مقرّ التحالف
كان مقرّ التحالف يعجّ بالاحتفالات.
كان الهواء يتلألأ بالضوء السماوي، والضحكات، وصوت تصادم الكؤوس.
لقد أُعلن النصر أخيرًا.
الشموس المنسية — الشوكة التي كانت في خاصرتهم — قد سقطت.
قُتل جنرالاتهم، وحتى قائدهم الأعلى مُحي من الوجود.
في أرجاء القاعة الرخامية العظيمة، كان الحكام والتنانين القديمة يرفعون الأنخاب احتفالًا بنهاية الحرب.
دروعهم كانت تلمع بالذهب والدم.
وأشكالهم السماوية لم تخفت إلا قليلًا بفعل إرهاق المعركة.
رايات تمثّل مئات الممالك كانت معلّقة من السقف، تتمايل وكأن الهواء نفسه يشاركهم نصرهم.
في قلب الاحتفال، كانت الطاولات الطويلة تفيض بالرحيق والأطعمة الشهية.
ومع ذلك، خلف الضجيج البهيج، ظلّ تفاهم بارد وصامت يخيّم على المكان.
وليمة النصر لم تكن تجمع أصدقاء.
بل كانت تجمع حكّامًا، كلٌّ منهم يحسب خطوته التالية.
سقط عدد غير قليل من الحكام عندما نزل السامي الظل.
كانت وفاتهم مأساوية، نعم.
لكن لا أحد هنا كان يرثيهم.
في التحالف، الموت يعني ببساطة فرصة.
فمع قلّة عدد الحكام، سيؤول تقسيم الأراضي المفتوحة إلى حصص أكبر لمن بقوا أحياء.
ابتسموا ورفعوا أنخابهم بصوتٍ أعلى من قبل، متظاهرين بعدم ملاحظة الخطوط غير المرئية التي بدأت تُرسَم بالفعل عبر خريطة عالمهم الجديد.
جلس القائد الأعلى للتحالف على العرش المركزي، متلفّعًا بالسواد والذهب.
كان حضوره يفرض الصمت دون حاجة إلى كلمات.
وعندما نهض، حتى التنانين القديمة تنحّت لتفسح له المجال.
انتقل نظره إلى الزاوية البعيدة من القاعة، حيث كان تشوّه خافت في الهواء يلمّح إلى وجود شخصٍ ما.
كان هناك رجل، أو على الأقل شيء يشبه الرجل.
كانت هيئته كلّها مغطّاة بدخان متقلّب.
التفتت الوجوه نحوه، لكنها سرعان ما فقدت الاهتمام.
كان كما لو أنه موجود خارج نطاق ملاحظتهم، غير مرئي وغير مهم، إلا لمن حاول النظر إليه مباشرة.
تقدّم القائد الأعلى نحوه، وخطواته تتردّد بخفوت فوق الرخام.
"إذًا،" بدأ القائد الأعلى، متوقّفًا على بُعد خطوات قليلة، "تدّعي أنك لم تكن على علم بنزول السامي الظل؟"
أطلق الرجل المغطّى بالدخان ضحكة خافتة.
"هاهاها… كيانٌ وضيع مثلي؟ يتنبّأ بإرادة كائنٍ سامي؟ أنت تمنحني قدرًا أكبر مما أستحق."
لم يتغيّر تعبير القائد الأعلى.
حدّق طويلًا وبعمق، كأنه يحاول أن يرى ما خلف ستار الدخان.
كانت نبرة الرجل خفيفة، لكن شيئًا في هدوئه لم يكن مريحًا.
"ما زلتَ لم تُخبرني بذلك،" قال القائد الأعلى. "لماذا ساعدتنا؟ كان بإمكانك أن تبقى خارج هذه الحرب. هل كان لديك ضغينة ضد عائلة السيّد، كما هو حال التنانين القديمة؟"
مالت الهيئة برأسها، وكأنها مستمتعة.
"همم؟ تقصد ضد كاسر سماوات؟"
نبض شكله الدخاني قليلًا.
"لا، إنه ليس عدوًا. كان كذلك في الماضي، نعم. لكن الآن، أسمّيه مُحسنًا لي."
ارتسمت عبوسات على وجوه بعض الحكام القريبين الذين تجمعوا للاستماع.
كلمة مُحسن بدت خاطئة، تكاد تكون تجديفًا.
كان كاسر سماوات عدوّهم، أقوى أفراد الشموس المنسية.
تجعّدت حواجب القائد الأعلى. "مُحسن؟ لقد أهان التحالف باقتحام أبوابنا والبصق علينا. قاتلتَ إلى جانبنا، ومع ذلك تتحدّث بهذه الطريقة."
"أنا أقول الحقيقة،" قال الرجل بهدوء. "لن تفهم."
فتح القائد الأعلى فمه ليضغط عليه بالمزيد من الأسئلة، لكن الرجل رفع يده.
"إذًا، سأغادر الآن. انتهت الحرب، ودوري فيها قد انتهى."
بدأ الدخان يتلاشى عن هيئته، متفرّقًا إلى خيوط رفيعة تنجرف صعودًا كالضباب.
ناداه القائد الأعلى، "قبل أن ترحل، أخبرني بشيء واحد."
توقّف الرجل، وقد تلاشى نصفه.
"العصر المظلم ما يزال مستمرًا. حتى بعد هزيمة الشموس المنسية، يظل نهر الزمن خارج متناولنا. هل تعرف لماذا؟"
صمتت الهيئة الدخانية لحظة.
ثم أفلتت منها ضحكة خفيفة.
"لا أعلم. لكن لا ينبغي لك أن تقلق كثيرًا. لعل نهر الزمن نفسه قَلِق لأن ساميًا أعلى جديدًا على وشك أن ينهض."
علّقت الكلمات في الهواء، ثقيلة ومليئة بعدم اليقين.
وتابع قائلًا، "مع التدهور الحالي لكوننا، من الطبيعي أن يتسبّب ميلاد شخص قوي حقًا في اضطراب. أمواج عظيمة، إن شئت تسميتها."
ازداد عبوس القائد الأعلى.
لم يكن يحب الألغاز، وهذا الرجل كان يتحدّث بها دائمًا.
وقبل أن يتمكّن من قول أي شيء آخر، تلاشى الدخان تمامًا.
اختفت الهيئة المعروفة فقط باسم 'انا'.
وقف القائد الأعلى هناك، صامتًا.
ثم تمتم بصوتٍ خافت، "راقبوه."
انتشرت تموّجة من ظله.
"كما تشاء، أيها الإمبراطور،" جاءه صوت ردًّا.
امتدّ الظل، متلوّيًا نحو حافة القاعة، لكن قبل أن يغادر، هبط مخلب هائل بقوة.
ارتجفت الأرضية بأكملها.
سحقت قدم تنين مكسوّة بحراشف من السجّ الأسود الظلَّ على الفور.
ساد الصمت القاعة.
"كرام،" قال صوت عميق مزمجر، يمتزج فيه الضحك بالدخان والحرارة، "ماذا ينبغي أن نفعل إن حاولوا إيذاء مُحسننا 'انا'؟"
ابتسم كرام، ثاني التنانين القديمة، ابتسامة خبيثة. "يجب أن نقتلهم! هاهاهاها!"
هزّ ضحكهما القاعة، عميقًا ورعديًا.
راقب عدد من الحكام المشهد.
نقر القائد الأعلى بلسانه بضيق.
"متوحشون،" تمتم تحت أنفاسه.
كان يستطيع سحقهم إن شاء.
أمر واحد، إشارة واحدة، وسيتحطم التنينان بشكل لا يمكن تصوره.
لكنه لم يتحرّك.
لم يكونا هذين الاثنين فقط هنا.
كان الآخرون يراقبون بصمت. أجسادهم الهائلة استقرّت فوق الأعمدة الذهبية.
تلألأت حراشفهم كالمعدن المصقول، وامتلأت عيونهم بفخرٍ عتيق.
تصلّبت نظرة القائد الأعلى.
عصر التنانين على وشك أن يبدأ، فكّر بقتامة.
ومع ذلك، لم يكن ممّن يتسامحون مع قلة الاحترام العلنية.
تموّهت هيئته، وفي اللحظة التالية، سُحق التنين كرام في الأرض.
شقّ الاصطدام الرخام وأرسل موجات صدمة عبر القاعة.
شهق الحكام.
زأرت التنانين الأخرى غضبًا، وأجسادها تتمدّد، مالئة القاعة بالحرارة والطاقة.
لكن القائد الأعلى لم يرفّ له جفن.
اندفع حضوره، ضاغطًا عليهم جميعًا كوزن نجمٍ ينهار.
التقت عيناه بالتنين الفضي الواقف قرب المركز. فيليون، أقدم التنانين القديمة هنا، وقائدهم الفعلي.
"أبقِ إخوتك تحت السيطرة،" قال القائد الأعلى، بصوتٍ هادئ لكنه مثقل بالتهديد. "في المرة القادمة التي ينسون فيها مكانهم، لن أكون رحيمًا. السبب الوحيد الذي يجعلني أقيّد نفسي هو أنك من يختم كاسر سماوات."
تحرّكت التنانين، ووميض غضبٍ مكبوت يشتعل في عيونها.
لكن فيليون اكتفى بالابتسام.
"أفهم. سأحرص على أن يتعلّم إخوتي بعض الأدب في المرة القادمة،" قال بهدوء.
كانت نبرته مهذّبة، لكن حدّة كلماته كانت كافية لقطع الفولاذ.
شمخ القائد الأعلى بأنفه.
استدار مبتعدًا، وعباءته تنساب خلفه.
وبينما كان يتّجه نحو المخرج، دوّت هدير التنانين الخافت في أرجاء القاعة.
لم تكن التنانين ممّن يسمحون للآخرين بالدوس عليهم.
وبما أن القائد الأعلى للتحالف قد أساء إليهم أولًا، فقد كان من المبرّر أن يُبقوا أعينهم عليه.
"ملك أحمق. يبدو أنه لم يقرأ التاريخ بعناية. إن إهانتنا لا تختلف عن استدعاء كارثة،" تمتم كايلوس.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات.