.
القوة الهائلة الكامنة خلف الهجوم أجبرت بارباتوس والهائج على التراجع إلى الوراء.
شدّا على أسنانهما وهما يقاومان للبقاء واقفَين فيما الأرض تحت أقدامهما تتشقق.
رفع الموت بلا اسم يده قليلًا.
فاقت طاقة شعاع الملاك حدّها من جديد.
"اللعنة، إنه لا يُمسك نفسه"، قال الهائج مبتسمًا.
اشتد الشعاع، قاذفًا بهما إلى زاوية العالم.
تمزق رداء بارباتوس تحت الضغط، كاشفًا عن دمٍ أبيض يتسرب من الظلّ اللامتناهي بداخله.
الظلال التي شكّلت جوهره كانت تصرخ.
أما الهائج فكان وضعه أسوأ.
تشكلت شقوق على جسده، متوهجة بضوء أبيض.
وبما أن جسده مكوَّن بالكامل من عناصر الفوضى والفراغ، فقد كان العالم المقدّس مدمّرًا له على نحوٍ خاص.
ومع ذلك، بطريقةٍ ما، ظل يبتسم.
"لم أشعر بألم كهذا منذ دهور"، قال وهو يزفر ضحكة واهنة.
ارتجفت ساقاه قليلًا، لكنه بقي واقفًا.
أدار عنقه، طقطق مفاصله، وقفز مرة واحدة كما لو أنه يطرد الضرر عن جسده.
أما بارباتوس فظل ساكنًا.
عيناه كانتا تحدقان في الأرض.
ثم، ببطء، وقف مستقيمًا.
تغيّر الهالة المحيطة به.
من دون كلمة واحدة، لوّح بمنجله مرة واحدة ثم أعاده إلى الظلال الملتفة داخل رداءه.
ومن تلك الظلال نفسها، سحب سيفًا.
كان السيف غريبًا.
نصلُه انقسم إلى أطرافٍ متشعبة تشبه جذورًا ملتوية.
كانت أمواج من الظلال تنبض منه مع كل حركة.
تألّم بارباتوس، واضحًا أنه يبذل جهدًا هائلًا للإمساك بالسيف.
'ذلك السيف لا بد أنه مكافأة من محاكمة الظل'، فكّر الموت بلا اسم.
نظر إلى الأجنحة الثلاثة على ظهر بارباتوس.
'لقد اجتاز محاكم الظل ثلاث مرات.'
'الأجنحة، والسيف، وما زالت هناك مكافأة أخرى لم أرها بعد.'
اشتد التوتر.
اهتزت ساحة المعركة.
بدأت الأيادي التي كانت قد حبست زاجيروس بالتشقق.
ثم انفجرت إلى الخارج.
أرسل الانفجار موجات ضغط عبر المكان.
'إنه يستعير مزيدًا من قوة الشيطان'، فكّر الموت بلا اسم عابسًا.
وقف في المركز، فيما الهائج وبارباتوس وزاجيروس أحاطوا به من ثلاث جهات.
ثقل الهواء من حولهم.
لم يتحرك أحد في البداية.
كانوا يراقبون بعضهم، يحسبون من سيكون أول من يهاجم.
ثم فجأة رفع الهائج رأسه بقلق.
"هيه، أيتها الحقيرة! لا تجرؤي على التدخـ—"
"لا يهمني ما تريد. انتهى أمرك"، جاء صوت بارد بنبرة لا مبالية.
بمجرد فرقعة أصابع، تشكّلت كرة مائية حول الهائج، محبوسًا داخلها فورًا.
تجمّد جسده في مكانه، غير قادر على الحركة.
زأر غاضبًا من الإحباط.
اتجهت كل الأنظار إلى الأعلى.
عائمة فوقهم، جالسة على سحابة منجرفة وساقاها تتأرجحان بلامبالاة، كانت ليونورا — أو بالأحرى، السامية الماء التي تستخدم جسدها.
قفزت إلى الأسفل.
كان نزولها رشيقًا وسلسًا.
وحين لامست الأرض، لم يُسمع أدنى صوت.
جالت عيناها عبر ساحة المعركة قبل أن تستقرا على الموت بلا اسم.
"لقد أنشأت مسارًا جيدًا"، قالت بإعجاب.
ضيّق الموت بلا اسم عينيه.
"ما الذي تفعلينه هنا؟"
"ألستَ من أمضى القرون القليلة الماضية تتوسل إليّ أن آتي؟" قالت بابتسامة ماكرة.
ثم تحوّل انتباهها إلى بارباتوس وزاجيروس.
"دعنا نتعامل مع المزعجين أولًا."
أطقت أصابعها مجددًا.
تكوّنت كرتان من الماء، واحدة حول بارباتوس وأخرى حول زاجيروس.
نقرة ثالثة جعلت سلالة التنانين القديمة خاص بزاجيروس تدخل في سُبات.
اختفى الهالة النارية التي كانت تحيط به فورًا.
وبنقرة أخرى، اختفى بارباتوس وزاجيروس.
"لقد نُقلا خارج سجن الزمكان. لم أؤذهما، فلا تقلق"، قالت السامية الماء.
لم يبقَ سوى الهائج.
استدارت نحوه، تراقبه وهو يتلوّى داخل الكرة المائية.
"توقف عن المقاومة"، قالت بلهجة مسلّية. "أنت تستخدم رمادًا كوسيط لتتجسد، فلا يمكنك مقارنتي وأنا متجسدة في وعاء حي."
تفجرت نية القتل من الهائج، كثيفة بما يكفي لأن تُشعَر كأمواج.
توهجت عيناه بغضب قاتل.
لكن ذلك لم يفعل سوى أن زادها تسلية.
"هل أنت غاضب؟ تبدو كطفلٍ يُقطّب حاجبيه بعدما أُخذت منه المثلجات"، قالت وهي تضحك.
نقرة أخرى من أصابعها، واختفى الهائج أيضًا.
لم يبقَ سوى الموت بلا اسم والسامية الماء.
"لماذا تدخلتِ؟" سأل بوضوح، وقد بدا عليه الاستياء.
"عليك أن تشكرني"، أجابت. "مسارك بحاجة إلى وقتٍ لينمو، أليس كذلك؟ لقد اشتريت لك ذلك الوقت. على مدى الخمسة عشر ألف عام القادمة، لن يتمكن أيٌّ منهم—ذلك الأحمق المتهور، أو شقيقك، أو أولئك الحاصدون—من إزعاجك."
عقد الموت بلا اسم حاجبيه.
ويبدو أنها استمتعت بحيرته.
"تلك النظرة تخبرني أنك لا تزال لا تفهم ما أفعله. هيا، سيستغرق الأمر وقتًا لشرحه. اتبعني."
دون أن تنتظر رده، خطت إلى ظله كما لو كان ظلها الخاص.
تجهّم الموت بلا اسم وهو يراقبها تختفي تحته.
إن قدرتها على دخول ظله دون إذنه أقلقته.
ومع ذلك، تبعها.
سارا بصمتٍ لفترةٍ بين غابةٍ كثيفة الخضرة.
وفي النهاية، وصلا إلى مسبكه الشخصي.
كان المكان هادئًا. النار في الموقد ما تزال مشتعلة.
جلس الاثنان على طرفي طاولةٍ طويلة، سطحها المعدني مخدوش ومثقب من ساعاتٍ لا تُحصى من العمل.
شبك ذراعيه، يراقبها بصمت.
انحنت قليلًا إلى الأمام وقالت "ألن تقدم لي كوب شاي؟ حماتك هنا، في النهاية."
لم يُجبها الموت بلا اسم.
اكتفى بالتحديق فيها بتعبيرٍ جاد.
تنهدت السامية الماء بلطف. "ما زلت لا أصدق ما الذي تراه نهمة في شخصٍ فظ مثلك."
"نهمة؟" كرر قائلًا، "هل هذا… لقب السامية الظلام؟"
لم يكن متأكدًا من ذلك.
لكن شيئًا ما في ذلك الاسم بدا مألوفًا، وكأنه من المفترض أن يعرفه.
ضحكت قليلًا. "لقد تجاهلتني سابقًا. لماذا ترد الآن؟"
نقر بلسانه قليلًا واتكأ إلى الخلف.
"حسنًا، انسِ أمر نهمة. أخبريني لماذا تدخلتِ في المعركة."
"لقد قلت لك بالفعل. كان ذلك لأمنحك الوقت. حتى لو كنت قد فزت اليوم، لما غيّر ذلك شيئًا. ما زلت لا تعرف كيف تفتح كونك."
"…تابعي. أنا أستمع."
"افعل ما أخبرك به، وبعدها سأخبرك كيف تصل إلى مسارك"، قالت، ونبرتها باتت أكثر حزمًا.
"هل يتعلق الأمر بمساري؟ سأعطيك إياه إن كان هذا ما تريدينه."
ضحكت بخفة.
"ليس بهذه السرعة يا نيو. أتراني لا أعلم أن إعطائي مسارك سيمنحك بدورك القدرة على استخدام قدراتي؟ ما أحتاجه هو أن تجتاز اختبارًا. إن أثبت نفسك، سأخبرك كيف تفتح كونك.
أردت مساعدتي، أليس كذلك؟ هذه فرصتك."
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات