جلس بجانبها، وأمسك بيدها، وللمرة الأولى منذ عرفته، بكى.
انهمرت الدموع المرة على وجهه بينما كانت كتفاه ترتجفان من شدة البكاء الصامت.
نظرت إليه، تحاول أن ترفع يدها إلى خده، لكن لم يتبقَّ في جسدها سوى القليل من القوة.
وحين لاحظ صراعها، انحنى نحوها، فمسحت دموعه بلطف بظهر أصابعها المرتجفة.
استقرت راحتها على خده.
"لا تبكِ."
لم يستطع الرد.
كل ما أمكنه فعله هو أن يمسك يدها بإحكام أكبر.
"لقد جعلتني أبتسم طوال هذه السنين. ألا يمكنك أن تفعلها مرة أخيرة؟"
انقبض فكّه. أغمض عينيه بإحكام وهو يهز رأسه نفيًا.
"…أرجوكِ… لا تموتي…"
بعد رحيلها، لم يكن أحد يعلم أين — أو متى — ستتجسد من جديد.
فرصهم في الالتقاء ببعضهم البعض ستكون ضئيلة للغاية.
ربما كانت هذه حقًا لحظتهما الأخيرة معًا.
ومع ذلك، حتى وهو يبكي، شعرت هي بدفء في صدرها.
لقد كان يهتم لأمرها بما يكفي ليبكي عليها، رغم أنه كان دائمًا يحاول أن يبدو أقوى مما هو عليه حقًا.
"…ربما كانت هذه أسعد حياة لي."
تجمّد في مكانه. واتسعت عيناه وهو ينظر إليها.
"...ماذا؟"
ابتسمت بهدوء.
رغم أنها لم تكن تقصد أن تنطق بهذه الكلمات، فإنها لم تندم عليها.
"لم أخبرك أبدًا عن ماضيَّ، أليس كذلك؟" سألت بصوت خافت. كان صوتها مبحوحًا، لكنه ثابت. "لم أستطع يومًا أن أجد مكاني بين الساحرات. كانت موهبتي ضعيفة جدًا فلم أستطع أن أستيقظ، وكانت [سلطتي] هزيلة. بالنسبة لهن، لم أكن سوى لطخة في اسم الساحرات."
نظر إليها، عاجزًا عن الكلام.
دموعه لم تتوقف بعد.
"ولم أكن موضع ترحيب بين البشر أيضًا"، تابعت، وهي تمرر إبهامها على خده. "كساحرة، كانوا يخافونني. وكضعيفة، تجاهلتني الساحرات. لم أنتمِ إلى أي مكان."
أمسك يدها بإحكام أكبر.
"كنت وحيدة جدًا."
كانت تشعر بمدى محاولته البائسة للتماسك.
"أظن… ربما لهذا بدأت الحانة. ظننت أنه إن أنشأت مكانًا يأتيه الناس ويغادرونه، فسيمتلئ الفراغ في قلبي."
كانت يدها مبتلة بدموعه.
لطالما كرهت الموت.
ليس لأنها تخاف منه، بل بسبب ما يليه من غموض.
أي حياة ستولد فيها بعد ذلك؟
هل سيهجرها والداها؟ هل ستعاني مرضًا؟ هل سيكتشفونها ويعدمونها كساحرة؟
لكن هذه المرة كانت مختلفة.
هذه المرة، كرهت الموت لأنها لم ترغب في التخلي عمّا تملكه الآن.
"لقد ملأت الفراغ في قلبي"، قالت، وهي تستجمع أبهى ابتسامة يمكنها أن ترسمها.
كان جلدها مجعدًا، وصوتها متعبًا، لكنها ما زالت تريد أن تبدو جميلة في عينيه.
تمنت أن يتذكرها هكذا. كدفء جميل، لا كصورة حزينة.
"أنا… أنا أيضًا. كنت سعيدًا معكِ"، قال وسط دموعه.
بدأ صوته يزداد ثباتًا، وحزمًا.
"في المرة القادمة… لنفتح مخبزًا معًا. أنتِ تحبين طبخي، أليس كذلك؟ سأخبز لك الحلويات. لذا، مورين، انتظري—"
…
فتحت مورين عينيها.
"كان ذلك الحلم مجددًا"، تمتمت.
كانت تلك اللحظات الأخيرة من حياتها السابقة.
تساءلت عمّا كان سيقوله قبل أن يعمّ الظلام.
لكنها، في قرارة نفسها، كانت تعرف الجواب جيدًا.
ابتسمت، ثم تنهدت.
كان الأمر مستحيلًا.
لم يكن هناك أي احتمال لأن يتمكن من العثور على تجسيدها الجديد.
لم تكن تعرف حتى كم من السنوات مرّت منذ موتها، أو أي عالم هذا الآن.
وربما، بعد أن أدرك ذلك، كان قد نسيها بالفعل، ومضى في طريقه.
جزء أناني منها تمنى أن لا يكون الأمر كذلك.
حتى وإن كان تذكّره لها يعني أنه يعاني بحثًا عنها، ما زالت تأمل أنه لم ينسها.
"لقد كان دائم الاعتماد عليّ"، همست، وهي تطوي يديها على صدرها. "لكن… أظن أنه الآن قد نضج. ربما مرّت عقود، وربما قرون. لا بد أنه تجاوز الأمر."
ابتسمت، لكن في ابتسامتها مسحة حزن.
ناداها صوت من الممر.
"آنستي، هل أنتِ مستيقظة؟"
كان صوت خادمتها الخاصة.
جلست مورين.
لقد وُلدت من جديد في عائلة نبيلة صغيرة في عالم إقطاعي.
لم تكن هناك أي دلائل على وجود قوى مستيقظة هنا.
على الأقل ليس بين العامة أو النبلاء الصغار.
ربما كانت العائلة الملكية تملك مثل تلك القوة، لكن مورين لم ترَ أي دليل على ذلك.
كانت الابنة الخامسة في بيتها. وسلطتها بالكاد أعلى بدرجة من العامة.
بعد أن ارتدت ثيابها، خرجت وخادمتها إلى جانبها.
"آنستي، اليوم هو اليوم الذي يجب أن تختاري فيه فارسَك الشخصي. لقد جاء العديد من المرتزقة للتقدّم، وعليك أن تختاري أحدهم"، ذكّرتها الخادمة.
أومأت مورين برأسها.
عادةً ما كان يتم اختيار الفارس الشخصي من بين فرسان العائلة المدرَّبين.
هؤلاء الأشخاص كانوا أوفياء، منضبطين، ونشأوا على قيم العائلة.
لكنها لم تكن ذات أهمية كافية لتنال ذلك الامتياز.
لذلك سمحوا لها بالاختيار من بين المرتزقة المتوحشين.
ومع ذلك، لم يكن هذا جديدًا عليها.
لقد اعتادت أن يتم تجاهلها.
وبينما كانت تسير عبر الردهة متجهة نحو ساحة التدريب، بدأت أصوات الحشد الصغير تصل إلى مسامعها.
وحين وصلت، رأت أفرادًا من العائلة والخدم يقفون على الجوانب يشاهدون ما يحدث.
"من ذلك؟"
"لقد هزم جميع المرتزقة بسهولة تامة."
"هل رأيت كيف قاتل؟ رمشت مرة واحدة فقط، وكان كل شيء قد انتهى."
"ما الذي يحدث؟" سألت مورين وهي تضيق عينيها.
بدت خادمتها حائرة بالقدر نفسه. "يبدو أن أحد المرتزقة قد هزم جميع الآخرين…"
"بالفعل؟" عبست مورين. "ألم يكن من المفترض أن تبدأ الاختبارات بعد وصولنا؟"
تقدّمت بخطواتها، وقد أثار الأمر فضولها.
وهناك رأته.
تجمّدت في مكانها.
كل ما حولها — الأصوات، الهمسات، الرياح — تلاشى في الخلفية.
كان الرجل يقف في منتصف ساحة التدريب، هادئًا ومتماسكًا.
شعره الأسود.
عيناه الحمراوان كالدم.
ابتسامته.
"…كيف؟"
كان هناك ندب على وجهه، لكنه بدا في ما عدا ذلك كما كان آخر مرة رأته فيها.
رآها حينها.
وحين التقت عيناهما، اتسعت ابتسامته قليلًا.
تقدّم خطوة إلى الأمام.
"يا سيدتي"، قال وهو ينحني. "لقد هزمت المرتزقة الآخرين وأثبتُّ قوتي. إن كان ممكنًا، أود أن أخدمك كفارسٍ شخصي لك."
رمشت الخادمة بجانب مورين بدهشة. "مـ-مهلًا لحظة. لم نبدأ الاختبار حتى—"
"تمّ قبوله"، قالت مورين، مقاطعةً إياها.
استدارت الخادمة نحوها مذهولة. "لكن يا آنسة—"
"سمعتِني. إنه فارسي من اليوم فصاعدًا."
كان صوتها حاسمًا لا يحتمل الجدل.
وقف الرجل مبتسمًا لها مجددًا.
ورغم أن قلبها كان يخفق بعنف، حاولت أن تبقي ملامحها ثابتة قدر الإمكان.
كانت الإجراءات الرسمية التي تلت ذلك مملة.
فقد كان تعيين فارسٍ شخصي يتطلب جبلًا من الأوراق والبروتوكولات.
نماذج للتوقيع، أذونات للختم، وأسماء للتسجيل.
أصرّ وكيل العائلة على التحقق من خلفية المرتزق، لكن مورين أنهت الأسئلة بسرعة.
لم يكن لديها صبر على تعقيداتهم اليوم.
وبحلول المساء، تم إنهاء كل شيء.
لقد أصبح رسميًا فارسها الشخصي.
وعندما دخلا غرفتها، أغلقت الباب خلفهما بهدوء.
ثم بدأت كتفاها ترتجفان.
"يا سيدتي؟" سألها.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.