وجهة نظر أميليا دي بوفورت

كان يوم أميليا طويلًا.

لقد أنهت للتو ساعات من المحادثات مع وفد القارّة الجنوبية.

المفاوضات كانت دائمًا تستنزفها، خصوصًا الآن بعد أن أصبحت تحمل تاج القارّة الشرقية.

بعد أن غزت لومينيرا الأرض، انقسم العالم تحت حكم أنصاف الحطام، والعديد منهم ارتقى إلى مقام السماوي منذ ذلك الحين.

بحلول الوقت الذي غادرت فيه أميليا قاعة المجلس، كانت خطواتها ثقيلة.

ممرات القصر كانت هادئة، مضاءة فقط بالوهج الخافت لبلّورات المانا المدمجة في الجدران.

حافظت على اتزانها كعادتها، لكن داخل صدرها كان هناك عقدة مشدودة من الإرهاق.

عندها لاحظت ليلى.

وقفت المرأة الأصغر سنا بالقرب من زاوية القاعة، تحاول أن تبدو هادئة ولكنها تفشل.

كانت أصابعها تشدّ على طرف ردائها.

وكان بصرها يتنقل في الردهة وكأنها تنتظر شيئًا ما.

عيون أميليا ثبتت عليها للحظة قبل أن تدفع باب مكتبها وتفتحه.

ترددت ليلى، ثم تبعتها إلى الداخل.

كان المكتب مكدسًا بالوثائق، التقارير، الالتماسات، السجلات، وكلها تطالب باهتمامها.

جلست أميليا خلف مكتبها وبدأت فورًا بفرز الأوراق.

كان احتكاك ريشة قلمها بالرق يملأ الغرفة كالصوت الوحيد.

وقفت ليلى قرب الباب، تتململ بعصبية.

كانت تفتح فمها وكأنها تهمّ بالكلام، ثم تغلقه من جديد.

مرّت دقائق.

واصلت أميليا العمل.

وأخيرًا، شقّ صوت ليلى الصمت.

"أختي الكبيرة… هل أستطيع أن أذهب لأقابل أخي الكبير؟"

توقّفت ريشة أميليا في منتصف الحركة.

رفعت رأسها ببطء وحدّقت في ليلى.

كانت نظرتها باردة. حادّة بما يكفي لجعل كتفي ليلى يتشنجان.

عضّت ليلى شفتها، وهبط نظرها نحو الأرض.

"أنا أفهم," همست.

ثم استدارت وغادرت المكتب.

كانت خطواتها بطيئة، وكأنها تأمل أن تناديها أميليا وتغيّر قرارها.

أغلق الباب.

والصمت الذي تبِع ذلك بدا أثقل من ذي قبل.

استندت أميليا إلى الوراء في كرسيها. وارتفع رأسها إلى أن أصبحت تحدّق في السقف.

أغلقت عينيها وزفرت.

الذكريات اندفعت بلا استئذان.

نيو.

في وقتٍ ما، كانت تدين له بكل شيء. لقد أنقذ والدتها عندما لم يستطع أحد ذلك. في ذلك الوقت، كان امتنانها له بلا حدود. كانت تحترمه لقوّته، لرؤيته. لقد حقق أشياء لم يجرؤ أحد غيره على محاولة تحقيقها.

لكن الاحترام تحول إلى شيء آخر. القلق.

كان دائمًا بعيدًا، يحمل أعباءً يرفض مشاركتها مع أي أحد. أرادت مساعدته، لكنه لم يسمح لها بالاقتراب منه بما يكفي. ثم جاء ذلك اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء.

أرسل والدتها لقتال فرسان الفراغ.

والدتها كادت تموت في تلك المعركة. وذريعته؟ أنه لم يستطع إخبارها بمعلومات عن فرسان الفراغ لأنه كان يعبث بالمستقبل. إن عرفت الكثير، فقد تلاحظها القدر وتقتلها.

قبضت أميليا قبضتيها على مسندي الكرسي. أليست والدتها كانت بالفعل على فراش الموت؟ إن كان نيو يهتم حقًا، فلماذا كذب عليها وأرسلها هناك على أي حال؟ هل كان ذلك ضروريًا فعلًا؟

كانت هذه أول مرة تكره فيها نيو.

لم يمض وقت طويل حتى ماتت والدتها.

ثم جاءت الأحلام.

رؤى أمّها في الجحيم، تقاتل بيأس، تقف إلى جانب نيو. تموت مرارًا وتكرارًا، تحاول العودة، لكنها لا تصل أبدًا.

تلك الأحلام كانت تسحقها. صوت أمّها فيها كان يطلب منها أن تعيش بسعادة، أن تتجنب التورط في مشاعر ستدمّرها. لكن كيف لها أن تفعل ذلك؟ كيف تتجاهل رؤية والدتها تعاني بلا نهاية؟

لسنوات، عاشت أميليا ممزقة بين الشك واليأس. هل كانت الأحلام مجرد هلوسات؟ أم كانت شظايا من الحقيقة؟

"ربما كان هذا حين بدأ كرهي ينمو," همست للغرفة الخاوية. ربما حينها بدأت الشخصية التي تُعرف بأميليا بالاعوجاج.

لكن حينها، لم يكن الأمر يهمّها. كلما ازدادت اعوجاجًا، ازدادت قوّة. وكانت القوّة كل ما تريده.

ومع ذلك، لم تسقط بالكامل في الظلام. كانت لا تزال تملك عائلتها. ليلى، وهنري. العيش معهما، حمايتهما، كان كل ما يمنعها من الانهيار.

إلى أن مرض هنري.

جسده ذبل. أنفاسه أصبحت ضحلة. رأت ذلك في عينيه، رغم أنه لم يقلها بصراحة. كان يرغب في رؤية نيو لآخر مرة قبل أن يموت.

لكن أين كان نيو؟

لا مكان. لم يكن أحد يعلم أين اختفى.

كان هنري قد منح حياته لنيو بطرق لا تحصى. وجّهه، حماه، ضحّى بسلامه ليمنح نيو مستقبلًا أفضل. وعندما احتاجه هنري أكثر من أي وقت، لم يكن نيو هناك.

حينها بدأت أميليا تتمنى لو أن نيو مات في مكان ما. على الأقل لكان غيابه منطقيًا. على الأقل لما كانت لتكرهه لأنه ترك هنري يموت بلا سلام.

وضعت يدها على جبينها بينما الذكرى تلتهب داخلها.

مات هنري. هكذا ببساطة، الشخصان الأقرب إلى قلبها اختفيا. أمّها. هنري.

إحداهما خُسرت بسبب اختيارات نيو. والآخر لم يستطع الرحيل بسلام لأن نيو لم يظهر.

تخشبت مشاعر أميليا. بدأت تتدرّب بلا رحمة، بيأس، كي تبقى مشغولة. لم تستطع أن ترتاح، لأن الراحة تعني التذكّر، والتذكّر يعني الألم.

ثم جاء بيرسيفال.

ازدادت قوته حتى أصبح قادرًا على قراءة القدر بالتفصيل. وكان أول ما فعله هو البحث عنها. وأخبرها عن تارتاروس. أخبرها بما قاسته والدتها. أخبرها كيف ماتت.

وكان الأمر أسوأ مما تخيّلته. كانت الأحلام حقيقية.

انقبض صدرها وهي تسترجع كلماته.

"أرجوك لا تكرهي نيو. لقد فعل كل ما بوسعه لإنقاذ إليزابيث."

إنقاذها؟ شفتا أميليا انكمشتا بمرارة. هل أنقذها بإرسالها لمواجهة فرسان الفراغ؟ هل أنقذها بسحبها إلى تارتاروس؟ إن كان حقًا ينقذها، فلماذا كان موتها أشد قسوة، أطول، وأكثر وحشية من أي مرة سابقة؟

زاد كره أميليا لنيو في ذلك اليوم. لكنها أيضًا بدأت تكره نفسها.

لم تكن قوية بما يكفي. كانت تعتمد دائمًا على الآخرين لحماية والدتها. وعندما حان الوقت الأهم، فشلت مرة بعد مرة.

ازدادت أفكارها قتامة. ولكي تبقى سليمة، تعلّقت بالإنكار. رفضت كلمات بيرسيفال. كان ذلك الوسيلة الوحيدة لمواصلة السير.

ومرت السنوات على هذا النحو.

ثم انتشرت الأخبار. التحالف الكوني كان يطارد الأرض. قادة الأرض ارتجفوا عندما اكتشفوا ذلك الخبر الجديد. كانوا يعرفون أن وقتهم قصير. في أي يوم، قد يقعوا في قبضة التحالف.

وانقسمت الأرض نفسها.

ظهر خونة من الداخل، يائسين للحصول على الحماية. بعضهم حاول بيع موقع الأرض مقابل الأمان. آخرون سعوا للثروة والموارد والترف من التحالف. الجشع حوّل العالم إلى ساحة حرب. اندلعت حرب أهلية. وغمر الدم القارات.

اصطدم أنصاف الحكام. ومات الناس في موجات، محاصرين في معارك لا يفهمونها. صار الخوف جزءًا من الحياة اليومية. لم يعد أحد يعرف متى قد يصلهم الموت.

ثم جاء الخبر الأخير.

كاسر سماوات من الأرض. كان هو السبب في أن التحالف الكوني يبحث عن الأرض.

وكان الجميع يعرف من هو.

نيو.

اهتزت أنفاس أميليا بينما قبضتا يديها تشدان على ذراعي الكرسي بقوة. مرة أخرى، مصدر المعاناة اللامتناهية، الموت اللامتناهي، يعود إليه.

والدتها. هنري. عدد لا يحصى من الآخرين.

موتهم، آلامهم.

السبب لكل ذلك.

كان دائمًا هو.

***

ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.

2025/11/16 · 42 مشاهدة · 1005 كلمة
جين
نادي الروايات - 2025