أحياناً، كانت الأفكار تفوق قدرتها على الاحتمال.

كانت تحاول إقناع نفسها بالعكس – تحاول إسكات الشكوك التي تدور في رأسها – لكن الدموع كانت تنهمر رغم ذلك.

كانت كثيراً ما تنفجر في نوبات بكاءٍ صاخبة تمتد حتى منتصف الليل، عندما لا يكون هناك من يسمعها.

بدأ غيابه ينعكس جسدياً على صحتها.

كان جسدها يزداد ثقلاً يوماً بعد يوم.

صار الاستيقاظ معركةً بحد ذاته.

كانت تستلقي على السرير تحدّق في السقف، وهي تعرف أن عليها عملاً لتقوم به، وزبائن لتخدمهم، وعجيناً لتعجنه… لكن أطرافها لم تكن تتحرك.

ولم تدرك الأمر إلا بعد أسابيع.

لقد أصبح بالنسبة إليها كالمخدّر.

كانت تعتمد على ذلك المخدّر أكثر مما كانت تتخيل.

صوته. حضوره. تعليقاته السخيفة المليئة بالمزاح. كلها أصبحت جزءاً من حياتها.

والآن، رحل.

في كل لحظة فراغ، كانت أفكارها تعود إليه. ومعها يعود الألم.

ولكي تهرب من ذلك، دفنت نفسها في العمل.

أصبح تشغيل المخبز مرساتها الوحيدة. كانت تفتحه أبكر من أي وقت مضى، وتغلقه في وقت متأخر من الليل. وعندما تعود إلى منزلها، تكون مرهقة جداً لدرجة أنها لا تستطيع التفكير أو البكاء.

وقد ساعدها ذلك. قليلاً فقط.

بدأ العمل يزدهر. وأثنى الزبائن على إخلاصها، ومعجناتها، وثبات جودتها. لكن المديح لم يعد يعني لها شيئاً.

بل جعلها تشعر بالسوء أكثر.

فالطهي كان شيئاً هو من علّمها إياه.

كانت تمارسه كي تطهو له شيئاً لذيذاً.

أما الآن، فلم تكن متأكدة إن كان ذلك اليوم سيأتي.

كانت هناك أيامٌ تضبط فيها نفسها وهي تحدّق بشرود في سكين الخبز.

وأيامٌ أخرى تجلس فيها في المخزن لساعات، تتساءل بصمتٍ ما إذا كان إنهاء حياتها سيكون أسهل، وأنه ربما – فقط ربما – ستتجسّد من جديد في مستقبلٍ يعثر عليها فيه.

لكنها كانت دائماً توقف نفسها.

"لا. لن أقتل نفسي." همست مورين تحت أنفاسها، مردّدةً الكلمات كأنها تعويذة، كل صباحٍ وكل مساء، وكل مرةٍ شعرت فيها بأن عزيمتها تضعف.

لن تقتل نفسها.

رفضت أن تفعل ذلك.

ومع ذلك كانت تعلم.

كانت تعلم أنه في النهاية، حتى تلك الكلمات قد لا تكفي.

ثم جاء ذلك اليوم.

كانت تحدّق في السكين مجدداً، غارقة في دوّامة أفكارها.

كانت عزيمتها قد أصبحت ضعيفة جداً.

رنّ صوت خافت لباب المخبز وهو يُفتح، لكنها لم تلاحظ.

دخل رجل.

"عذراً، هل جئت متأخراً؟"

بدأت تردّ بعفوية. "يعتمد على ما تريد. بعض منتجاتنا لا تزال—"

توقفت كلماتها في منتصف الجملة.

ذلك الصوت.

تحركت عيناها ببطء نحو المدخل.

شَعرٌ أسود.

عينان حمراوان.

ذلك الابتسام المزعج قليلاً، الذي كان يبدو دائماً وكأنه يعرف أكثر مما يجب.

ارتجفت شفتاها.

"أ… أهذا حقاً أنت؟"

"آخر مرة تحقّقت فيها، لم يكن أحدٌ يبدو بهذه الجاذبية غيري، لذا نعم. إنه أنا."

ابتسم بنفس الابتسامة العابثة التي رأتها مئات المرات.

لم تفكّر بعدها.

تحرك جسدها من تلقاء نفسه.

ركضت، وألقت بنفسها بين ذراعيه.

انهمرت الدموع.

اختنق صوتها.

"مرحباً… هُك… بعودتك…"

"لقد عدتُ." قال بهدوء، وذراعاه تطبقان عليها بقوة.

كانت يده تربّت على ظهرها برفق.

ذلك الفعل الصغير وحده أخبرها بكل ما كانت تحتاج إلى معرفته. لم يكن مع أيٍّ غيرها.

لابد أن هناك سبباً آخر لتأخره.

ومع ذلك، بدأ الغضب يغلي بداخلها الآن بعد أن انقضى شعور الارتياح.

"لماذا… هُك… لماذا تأخرتَ كل هذا…؟ هل… هُك… تدرك كم قلقت؟"

كانت قبضتاها تضرب صدره، لكن دون أي قوة.

ضحك، ووجد في غضبها شيئاً جميلاً.

"لا… هُك… تضحك! أنا غاضبة!"

بكت كأنها تبكي منذ ساعات.

وحين لم تستطع البكاء أكثر، انهارت عليه تماماً، مستنفدة كل طاقتها.

حملها برفق دون أن يقول شيئاً، وسار بها إلى غرفتها.

"نامي." همس وهو يهمّ بالمغادرة.

لكن يدها امتدّت وأمسكت كمّه.

"ابقَ هنا… ابقَ معي… أشعر بالوحدة."

نظر إليها، ثم تجوّل بنظره في الغرفة الصغيرة.

كان هناك سرير واحد فقط.

أشارت إلى الفراغ بجانبها عندما لاحظت نظره.

تردد لحظة واحدة فقط قبل أن يقبل دعوتها.

لم يتكلّما.

كان في الغرفة توترٌ غريب.

كانت تلك أول مرة تسمح له فيها أن ينام في نفس الغرفة، ناهيك عن نفس السرير.

وبينما كانا مستلقيين، كان هو يحدّق في السقف، غير قادرٍ على النوم. ببطءٍ، وبشيءٍ من التردد، انزلقت يده عبر السرير، ولفّت بلطف حول خصرها.

"مورين؟" همس.

كان ظهرها مواجهًا له. لم يكن يستطيع رؤية وجهها.

لم يكن يعرف إن كانت نائمة أم تتجاهله فحسب.

"مورين، هل أنتِ مستيقظة؟"

شدّها نحوه أكثر.

حقيقة أنها سمحت له بالنوم إلى جانبها كانت تعني أنها منحت الإذن… أليس كذلك؟

"مورين؟"

بعد بضع ثوانٍ أخرى، رفع جسده بحذر ونظر من فوق كتفها.

"...إنها نائمة."

وجهها، الذي كان مشدودًا من التوتر والإرهاق، بدا الآن هادئًا.

تنفّس زفرةً طويلة، ممزوجة بالمرارة والعطف معًا.

"حقًا، تفعلين كل شيء على وتيرتك الخاصة، أليس كذلك؟"

نامت جيدًا تلك الليلة.

أما هو، فلم يستطع النوم إطلاقًا.

من اليوم التالي، بدأت تظهر تغيّرات صغيرة لكنها لا يمكن إنكارها في مورين.

كانت أصابعها تلمس يده عرضًا.

كانت تميل على كتفه أحيانًا.

وكان يمسكها وهي تراقبه خلسة عندما تظن أنه لا ينظر، وحين يبتسم، لم تكن تبتعد بعينيها.

ذلك منحه الأمل.

ربما ستكون هذه الحياة مختلفة.

ربما ستقبله هذه المرة.

لكن…

"ماذا لو رفضتني مجددًا؟"

كانت تصرفاتها دائمًا مربكة.

فعلى الرغم من أنها تتصرف بدلال، لم تكن تقبله أبدًا.

كان يتساءل أحيانًا إن كانت تفعل ذلك دون وعي، أم أنها تلعب بقلبه.

"آه، سأطلب منها في الحياة القادمة مجددًا إن رفضتني."

ذلك كان قراره دائمًا. إن قالت لا، فسينتظر الحياة التالية.

لن يضغط عليها لتقبله.

لكن هذه المرة، كان لديه أمل بأن الأمور ستتغير حقًا.

بدأ يبحث عن اللحظة المناسبة.

وبعد أسبوع، وجدها.

زارا تلاً هادئًا خارج البلدة.

كان السماء صافية، ونسيمٌ عليل يرقص بين العشب، وزهور برّية جميلة تزهر على طول الطريق.

في القمة، تحت ظل شجرةٍ كبيرة، وقف خلفها.

"هل يعجبك هذا المكان؟"

"إنه جميل."

لم تستطع مورين أن تبعد عينيها عن الأفق المذهل أمامها.

لفّ ذراعيه حول خصرها من الخلف.

تجمّدت.

"مورين؟"

كلاهما فهم معنى تصرّفه.

كان يسألها الإذن، يسأل إن كان مسموحًا له أن يحتضنها هكذا، إن كان من المقبول أن يتجاوزا الحدود التي وضعاها بينهما.

طرقت يده بلطف، إشارةً لأن يتركها.

تراجع بسرعة.

"آه— أنا، أنا آسف. لم أقصد أن—"

لكن قبل أن يُكمل، التفتت نحوه.

أمسكت بيديه المنسحبتين وأعادتهما إلى خصرها. ثم لفّت ذراعيها حول عنقه.

رمش بعينيه، مذهولًا تمامًا.

لم يكن لدى مورين وقتٌ للنظر إلى تعبير وجهه.

كان قلبها ينبض بجنون.

كان صوته عالياً لدرجة أنها كانت متأكدة أنه يسمعه.

لكنها لم تستطع التراجع.

لم تفعل شيئًا بهذا الجرأة من قبل.

كانت تبذل كل ما تملك من إرادة كي لا تجثو أرضًا وتخفي وجهها من شدة الإحراج.

جمعت شجاعتها ونظرت إلى الأعلى.

"آه."

رأت وجهه.

***

ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.

2025/10/31 · 31 مشاهدة · 1025 كلمة
جين
نادي الروايات - 2025