"لـ-ليس هذا اسمي."

لم تستدر على الفور.

"مورين"، قالها بصوتٍ خافت.

كان ظهرها مواجهًا له، فلم يستطع رؤية وجهها.

لكنه رأى كتفيها يرتجفان، ويداها مقبوضتان إلى جانبيها.

خرجت شهقة خفيفة من شفتيها.

مسحت دموعها بسرعة، ثم التفتت نحوه بابتسامة.

"مرحبًا بعودتك."

خرجت الكلمات منها تلقائيًا.

كانت تقولها دائمًا حين يعود من الصيد، أو عندما يرجع من يوم طويل في السوق.

"لقد عدت"، أجاب مبتسمًا.

بعد ذلك، بدا الزمن وكأنه فقد معناه.

في تلك الليلة، طلبت مورين أن يُقدَّم طعامها في غرفتها.

فهي نادرًا ما كانت تتناول العشاء مع عائلتها على أي حال.

مكانتها في البيت كانت متدنية، ولم تكن تستمتع بإجبار نفسها على الحديث على مائدة الطعام.

الأكل في غرفتها، وبحضوره إلى جانبها، كان أكثر راحة بكثير.

جلس الاثنان إلى الطاولة الصغيرة. كانت تأكل ببطء، وتسرق بين الحين والآخر نظرات خفية نحوه.

تفحّصت ملامحه.

كان يبدو كما هو، من حيث الشكل.

لكن طريقة وقوفه، وحركاته، ونظرته… كلّها تغيّرت.

تحركاته كانت أكثر اتزانًا. ونظراته تحمل ثِقَلًا جديدًا.

لقد نضج، ولم يكن ذلك في القوة فقط.

كم من السنين مرّ منذ موتها الأخير؟

وكم من الوقت قضاه يبحث عنها؟

شيء واحد كان مؤكدًا. لقد مرّ ما يكفي من الوقت لينضج، ويصبح رجلًا بكل معنى الكلمة.

لكنه لم ينسها.

دفء مختلف عن ذي قبل غمر قلبها.

رفع رأسه، والتقطها وهي تحدق به.

"…ما الأمر؟" سأل، وهو يميل رأسه قليلًا.

أشاحت بنظرها بسرعة.

ولكي تُشغله عن ذلك، خطرت ببالها فكرة سؤال.

"كيف وجدتني؟"

"أوه، هذا؟ بفضل هذا الشيء."

ابتسم، ومد يده إلى الخلف وأخرج سيفًا طويلًا متآكلًا.

تألقت نصلته السوداء بخفوت تحت الضوء.

"إنه شيطان الخراب، فورناز."

"آه."

"يبدو أنك سمعتِ عنه."

أومأ برأسه، وأكمل.

"سلطة فورناز تتيح لي العثور على ’الهدف‘ الذي أحدده. بمجرد أن أختار شخصًا ما كهدف، يرشدني الشيطان إليه. لكن في المقابل، يجب أن أقاتله بكل ما أملك، وعليه هو أيضًا أن يبذل قصارى جهده. حتى يفعل الطرفان ذلك، يظل الشيطان يمتص طاقتي الحيوية."

ضحك بخفة.

"بالطبع، أنا خالٍ من الموت، لذا لدي طاقة حيوية غير محدودة. لكن ما زال الأمر مزعجًا أن يُمتص جزء مني باستمرار. إذًا، ما رأيك في معركة طبخ لاحقًا؟ أنتِ تعطين كل ما لديك، وأنا كذلك. من المؤكد أن هذا سيرضي الشيطان، أليس كذلك؟ كما أنه سيقود إلى فوزي، وبالتالي ينتهي عقدي معه—"

توقّف عن الكلام.

كانت مورين تبكي.

"انتظري، لماذا تبكين؟" سألها، والقلق يلوح في ملامحه.

"أنت… هق… هزمتَ فورناز… هق… فقط لتجدني…"

انهمرت الدموع على وجنتيها.

لكي يعقد أحدهم عقدًا مع فورناز، كان عليه أولًا أن يهزمه.

ومن بين الشياطين المعروفة، كان فورناز مصنّفًا في مرتبة خطيرة للغاية.

كان قاسيًا، ماكرًا، وقويًا.

"ه-هل هذا ما سبب الندبة؟" سألته وهي تمد يدها لتلمس الخط الخافت على وجنته.

"أنتِ تبكين كثيرًا، هل تعلمين هذا؟" ضحك بلطف.

ورغم ابتسامته، رأت الحقيقة خلفها.

لا بد أنه تدرب بلا توقف، ودفع نفسه إلى أقصى حدوده — فقط ليتمكن من رؤيتها مجددًا.

كانت الأيام التالية سعيدة على نحو يفوق الوصف بالنسبة لمورين.

فهي كانت تستمر في التجسّد من جديد، لكنه دائمًا ما كان يتبعها.

كانت تستعيد ذكرياتها من الحيوات السابقة عادة حين تبلغ ما بين الخامسة عشرة والعشرين من عمرها.

ومن هناك، لم يكن أمامها إلا الانتظار.

وفي كل مرة، خلال خمس سنوات من عودة ذاكرتها، كان يظهر من جديد ليجدها.

وكان ذلك يجعلها تبتسم بلا توقف.

كانت سنوات الانتظار القليلة قبل ظهوره تمر ببطءٍ مؤلم، لكنها في الوقت نفسه تجعل لحظة لقائهما أكثر حلاوة.

وبعد لقائهما، كانا يبدآن من جديد.

"واو، هذا العالم فيه مركبات طائرة؟ مستوى التكنولوجيا ليس سيئًا أبدًا."

"إنه جميل."

حقيقة أنهما كانا مضطرين للاستمرار في نقل حاناتهما أصبحت ذكرى جميلة لاحقًا. فقد سمح لهما ذلك برؤية العالم.

"آه، هذا المكان رطب جدًا. شعري يستمر في التجعد."

"ألستِ تحبين الماء؟"

مورين، التي كانت تكره الموت وما يجلبه من غموض، بدأت تتطلع إلى حيواتها الجديدة.

كانت تتساءل دائمًا عن الأشياء الجديدة التي قد يجلبها كل عالم، وعن الأماكن الجديدة التي ستراها برفقته.

"المنظر الجبلي هنا خلاب. يمكننا أن نجني ثروة من حانة دافئة في هذا المكان."

"علينا أيضًا تحديث قائمتنا. فكرت في طبق جديد البارحة. هل تريدين أن أطبخه لكِ؟"

شيئًا فشيئًا، بدأت تجد نفسها تنظر إليه أكثر من نظرها إلى العالم من حولها.

"الناس هنا لديهم أجنحة؟ يجب أن أشكر هذا العالم إذًا. أخيرًا يمكنني أن أراك بأجنحة."

"لا تقولي أشياء محرجة!"

كانت تجد نفسها كثيرًا ما تبتسم له بخجلٍ لطيف.

الفراغ الذي كانت تحمله في صدرها — ذاك الذي اعتادت عليه عبر حياتها الطويلة والوَحيدة — بدأ يمتلئ.

لكن…

ما زالت لا تتجاوز الحد الفاصل بينهما.

حتى بعد كل هذه السنين، أبقت بينهما مسافة.

لم تستطع تفسير الأمر بالكامل، حتى لنفسها.

في كل مرة كان يمد يده نحوها، محاولًا تشبيك أصابعه بأصابعها، أو عندما تقترب وجوههما أكثر من اللازم، كانت تنسحب دون وعي.

وفي كل مرة، كان هناك وميض حزنٍ في عينيه.

لكنه كان يخفيه سريعًا بابتسامة.

ورؤية ذلك الحزن كانت تجعلها ترغب في احتضانه. في تقبيله. في إخباره بأنها تحبه.

لقد شعرت بتلك الرغبة منذ زمن طويل.

لكنها لم تفعل.

رغم أنها أنكرت معرفتها بالسبب، إلا أنها كانت تعرف في أعماقها لماذا تفعل ذلك.

'الساحرة لا يمكنها أن تحب إلا مرة واحدة.'

فالساحرات، على عكس البشر والكائنات الأخرى، خالدات بطريقة غريبة وقاسية.

لا يمكن أن يمتن موتًا دائمًا، وقلوبهن لا تتسع إلا لشخصٍ واحد فقط.

وبسبب ذلك، كانت الساحرات يرفضن الوقوع في حب أحد.

كنّ يعشقن الأشياء المجردة: المعرفة، والراحة، والحرية، والسفر.

كنّ يتهربن من حبّ الأشخاص.

'عندما يموت من تحبه الساحرة، أو يرحل عنها، تتحطم.'

ما زالت مورين تتذكر عيون الساحرات القديمات الفارغة.

'الساحرات خالدات.'

'حتى إن شعرنا بألمٍ في قلوبنا يدفعنا إلى تمني الموت، لا يمكننا ذلك.'

'علينا أن نعيش عصورًا لا تنتهي مع الألم والفقدان.'

كانت مورين خائفة.

كانت تخشى ما قد تفعله به إن وجد شخصًا آخر في المستقبل، وحاول أن يرحل عنها.

ولم يكن ذلك هو قلقها الوحيد.

فالخلود لا يعني عدم الفناء. هناك كائنات تستطيع قتل الخالدين.

كانت مورين تخشى أن تستيقظ في عالمٍ لم يعد هو موجودًا فيه.

لذا أبقت مسافتها.

كانت تلك آخر وسيلة دفاع لها.

كانت تظن أن ذلك سيحميها.

لأنها إن اعترفت يومًا بما تشعر به حقًا، وإن سمحت لحبها نحوه بأن يطفو إلى السطح، كانت تخاف أن يلتهمها بالكامل.

كانت تعلم أنها لن تستطيع العيش بدونه.

لكن بعد ذلك، وقع ما كانت تخشاه أكثر من أي شيء.

مرت ثماني سنوات منذ تجسدها الأخير.

ولم يأتِ بعد.

من بين مئات الدورات التي مرت بها — مئات الحيوات المختلفة — كانت تلك المرة الأولى التي لم يجدها فيها.

***

ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.

2025/10/30 · 59 مشاهدة · 1032 كلمة
جين
نادي الروايات - 2025