لقد تم العناية بالحديقة بعناية، وكانت الزهور تتفتح على الرغم من الأجواء الغريبة للغابة.
كانت طاولة صغيرة مجهّزة، وتولت بايمون بنفسها صبّ الشاي.
جلس الثلاثة معًا.
لفترة قصيرة، كان الحديث خفيفًا.
تبادلوا الأحاديث عن مرور السنين، وعن التغييرات في العالم السفلي، وقطع من الذكريات المشترك كما يفعل الأصدقاء القدامى حين يلتقون مجددًا.
بالنسبة لحاصدي الأرواح، كان الزمن يجري بطريقة مختلفة.
آلاف السنين ليست إلا ومضة.
ولم تحمل أصواتهم أي مرارة بسبب الغياب الطويل، بل قبولًا هادئًا.
رفع نيو كوبه، مستنشقًا الرائحة المرة قليلًا لكنها مريحة، قبل أن يشرب.
ثم وضع الكوب ونقل نظره إلى بارباتوس.
"بارباتوس،" قال بصوت منخفض، "أريد أن أعتذر عن أفعالي خلال محاكمة ظلّ خاص بأخي. وأريد أيضًا أن أشكرك على مساعدته حينها."
اعتدل بارباتوس في جلسته، وهزّ رأسه. كان صوته ثابتًا ومحترمًا. "لا حاجة لاعتذارك، أيها الأمير."
ابتسم نيو بخفوت. لم يضف شيئًا آخر.
لقد تم الإعتذار، وهذا كان كافيا.
واصلت بايمون الحديث وكأنهم أصدقاء قدامى يستعيدون الذكريات.
لم تُثقل عليه بالأسئلة حول أين كان أو ماذا فعل طوال تلك السنين.
وبرغم أن بارباتوس قد أخبرها على الأرجح بكل شيء، إلا أنها لم تسأله لماذا تصرف كما فعل في محاكمة ظلّ زاجيروس.
تقبّلت قراراته دون شكوى، ودون تردد، وكأن ذلك هو الطبيعي.
جلس نيو بصمت لبرهة، يشرب آخر ما تبقى في كوبه.
وقد أثارت ولاؤهم مشاعر غريبة في صدره.
في الذكريات التي رأى فيها الماضي، كان هاديس يعامله وكأنه غير موجود، يتجاهله كأنه مجرد ظل.
ومع ذلك لم يستطع إنكار الحقيقة أمامه الآن.
حاصدو الأرواح يهتمون به كأنه ابنهم أو شقيقهم.
في النهاية، وقف نيو من مقعده.
"سأعود لاحقًا."
وقفت بايمون وبارباتوس بدورهما.
"سنكون بانتظارك،" قالت بايمون بهدوء.
أومأ نيو، ثم استدار وغادر القصر خلفه.
…
بعد مدة، وصل نيو إلى جزء معزول من العالم السفلي.
لم تحمل الرياح هنا أي أصوات أو آثار لكائنات أخرى.
نظر حوله مرة واحدة ليتأكد من أنه وحده، ثم زفر ببطء.
"أريد أن أسأل نيكس عن زيوس،" تمتم لنفسه. "لكن هذا ليس الوقت المناسب. هي مع جاك. سأكتفي بفحص سجل الأكاشا. يفترض أنه يحوي المعلومات التي أريدها."
فتح كفّه.
فانبثق فوقه مكعّب من الضوء المتحوّل، تتغيّر أسطحه بلا توقف، كأنه يعيد كتابة الواقع في كل لحظة.
سجلّ الأكاشا الخاص بالأرض.
كان لا يزال تحت حماية إيلّيانا بعد ما حدث مؤخرًا، والغريب أنها لم تمنعه من استدعائه الآن.
ربما قال لها جاك شيئًا.
مهما كان السبب، فقد ظل السجل معلّقًا بهدوء فوق يده.
"همم؟"
شعر نيو بها.
وعي إيلّيانا اخترق العالم السفلي فور ظهور السجل.
يبدو أن سماحها له باستدعائه لا يعني أنها ستتوقف عن مراقبته؛ كانت تتأكد فقط من أنه لا يعبث به.
في تلك اللحظة بالذات، ظهرت هالة أخرى.
قوة بارباتوس انفجرت من بعيد، تجتاح المكان كعاصفة.
وكان قصده واضحًا: أي تدخّل في العالم السفلي سيُعتبر استفزازًا.
"إيلّيانا، لست أفعل شيئًا خطيرًا. لا تقلقي،" قال نيو قبل أن تتفاقم الأمور.
ساد صمت قصير.
ثم ترددت هالتها، وكأنها تزن خياراتها.
يمكنه تقريبًا أن يتخيلها وهي تتجادل حول ما إذا كان عليها غزو العالم السفلي لمشاهدته مباشرة، أو البقاء بعيدًا والثقة به.
وأخيرًا، دوّى صوتها في ذهنه.
"لا تجعل جاك يندم على ثقته بك."
ثم اختفت، عائدة إلى عالم الأحياء.
وبمجرد زوالها، تراجعت قوة بارباتوس كذلك، تنسحب مثل موجة هدأت.
عاد السكون.
عاد الصمت ولم يبق إلا نيو والسجل.
رفع نيو المكعّب قليلًا قرب عينيه.
تغيّر المكعّب مجددًا، طبقات من المعلومات تنفتح مثل صفحات لا نهاية لها. ركّز نيو على ما يريده.
الفترة التي قتل فيها زيوس الحكام.
بدأ السجلّ بالوميض. ظهرت صور بعيدة، ناقصة، وكأن شيئًا ما مفقود… أو مخفي.
قطّب نيو حاجبيه.
"ما…؟"
مهما حاول، لم يُظهر له السجل ما يريد رؤيته.
كانت المعلومات… مقطوعة.
أقسام كاملة مفقودة.
ازداد عبوسه عمقًا.
"هذا ليس طبيعيًا. أحدهم قطعها."
وأثار هذا التفكير ذكرى ما.
اشتدّ فكّه.
"هل فعل كاين هذا؟"
كاين.
صديقه.
قديس السيف.
الرجل الذي عمل معه خلال عصر الحكام.
الرجل الذي ساعده في قتال تارتاروس.
وتذكّر نيو جيدًا كيف كان من المفترض أن كاين قد قطع سجلاته الخاصة في الماضي، يفصلها ليمنع سجلّ الأكاشا من التنبؤ بمستقبله.
في ذلك الوقت، بدا الأمر حيلة ذكية.
أما الآن، وهو يقف ممسكًا بالمكعّب اللامع، أدرك أن الأسلوب نفسه قد طُبِّق هنا.
سجلات خيانة زيوس لم تكن مفقودة وحسب.
لقد جرى نحتها عمدًا.
"يبدو أن كاين كان يساعد زيوس في إبادة الحكام."
تذوّق الكلمات بمرارة.
كان يعرف دائمًا أن لِكاين دورًا ما في ذلك العصر، لكن هذا أثقل مما توقّع.
لم يكن مجرد مساعدة بسيطة.
حجم الجهد المطلوب لقطع هذا الكم من المعلومات من السجل أوضح له أن كاين كان متورطًا بعمق… قريبًا بما يكفي للتأثير على كيفية تذكّر التاريخ—أو عدم تذكّره—لمذبحة الحكام.
شدّ نيو على أسنانه.
ارتفع الغضب والارتباك في صدره.
"اللعنة عليك يا كاين. لماذا ساعدت زيوس على فعل ذلك؟"
أغمض عينيه، مطلقًا نفسًا طويلًا.
ارتجفت يداه قليلًا، لكنه ثبّتهما.
الغرق في المشاعر لن يصلح أي شيء.
ولن يتغير شيء إذا اكتفى بالانفجار غضبًا على الحقيقة.
فتح نيو عينيه من جديد.
نظر إلى المكعّب.
"يجب أن أصلح هذه السجلات. لن يكون الأمر صعبًا."
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.