عادةً، كان يأتي إليها خلال عام واحد، الى خمسة على الأكثر.
لكن خمسة أعوام مضت بالفعل. ثم ستة. ثم سبعة.
والآن، ثمانية.
جلست مورين بهدوء على الطاولة، تحدّق في المعدن الباهت للسكين في يدها.
كانت تُحضّر المكونات للمخبز الذي افتتحته في هذه الحياة.
لكنّه لم يدخل من الباب أبداً.
بدأت أفكارها تتشابك.
"هل سئم منّي؟"
زحفت إلى ذهنها أفكار سوداء، واحدة تلو الأخرى.
"هل تركني… لأنني لم أسمح له بالاقتراب مني؟"
"هل وجد شخصاً آخر؟"
الهواء في رئتيها أصبح بارداً.
وانقبض صدرها.
قلبها، الذي تحمّل وحدةً امتدت لثمانية عصور، بدا وكأنه يُسحق بعد ثماني سنوات فقط من دونه.
ربما… كانت متساهلة أكثر من اللازم.
كان عليها أن تربط روحه بروحها، وتضمن أنه لن يشعر بشيء تجاه أي أحد سواها.
أو ربما كان عليها أن تنقش رونية على جسده، تجعله لا يستطيع لمس أحد غيرها.
لكنها لم تفعل أيّاً من ذلك.
كانت قد قالت لنفسها إن السبب هو احترامها له.
لأن الحب يجب أن يكون حقيقياً، لا مفروضاً.
والآن، شعرت بأنها كانت حمقاء.
كل يوم من دونه كان أسوأ من الذي قبله.
الفراغ في داخلها ظلّ يتّسع.
ينهشها كطفيلٍ جائع.
ومع ذلك، وسط هذا الظلام المتنامي، كانت هناك شرارة خافتة من الأمل تحترق في ذهنها.
"ربما… ربما تجسّدتُ في الماضي."
كانت تلك النظرية الوحيدة التي بدت منطقية.
في كل دورة حتى الآن، كانت تتقدّم دائماً نحو المستقبل.
حياةً تلو الأخرى، أبعد فأبعد في الزمن.
لكن ربما… ربما نفد حظّها أخيراً.
وربما هذه المرّة، دار القدر بالعكس.
نظرت مورين إلى السكين بين يديها.
كانت النصل يعكس عينيها المرهقتين الفارغتين.
شدّت أصابعها على المقبض.
لكنها لم تتحرّك.
"لا، لا أستطيع أن أقتل نفسي."
لقد كانت دائماً تُخبره أن يُقدّر الحياة.
لا يمكنها أن تخون تلك التعاليم.
حتى لو أنهت حياتها، لم يكن هناك ضمان بأنها ستتجسّد في المستقبل.
ربما ستعود إلى زمنٍ أبعد.
لذا انتظرت.
مرّ عامان آخران.
عامان طويلان، مؤلمان، مليئان بالتساؤلات عمّا إذا كان لا يزال حيّاً. إن كان لا يزال يتذكّرها. إن كان قد اختار حقاً أن يسلك طريقاً آخر.
وفي النهاية، لم تعد تحتمل أكثر.
ابتلعت كبرياءها، وفعلت الشيء الوحيد الذي أقسمت أنها لن تفعله أبداً.
رسمت رونية على الأرض.
كانت بسيطة في طبيعتها، تعمل بطاقة المانا المحيطة المجمّعة من الهواء.
شخص مثلها – غير مستيقظ – لم يكن قادراً على استخدام تعاويذ معقّدة. لكن التعاويذ البسيطة مثل هذه كانت مختلفة.
يمكن استخدامها من خلال الرونية.
جثت على ركبتيها في مركز الرونية، ووضعت يدها على الخط الأخير، وفعّلتها.
انتُزعت وعيها من جسدها.
وحين فتحت عينيها، كانت تقف في مكانٍ خارج الزمن.
حولها دوّامة من الساعات الذهبية والخيوط الخضراء.
وأمامها وقفت فيفيان، ساحرة الزمن.
"أصغرنا؟" رمشت فيفيان بدهشة. "لقد استخدمتِ التعويذة التي أعطيتُك إياها فعلاً؟"
بدت مورين خجلة من ذلك.
ذلك التعبير على وجهها رسم ابتسامة ملتوية على وجه فيفيان.
كانت فيفيان تعرف مدى اعتزاز مورين بنفسها.
مورين كانت تكره الساحرات اللواتي ينظرن إليها بازدراء، لكنها الآن تركع عند قدميهن، تتوسّل المساعدة.
وذلك أرضى فيفيان بطريقةٍ قاسية.
"ما الأمر؟ لِمَ جئتِ تزحفِين إليّ؟" كان صوت فيفيان ناعماً، لكنه مشوبٌ بالسم.
أخذت مورين نفساً.
وشرحت لها كل شيء.
تلاشت ابتسامة فيفيان كلما استمعت أكثر.
"ماذا؟"
"أرجوكِ. كل ما أحتاجه هو أن أجده."
كان التحوّل في هالة فيفيان فورياً. اختفى الهدوء المازح، وحلّ مكانه غضب بارد ثقيل.
"أنتِ… تريدين مني أن أرسلك إلى زمن يمكنك أن تجدي فيه هذا… الرجل؟"
"نعم، أختي الكبرى."
بصفتها ساحرة الزمن، كانت سلطة فيفيان على الزمن تمنحها القدرة على التحكّم به كما تشاء.
كان بإمكانها أن ترسل مورين إلى المستقبل أو الحاضر وفق رغبتها.
"أصغرنا، هل فقدتِ عقلك؟! كم مرة حذّرتكِ؟! كم مرة أخبرناك جميعاً ألاّ تقعي في حبّ شخص؟! والآن تأتين إليّ… تتوسّلين إليّ كي أساعدكِ على فعل ذلك؟"
ثبتت مورين في مكانها، حتى بينما بدأ ثقل حضور فيفيان يضغط عليها.
ارتجّ وعيها تحت ذلك الضغط، مهدّداً بالتحطّم.
لكنها لم تُخفض نظرها.
حدّقت فيفيان في عينيها مباشرة، كأنها تأمرها بأن تساعدها.
"ألا تزالين لا تتراجعين…؟ هل تحبينه بما يكفي لتواجِهيني من أجله؟"
"نعم."
"أتظنين حقاً أن هذا الرجل يستحق كل هذا؟"
"نعم."
"أنتِ حمقاء"، همست فيفيان بغضب. "أتظنين أنه سينظر إليكِ وحدكِ إلى الأبد؟ امنحيه بضع قرونٍ فقط، وسيمضي. سيجد شخصاً آخر."
"لن يفعل."
أجوبة مورين كانت تُثير غضب فيفيان أكثر.
"حتى لو لم يترككِ، فسيموت في النهاية!"
"إنه يحمل دم هاديس. إنه خالد."
قبضت فيفيان يديها بقوة.
"أنتِ لا تفكرين في أخواتنا. اللواتي أحببن أحداً وفقدنه. هل تتذكرين ما حدث لهن؟ لقد جُنن. ظللن يبحثن عن شيءٍ – أي شيء – ليملأن به الفراغ. وبعضهن…"
أظلمت نظرتها.
"بعضهن سرقن أحباء الأخريات لمجرد أن يشعرن بشيء من جديد."
حبست مورين أنفاسها.
"سيسرقنه منكِ. إحداهن ستفعل ذلك بدافع الحقد، وأخرى بدافع الوحدة. أنتِ تعرفين هذا. لقد شهدتِه من قبل."
"…لا يهم. سأواجههن، وسأحميه."
حدّقت فيها فيفيان طويلاً.
"أنتِ ذاهبة لتدمّري نفسكِ. لقد حدث ذلك في كل مرة! ما الذي يجعلكِ تظنين أنكِ ستكونين مختلفة عن أخواتنا؟!"
"أفضل أن أُدمَّر على أن أعيش من دونه."
ساد صمت طويل بينهما.
وأخيراً، تقدّمت مورين خطوة إلى الأمام، وصوتها يرتجف.
"أختي، أرجوكِ. دَعيني—"
"لا."
كانت الكلمة حادّة كالنصل.
رفعت فيفيان يدها، ثم أصدرت فرقعة بأصابعها.
"ولا تأتي إليّ مجدداً. لا أريد أن أراكِ محطّمة مثل الأخريات."
أُعيد وعي مورين قسراً إلى جسدها.
وحين استيقظت، لم تتحرك.
لقد رفضت فيفيان مساعدتها.
لم تستطع الذهاب للقائه.
كانت الأيام التي تلت ذلك أسوأ من أي شيء عانته من قبل.
أكثر من مرة، وجدت نفسها تحدّق في ذلك السكين ذاته.
تساءلت إن كان إنهاء حياتها سيُرسلها إلى المستقبل حيث هو.
ذلك كان الأسلوب الوحيد الذي خطر ببالها.
لكنها لم تستطع أن تقتل نفسها.
لم تكن تعرف كيف يمكنها أن تواجهه بعدها.
كيف يمكنها أن تنظر في عينيه بعدما تخلّت عن كل ما علّمته عن الحياة والموت.
ومع ذلك…
لم تتوقّف الأفكار السوداء.
ماذا لو لم يكن هذا هو الماضي؟
ماذا لو أنها لم تعُد إلى الوراء؟
ماذا لو أن هذه اللحظة – هذه الحياة الوحيدة الفارغة – هي المستقبل؟
وأن السبب في عدم مجيئه…
هو أنه وجد شخصاً آخر؟
ثقل الفكرة سحقها.
كل يومٍ كان أصعب من الذي قبله. كل صباحٍ كانت تستيقظ على أمل أن يكون هذا اليوم هو اليوم الذي سيأتي فيه ليجدها.
وكل ليلةٍ كانت تغفو وهي تشعر بالفراغ.
كانت ترغب في لقائه أكثر من أي شيءٍ آخر.
لكن في الوقت نفسه…
كانت خائفة حتى الموت من أنها إن فعلت، فلن تحتمل ما قد تكتشفه.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.