لماذا؟ لماذا فعل ذلك؟ هل كان حقًا السبيل الوحيد؟ أم كان مجرد أنانيةٍ تخفي نفسها تحت ستار الضرورة؟
تقطّبت حاجبا نِيو.
ازدادت أفكاره ثِقلاً.
"نِيو؟"
سحبه الصوت من دوّامة تفكيره.
التفت، فرأى مورين وقد استيقظت. جلست ببطء على السرير، تفرك عينيها. كان شعرها مبعثرًا، وصوتها ناعسًا وهادئًا.
"صباح الخير"، قال نِيو.
"صباح الخير"، ردّت.
حمل صوتها شيئًا من الذهول، كأنها لم تصدّق أنه يقف أمامها حقًا.
نهض نِيو، ونفض الغبار عن ثيابه.
"ينبغي أن تستعدّي. سأُحضّر شيئًا للإفطار."
توقّف لحظة، ثم تذكّر شيئًا.
"في الواقع… سأدعو بيرسيفال أيضًا."
رمشت مورين بدهشة. "بيرسيفال؟"
"نعم. ظننت أنه سيكون من الأفضل أن نتناول الإفطار جميعًا."
كان نِيو قد لاحظ البارحة نبرة بيرسيفال حين تحدّث عن القصر وعن العيش فيه.
لقد بدا… وحيدًا.
ورغم أنه لم يقل ذلك صراحة، إلا أن نِيو أدركه بسهولة.
كان قويًا بما يكفي ليعلو فوق معظم الآخرين، لكن تلك القوة نفسها كانت سبب ابتعاد الناس عنه.
كان يمكنه ببساطة أن يترك الأرض ويعيش في مكانٍ يليق بمن هم في مرتبته — مثل شموس منسية — لكنه بقي على الأرض ليحميها.
أخفضت مورين نظرتها، ولم تُبدِ اعتراضًا.
"همم." أومأت مورين بخفوت.
استدار نِيو نحو المطبخ الصغير، وقد بدأ بالفعل يخطط لما سيعدّه.
تحرّكت يداه تلقائيًا بينما بدأ بتحضير الفطور.
ساد المكان هدوءٌ تام، لا يُكسره سوى صوت التقطيع الخافت وهسيس الطعام أثناء الطهي.
وحين انتهى، مسح يديه بالمئزر ونادى بهدوء. "تعالوا لتناول الإفطار."
وصلت كلماته مباشرة إلى مسامع بيرسيفال.
كان بيرسيفال يسقي النباتات في الحديقة حينها.
تفاجأ بدعوة نِيو، وكانت ردة فعله الأولى أن يرفض.
لكنه توقّف، متجهّمًا قليلًا، وكأنه يصغي إلى صوتٍ لا يسمعه أحد سواه — ربما روح الشمس.
م.م: تم استبدال أشعة الشمس الى روح الشمس🙂
بعد لحظةٍ من التردّد، تحرّك أخيرًا نحو الغرفة.
فتح نِيو الباب على مصراعيه حين وصل، وأشار له بالدخول.
تجمّد بيرسيفال في مكانه.
اتسعت عيناه بدهشةٍ لا تُصدَّق.
كان نِيو يقف أمامه مرتديًا مئزرًا، يبدو كأيّ رجلٍ عادي في بيتٍ عادي.
"ما الذي…"
بالنسبة لشخصٍ رآه بالأمس مغطّى بالدماء ومفعمًا بهالةٍ مرعبة، كان هذا المشهد… عبثيًا.
لاحظ نِيو تعبيره، ولم يتمكّن من كبح الابتسامة التي امتدّت على شفتيه.
لقد استمتع بردّ فعله أكثر مما ظنّ.
"إلى متى ستظل واقفًا هناك مذهولًا؟" قال نِيو بنبرةٍ عادية.
رمش بيرسيفال بارتباك، ثم أطلق ضحكةً قصيرة متكلفة.
خطا إلى الداخل، ونظر نحو مورين التي كانت جالسة بهدوء إلى الطاولة.
جلس الثلاثة في غرفة المعيشة.
كانت طاولة الطعام بسيطة، موضوعة بحيث تُظهر المطبخ المفتوح أمامهم.
انشغل نِيو بترتيب الأطباق الأخيرة، تتحرك يداه بثباتٍ هادئ.
بعد قليل، حمل الأطباق واحدة تلو الأخرى ووضعها على الطاولة.
ابتسمت مورين بخفوت — ابتسامة قالت أكثر مما يمكن للكلمات أن تعبّر.
أما بيرسيفال، فظلّ يحدّق بنِيو، محاولًا أن يفهم ما الذي يراه أمامه بالضبط.
كان يكافح ليحافظ على ملامحه.
ثم بدأوا الأكل.
لم يكن الطعام فخمًا، لكنه كان دافئًا ومُشبِعًا. وللحظةٍ قصيرة، لم يُسمَع سوى صوت الملاعق وهي تطرق الأطباق.
قطع نِيو الصمت.
"أفهم سبب عدم قدرتك على إبقاء الناس حولك، لكن لماذا لا تضع على الأقل روبوتات لتقوم بالأعمال المنزلية؟"
"…هاه؟" توقّف بيرسيفال في منتصف اللقمة.
"روبوتات لأشياء مثل الطبخ والتنظيف،" قال نِيو وكأن الأمر بديهي. "لاحظت البارحة أنك استخدمت تعويذة للتنظيف. ويبدو أيضًا أنكما لا تأكلان أي شيء لائق."
أنزل بيرسيفال أدوات الطعام ببطء، ما زال متفاجئًا من حال نِيو.
بالأمس بدا وكأنه على وشك الانهيار.
والآن، بعد ليلةٍ واحدة فقط، يتصرّف وكأن شيئًا لم يحدث.
تأمّله بيرسيفال لحظة، وفكّر. هل هذه هي قوة إرادة كاسر السماوات؟
تعافي نِيو لم يكن طبيعيًا.
وجود مورين، كورقةِ عزاءٍ صغيرة، كان كافيًا ليُثبّته بطريقةٍ لم يتوقّعها بيرسيفال.
أمال نِيو رأسه قليلًا.
"إذن؟" أعاد سؤاله، دون أن يدع الموضوع يتلاشى.
تنفّس بيرسيفال بعمق قبل أن يجيب. "نادرًا ما نبقى على الأرض. لذا لم نفكّر كثيرًا في الاعتناء بالقصر. لم يكن الأمر… ذا أهمية."
ضيّق نِيو عينيه قليلًا. "نحن؟"
"ليس كما تظن،" قال بيرسيفال بابتسامةٍ صغيرة حين لمح البرود في نظرات نِيو. "على أي حال، السبب بسيط. كنا نبحث عن جولي."
"…ماذا؟"
"جولي دي بوفورت"، أوضح بيرسيفال، يراقب ردّ فعله بعناية. "أظن أنك تعرفها."
"…أعرفها،" اعترف نِيو. "ولماذا كنتم تبحثون عنها؟"
نظر بيرسيفال نحو مورين، وكأنه يسألها إن كان عليه أن يقول المزيد.
لم تُبدِ أي إشارة. كان وجهها هادئًا لا يُقرأ. وذلك كان كافيًا له.
استرخى قليلًا في مقعده وتابع.
"قد تكون لديها وسيلة لمغادرة المجال الذهبي. أردنا استخدام تلك الوسيلة لنغادر المجال الذهبي."
عَقَد نِيو حاجبيه. "لماذا؟"
شبك بيرسيفال أصابعه معًا.
"هل تعلم أن المجال الذهبي والعالم الخارجي… منفصلان؟ كأنهما موجودان في كونين مختلفين. حتى تدفّق الزمن وطريقة تصرّف العناصر تختلف بينهما. الحفاظ على اتصالٍ بين العالمين أمرٌ شبه مستحيل."
احتدّ بريق عيني نِيو.
"ما الذي تحاول قوله؟"
"إن كانت إليزابيث قد تجسّدت خارج المجال الذهبي، فمن المنطقي أنك لا تستطيع الإحساس بها."
تجمّد نِيو. ارتجفت يده قليلًا جدًا.
واصل بيرسيفال بصوتٍ متزن. "مورغان أرادت العثور على إليزابيث. ولا أحتاج إلى شرح السبب، أليس كذلك؟ لهذا كنا نبحث عن جولي. ظننا أنها قد تملك وسيلة تسمح لنا بالخروج من المجال الذهبي."
خيّم الصمت على الطاولة.
تلاحقت الأفكار في ذهن نِيو، واحدة تلو الأخرى، دون أن تجد موطئًا تستقرّ فيه ثم نظر نحو مورين.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.