في كل مرّة تعود فيها أميليا إلى الماضي، كان ظله هناك.

ثم عاد.

كم مرّة دمّر الأرض بعد عودته؟

كم عدد الذين ماتوا خلفه، لا بسبب أخطاء أو حوادث، بل بطريقة وحشية، بلا داعٍ؟

أميليا كانت تكره ذلك.

والأسوأ كم كانت تكره ما تشعر به.

الكره شيء لكن ما كان يحترق داخلها كان أسوأ.

الغيرة.

كانت تحرق أكثر مما أرادت الاعتراف به.

تدرّبت حتى نزفت راحتيها، حتى انهار جسدها.

ضحّت بالنوم، والعقل، وبسنوات لا تُعدّ لتشق طريقها صعوداً.

لكن في النهاية… لم يتغير شيء.

نيو ما يزال أقوى.

مهما فعلت، كان يبتعد عنها أكثر.

وعندما تصادما، هزمها بلا أي جهد.

استسلمي. مهما حاولتِ، لن تستطيعي حماية أي شيء بمفردك.

في النهاية، ستعتمدين على الآخرين لإنقاذك.

تلك الغيرة القبيحة، التي دفنتها في أعماقها، طفت الآن إلى السطح.

لقد كان مختلطًا بالخوف، الخوف من فقدان الجميع بسببه مرة أخرى.

لهذا صاحت دون أن تستمع لأسبابه، ولهذا قاومت بعنف عندما حاول أن يطأ الأرض مجددًا.

ارتجفت يداها الآن وهي تحدّق فيهما.

نظرت إلى أصابعها كما لو كانت تخصّ وحشًا.

"يا إلهي… كم أصبحتُ قبيحة," همست.

لقد كرهت نيو هارغريفز.

لكن إن كان هناك شخص كرهته بقدر ما كرهته… فهو أميليا نفسها.

وجهة نظر نيو

اتكأ نيو على الشرفة، يحدّق في بحر السحب الممتدّ أسفلهم.

خيّم الصمت، قبل أن يكسره جاك أخيرًا.

"ما الذي سنفعله الآن؟"

"لنذهب ونقابل أميليا."

"لا."

جاء الرد أسرع من البرق.

"هل جننت؟ لماذا تحاول مقابلتها؟ هذا مثل صبّ الزيت على النار."

"أحتاج التحدث معها," قال نيو ببساطة.

ضيّق جاك عينيه.

وعندما رأى أن نيو لا يتراجع، تنفّس جاك بعمق وأشاح بنظره.

"نيو، اسمع. أعرف أن لك أسبابًا لعدم العودة. أفهم ذلك. لكن أميليا… لن تستمع. لم تعد أميليا التي تتذكرها."

أدار نيو رأسه قليلًا، ينتظر التفسير.

"يُطلقون عليها الآن لقب ابنة الطاغية. سمعتها سيئة. الناس في قارتها يهمسون بأنّه كان من الطبيعي أن تتحول ابنة الطاغية إلى طاغية."

"…وهذا يزيد من ضرورة مقابلتها."

تجهم وجه جاك.

"إن كانت شخصيتها قد انحرفت بسببي," قال نيو، "فعليّ أنا مواجهتها. مساعدتها، إن استطعت."

فرك جاك صدغيه. "أنت فعلًا لا تعرف متى تتراجع، أليس كذلك؟"

تجاهل نيو الشكوى. "أين تعيش أميليا الآن؟"

أطلق جاك تنهيدة طويلة. "القارة الشرقية. لكن لا يمكنك فقط الانتقال إليها مثلما تفعل في العالم السفلي."

"بسبب بحر الدم؟"

"نعم. طاقة بحر الدم تشوّه الفضاء. إن حاولت القفز بين القارات مباشرة، ستعلق فيه وستظهر في أي مكان عشوائي. لذلك نرتفع أولًا، من الأفضل أن نصل إلى الفضاء. وبمجرّد أن نخرج من نطاق بحر الدم، يمكننا الانتقال بين القارات."

أومأ نيو.

وضع يده على كتف جاك، وأخذ خطوة واحدة.

اختفت الأرض من تحتهم، وظهرت النجوم تمتد بلا نهاية من حولهما.

كانت الأرض معلّقة أسفلهم.

"أي قارة؟" سأل نيو.

أشار جاك. "تلك."

خطى نيو خطوة أخرى، وانطوي الفضاء تحت قدميه كما لو كان أرضًا صلبة.

وفي لحظة، كانا فوق القارة الشرقية.

خطوة أخرى، ووقفا فوق ترابها.

أغمض نيو عينيه لبرهة، موسّعًا حواسّه لنبضة واحدة فقط.

انكشفت أمامه القارة بأكملها.

حيوات لا تُحصى، حركات لا تُعدّ.

ثم سحب حواسّه مجددًا.

هذا عالم حيّ. لم يكن من حقه التطفل على عقول الجميع.

بمستواه الحالي، كان يستطيع قراءة الأفكار، توقّع الأفعال، وحتى لمحة من المستقبل إن أراد.

لكن ذلك لم يكن يختلف عن دوس كرامتهم.

فتح عينيه من جديد.

خطوة أخرى جاءت بهما أمام القصر.

تجمّد نيو.

كان القصر يشبه تمامًا قصر إليزابيِث.

كل منحنى في جدرانه، كل قوس في بوابته، كان نسخة عمّا يتذكّره من مملكة الحوريات.

لاحظ جاك تعبيره. "ما الأمر؟"

"هل تعرف ما الذي حدث لمملكة الحوريات؟" سأل نيو بهدوء.

"رسميًا؟" هزّ جاك كتفيه. "يقولون إنها دُمّرت على يد وحوش من بحر الدم. هذا المكان يُثير الرعب بين الحين والآخر."

"رسميًا," أعاد نيو. "إذًا ما السبب الحقيقي؟"

تردّد جاك. ثم خفّض صوته. "أظن أنّها كانت أميليا. هي التي دمّرتها بنفسها."

لم يُجب نيو.

ظلّ نظره معلّقًا على جدران القصر، بعاطفة يصعب قراءتها.

اقتربا من البوابة.

وقف حارسان في انتباه تام. دروعهما لمعت بخفوت.

تصلّبا فور إحساسهما بحضور نيو وجاك.

ضغطت قوّتهما عليهما كالموج الساحق.

"جئنا لمقابلة الملكة," قال نيو.

تبادل الحارسان نظرة سريعة.

ثم اعتدل أحدهما.

"تحيّة لكما أيها المسافران. رجاءً انتظرا لحظة. سنُعلِم الملكة. وحتى نيل إذنها، يُرجى الاستراحة في غرفة الضيوف."

في الوقت نفسه، التقط نيو بسهولة الإشارة الخافتة التي أرسلها الحارس.

انتشرت في القصر بشكل غير مرئي، كتحذير خفي.

وفي ثوانٍ، دوّت حركات دقيقة حول المكان.

عشرات الحرس تحرّكوا إلى مواقعهم، مختبئين في الظلال.

أسلحتهم وهالاتهم مشدودة مثل قوس على وشك الإفلات.

إن ظهر مجرد أثر لخطر، سيوجّهون ضربتهم لحماية ملكتهم بلا تردّد.

لاحظ نيو كلّ ذلك. وكذلك جاك. ولم يقل أي منهما شيئًا.

وبينما كانا يُقادان إلى الداخل، التفت نيو جانبًا نحو جاك.

"قلتَ إن أميليا طاغية. لكن هؤلاء الحرّاس… مستعدّون للتضحية بحياتهم من أجلها دون تردد."

ارتسمت على شفتي جاك ابتسامة معقدة.

"الرأي حولها منقسم. العامة لا يحبونها. يخافونها، ويكرهونها. لكن الذين عملوا تحت قيادتها… يعجبون بها. حتى لو خافوا قسوتها، لا يستطيعون إنكار ما فعلته لأجلهم."

أومأ نيو ببطء. "أفهم."

***

ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.

2025/11/17 · 39 مشاهدة · 793 كلمة
جين
نادي الروايات - 2025