ارتخت كتفا فيليكس، وزفرة طويلة أفلتت منه.
"آسف بشأن ذلك. لم تكن بالضبط أفضل طريقة للترحيب."
تنفّس مجددًا، هذه المرة أثقل، وخرج الهواء من صدره ببطء.
أخفض رأسه.
"أعتذر نيابةً عن الجميع على ما فعلناه قبل قليل. ظهورك كان مفاجئًا جدًا، وكونك هاجمت فور وصولك جعل الجميع يدخل في فوضى. لم نكن مستعدين لذلك."
"أتمنى أن تسامحنا، وأن نجلس ونتحدث مجددًا كما كنا نفعل سابقًا."
نِيو لم يُجب.
لم يتحرك حتى.
كانت نظراته مثبتة على فيليكس، لكن لم يخرج منها أي كلام.
رفع فيليكس رأسه ببطء.
رأى في عيني نِيو مشاعر لا تُعدّ ولا تُحصى.
غضب، وألم، وارتباك، وشيء أعمق لم يستطع حتى تحديده.
فتح فيليكس فمه مجددًا، مستعدًا لقول شيء، أي شيء قد يخفف التوتر، لكنه توقف.
أي راحة يمكنه أن يقدمها الآن؟
بعد ما حدث، أي كلمات ستبدو فارغة.
لذا، بدلًا من أن يقول شيئًا بلا معنى، اعتدل في وقفته.
تغيّر تعبيره إلى هدوء مهني متماسك.
رفع كمه.
أشرق ضوء خافت على طول جلد ذراعه، وكشف عن علامة التنين المحفورة في لحمه.
"علينا أن نتحدث بشأن هذا"، قال فيليكس بجدية. "لذا أرجوك… أرسل لي رسالة عندما تجد وقتًا. الأمر مهم."
تعمّق عبوس نِيو.
عيناه بقيتا معلّقتين على العلامة.
حتى مع الألم الذي يمزق رأسه، أجبر نفسه على التركيز.
كانت العلامة تحمل حضورًا أيقظ ذاكرةً في أعماقه.
'هذا… يشبه حضور أخي، بعد أن أيقظ دم التنين القديم الخاص به.'
لاحظ فيليكس رد فعله.
"يبدو أنك تعرفها"، قال، لكن عينيه ظلّتا تبحثان عن تأكيدٍ على وجه نِيو.
نِيو لم يُجب.
"أراك لاحقًا." أومأ فيليكس بخفة.
دون أن يضيف المزيد، ترك التوهج يتلاشى واختفى، ولم يترك خلفه شيئًا سوى تموج المانا.
كسر جاك الصمت أخيرًا. "نِيو—"
"لاحقًا"، قاطعه بيرسيفال بسرعة، رغم أن نبرته لم تكن قاسية. "دعه يرتاح الآن. يمكنك التحدث معه عندما يكون مستعدًا، عندما يصبح ذهنه أكثر صفاءً."
بدا القلق على جاك، ممزوجًا بترددٍ ثقيل.
وبعد لحظةٍ صامتة، أومأ، رغم أن التوتر لم يغادر كتفيه.
"فقط لا تغادر قبل أن نلتقي مجددًا"، قال، ثم اختفى هو أيضًا، ساحِبًا إيلّيانا معه.
عاد السكون يخيّم على الفراغ.
لم يبقَ سوى نِيو وبيرسيفال.
كان الهواء أخف من قبل بعد رحيل الآخرين، لكن الصمت بقي ثقيلًا.
"…شكرًا," قال نِيو بعد لحظةٍ طويلة.
"لا داعي للشكر. لقد قلت الحقيقة فقط." لوّح بيرسيفال بيده بخفة، وكأنه يبدد ثقل اللحظة. "تعال. اتبعني."
لم ينتظر ردًّا.
انفتح تحت قدميهما دائرة من الضوء، وانثنى الفضاء حولهما.
وفي اللحظة التالية، كانا عالِيَين فوق المدينة، يحومان في السماء الصافية.
امتدّ المشهد واسعًا في كل الاتجاهات.
كانت البحيرات تتلألأ كالمرآة تحت ضوء الشمس، لا يكسر صفحتها سوى نسيمٍ عابر.
تعرّجت الأنهار عبر الأرض، تنساب حول مساحاتٍ خضراء من الحقول.
في الأسفل، التفت الشوارع بين الأبنية، حيث كان أنصاف الحكام والبشر والأطفال يسيرون بحرية.
ارتفعت أصوات الضحك خافتة حتى من هذا الارتفاع، تمتزج مع رنين أجراسٍ قادمة من برجٍ بعيد.
السماء نفسها بدت زرقاء أكثر مما ينبغي، وكأن الهواء هنا قد غُسل من كل ظلال.
ترك بيرسيفال نِيو يتأمل المشهد.
حملت نبرته لمسة فخر حين تكلّم أخيرًا. "هذا هو العالم الذي أنقذته. كل حياة تراها هناك في الأسفل موجودة بفضلك. إنهم يزدهرون، لأنك منحتهم الفرصة لذلك."
لم يُجب نِيو مباشرة.
بقيت عيناه معلّقتين على الناس في الأسفل، على الأطفال الذين يركضون بين آبائهم، وعلى أنصاف الحكام الذين يسيرون في الشوارع بلا قلق.
خفّ الصداع قليلًا.
وضع بيرسيفال يده على كتفه.
"هناك"، قال مشيرًا نحو قصرٍ واسع عند طرف المدينة، "ذلك هو قصرِي. ستقيم هناك. اختر أي غرفةٍ شاغرة واسترح اليوم. أو إن رغبت، يمكنك التجوّل في المدينة. لا أستطيع مرافقتك بسبب رتبتي—وجودي سيسبب متاعب أكثر من راحة—لكن يمكنني أن أرسل أحدهم ليرشدك."
وبما أن نِيو كان كاسرَ سماوات، لم يكن عليه أن يقلق مثل بيرسيفال والآخرين من أن يقتل الناس من حوله لمجرد وجوده أو اسمه.
"سأرتاح."
"كما تشاء," قال بيرسيفال وهو يُنزل يده. "فلننزل إذًا."
انحنى الضوء مجددًا، وفي رمشة عينٍ كانا واقفَين في أرض القصر.
ارتفع القصر أمامهما شامخًا.
كان تصميمه بسيطًا، لكنه فخمٌ بطريقته الخاصة.
امتدّت الساحات الواسعة حوله، تتناثر فيها الأسوار المشذّبة والبرك الصافية.
الهواء هنا كان أثقل من هواء المدينة.
وفهم نِيو السبب بسرعة.
كان المكان هادئًا، هادئًا أكثر من اللازم.
لقصرٍ بهذا الحجم، بدا شبه خالٍ.
لا خدم يتحركون، ولا حراس يقومون بدوريات، ولا عاملين يعتنون بالأرض.
فقط الريح تمرّ بين الأشجار.
"لا تدع هذا الفراغ يزعجك," قال بيرسيفال بينما كانا يتقدمان نحو المدخل. "الأمر ليس غريبًا. بقوتي، قلائل جدًا يمكنهم البقاء هنا. الضعفاء… لن ينجوا. سماع اسمي وحده كافٍ لسحق معظم أنصاف الحكام. وإن وقفوا أمامي مباشرة، أجسادهم لن تحتمل. الإصابات ستأتيهم قبل أن يدركوا حتى ما حدث."
رمقه نِيو بنظرةٍ جانبية، وبرغم أن نبرة بيرسيفال كانت عادية، إلا أن الثقل الكامن خلف كلماته كان واضحًا.
القوة ليست شيئًا يمكن إخفاؤه.
انفتحت الأبواب الثقيلة بدفعةٍ هادئة، كاشفةً عن الداخل.
امتدت الممرات الواسعة، تصطف على جانبيها أحجارٌ مصقولة ونوافذ عالية تُدخل أشعة الشمس لتنساب على الأرضية.
أشار بيرسيفال نحو الممر المتفرع إلى اليسار.
"ستجد غرف الضيوف في ذلك الاتجاه. خذ ما تشاء منها. استرح، واستعد، وصفّ ذهنك. سنتحدث غدًا عما سيأتي لاحقًا."
أومأ نِيو ببطء. "حسنًا."
استدار بيرسيفال ليغادر، لكن قبل أن يخطو، تكلّم نِيو.
"هل تلك غرفة مورغان؟"
لقد رصد وجودها بالفعل في إحدى غرف الضيوف.
توقف بيرسيفال والتفت إليه.
ثبتت نظراته على نِيو لثوانٍ.
ثم أومأ بخفة.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.