[هل هذا مِن خصائصِك أم مِن إعداد عمّي ؟]

سألها آيدين لِأن قصة هوّيتِه كانَت محبوكةً بِشكلٍ خرافي، أجابَته فايري

{هذا مُجرّد اختِزالٍ للأحداث مِن آلاف القِصص المُختلِفة، ليس هناك ما يدعو للعجَب، سأشتري لك هويةً ورقية جديدة من المتجر}

فُتِح المتجر وقامَت فايري بِشراء هويةٍ فارِغة من السوق السوداء ثم ملأتها بِالمعلومات الجديدة وسلّمتها له، تعجّب مِن سهولة الأمر لِأن الهوية لا يُفترَض بِها أن تُباع بِهذه البساطة، وما لا يعرِفُه آيدين هو أنه يملِك حِساباً خاصاً في المتجر ويستطيع الحصول على كل شيءٍ في السوق السوداء عكس العُملاء العاديّين، حيث كان هذا الحِساب تابِعاً لِعمّه ومَن سبقَه مِن مُلّاك فايري، أو بالتحديد أنه حِسابٌ مُرتبِط بِـ فايري، لذلك يستطيع شِراء مِثل هذه الأمور الحسّاسة والتي لن يصِل إليها الآخرون، عِلماً بِأن هُناك العديد من الأقسام التي تُخفيها عليه فايري لأنه ليس مُستعِداًّ بعدُ للاطلاع عليها.

وأثناء هذا.. توقّفت عربة الأجرة ودفع آيدين مُستحقاتِه باستخدام بِطاقتِه السوداء ثم نزل أمام بوابةٍ معدنية عِملاقة مُلتصِقة بِسورٍ مُرتفِع جداً، تأمّل السور قليلاً ثم تقدّم نحو البوابة المُغلقة ولم يكُن هُناك أحد في الاستقبال، فجأة.. ظهرَت بين يدَيه رِسالة التوصية ثم قالت فايري

{هذه البوابة لا تُفتَح إلا نادِراً، يوجد بابٌ آخر على بُعد ثلاثمائة متر يساراً}

أومأ ثم تقدّم يساراً حتى رأى صفاًّ طويلاً مِن الشباب في مثل عُمرِه وبعضُهم أصغر أو أكبر مِنه بِقليل، استغرَب مِن عددِهم وبقِي بعيداً عنهُم ريثما يتقدّمون الواحِد تِلو الآخر نحو مكتبٍ صغير عليه ثلاثة مُشرفين، وكل واحدٍ مِن الشباب يحمِل في يدِه رسالة توصيةٍ خاصة، ومع ذلك.. كان أغلبُهم يُرفَضون ولا يُسمَح لهُم بالدخول إلى المدرسة، سواءً لِأن الرسالةَ مُزيّفةٌ أو لِأن الجِهة الموصِيَة لا تملِك القوة والمصداقية لِتوصي بأحدِهم إلى مثل هذه المدرسة الراقية.

جلس آيدين تحت شجرةٍ كبيرة وانتظرَ لأكثر مِن ثلاث ساعات، ولم يدخُل في هذه الفترة أكثر مِن مائة تلميذٍ مقبول، في الوقت الذي تم فيه رفض بِضعة آلاف، وعِندما طال الأمر.. تدخّلَت فايري بِسؤال

{ما الذي تنتظِرُه ؟}

صمت طويلاً قبل أن يقول بِكسَل

[ألستِ تستطيعين قراءة أفكاري ؟]

قالت

{لكنّي لا أجِد في أفكارِك جواباً على سؤالي}

ابتسم وقال

[هذا يُسمّى مُراقبة الوضع مِن بعيد، تعوّدتُ على هذا عِندما كُنتُ مُشرّداً في الشوارِع، وهو أمرٌ فيه نفعٌ كبير حيث رأيتُ العديد من المُرشّحين المقبولين وغير المقبولين ودرستُ حركاتِهم جيداً، وكان بينهُم اللطيف واللئيم، الصادق والخبيث، الرحيم والمجرِم، أنا أعلم بأنكِ تستطيعين قِراءة الشخصيات أيضاً، لكن النفس البشرية عميقةٌ لِدرجةٍ كبيرة ولا تعتمِد على معايِير ثابِتة حتى يستطيع الذكاء الصناعي الإحاطة بِها]

قالت فايري بِدون عواطِف

{أخشى أن يتم إيقاف الاستقبال قريباً، وأنت لم تحجِز حتى مكاناً في الصف}

تنهّد ثم قال

[سأُثبِت لك ما قُلتُه قبل قليل عبر التجرِبة، ما رأيُك ؟]

لم تُجِبه فايري فقام وتقدّم نحو الواقفين في بِداية الصف، استغرَب الجميع سبَب اقتِرابِه مِن مُقدّمة الصف لِأن المُشرفين في مدرسة أرَوان لا تنفع معهم الواسطات أو الرشوة، لذلك حتى الأمراء والنبلاء ستجِدُهم واقفين في الصف مِثل غيرِهم من المواطنين، لكن آيدين لم يذهَب إلى المشرفين وإنما اقترَب مِن شابٍّ طويل له جسدٌ رقيق وذقنٌ حادّ ثم تحدّث معه في أذُنِه

"لقد رأيتُ كل ما فعلتَه، وأنتَ في نِهاية الصف بالفِعل، أليس مِن الحكيم أن تُعطيني مكانَك وتبدأ مِن آخر الصف ؟"

اتّسعَت عينا صاحِب الذقن الحاد لأن غرضَه الوحيد كان سرِقة الآخرين، وقد رآه آيدين وهو يسرِق أموال التلاميذ وأغراضَهم بحِرفيةٍ كبيرة، وإذا فضحَه هنا فستكون عاقِبَتُه فضيعة، ارتجَف صاحِب الذقن الحاد قليلاً وكأنّه يَنفي ادّعاء آيدين، لكنّه أذعنَ للأمر الواقِع وخرج من الصف فدخَل آيدين مكانَه، وهذ الفِعل لم ينجُ مِن أعيُن المُشرفين الثلاثة لِأنه حدث أمام أعيُنِهم تقريباً، ونفس الشيء بالنسبة للتلاميذ الآخرين حيث اعتقدَ بعضُهم بأن آيدين قد هدّد صاحب الذقن الحاد اعتِماداً على هويَتِه الغامِضة.

خرج صاحِب الذقن الحاد وبدأ يرجِع إلى آخر الصف فجذَب آيدين شاباًّ ضخماً أمامَه وقال له

"تفقّد جيوبَك فقد سُرِقت"

عبس الشاب الضخم واسودّ وجهُه عِندما وجدَ جيوبَه فارِغة، نظر بِغضبٍ نحو آيدين فابتسم وأشار إلى صاحِب الذقن الحاد، خرج الشاب الضخم من الصف وصرخ

"أعِد لي مالي أيها اللعين"

صرخ عليه ثم انقضّ نحوَه وبدأ يُلاحِقُه، وفي نفس الوقت بدأ المُرشّحون يتفقّدون جيوبَهم تلقائياً قبل أن يخرُج العشرات من الصف ويبدؤوا بِمُلاحقة صاحِب الذقن الحاد، إلا أن آيدين صرخ عليهِم بِقوّة

"إنه ليس اللص الوحيد هنا ... هُناك لصوصٌ آخرون"

بعد هذه الإشارة.. بدأ الجميع يشكّون في بعضِهم البعض، وما هي إلا ثوانٍ قليلة حتى تحوّل النظام إلى فوضى، ابتسم آيدين عِندما انكسر الصّف ولم يبقَ أمامَه أحد، وكان واثقاً مِن حدوث هذا لِأنه رأى العديد من اللصوص وليس صاحِب الذقن الحاد فقط، نظر نحو المُشرِفين ثم تقدّم نحوَهم وأعطاهُم خِطاب التوصية الذي تركَه له عمّه مع فايري، نظر إليه المُشرِفون الثلاثة بِجمودٍ قبل أن يقول أوسطُهم

"هل تعتقِد بأن ما قُمتَ بِه أمرٌ جيد ؟"

ابتسم وقال بِهدوء

"ما أعلمُه هو أن السرقة ليسَت أمراً جيداً، أليس كذلك ؟"

صمت المُشرِف قليلاً واختلس النظر على أحد زملائه، ومع جمود تعابيرِهم إلا أن دهشتَهُم لم تُفلِت من الرؤية التحليلية، وقبل أن يُجيبوا.. أضاف آيدين

"ثم.. أليس من الأفضل استغلال هذه الفوضى لِأخذ قِسطٍ من الراحة ؟"

نظر إليه المُشرِفون الثلاثة لِبعض الوقت ثم ابتسم أوسطُهم وردّ إليه الرسالة وهو يقول

"أنت مُحقّ، سنأخُذ بعض الوقت للراحة، وأنت ستنتظِر مع زملائِك حتى الدورة القادِمة في الغد"

عبس آيدين لأن الأمر قد انقلَب عليه، لكنّه لم يستسلِم وإنما عاوَد الابتسامة ثم قال

"هذا جيدٌ أيضاً، مَن يدري ما قد يحدُث للصفّ في الدورة القادِمة ؟"

عبس الثلاثة فوراً لِأنهم لا يُريدون رؤية مِثل هذه الفوضى مرةً أخرى، وإذا تركوا آيدين في الخارِج فقد يفتعِل لهم مُشكِلةً جديدة، تنهّد أوسطُهم ثم قال

"دعني أرى توصِيتَك أولاً، فإما نقبلُها فتدخُل أو نقطعُها فترحَل"

ابتسَم ومدّ رِسالتَه إليه، فتحَها المُشرِف فتغيّرَت تعابيرُه وهو يعرِضها على زميلَيه، وبعد صمتٍ قال

"نحن في العادة لا نتلقّى تلاميذ من الدول العظمى، لِمـ.."

وقبل أن يُكمِل.. تراجع آيدين للخلف وقال بِطريقةٍ مخلوطةٍ بين النفي والاعتذار وقليلٍ من الذّعر

"لا لا لا، أنا لستُ من خارِج تحالُف الخمسة زائد واحد، كل ما في الأمر أني أنقذتُ رجلاً غريباً كاد يموت عطشاً فأعطاني هذه التوصية"

تنهّد المُشرِفون الثلاثة لِأن الأمر لم يرقى إلى مخاوِفهم، ولو كان آيدين مِن إحدى الدول العُظمى لهزّ هذا الخبرُ تحالُف الخمسة زائد واحد المُكوَّن من الدول الخمسة بالإضافة إلى مدينة أرَوان، ومع ذلك.. قال أوسط المُشرفين

"هل لي أن أرى هويتَك ؟"

أخرج آيدين هويتَه مِن جيبِه وأعطاها له، تأكّد أخيراً بِأنه مِن تحالُف الخمسة زائد واحد فردّ إليه بِطاقة الهوية ثم أخرج شارةً سوداء وقال له

"خُذ هذه معك إلى قاعة الإرشاد لِتوجيهِك، ولا تفتعِل المزيد من المشاكِل"

ابتسم وأمسك الشارة ثم دخل إلى المدرسة في الوقت الذي كان فيه العشرات يتعاركون ولم يعُد أحدٌ يهتمّ بالصفّ، نظر إليه المُشرِف الأوسط ثم قال لِزميلَيه

"يبدو أننا قد حصَلنا على عبقريٍّ آخر"

نظر المشرف الثاني إلى رسالة التوصية ثم قال

"نحن في العادة نتّصِل بِصاحِب رسالة التوصية للتأكّد مِنها، لكن.."

قال الثالث

"سيكون من الجنون الاتّصال بِدولةٍ عُظمى، ماذا إن كان صاحِبُها مِن إحدى العشائر العظيمة وأراد العبث معنا في وقت فراغِه ؟"

قال أوسطُهم

"الأمر ليس في أيدينا الآن، دعوني آخذ التوصية إلى المُدير وهو مَن سيُقرّر ماذا يفعَل بِها"

2020/02/29 · 964 مشاهدة · 1130 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024