مرّت خمس سنوات منذ أن استعادت مورين ذاكرتها.

لم يعد بعد.

ورغم أنها لم تكن سعيدة، إلا أنها لم تتضايق كما في السابق.

'بما أن هذا عصر جديد، فربما سيستغرق الأمر وقتًا قبل أن يُبعث من جديد.'

مرّت عشر سنوات.

واصلت مورين انتظاره.

مرّت عشرون سنة.

واصلت مورين انتظاره.

مرّت ثلاثون سنة.

واصلت مورين انتظاره.

مرّت خمسون سنة.

واصلت مورين انتظاره.

مرّ مئة عام.

وأصبح الصمت لا يُطاق.

الفكرة التي كانت تتجنبها طوال الوقت اخترقت دفاعها أخيرًا.

هناك خطبٌ ما.

حاولت أن تدفعها بعيدًا.

حاولت أن تصدّق أن هناك سببًا لعدم عودته بعد.

لكن القلق كان يزداد ثقلًا، يضيق في صدرها كالمِشبك.

استخدمت الرون للاتصال بفيفيان.

ساحرة الزمن ربما تستطيع أن تجيب عن قلقها.

لكن الرون لم يتفعّل.

كانت فيفيان ترفض الحديث معها منذ شجارهما الأخير.

والآن أصبح الصمت خانقًا لمورين.

كل ليلة، كانت تبقى مستيقظة.

وعقلها يدور في الدوامة نفسها مرة بعد أخرى.

إن لم تستطع الوصول إليه، فهي تحتاج إلى شخص يستطيع ذلك.

بدأت تبحث عن فورناز، شيطان الخراب.

مرّت عشرون سنة دون أي تقدّم.

كل خيطٍ تتبّعته انهار قبل أن تقترب منه.

لم يكن للشيطان أي أثر، ولا له أيضًا.

نبوءةٌ قبيحة بدأت تخدش قلبها، تهمس باحتمالٍ مروّع.

كانت تطرده في كل مرة يعود فيها.

وأقنعت نفسها بأنها ستجده، فقط إن استطاعت أن تمسك بشيطان الخراب.

"أنا فقط بحاجة إلى الشيطان..." كانت ترددها كثيرًا، دون أن يكون هناك من يسمع.

تغيّر انعكاسها دون أن تلاحظ.

جلدها أصبح شاحبًا وجافًا.

شفاهها تشققت ونزفت من كثرة العضّ.

لقد خفتت الشرارة في عينيها.

لكن لم يكن في ذهنها متّسع للاهتمام بمظهرها.

وفي النهاية، قررت أن هناك شخصًا واحدًا فقط يمكنه أن يمنحها إجابة حقيقية.

هاديس.

رؤيته كانت سهلة.

فقد حكم هاديس الكون من العصر الرابع إلى الثامن.

حتى في العصر التاسع، اختار ألّا يصبح الحاكم الأسمى لأن هناك أمورًا أعظم من غزو الأكوان تستحق اهتمامه.

والآن، بالكاد في بداية العصر العاشر، كان اسمه يُنطق بإجلالٍ عبر العوالم.

وجدت قصره بسهولة.

مكانتها كساحرة سمحت لها بعبور بواباته دون مقاومة.

قادها الخدم عبر قاعاتٍ واسعة حتى وقفت أمام باب مكتبه.

دخلت، وتلاشى التماسك الذي أجبرت نفسها عليه لقرون.

"أين هو؟!" انفجرت الكلمات من فمها.

"من؟"

لم يرفع هاديس حتى رأسه. تابع تقليب الوثائق الموضوعة على الطاولة أمامه.

"هاديس، لست في مزاجٍ لتحمّل المزاح!"

صفعت كفها على المكتب بينهما.

رفع نظره للحظة، متأملًا عينيها المحمرّتين، وتنفسها المتقطع، ويديها المرتجفتين.

ثم عاد إلى أوراقه.

"تعنين شيطان الطغيان؟ لقد مات."

اللقب ضربها كصفعة.

شيطان الطغيان؟

لماذا يناديه هاديس بهذا الاسم؟

تجاهلت الفكرة. لم تكن مهمّة الآن.

"أعرف أنه مات. أنا أسأل لماذا لم يُبعث بعد."

"لقد كان كائنًا مخلوقًا في العصر التاسع. ذلك العصر انتهى. لقد نال الموت الحقيقي، مثل كل من عاش في العصر التاسع. هذا ما أعنيه بالموت. لماذا قد يُبعث في العصر العاشر؟"

"…ماذا؟"

اصطدمت كلماته بأذنيها كصاعقة.

تقطّع تنفسها، وارتجفت عيناها.

"إنه يحمل دمك. لا يمكن أن يموت."

أنكرت كلماته.

"…؟"

وضع هاديس الورقة جانبًا، ونظر في عينيها.

تأمّلها قليلًا، ثم قال.

"لو كان دمي كافيًا لجعل أحدهم خالدًا، لما كنت الوحيد الذي ينجو من نهاية العصر مع حفنةٍ من السحرة والشياطين."

بدأ قلبها يغرق.

لم تكن تريد أن تسمع المزيد.

ومع ذلك، واصلت السؤال.

"…ألَيس خالدًا؟"

"لا."

"لكن—"

اختنقت الكلمات في حلقها.

'كيف عرفتُ أنه خالد؟'

لأنه هو من قال ذلك.

هل رأته يموت ويعود من قبل؟

لا.

لم تسأله قطّ.

لم ترغب في تخيّل معاناته، فضلًا عن أن تراه يموت.

وثقت به دون أي سؤال.

فهو كان إلى جانبها منذ أن بدأت ذاكرتها تعمل.

لكن…

الحكام ذوو المراتب العليا يمكن أن يعيشوا عصورًا من دون أن يشيخوا.

ومع موهبته، كان من الممكن أن يكون قد بلغ مرتبة عالية في سنٍ صغيرة.

وذلك يفسّر لماذا بدا وكأنه لا يتقدّم في العمر أبدًا.

لكن إن كان هذا صحيحًا…

ارتجفت يداها.

"…قال إنه خالد. هذا يعني—"

"ألم تكوني تعلمين حقًا أنه سيموت عندما ينتهي العصر؟" نظر إليها هاديس. "هذا لا يمكن أن يكون. لقد كان يمنحك موهبته ووجوده جزءًا تلو الآخر. كيف لم تعرفي ما الذي كان يحدث؟"

"….ماذا؟"

قبضت مورين يديها بقوة.

سال الدم حين مزّقت راحتيها بأظافرها.

"موهبتي ازدهرت بفضل تقنية إيقاظ الموهبة الكامنة التي ابتكرها. ماذا تعني بأنه كان ينقل موهبته ووجوده إليّ؟"

"تقنية نقل الموهبة. إنها تجرّد الشخص من موهبته ووجوده وتغذّي به شخصًا آخر لزيادة موهبته…. يبدو أنه لم يخبرك عنها."

كل كلمة سقطت على صدرها كقضيبٍ من حديد.

أرادت أن تنكرها. أن تنعته بالكاذب.

لكن الذكريات بدأت تتدفّق، واحدة تلو الأخرى، دون إذن منها.

"إذن إن كنتَ ستجعلني أتدرّب، فعليك أن تتدرّب أيضًا. مرتبتك لم تتقدّم منذ ألف سنة!"

كانت مرتبته قد توقفت عن الارتفاع.

وهذا مستحيل لشخصٍ مثله.

لقد خُلِق من رحم الشيطان، وإمكاناته وموهبته لا نظير لهما.

كان من المفترض أن تستمر مرتبته في الصعود، مهما كان ذلك ببطء.

إلا إذا…

"لم يتبقَّ له أي موهبة."

"لم يعُد قادرًا على التقدّم."

اشتدّ قبضها على صدرها.

كانت الأجوبة تأتيها الآن رغم أنها كانت تتمنّى أن تغلق أذنيها عنها.

"لماذا نتدرّب بهذا القدر على أي حال؟ لا أحد يهاجمنا. يمكننا أن نأخذ الأمور بسهولة. لا أمانع الانتظار بضع مئات من السنين من أجل اختراقٍ آخر."

لقد تذمّرت مراتٍ كثيرة.

لكنه، الذي كان يصغي حتى لأصغر شكواها، لم يخفّف عنها أبدًا.

كما لو أنّه…

"كان يعلم أنه بعد أن يختفي، لن أجد من يحميني."

"وسأحتاج أن أفعل ذلك بنفسي."

شعرت مورين بأن ركبتيها تضعفان.

"…هل يمكنك أن تعطيني تقنية نقل الموهبة تلك؟ أريد أن أراها بنفسي لأتأكد إن كان هذا صحيحًا."

"أستطيع، لكنكِ لن تتمكني من استخدامها."

نظر إليها هاديس بلا أي تعبير.

"التقنية تقتلع موهبتك ووجودك أنتِ."

"وهي أكثر إيلامًا من تمزيق الروح نفسها."

"التقنية التي ابتكرها كانت ثورية، لكن حدّ الألم جعل من المستحيل لأي أحدٍ استخدامها."

"أنا مندهش كيف تمكن هو من استخدامها أصلًا، لينقل موهبته إليك."

كلماته فتحت ذكرى أخرى، لم تشكّك فيها من قبل.

في أول مرة استخدم فيها تقنية 'إيقاظ الموهبة الكامنة' عليها، أطلق أنينًا خافتًا.

سألته إن كان بخير.

"فقط تفاجأت من طريقة تفاعل المانا خاصتك."، كما قال.

هل كان ذلك الأنين إشارة إلى أنه كان يتحمّل الألم؟

هل كان يتحمّله مرارًا وتكرارًا، على مدى آلاف السنين التي واصل فيها استخدام التقنية عليها؟

بدأت الدموع تنساب من عينيها قبل أن تدرك ذلك، لكن بدلًا من الاستسلام الصامت، تصاعد في صدرها شيء أكثر حرارة.

الغضب.

"أنت تكذب."

حدّقت في هاديس بنظرة حادّة.

"قال إنه سيعود! لا تجرؤ على الكذب عليّ!"

***

ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.

2025/11/01 · 63 مشاهدة · 1017 كلمة
جين
نادي الروايات - 2025