جلس لوسيان أمام شاشته، يداه كانتا تتحركان بسرعة على لوحة المفاتيح، وبدأ يحلل الملفات التي حصل عليها من قاعدة البيانات. فجأة، ظهرت أمامه شركة دواء أخرى... كان اسمها هو بروميديكا.

بحث عنها بسرعة، فظهرت تفاصيلها:

• واحدة من أكبر الشركات المتخصصة في تصنيع أدوية السرطان التقليدية.

• المساهم الأكبر في حملات دعم العلاج الكيميائي.

• قدمت اعتراضاً قانونياً سابقاً على أي تعديل في تركيبة الأدوية المعتمدة.

• أرسلت عدة تهديدات صامتة ضد علماء مستقلين في السنوات الأخيرة.

ثم وجد ملفاً مشفراً يحمل اسم العقار الذي طوره روبرت واتسون. كان مستنداً داخلياً من شركة بروميديكا، وهو يعرض تحليلاً مالياً واضحاً:

"إذا تم اعتماد العقار RX-68، فإن أرباحنا السنوية ستتقلص بنسبة 47% في أول عام، وسترتفع الخسارة إلى 72% بعد العام الثالث."

ثم في الصفحة التالية، كانت هناك قائمة بالأشخاص الذين يمثلون تهديداً لمصالح الشركة. رأى لوسيان الأسماء التالية:

• د. روبرت واتسون (تم التنفيذ)

• د. مايلز كريغ (تم التنفيذ)

• د. آنا تشو (تم التنفيذ)

• د. إدوارد ماكيني (جارٍ التتبع)

تابع لوسيان تقليب الصفحات داخل الملف السري، حتى توقف عند قسم يحمل عنواناً غريباً:

"العمليات الخاصة "

تحته، ظهرت صورة واضحة جعلت لوسيان يتراجع للخلف قليلاً، وشعر أن الهواء قد انقطع عن رئتيه. كانت صورة المرأة ذاتها... نفس المرأة التي كانت في منزله قبل قليل!

الاسم: روزلين كاي.

الوظيفة: وحدة التجسس الاجتماعي .

الرتبة: S3.

الجهة: قسم العمليات القذرة.

أدناه، ظهر تقرير موجز من مشرفها المباشر:

"الهدف: [مايكل رايدر]، موظف سابق في شركة الدواء الأمريكية. يمتلك خبرة داخلية حساسة في وحدة الأبحاث السابقة. تم تسريحه قبل عامين إثر تجاوزات إدارية، لكنه ما زال يحتفظ بعلاقات غير رسمية مع موظفين حاليين، وقد تكون ذاكرته مفيدة للوصول إلى أرشيف المشروع RX-68."

"العميلة روزلين كاي تم زرعها كحبيبة له منذ 3 أشهر، مع تعليمات بجمع أكبر قدر من المعلومات حول ما إذا كان لديه نسخ احتياطية أو اتصالات داخلية ما تزال فعالة."

"التقرير الأخير: لم يتم الوصول إلى أي ملفات، لكن العلاقة تتطور بوتيرة جيدة. يُوصى بالاستمرار حتى يتم التأكد من خلوّه من التهديد أو استغلاله كمصدر مباشر."

كان وجه لوسيان جامداً... لكنه شعر بتيار كهربائي يمر في عموده الفقري. ولكنه تابع التصفح، ثم فتح مجلداً آخر كان مرفقاً بجوار الصورة. كان عنوانه:

"منزل الهدف"

فتح التسجيل، وبدأ يسمع صوتاً خافتاً... صوت والده وهو يتحدث مع المرأة.

روزلين (بصوت ناعم): "مايكل، هل تذكر عندما كنت تعمل في مختبر RX-68؟ هل احتفظت بشيء؟ أي ملفات؟ حتى للذكريات فقط؟"

الأب (ضاحكاً): "آه، تلك الأيام؟ لا، كل شيء تركته وراء ظهري."

روزلين (بتودد): "لكن عقلك لم يتركها، أليس كذلك؟ أنت عبقري يا مايكل!"

أغلق لوسيان التسجيل. صوت دقات قلبه تردد في أذنيه بصوت أعلى من صوت جهازه. الآن أصبحت شكوكه في محلها.

لوسيان (بصوت خافت): "لم تكن تخونه فقط... بل كانت تستخدمه."

نهض لوسيان من على الكرسي. فتح باب غرفته واتجه بسرعة نحو غرفة المعيشة، حيث كان والده لا يزال جالساً أمام التلفاز، يتابع برنامجاً تافهاً عن سباق السيارات، وفي يده كأس عصير البرتقال. وقف لوسيان أمامه مباشرة، وجهه كان جاداً ومشدود الملامح.

لوسيان: "علينا التحدث... عن روزلين."

مايكل (وهو لا يزال ينظر إلى الشاشة): "وماذا بشأنها؟"

لوسيان (بثبات): "أبي، استمع لي. هذه المرأة تعمل لصالح قسم الاستخبارات الداخلية في شركة بروميديكا. رتبت علاقتها بك بهدف الوصول إلى بيانات مشروع RX-68. وهناك تسجيل صوتي لها وهي تستجوبك بلطف عن ملفات قديمة."

مايكل (وهو يضحك): "يا رجل... هل هذا فيلم؟ جاسوسة؟ إنها تعرف أنني كنت أعمل في شركة دواء، لكنّي مجرد إداري سابق. لا أمتلك شيئاً مهماً."

لوسيان (بهدوء): "هي لا تعرف ذلك يقيناً. هدفها أن تتأكد. وتأكدت تقريباً الآن."

مايكل (وهو ينهض من الأريكة): "أنت تتوهم، لوسيان. الفتاة تحبني. أعلم بأنك لا تحب رؤيتي مع نساء آخرين غير والدتك."

لوسيان (بحدة نادرة في صوته): "وهل خدعتك بالصدفة؟ ماذا عن صورها مع رجال مختلفين؟ ماذا عن اتصالها برجل مفقود تابع لنفس المشروع الذي كنت تعمل فيه؟ ماذا عن الملف الذي يسجّلك أنت ضمن "الهدف"؟"

توقفت ضحكة مايكل، لكنه ما زال يشيح بوجهه.

مايكل (بغضب مكبوت): "أنت فقط لا تريد رؤيتي سعيداً، هذا هو كل شيء! منذ أن ماتت أمك وأنت تحولت لآلة تشك بكل شيء! أنا أستحق أن أبدأ من جديد، أفهمت؟"

لوسيان: "وهذا ما يريدونه بالضبط. رجل مكسور يبحث عن بداية جديدة. سهل التلاعب. سهل التدمير."

تحولت ملامح مايكل إلى الغضب، وأشار إلى الباب.

مايكل: "ارجع لغرفتك يا لوسيان. لا أريد سماع هذا الهراء الآن."

حدق فيه لوسيان طويلاً... ثم تمتم بصوت خافت قبل أن يستدير:

لوسيان: "عندما ينهار كل شيء... لا تقل إنني لم أحذّرك."

عاد إلى غرفته بهدوء. أغلق الباب خلفه، ثم تنفس ببطء، بينما في داخله كانت هناك دوامة من الغضب البارد والخيبة الصامتة. نظر لوسيان إلى الجانب الأيمن من المكتب. كانت هناك صورة قديمة داخل إطار خشبي صغير، وُضِعَت بجانب سريره منذ سنوات.

رفع لوسيان الإطار ونفخ الغبار عن زجاجه. كانت الصورة تجمعه بوالدته "كارين" حين كان في الحادية عشرة من عمره. كانا يقفان في حديقة صغيرة، وهي تضع يدها على كتفه وتبتسم له بعينيها الزرقاوان الذي ورثها منها. شعرها الذهبي كان مرفوعاً للأعلى، وملامحها هادئة.

كانت والدته "كارين" تعمل في قسم الطوارئ بمستشفى حكومي. في إحدى الليالي، دخل المستشفى شاب ثري يُدعى ديريك بيل، نجل رجل معروف. كان مصاباً في يده بعد شجار في نادٍ ليلي. رفضت كارين تمرير حالته على حساب التأمين الحكومي لأنه لم يكن مؤهلاً لذلك، وأصرّت على تسجيله كـ"حالة خاصة" لأن التقرير أظهر أنه يتعاطى الكحول والمخدرات. أُهين ديريك من تصرفها، وهددها بكلمات واضحة:

"أنتِ لا تعرفين من أنا... سأجعل حياتك جحيماً."

بعد أيام، خرجت كارين من عملها في المساء، عندما هاجمها رجل ملثم في موقف السيارات وطعنها عدة طعنات قاتلة. كاميرات المراقبة في المكان كانت معطلة بطريقة غريبة. لكن الشرطة عثرت على أدلة غير مباشرة (بصمة جزئية، لقطات من شارع قريب، وشهادة شخص رأى سيارة ديريك تغادر المكان بسرعة).

تم القبض على ديريك بيل. الصحف كلها تحدثت عن "جريمة مروعة ضد عاملة في الصحة"، وخرج مايكل (والد لوسيان) حينها في مؤتمر صغير مطالباً بالعدالة. لكن خلال شهرين فقط... أُطلق سراح ديريك بكفالة، ثم أُغلق الملف نهائياً بحجة "عدم كفاية الأدلة"، ورفض القاضي إعادة فتحه رغم احتجاجات الجميع.

والد ديريك الغني استخدم نفوذه بالكامل، وأرسله بعدها في "رحلة علاج نفسي" إلى سويسرا... ثم عاد ليعيش حياته بشكل طبيعي تماماً. لم يعتذر، لم يُحاسَب، لم يُسأل.

[قبل سبع سنوات]

في تلك الليلة، كان المطر يهطل بهدوء فوق زجاج النوافذ. كانت الشقة غارقة في صمت ثقيل، يخترقه صوت نشرة الأخبار على التلفاز.

المذيعة: "أُطلق اليوم سراح ديريك بيل، المتهم في قضية مقتل الممرضة كارين ميتشل، بعد قرار المحكمة بإغلاق القضية رسمياً بدعوى عدم كفاية الأدلة."

ما إن سمع لوسيان تلك الكلمات حتى اتسعت عيناه. كان يحمل كوب ماء بيده المرتجفة. سقط الكوب من يده وتحطّم على الأرض، لكنّه لم يهتم. ركض نحو غرفة والده، فوجده مستلقياً على السرير.

لوسيان (يصرخ بغضب): "أطلقوه؟ أطلقوا سراح القاتل؟! وهو الذي قتل أمي؟!!"

رفع مايكل رأسه ببطء، وعيناه كانتا متعبتين.

مايكل: "لوسيان... حاولت، أقسم أنني—"

لوسيان (مقاطعاً بصوت مهزوز ومليء بالغضب): "حاولت؟! ماذا تعني بأنك حاولت؟! لماذا لم تقدم شكوى أخرى؟ لماذا لم تستأنف؟ لماذا تجلس هنا؟!"

اقترب لوسيان من الطاولة الخشبية في وسط الغرفة، وأزاحها بقوة حتى انقلبت، فتساقطت الكتب والجرائد على الأرض.

لوسيان (يصرخ): "أمي ماتت! ماتت لأنك لم تحمِها! ماتت لأنك لم تقاتل لأجلها كما كانت تستحق!"

رَكَلَ أحد الكراسي، ثم أمسك بالستارة القريبة ومزّقها بيديه، صوته بدأ يختنق، ودموعه سالت بلا مقاومة. اقترب مايكل ببطء، وفتح ذراعيه كأنه يريد احتضان ابنه.

مايكل: "لوسيان... أنا آسف... آسف على كل شيء. لا تظن أنني لم أشعر... أنا فقط..."

لكن لوسيان تراجع خطوة، ثم صرخ:

لوسيان: "لا تلمسني!"

حدّق فيه لحظة، ثم استدار بسرعة وخرج من الغرفة وأغلق الباب بعنف. ظل مايكل واقفاً في مكانه وهو فاغر الفم، وذراعيه معلقتين في الهواء. في تلك الليلة، لم يتحدثا. ولم يبكِ مايكل أمام لوسيان. لكنه جلس أمام باب غرفة ابنه حتى طلوع الفجر دون أن ينبس بكلمة.

[عودة إلى الحاضر]

أغلق لوسيان عينيه، تنفّس ببطء، ثم أعاد الإطار إلى مكانه بجانب السرير.

لوسيان: "كلنا افتقدناها... لكن أنا فقط من لم يغفر."

ثم التفت إلى شاشة الحاسوب التي كانت لا تزال تعرض ملفات "بروميديكا"، وعيناه الآن تحملان شيئاً لم يكن موجوداً قبل لحظات: نية حقيقية للانتقام.

فتح لوسيان خزانة صغيرة بجانب مكتبه، مدّ يده وأمسك بعلبة سوداء مغلقة بشريط رمادي لاصق. نزع الشريط ببطء، ثم فتح العلبة ليكشف عن القناع... كان نفس القناع الذي ظهر سابقاً. ارتدى لوسيان القناع، وظهر وميض خافت مكان العينين في لحظة الاتصال الأولى. مع تفعيل النظام الصوتي، أطلق القناع زفيراً إلكترونياً خفيفاً... كأنه تنفس للمرة الأولى.

ارتدى لوسيان قبعة الهودي الخاصة به ليقوم بإخفاء شعره، ثم ضبط الإضاءة في الغرفة ليجعلها خافتة، أضاء فقط ضوءاً خلفياً أزرق ليعطي ظلالاً طويلة على الجدران. فتح لوسيان نافذة جديدة على الحاسوب، وبدأ بإعداد بروتوكولات الأمان واحدة تلو الأخرى.

قام أولاً بتفعيل VPN مزدوج ومرتبط بخادم في آيسلندا، ثم شغّل طبقة تشويش جغرافي تقوم بتغيير إحداثيات موقعه كل عشر ثوانٍ بشكل عشوائي. بعدها قام بتفعيل جدار حماية مخصص يخفي عنوان الـIP الحقيقي ويمنع أي محاولة تتبع حتى من خوادم التطبيقات نفسها.

لوسيان (يتمتم): "لن يقترب أحد من موقعي... ولا حتى عن طريق الصدفة."

فتح موقع منصة التيك توك، وسجّل دخولاً بحساب جديد.

اسم المستخدم:

‏@cyper_truth

جلس أمام الكاميرا، وقناعه يلمع بلون أزرق باهت، رفع يده ببطء، وبدأ التسجيل.

لوسيان (بصوته المعدّل): "إذا كنت تسمع هذا، فأنت جزء من القطيع... أو أنك تحاول الخروج منه.

ما ستراه وتسمعه لن يُعرض على الأخبار، ولن تعترف به الحكومات... لكنني سأكشفه، إسماً... إسماً. هذا الفيديو موجه إلى كل شخص عانى من ظلم الحكومة الأمريكية يوماً. غداً سوف أقوم بعمل بث مباشر، إن كنت مهتماً فتابعني."

ثم أنهى التسجيل ورفعه مباشرةً.

العنوان: "رسالة إلى كل من يعتقد أن العالم عادل."

ضغط زر النشر، ثم ابتسم خلف القناع.

لوسيان (بصوت خافت): "لنبدأ العد التنازلي."

بعد أن أنهى نشر الفيديو، أغلق لوسيان شاشة الحاسوب، ونهض من على كرسيه بهدوء. خلَع القناع ووضعه داخل العلبة السوداء مجدداً، ثم أعادها إلى الخزانة الصغيرة بجانب المكتب. الغرفة كانت لا تزال غارقة في الإضاءة الزرقاء الخافتة، والهواء مشبع بالصمت، كما لو أن كل شيء ينتظر انفجاراً قادماً.

سحب الغطاء فوق جسده، واستلقى على السرير دون أن يبدّل ملابسه. بقي يتأمل السقف قليلاً، يفكر في الكلمات التي قالها، وفي الناس الذين سيشاهدون الفيديو... ثم أغمض عينيه. مرّت الساعات. وفي صباح اليوم التالي، استيقظ لوسيان لوحده بدون منبه، ثم مدّ يده ببطء وأمسك بالهاتف. فتح الشاشة ببصمته، ثم انتقل مباشرة إلى تطبيق تيك توك، كان يراقب من حسابه الحقيقي هذه المرة. كتب اسم حسابه الجديد في البحث، وعندما دخل إليه وجد التالي:

عدد المشاهدات: 2,368

الإعجابات: 300

التعليقات: 48

عدد المتابعين الجدد: +172

رفع حاجبه قليلاً.

لوسيان (يتمتم): "لم تمر 12 ساعة حتى... هذا جيد."

بدأ يتصفح التعليقات واحدة تلو الأخرى:

– "من هذا؟"

– "أنا فقدت أمي بسبب نظام التأمين الكاذب... لهذا سوف أشجعك."

– "يبدو أنها مجرد مسرحية لجذب المتابعين."

– "الحكومة عليها رؤية هذا."

– "هل هناك بث غداً؟ نحن بانتظارك يا سايبر."

ابتسم لوسيان بخفة، ثم أغلق الهاتف وألقى به جانباً على السرير. وضع يداه خلف رأسه وهو لا يزال مستلقياً، وعيناه تراقبان سقف الغرفة الرمادي.

لوسيان (في نفسه، بصوت خافت): "ما الذي فعلته بحق الجحيم؟ نشرت مقطعاً وأنا ملثم على تيك توك؟ هل ظننت فعلاً أن هذا سيغيّر شيئاً؟ كل خطوة أقوم بها قد تجعلني هدفاً. هؤلاء لا يمزحون... إنهم يقتلون علماء، يخفون أدلة، يشترون القضاة، يكذبون في القنوات الإخبارية، وهم مستعدون لمحوي أنا أيضاً."

غطّى وجهه بكفيه لحظة، ثم سحب يده ببطء عن عينيه، ونظر إلى السقف مرة أخرى، لكن نظرته لم تكن فارغة هذه المرة... بل كانت مشتعلة.

لوسيان (في نفسه بنبرة فيها عناد): "لكنني سئمت من الصمت. والدتي ماتت ظلماً، وأبي اختبأ في قوقعته، والحقيقة تُدفن كل يوم بلا شاهد. إن لم أكن أنا من يكشفها... فمن سيفعل؟"

جلس أخيراً وانحنى للأمام، وتشابكت أصابعه، ثم همس:

لوسيان: "ما فعلته كان غبياً... نعم. لكن الأغبى هو أن تستمر هذه الحكومة اللعينة في تنفيذ قوانين غير منطقية."

أدار رأسه نحو الخزانة التي وضع فيها القناع.

لوسيان (يهمس لنفسه، بإصرار): "سايبر... هذا هو اسمي الجديد."

خرج لوسيان من غرفته بعد أن استحمّ وارتدى قميصاً قطنياً أزرقاً. كان الصمت يخيم على المنزل، مما أكد له أن والده لم يعد بعد من عمله. توجه إلى المطبخ، ثم أخرج بعض الخبز، وبيضة، وقليلاً من الجبن، وبدأ بتحضير فطور بسيط. أدار النار تحت المقلاة، ووقف يتابع تحرك الزيت وهو يسخن.

لكن فجأة، طَرَق شخص ما الباب بقوة. رفع لوسيان رأسه ببطء، حدّق في الباب وكأن عقله يحاول استيعاب أن أحداً ما قد قرر زيارة المنزل في هذا الوقت المبكر. مسح يديه بمنشفة صغيرة، واتجه نحو الباب بخطى حذرة، ثم فتحه. وفور أن فُتح الباب، اندفعت موجة من الحماس والطاقة إليه، كان الزائر هو صديقه كايوس. وقف هناك بابتسامته الواسعة وشعره الأشقر المبعثر.

كايوس (بحماس): "أخييييراً! فتحت الباب! ظننت أنك دخلت في سبات شتوي أو شيء كهذا!"

لوسيان (رمش متفاجئاً، ثم قال بنبرة هادئة): "كايوس... ما الذي أتى بك في هذا الوقت؟"

كايوس (يدفع الباب ويدخل بدون استئذان): "أوه، لا تبدأ بهذا الأسلوب البارد! اشتقت لك، ولدي طاقة أحتاج لتفريغها! ثم إنني مررت بجوار المنزل وقلت لنفسي... لم لا أطرق الباب وأُفسد صباحه؟"

ابتسم لوسيان بخفة، ثم عاد إلى المطبخ، وكايوس يتبعه كطفل فضولي.

كايوس (يتلفّت حوله): "ممم، ما هذا؟ رائحة بيض مقلي؟ آه، لوسيان، أنا جائع. هل أتيت في الوقت المثالي أم ماذا؟"

لوسيان (بنبرة ساخرة): "أنت دائماً تأتي في الوقت الذي لا أتوقعك فيه."

كايوس (يجلس على الكرسي ويمطّ جسده): "بالضبط! لهذا أنا ممتع."

تابع لوسيان إعداد الإفطار، في حين بدأ كايوس يتحدث بعشوائية عن كل شيء مرّ به في الأسبوع: فتاة قابلها، كتاب قرأه ولم يفهمه، حلم غريب رآه، وحادثة طريفة حصلت له في محطة الحافلات. ولم يكن يعلم... أن صديقه الهادئ الذي يجهز له البيض والخبز، كان قد أطلق الليلة الماضية إعلان حرب رقمية على دولة كاملة.

انتهى لوسيان من قلي البيض وأطفأ النار، ثم سحب قطعة خبز من المحمصة، ووضعها في الطبق بجوار الجبن. جلس كايوس على الكرسي الخشبي وهو يأخذ نفساً عميقاً من جهاز الفيب الخاص به.

كايوس: "آه... هذا ما أحتاجه تماماً في صباح كهذا. قهوة، فيب، وشخص لا يتحدث كثيراً."

لوسيان (دون أن يلتفت): "رائع، كل شخص يبحث عن آخر لا يشبهه."

ضحك كايوس بخفة، ثم نفث سحابة من البخار برائحة التوت، علَت في الهواء قبل أن تتلاشى ببطء.

كايوس (وهو يقضم قطعة خبز بنهم): "تخيّل يا رجل، البارحة كنت في حفلة ديسكو مجنونة في وسط المدينة. ذهبتُ مع مجموعة أولاد من الجامعة."

رفع كوب القهوة وشرب منه، ثم تابع بحماسة:

كايوس: "كنت مع مجموعة شباب من قسم الإعلام، ورقصنا مثل المجانين. أوه، وكدت أن أثمل، حرفياً. أحدهم قدّم لي مشروباً غريباً، وكان بطعم العسل والليمون، لكن بعد الرشفة الثالثة بدأت أرى الألوان تتراقص."

نظر إلى لوسيان الذي كان يأكل بهدوء مطلق دون أن يعلّق بكلمة.

كايوس (مبتسماً): "لكن لا تقلق، ما زلتُ بعقلي... على الأرجح. خرجت قبل أن أفقد توازني تماماً، لكن أتعرف ماذا؟ اكتشفت أن الرقص مع الغرباء في مكان مضاء بأشعة فوق البنفسجية يعطيك إحساساً غريبًا... كأنك تطفو فوق رأسك."

لوسيان (دون أن يرفع عينيه عن طبقه): "يبدو أن جسدك كان هناك، لكن عقلك لم يكن مدعوّاً."

انفجر كايوس ضاحكاً وكاد أن يختنق بلقمة الخبز. بينما ابتسم لوسيان بابتسامة خفيفة وهو يلتقط رشفة من قهوته. وسرعان ما تحولت هذه الابتسامة إلى ضحك. ضحكا معاً حتى أنهيا طعامهما. دفع كايوس الطبق أمامه، ومسح فمه بمنديل، ثم قفز من مكانه فجأة بحيوية مبالغ فيها.

كايوس (وهو يقفز بحماسة): "حسناً! حان وقت التطفل!"

لوسيان (بتوتر مفاجئ): "لا، كايوس، انتظر! لا تفتح الباب."

لكن كايوس تجاهله تماماً، وركض نحو ممر الغرف بخفة ومرح.

لوسيان (يرتفع صوته فجأة وهو ينهض): "كايوس! قلت لك لا تفتحه!"

لكن الأوان كان قد فات. فتح كايوس باب غرفة لوسيان... فتجمّد في مكانه لثانيتين، قبل أن يتراجع خطوة إلى الوراء مذهولاً.

كايوس (بصوت مرتفع وهو ينظر داخل الغرفة): "ما هذا بحق الجحيم؟ أما زلت تعيش وسط إعصار؟"

الغرفة كانت فوضوية بشكل لا يُصدق. الأوراق مبعثرة، الأسلاك إلكترونية متشابكة، أكواب قهوة فارغة، وعلب طعام مرمية بجانب السرير. لوحة المفاتيح كانت على الأرض، وبجانبها زوج من القفازات السوداء.

كايوس (وهو يضحك بصوت عالٍ): "يا رجل... هل هذه غرفة نوم، أم مركز قيادة حرب؟"

لوسيان (وهو يقترب منه بسرعة ويأخذ نفساً غاضباً): "كايوس! اخرج. الآن."

كايوس (يلتفت إليه وهو يضحك): "حسناً حسناً، لا داعي للغضب... كنت فقط أريد أن أرى نوع العطر الذي تستخدمه."

ثم أغلق الباب ببطء وهو يضحك، فيما ظل لوسيان واقفاً مكانه للحظة وهو يتنهد، قبل أن يدير ظهره ويعود إلى المطبخ. بدأ كايوس يتحدث عن موضوع جديد لا علاقة له بما سبقه كما يفعل دائماً. لكن عقل لوسيان كان في مكان آخر تماماً.

لوسيان (في داخله): "موعد البث سيكون قريباً... لا يجب أن يكون هنا. لا يمكنه أن يراني بهذا الشكل."

رآه يتصفح هاتفه ويضحك على مقطع فيديو قصير.

لوسيان (في نفسه): "لو رآني أبث، لو عرف ما وراء القناع... سيحاول مساعدتي. وسيتحول من صديق إلى نقطة ضعف."

ثم بدأ يفكر بسرعة بخطة صغيرة للتخلص منه.

لوسيان (بنبرة هادئة): "هل قلت أنك وعدت والدك بالذهاب للصيد معه اليوم؟"

كايوس (يرفع حاجبه): "آه... صحيح! نسيت كلياً. كان من المفترض أن نذهب اليوم بعد الظهر!"

لوسيان: "ربما عليك الذهاب الآن، سيتأخر الوقت وسيغضب منك كعادته."

كايوس (وهو ينهض ويجمع أغراضه): "معك حق. كنت سأجلس وأنسى كلياً مثل كل مرة. شكراً لك يا عبقري. أعدك أن أعود لاحقاً، ونلعب جولة شطرنج أو أي شيء تريده."

لوسيان (بهدوء): "لن أكون هنا... لدي مراجعة لبعض رموز الشبكة، أظنني سأقضي الليل كله عليها."

كايوس (وهو يلوّح من الباب): "حسناً، لا تنفجر في غرفة السيرفرات تلك. أراك لاحقاً، لوسيان."

غادر كايوس وأغلق الباب خلفه. وقف لوسيان ساكناً لثوانٍ، ثم توجه إلى غرفته.

لوسيان (بصوت منخفض وهو يغلق الباب خلفه): "مرحلة الإلهاء... تمت بنجاح."

توجه إلى مكتبه، وبدأ يستعد للبث، وهو يعلم أن هذا اليوم سيغير كل شيء. ارتدى القناع على وجهه، تأكد من أن القبعة تغطي شعره جيداً، ثم نظر إلى الشاشة.

ضغط على لوحة المفاتيح، فظهرت واجهة الشبكة الافتراضية:

‏✔ VPN مزدوج مفعل

✔ التمويه الجغرافي نشط

✔ عنوان IP غير قابل للتتبع

✔ بث مباشر آمن

ثم فتح منصة تيك توك من حسابه الجديد، وضغط زر "بدء البث".

ظهرت عدادات البث:

المشاهدون الآن: 9... 27... 89... 112... 205...

وبدأ التعليقات تتوالى:

– "ها هو مجدداً!"

– "من هذا بحق الجحيم؟"

– "أخيراً فتح البث مباشر، لنرَ ما لديه."

– "أنا هنا فقط لأني رأيت الفيديو بالأمس."

– "أتمنى أن يكون حقيقياً وليس مجرد عرض درامي."

رفع لوسيان يده ببطء، وأشار بإصبعه إلى الكاميرا.

لوسيان (بصوته المعدّل إلكترونياً): "أنتم الآن تشاهدون الحقيقة... لا أخبار مزيفة..."

ثم سحب مجموعة من الأوراق المطبوعة، مرتبة بدقة على الطاولة أمامه. أمسك بالورقة الأولى ورفعها أمام الكاميرا. كانت الورقة تحتوي على شعار شركة "بروميديكا"، وتحته جدول يُظهر تأثير عقار RX-68 المستقبلي على أرباحها.

لوسيان: "هذه شركة دواء أمريكية. تدّعي أنها تصنع أدوية من أجل الشفاء... لكنها في الحقيقة تصنع المرض من جديد، وتقتل كل من يحاول معالجته."

أخرج الورقة الثانية: تحليل مالي داخلي.

لوسيان: "قالوا إنهم سيخسرون 72% من أرباحهم بعد ثلاث سنوات من طرح شركة الدواء الأمريكية لعلاج السرطان. ماذا فعلوا؟ ببساطة... قاموا بمحو كل من ساهم في تطوير هذا العقار."

رفع الورقة الثالثة: قائمة بأسماء العلماء الذين قُتلوا، وتحت كل اسم علامة صغيرة بخط يدوي: (تم التنفيذ - تم التنفيذ - جارٍ التتبع).

لوسيان: "إنها ليست مؤامرة. هذه وثائق داخلية، ومصادر حكومية مسربة، ورسائل بريد إلكتروني مشفّرة."

ثم أخرج ورقة موقّعة من موظف سابق من الشركة، تحتوي على اعتراف جزئي.

لوسيان (بنبرة ثابتة): "هل تعلمون من ساعدهم؟ الدولة. النظام القضائي. الشرطة التي اختارت أن تنظر إلى الاتجاه الآخر وتخفي الحقيقة متظاهرةً بالعدالة."

توالت التعليقات:

– "هذا مخيف حقاً..."

– "هذا أكبر من مجرد نظرية مؤامرة."

– "أحتاج لنسخة من هذه الملفات."

– "هل ستنشر الأدلة؟"

لوسيان: "سأجعل كل شيء متاحاً للتحميل خلال البث التالي. كل وثيقة... كل اسم. وحتى ذلك الحين، تابعوني... ليس لأجلي، بل لأجلكم. لأنكم ربما ستكونون الضحية التالية... ولم تعرفوا ذلك بعد."

ثم أنهى البث فجأة. أصبحت الشاشة سوداء بلا صوته. لكن في أنحاء مختلفة من البلاد، بقيت أنفاس الناس محبوسة. والحقيقة بدأت تنتشر.

يتبع...

2025/07/03 · 3 مشاهدة · 3175 كلمة
Sara Otaku
نادي الروايات - 2025