في ظلمة الغرفة، كان هناك رجل خمسيني ذو شعر رمادي يرقد على سريره الكبير. بدا غارقاً في نومه وهو غير مدرك أن اللحظات القادمة ستغير كل شيء. أمامه، كانت شاشة التلفاز مطفئة.

فجأة، أضاءت الشاشة تلقائياً دون أن يلمسها أحد. ليغمر الغرفة ضوء أبيض باهت... وصورة مشوشة بدأت تتضح تدريجياً لرجل يرتدي قناعاً أسود معدني، محفور عليه بخطوط هندسية دقيقة تشبه دوائر البيانات.

من الجبين حتى الأنف، امتد خط مضيء نحيف بلون أزرق كهربائي. أما العينان... فكانتا تبرقان بلون أبيض باهت خلف عدستين سداسيتين. في أسفل القناع، عند الذقن، توجد ثلاث شقوق صوتية صغيرة تصدر منها الكلمات بشكل اصطناعي مرعب، كأن ما يتحدث آلة، وليس إنسان.

استيقظ الرجل في السرير ببطء، وبدأ يحدّق في الشاشة بتوتر. دقّات قلبه بدأت تتسارع دون سبب واضح... لكن الإحساس بالخطر كان حقيقياً. ثم انطلق الصوت من التلفاز، بنبرة منخفضة وثابتة، لا تحمل أي شفقة:

"كل حياتك... كانت كذبة."

تجمّد الرجل.

"دعنا نُريهم من تكون... قبل أن تموت."

لم تمر سوى لحظات حتى سمع الرجل صوت عدّاد قنبلة بجانبه، فبدأ يصرخ وهو ينهض من سريره بسرعة، ولكن ما إن فتح باب غرفته ساعياً للهرب، حتى انفجر المنزل بالكامل!

[قبل ثلاثة أشهر]

كان المقهى مزدحماً بأحاديث الزبائن وصوت آلات القهوة، لكن في زاوية منعزلة قرب النافذة، جلس شاب في العشرين من عمره، شعره البني الداكن كان مفروق من المنتصف. كانت يداه تمسكان كوب الموكا الدافئ، بينما ينظر إلى البخار المتصاعد من الشراب بعينيه الزرقاوين. أمامه جلس شاب آخر، له شعر أشقر بتسريحة شبابية وعيون خضراء.

وضع الفتى الأول كوب الموكا على الطاولة بهدوء، ثم مدّ يده إلى حقيبته السوداء الموضوعة بجانبه، وأخرج منها حاسوبه المحمول. فتحه بسرعة لتنعكس إضاءة الشاشة على ملامحه الهادئة.

نظر صديقه إليه للحظة، ثم سأله بصوت خافت وهو يتكئ بمرفقه على الطاولة:

"لوسيان، ما الذي تنوي فعله الآن... بعد التخرج؟"

لوسيان (وهو لا يزال يحدق في الشاشة، وصوته خالٍ من الانفعال): "لم أجد بعد وظيفة... تجلب لي المتعة."

الصديق: (بنبرة حذرة): "كيف حال والدك؟"

لم يرفع لوسيان عينيه عن شاشة الحاسوب. كانت أصابعه تتوقف وتتحرك، كأن السؤال لم يكن جديداً عليه.

لوسيان (بصوت خافت، دون أي انفعال): "لم يتغير شيء."

أراد صديقه أن يسأل أكثر، لكنه كان يعرف لوسيان جيداً كلما ضغط عليه أكثر، سينسحب أكثر. ومع ذلك، لم يستطع إخفاء قلقه.

الصديق: "أما زلت تعيش معه؟"

أغلق لوسيان نافذة على حاسوبه، ثم أخفض الغطاء قليلاً، نظر إلى الخارج للحظة، حيث كانت السماء رمادية تنعكس على زجاج النافذة.

لوسيان: "أجل، وهذا يغيضني أكثر."

أخرج صديق لوسيان من جيبه جهاز الفيب (السيجارة الإلكترونية)، ثم أخذ رشفة منه وهو مستمتع.

الصديق: "أتريد رشفة؟"

لوسيان: "ليس الآن يا كايوس."

أعاد كايوس الفيب إلى جيبه، ثم وضع يديه خلف رأسه وابتسم ابتسامة مشاكسة.

كايوس: "بالمناسبة... هناك حفلة الليلة في الديسكو الجديد عند تقاطع برودواي. الإضاءة رهيبة، والموسيقى مجنونة... هل ستأتي معي؟"

لوسيان (وهو يرفع حاجبه): "لا."

ضحك كايوس، كما لو أن الرد كان متوقعاً تماماً.

كايوس: "هل تعلم أنك بلغت الثانية والعشرين... دون أن تواعد فتاة واحدة حتى؟"

لوسيان (وهو يبتسم ابتسامة جانبية): "إحصائية دقيقة."

لوّح كايوس بيده بتمثيل درامي.

كايوس: "اللعنة يا رجل، ألا يوجد قلب في صدرك؟"

ضحك لوسيان ضحكة خافتة، ثم أومأ برأسه موافقاً.

لوسيان: "ربما لا."

لكن قبل أن يستمتع كايوس بهذا الانتصار الصغير، دوى صوت صفارات إنذار الشرطة فجأة من الخارج، فالتفت الزبائن داخل المقهى نحو النوافذ تلقائياً. توقفت عدة سيارات شرطة على الجانب الآخر من الشارع أمام فندق فاخر، وأسرع ضباط الأمن إلى الموقع.

في قلب الحدث، كانت هناك جثة رجل مُلقاة على الرصيف، وكانت مغطاة بغطاء أبيض مليء بالدماء، لكن وجهه كان مكشوفاً بما يكفي ليتعرف عليه كل من يشاهده.

همس أحد الزبائن وهو يطل من النافذة: "يا إلهي... إنه روبرت واتسون، رجل الأعمال المشهور!"

كايوس (اتّسعت عيناه): "مستحيل... هذا اسم كبير في وول ستريت!"

أما لوسيان... فقد تغيرت ملامحه تماماً، واختفت ابتسامته. نهض كايوس بسرعة ودفع كرسيه للخلف، ثم نظر إلى لوسيان الذي كان قد أغلق حاسوبه بالفعل ونهض بهدوء.

كايوس: "لنخرج ونرى."

خرجا من المقهى مع عشرات الزبائن الذين اصطفوا على الرصيف، بعضهم يصور بالهواتف، وآخرون يتهامسون في توتر. كانت الشرطة قد طوقت المكان بشريط أصفر، والصحافة بدأت بالتوافد.

كايوس (يهمس): "روبرت واتسون... رجل الخير، التكنولوجيا، والاستثمارات. لديه مؤسسة تعليمية كبرى، وكل الناس تمدحه. من قد يرغب بقتله؟ لا أظن أن لديه أعداء حقيقيين."

أما لوسيان... كل تركيزه كان على الجثة، لكنه لم ينظر إليها كأي شخص عادي... بل كأنه يحلل مشهداً مألوفاً. رفع نظره نحو سطح الفندق المقابل، ثم إلى إحدى الكاميرات الأمنية في الزاوية.

لوسيان (يهمس): الجميع يملكون أعداء، كايوس... الفرق الوحيد أن بعضهم يجهل من هم أعداؤه."

[لاحقًا في مساء اليوم نفسه – منزل لوسيان]

دخل لوسيان الشقة بصمت، أغلق الباب خلفه ببطء، ثم خلع حذاءه. تقدّم إلى غرفة المعيشة، حتى سمع صوت ضحكة ناعمة وأنثوية... كانت مصطنعة تماماً. ثم سمع صوت والده. وصل إلى المدخل، فوقف دون أن يُعلن عن وجوده.

في الغرفة، جلس والده الأربعيني على الأريكة الجلدية، وبجانبه كانت تجلس امرأة ذات بشرة داكنة وشعر أسود مجعد، كانت ترتدي فستاناً أنيقاً باللون الأسود، وتضع أحمر شفاه لامع. لوسيان ظل واقفاً وهو يراقب المشهد بلا تعبير. والده التفت نحوه أخيراً، وابتسم كأن شيئاً لم يحدث.

الأب: "أهلاً، عدت مبكراً."

لم يرد لوسيان، فقط أومأ برأسه، ثم نظر إلى المرأة للحظة. كانت تنظر إليه أيضاً بعينين فيهما لطف مصطنع، وابتسامة مرسومة بدقة على وجه خالٍ من الصدق.

المرأة (بصوت ناعم): "مرحباً لوسيان... أخيراً التقينا. والدك يتحدث عنك كثيراً."

لوسيان (بنبرة باردة): "غريب... لا أظنه يتحدث كثيراً أصلاً."

ضحكت ضحكة خفيفة، ثم أعادت نظرها إلى والده. أما لوسيان، فقد مرّ من أمامهما دون كلمة إضافية، ثم اتجه إلى غرفته. دفع لوسيان باب غرفته بهدوء، وأضاء الغرفة بنقرة خفيفة على الحائط. فانبعث ضوء أزرق من شرائط النيون التي كانت تلتف على أطراف السقف والجدران. ثم ظهرت ألوان متدرجة من الأزرق والبنفسجي والأحمر الخافت التي رسمت جواً من العالم الافتراضي في الغرفة.

على الأرفف، وُضِعت مجسمات أنمي بأحجام مختلفة، بعضها لا يزال داخل علبته الأصلية، وبعضها الآخر يقف على الرفوف. أما المكتب، فكان فوضوياً بالكامل. أكواب قهوة فارغة، أقراص صلبة متناثرة، أوراق عليها معادلات وشيفرات، ومجموعة من لوحات المفاتيح والأسلاك.

جلس لوسيان على كرسيه الدوّار، الذي أطلق صريراً خافتاً وهو يدور بجسده باتجاه الشاشة. فتح جهاز الكمبيوتر الخاص به، وفي عدة ثواني، امتلأت الشاشات بأكواد تتدفّق بسلاسة. كان هذا العالم هو المكان الوحيد الذي يشعر فيه لوسيان بالسيطرة.

لوسيان (بصوت خافت، وعيناه تراقبان تدفق البيانات): "لنرَ... من هي هذه المرأة حقاً."

فتح لوسيان نافذة سوداء، ثم بدأ في إدخال أوامر بلغة البرمجة. ثم كتب هذه الجملة:

‏nmap -sn 192.168.1.0/24

بدأ المسح. في ثوانٍ، ظهرت قائمة بالأجهزة المتصلة بالشبكة المنزلية:

* جهاز التلفاز الذكي

* هاتف والده.

* السماعة اللاسلكية الخاصة به.

* هاتفه

* وجهاز غريب لم يرَه من قبل...

الاسم: Galaxy_A74

النظام: Android 13

‏MAC Address: 0A:7C:12:9F:3B:D4

‏Vendor: Samsung Electronics

ثم نقر على الملف، وبدأ بتحليل الخدمات المفتوحة على الجهاز.

‏nmap -sV -Pn 192.168.1.18

ظهر منفذ مفتوح لبروتوكول نقل الملفات (FTP)، الذي كان غير محمي بكلمة مرور. ابتسم لوسيان ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن ابتسامة انتصار... بل اعتراف بصحة شكوكه.

دخل إلى المجلد الرئيسي للهاتف، فوجد مجلداً باسم غريب:

‏/PrivatePhotos/ARX/

ضغط لوسيان مرتين على اسم المجلد، فانفتحت النافذة، وظهرت أمامه عشرات الصور بخليط من تواريخ وأرقام ورموز عشوائية. بدأ في تصفّحها بسرعة، فوجد صور لها في مطاعم، غرف الفنادق، مواقف سيارات فخمة... ومع كل صورة، كانت تقف مع رجل مختلف.

بعضهم يرتدي بدلات، بعضهم يحمل شارات أمنية، أحدهم يرتدي زيّاً رسمياً يعود لإحدى الشركات التي اشتُبه سابقاً في علاقتها بعمليات غسيل أموال. ثم توقف فجأة عند صورة تم التقاطها في الليلة الماضية. كانت واضحة... لا مجال للشك.

نفس المرأة كانت تقف بجانب رجل خمسيني أصلع، كان يضحك وهو يضع يده على خصرها، وهما يقفان أمام مدخل فندق "مارلينغ"... الذي لم يكن بعيداً عن مكان الجريمة التي وقعت في الصباح. حدّق لوسيان في الصورة لثوانٍ طويلة. ثم أغلق النافذة وفتح ملفًا نصياً جديداً على سطح المكتب. كتب فيه:

"ما هي احتمالات أن تكون خيانة أبي... مرتبطة بمقتل روبرت واتسون؟"

ثم ضغط "حفظ".

وهمس:

"البداية أقرب مما كنت أظن."

في غرفة المعيشة، جلس الأب على الأريكة، يُقلّب قنوات التلفاز دون اهتمام حقيقي، بينما كانت المرأة تجلس إلى جواره وهي تحتسي كأساً من عصير الليمون وتضع ساقاً فوق ساق.

الأب (بضجر): "أقسم لكِ، أحيانًا أشك أنه يعيش على الأوكسجين الصناعي... فهو لا يخرج من غرفته أبداً."

ضحكت المرأة ضحكة قصيرة، كأنها تؤكد كلامه دون أن تفكر كثيراً.

الأب: "كل ما يفعله هو التحديق في تلك الشاشة... لا يتحدث. لا يضحك. لا يجلس معي على العشاء حتى. قلت له البارحة حرفياً: 'أنت مثل روبوت.'"

هزّت المرأة رأسها موافقة، ثم نظرت إلى كأسها وقالت بابتسامة مصطنعة:

المرأة: "بصراحة؟ شعرت بذلك اليوم. نظرته كانت باردة. لم يرحب بطريقة طبيعية حتى."

الأب (تنهد، ثم قال بسخرية): "طبيعية؟ لا يعرف حتى ما معنى كلمة 'اجتماعي'. قلت له أكثر من مرة: الحياة ليست على الشاشة يا لوسيان!"

المرأة (رفعت حاجبها، وقالت بنبرة نصف مازحة): "هل فكرت أنه قد يكون... متوحداً؟ أعني، ليس كإهانة، لكن... منغلق جداً."

ردّ الأب بسرعة، كأنه وجد تفسيراً يُريحه: "ربما. وربما عبقري مجنون. أو مجرد معقّد. لا أعلم."

ضحك الأب بدوره، لكنه لم ينتبه أن لوسيان كان يسمع كل شيء من خلف باب الممر. وقف هناك بصمت، ملامحه كانت جامدة... لكن عيناه كانتا تتوهجان ببريق لا يوحي بالهدوء. ثم استدار وعاد إلى غرفته ببطء.

أغلق لوسيان الباب خلفه بهدوء، لكن خطواته لم تكن واثقة كعادته. جلس على سريره وأسند مرفقيه إلى ركبتيه، ثم نظر إلى الأرض... أصغى لداخل نفسه، فترددت كلمات والده:

"متوحد..."

"روبوت..."

"لا يعرف كيف يكون طبيعياً."

زمّ شفتيه قليلاً، ورفع رأسه نحو السقف. شعر بشيء ضاغط في صدره... ليس ألماً صريحاً، بل ثقلاً خفياً يعرفه جيداً. شيء ما حاول أن يصعد من داخله... لكنه كبته. تنفّس ببطء، مرة... مرتين.

لوسيان: "بصوت هامس، فيه ذرة سخرية وذرة حزن): "أنا لست آلة."

أغلق عينيه وتنفس بعمق، ثم نهض مجدداً وعاد إلى مكتبه. كان ينظر إلى شاشة الحاسوب، لكن عقله كان في مكان آخر. أنامله كانت تتحرك على لوحة المفاتيح بلا وعي، يفتح مجلداً، ثم آخر، حتى فتح مجلدًاً قديماً يحمل عنواناً بسيطاً:

‏/Old/School/

ظهرت مجموعة من الصور: فصل دراسي، سبورة، مقعد خشبي في الزاوية الخلفية... وصورة شخصية له وهو بعمر الثانية عشرة. حدّق في الصورة طويلاً. شعره كان أطول، عيونه بنفس البرود، لكن ملامحه كانت تحمل ألماً مكبوتاً. صوت من الماضي تسلل إلى رأسه. صوت طفل آخر، ساخر، لاذع:

"انظروا إليه... إنه يتحدث مع الحاسوب وكأنه صديقه الوحيد!"

ثم آخر:

"لا أحد يريد الجلوس بجانبه... إنه غريب أطوار."

ثم تذكّر كيف كان يجلس دائماً في آخر الصف، يكتب رموزاً صغيرة على ورقة الرياضيات، ويتجنب النظر في أعين زملائه. كانوا يخافونه... أو يكرهونه... أو لا يفهمونه. وأسوأ من كل ذلك، أنه لم يكن يحاول تغيير ذلك. لم يشعر أبداً أن الانتماء إلى القطيع أمر ضروري... ولكنه كان يشعر بالفراغ في نفس الوقت.

لوسيان: (وهو يغلق المجلد): "الاختلاف... ليس عذراً للعزلة. لكنه السبب الوحيد أحياناً."

فتح لوسيان متصفح الإنترنت، وبدأ في تصفح مواقع توظيف مختصة بالأمن السيبراني. كانت العناوين مألوفة ومكررة بالنسبة له:

• "محلل أمن شبكات – مطلوب خبرة 3 سنوات"

• "أخصائي استجابة للحوادث – العمل عن بعد"

• "مدير تهديدات رقمية – شركة عالمية في نيويورك"

فتح الإعلان الأول... قرأ المتطلبات... أغلقه. فتح الثاني... قرأ نصفه... ثم تمتم:

لوسيان: "اختبارات نفسية؟ بروتوكولات سلوك؟"

تجاهله. تصفح الإعلان الثالث، ثم توقف عند جملة مكتوبة بخط بارز:

"نحن نبحث عن أفراد يعملون ضمن فريق... بتواصل مستمر."

أغلق الصفحة. واحدة تلو الأخرى، فتح الإعلانات وأغلقها، كأنّه يبحث عن شيء لا يعرف شكله. شعر بالضجر بعد دقائق، فأغلق الحاسوب واستلقى على سريره. حدَّق في السقف للحظات، ثم سحب هاتفه من جيب بنطاله، فتحه ببصمة الإبهام، وانتقل مباشرة إلى تطبيق Tinder.

ظهر شريط الصور المعتاد، مع وجوه فتيات مبتسمات:

– جيسيكا, 23. "أحب القطط والمشي في الغابات".

– ألينا, 21. "أبحث عن شيء حقيقي."

– زارا, 25. "لن أفتح إن لم تكن رسالتك مميزة."

بدأ لوسيان يقلب الحسابات واحداً تلو الآخر. أغلبهن كنّ جميلات، يتواصلن معه، يكتبن له رسائل مباشرة، بعضهن بجرأة، وبعضهن بخفة دم مصطنعة. لكنه لم يشعر بشيء. لا انجذاب ولا فضول حقيقي.

لوسيان (يتمتم وهو يحدق في إحدى الصور): "كم من هذه الحسابات حقيقية فعلاً؟ وكم منهن يخفين شيئاً؟"

استمر لوسيان في تقليب الحسابات بدون حماس، حتى توقف عند حساب مختلف قليلاً.

الاسم: "ليلى، 22"

الصورة كانت مثالية أكثر من اللازم. بشرتها خالية من العيوب تماماً، ويوجد تدرج ضوء غريب في عينيها، كانت ترتدي فستاناً أبيض، وتقف في حقل زهور، والشمس تشرق من خلفها. رمش لوسيان ببطء، ثم قرب الهاتف من عينيه قليلاً.

لوسيان: "إنه الإصدار 3.0، وضوح العين غير واقعي، أصابع اليد اليسرى مشوهة."

ابتسم ساخراً، ثم ضحك بخفة وهو يُعيد ظهره إلى السرير.

لوسيان: "حتى في تطبيق المواعدة، الذكاء الاصطناعي وجد طريقه."

تأمل الاسم مرة أخرى، ثم همس بابتسامة جانبية:

لوسيان: "ليلى، ها؟ ما رأيك أن نلتقي في العالم الحقيقي... لو كنتِ موجودة أصلاً."

ثم ضغط زر الإبلاغ عن الحساب، وأغلق التطبيق. رمى الهاتف بجانبه على السرير، واستدار على جانبه الآخر.

في المساء، فتح لوسيان باب غرفته ببطء، وخرج إلى الممر المظلم. كان المنزل هادئاً، ولم يكن هناك أثر لصوت تلك المرأة. مرّ بخطوات هادئة نحو غرفة المعيشة. ثم لمح والده جالساً بمفرده على الكنبة، وهو يحدق في شاشة التلفاز. على الشاشة، كان يتم بث نشرة الأخبار المسائية. بجانب المذيعة ظهرت صورة لوجه مألوف... نفس الوجه الذي رآه لوسيان صباحاً على الرصيف وهو مغطى بالدم. روبرت واتسون.

كانت النشرة تعرض تقريراً خاصاً، مع موسيقى متوترة:

"لا تزال السلطات تحقق في مقتل رجل الأعمال الشهير روبرت واتسون، الذي وُجد مقتولاً صباح اليوم أمام فندق مارلينغ. وفقاً لتقارير مسرّبة، واتسون كان ضمن فريق بحثي سري يعمل على تطوير عقار مضاد للسرطان مع مجموعة من الأطباء من جامعات رفيعة المستوى."

"ما يثير الشكوك أكثر أن اثنين من زملائه الأطباء : الدكتور مايلز كريغ والدكتورة آنا تشو. لقيا حتفهما أيضاً في الأسابيع الماضية، بحوادث وُصفت بـ"المصادفة المأساوية": أحدهما في حادث سيارة، والآخر بسكتة قلبية مفاجئة."

تغيّرت ملامح لوسيان قليلاً.

لوسيان (في نفسه): "ثلاثة من فريق بحثي واحد... ماتوا خلال شهر؟"

"وكان واتسون قد قدم طلباً للحصول على براءة اختراع خاصة بتركيبة جديدة للعلاج الكيميائي، يُقال إنها فعالة أكثر بنسبة 68% من العلاجات المتاحة حالياً."

استدار لوسيان واتجه نحو المطبخ. أضاء الضوء الأصفر الخافت، وفتح الخزانة العلوية. أخرج كيس "إندومي" بنكهة الكاري، وبدأ بتسخين الماء في الغلاية.

الأب (بنبرة مرحة): "أوه، هل قررت أن تأكل أخيراً؟ معجزة."

لم يرد لوسيان. أخذ الوعاء ووضع فيه المعكرونة الجافة، ثم سكب فوقها الماء الساخن.

الأب: "أتعلم؟ عندما كنت في مثل عمرك، كنت أتناول شطائر اللحم كل يوم، لا أعترف بهذه الشعيرية الرخيصة. لكن أنت من جيل التكنولوجيا... كل شيء سريع وسهل، حتى الأكل."

أمسك لوسيان علبة البهارات الصغيرة، فتحها ثم رشها على الوجبة.

الأب: "بالمناسبة، تلك المرأة... بدت مهذبة، أليس كذلك؟ كنت أفكر أن أدعوها للعشاء هنا غداً. نأكل سوشي أو أي شيء يعجب ذوقها."

لوسيان (يتمتم دون أن يلتفت): "كما تشاء."

الأب (وهو يضحك بخفة): "نعم، هذا هو ردك المعتاد. 'كما تشاء.' لا أدري إن كنت توافق أم تتهرب."

لم يجب لوسيان، أمسك الوعاء بين يديه واستدار نحو الممر.

الأب: "يا بني، جرب التحدث أحياناً، هذا سيجعل منك إنساناً."

عاد لوسيان إلى غرفته وهو يفكر بشيء واحد فقط:

"لماذا قُتل واتسون؟"

وضع لوسيان وعاء الإندومي على المكتب بجوار الحاسوب. ثم فتح الجهاز وبدأ في الكتابة على لوحة المفاتيح بسلاسة. فتح نافذة جديدة، ثم كتب أمراً مخصصاً للدخول إلى قاعدة بيانات عامة كانت مخترقة مسبقاً. ظهر شعار باهت على الشاشة... كانت شبكة مخصصة لتجميع بيانات الشركات والشخصيات الرفيعة. أدخل لوسيان اسم الهدف "روبيرت واتسون".

ظهرت النتائج واحدة تلو الأخرى، بسرعة:

روبرت واتسون:

• رجل أعمال

• المدير التنفيذي لشركة الدواء الأمريكية

• المساهم الأكبر في مشروع "إنقاذ أطفال أفريقيا"

• وضع طلباً لبراءة اختراع دواء يحمل الكود: RX-68

• حاصل على دعم مالي من وزارة الصحة مسبقاً

• كان تحت التحقيق قبل عام بسبب "تمويل مشبوه"

رفع لوسيان حاجبيه قليلاً. ثم بحث عن شركة الدواء الأمريكية، لتظهر له هذه النتائج؛

• مشروع بحثي سري بالتعاون بين شركة الدواء الأمريكية وجامعة ستانفورد.

• يهدف المشروع لتطوير علاج كيميائي معدل يتجاوز آلية العلاج الحالية ويعتمد على "تعديل استجابات الخلايا المناعية".

• أعضاء المشروع:

• د. روبرت واتسون (مقتول)

• د. مايلز كريغ (مقتول)

• د. آنا تشو (مقتولة)

• د. إدوارد ماكيني (مفقود منذ أسبوعين)

لوسيان (يهمس وهو يحدق في الاسم الأخير): "مفقود؟"

فتح صفحة د. إدوارد ماكيني، فظهر آخر موقع GPS له... كان في بوسطن، قرب مبنى تابع للجامعة. ثم وجد ملاحظات جانبية على حسابه الرقمي:

"تم رصد تواصل رقمي مع حساب مشفّر من عنوان IP في نيويورك... منذ ٣ أيام."

فتح لوسيان أداة التتبع، وربط بين العنوان الذي ظهر في سجل ماكيني، وعنوان الهاتف المشبوه الذي اخترقه سابقاً... هاتف المرأة.

لوسيان (يتمتم): "أنتِ لم تكوني فقط تخونين أبي... بل كنتِ تتابعين رجلاً على وشك أن يُقتل."

يتبع...

2025/07/03 · 6 مشاهدة · 2660 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025