16 - التصرّف بِموضوعية ؟

{لا أعرف}

استغربَ آيدين مِن كَون فايري لا تعرِف رغم أنها موسوعةٌ مُتنقّلة ولديها ارتباطٌ بالشابِكة، لكنّه أدرَك شيئاً ما وفتح فمَه قليلاً قبل أن يبتسِم وينظُر إلى الفتاة الخبيثة بينما ينتظِر انتهاء مدّة السؤال، ويبدو بِأن المجموعات التّسعة كانت مُنعزِلةً فيما بينها لإيجاد الجواب الصحيح رغم أن مجموعةً واحدةً فقط هي المُطالبَة بالإجابة، وبعد عشر دقائق.. قال

"المجموعة التاسعة، قدّموا الجواب الذي اتّفقتُم عليه"

نزلَت كلمات آيدين مثل الجِبال على أعضاء المجموعة التاسعة لأنهم كانوا في وسط الجِدال ولم يصِلوا إلى جوابٍ مُوحّد، ومع ذلك لم يرغبوا بإظهار الضّعف أما المُدرّس، لذلك قدّموا أكثر جوابٍ مُتّفقٍ عليه حيث تقدّم أحدُهم وقال

"لأن العقل بِحاجةٍ إلى العمل الدائم حتى لا يموت"

نظر الجميع إلى الفتاة بينما نظرَت هِي إلى آيدين وسألَته

"لو سألتُك أنتَ فماذا سيكون جوابُك ؟"

نظر إليها طويلاً وصار مُتأكّداً بأنها تستهدِفُه، وبعد هدوءٍ قال لها

"اِستديري، سأكتُب جوابي على اللوحة"

استدارَت بِدون نِقاش فتراجَع إلى الخلف وكتب على اللوحة كلمتَين فقط وهما "لا أعرف"، استغرَب الجميع مِن الجواب لكنهم لم ينبِسوا بنصف كلمة، نظر آيدين إلى الفتاة وقال

"أخبرينا بالجواب"

قالت وهي تستدير

"لا أحد يعرف لماذا نحلُم، العلم لم يستطِع تفسير السبب الحقيقي لِأن الأحلام ليست مُجرّد أفكارٍ وإنما أحياناً قد نحلُم بِكارثةٍ قريبة أو نرى وجه شخصٍ لا نعرِفه"

استدارت ورأت جوابَه فابتسمَت قليلاً لِدرجة أن آيدين لم يكُن لِيرى ابتسامتَها بِدون تعزيز الرؤية.

ضجّت القاعة فجأة وبدأ الجميع يتناقشون حول الجواب الصحيح وما إذا كان هناك جوابٌ آخر غير هذا، استمر هذا حتى قال الأمير رايفوس

"هذا ليس الجواب الصحيح، لكنّه أفضل جوابٍ موجود لِـهذا السؤال، انتقِلوا إلى السؤال الثاني ولا تضيّعوا المزيد من الوقت"

حينها فقط بدأت الأوضاع تهدأ لِأن الجميع لا يُريدون التصادُم مع الأمراء، طأطأت المجموعة التاسعة رأسَها وتراجعَت إلى الكراسي بِخيبةٍ فتقدّمت الفتاة نحو المجموعة الثامنة وسألتهم

"لماذا يوجد 'شيء' بدلاً مِن 'لا شيء' ؟"

دخلَت المجموعات في صراعٍ جديد حتى مرّت عشر دقائق فقال مُمثّل المجموعة الثامنة

"لأن الكون يعتمِد على وجود الأشياء، فعدَم وجودِها لا معنى له لأننا لن نكون هنا الآن لو كان 'الشيء' عبارةً عن 'لا شيء' "

استدارَت مُباشرة وقالت

"ما هو جوابُك أنت ؟"

تنهّد آيدين لِأن هذه الفتاة الغريبة لا تُريد إخفاء استهدافِها له، لكنها بِهذه الطريقة كانت تتسبّب له بالإزعاج حيث صار وكأنّه شريكُها في الجريمة، خاصةً عِندما يعلمون بأنه ليس مُدرّساً حقيقياً، وعلى أي حال.. كتب شيئاً على اللوحة ثم طلب مِنها تقديم جوابِها فقالت

"لأنه لا يوجد ما يُسمى 'لا شيء'، فمجرد الإشارة إلى 'لا شيء' تجعل مِنه شيئاً"

استدارَت فوجدَت على اللوحة عبارةً قصيرة "لأنه لا وجود لِـ 'لا شيء' "

عبس الجميع مرةً أخرى وفعلوا مثل السابق لأن أسئلتَها كانت غامِضةً وفلسفية، لكنّهم لم يعترِضوا ما دام جوابُها مثل جواب المُدرّس، لذلك استمرّت المُسابقة وفي كل مرّةٍ تربَح الفتاة وتصعَد للأعلى حتى وصلَت أخيراً إلى النبلاء، وكان آيدين قد تعرّق جبينُه لِأن هذه الفتاة كانت تعتمِد على نفسِها بينما كان هو يعتمِد على فايري، ما يعني بأن الفرق بينهما سيكون كبيراً جداً لو كان يعتمِد على نفسِه أيضاً، لكنّه ليس بالخَلوق الذي قد يتوقّف عن استخدام فايري لأنه سبق وحصَل على جُزئه الخاص من العذاب في السنوات الماضية قبل أن يحصُل على مثل هذا الحظ.

وصلَت إلى النبلاء وطرحَت عليهم سؤالها

"ما هو الوعي ؟"

وما هي إلا دقائق حتى هُزِمَت مجموعة النبلاء أيضاً، لكنّهم هذه المرة هُزِموا بِسبب عدم اتّحادِهم حيث انقسموا إلى خمس مجموعاتٍ حسب الدّول التي ينتمون إليها، وكان لدى كل مجموعةٍ جوابُها الخاص، لذلك مرّ عليهِم الوقت دون الإجابة، وعِندما حاول بعضُهم تقديم الجواب تم اعتراضُه من المجموعات الأخرى، ما جعل آيدين يعتبِرُهم خاسرين.

وصلَت الفتاة إلى المجموعة الأخيرة قبل آيدين، نظرَت إليهِم بِطريقةٍ جعلَت آيدين يتفاجأ لأنه اكتشَف كُرهاً عميقاً في ملامِحها الثابِتة، وبالطبع لم يكتشِف الأمراء مثل هذه التغيّرات البسيطة، خاصةً أنهم كانوا ينظرون إليها كمادةٍ جيدة للاستيلاء عليها لِأن شخصاً بمِثل قدراتِها يجب أن يخدُم الدولة وألا تضيع مواهِبُه هباءً، نظرَت إليهِم بِصمتٍ لِوقتٍ طويل قبل أن تطرَح سؤالها

"هل يستطيع الأمراء التعامُل بِموضوعيةٍ مع المواطنين وباقي الأجناس الضعيفة ؟"

نظر الأمراء الثلاثة إلى بعضِهم البعض وتوصّلوا بِسرعةٍ إلى الجواب حيث قال الأمير رايفوس

"نعم، لِم لا ؟"

كان هذا جواب الأمراء لأن الجواب بِـ 'لا' يعني بأنهم ظالمون، وهذا شيءٌ أسوأ بِكثير من خسارة مائة ألف عملة حمراء، كما أنهم يعتقِدون حقاً بِأنهم يتعاملون بِموضوعية مع باقي الأجناس حيث يضعون كل جنسٍ في المكان الذي يستحقّه.

عبسَت الفتاة قليلاً ثم نظرَت نحو آيدين وقالت له

"إن كان جوابُك هو 'نعم' مِثل الأمراء فسأقبل خسارَتي"

تجمّد آيدين في مكانِه لِأن هذه الفتاة الخبيثة كانت تُلقي بِه إلى الهاوية، فجميع الأجناس الضعيفة تعرِف عن ظُلم الأمراء، لكن التصريح بِمثل هذا يعني مُعاداة الأمراء والملوك، لم يعرِف لِماذا تُريد هذه الفتاة إجبارَه على التصريح بمِثل هذه الكلمات الخطيرة، لكنّه بالتأكيد لن يُجامِل الأمراء ويقول بأن جوابهُم صحيح ما دام خاطئاً، لذلك نظر إلى الأمراء الثلاثة وقال

"الجواب الصحيح هو 'لا'، لأنه لا يوجد أي شخصٍ يتعامل مع الآخرين بِموضوعية، والسبب هو أن هذه الكلمة فضفاضةٌ جداً، وما يراه أحدُنا موضوعيةً قد لا يكون كذلك عِند الآخرين لِأن كل شخصٍ لديه قناعاتُه الخاصة، وقد رأينا قبل قليلٍ كيف انقسمَت مجموعة النبلاء رغم أنهم كانوا جميعاً يتعاملون بِموضوعية، ونفس الشيء عندما تتصارع مُختلف القِوى فيما بينَها وكلُّ طرفٍ يدّعي الموضوعية، لذلك.. تتقدّم التلميذة إلى آخر جولة"

اتّسعت عينا الفتاة قليلاً لِأن آيدين قد خرج مِن الفخ دون إثارة غضب الأمراء حيث لم يتّهِمهم مُباشرةً وإنما شرَح الأمرَ مِن نطاقٍ واسِع، وما فاجأَها أكثر هو استعداد الأمراء للخسارة حيث كانوا قد قرّروا في وقتٍ سابق التبرّع بالمال للمُدرِّس حتى يكسِبوا ودّه ويجِدوا حليفاً جديداً في مدرسة أرَوان، وبعد تراجُعِهم.. قال آيدين للفتاة

"ما اسمُك ؟"

قالت

"تالين"

رفع آيدين حاجِبَيه عندما ظهرَت كلمة "كذب" فوق رأسِها، ابتسم بعدها وقال

"لا بأس إذا لم ترغَبي بإخبارِنا عن اسمِك، ما هو سؤالك لي ؟"

عبسَت بشدّة عندما اكتشَف كذِبها وبدأت تنظُر إليه وكأنّه شبَح، خاصةً أنه قد أجاب على جميع أسئلتِها السابقة للمجموعات الأخرى ويصعُب إيجاد سؤالٍ لا يستطيع الإجابة عليه، وبعد ثوانٍ من الجمود.. قالت

"أنت لستَ مثل أي شخصٍ آخر هنا، لذلك.. ما رأيُك بِمُسابقةٍ في مهارات الحِفظ ؟"

ابتسَم آيدين مِن أذنَيه لأنها وقعَت في خطأٍ كبير دون أن تدري، لكنّه لم يُظهِر لها شيئاً وإنما سألها بِطريقةٍ عادية

"ماذا نحفِظ ؟"

قالت

"كتابٌ عشوائي، ربما قد نجِد بعض الكُتب مع الحاضرين هُنا"

قالت الأميرة فلورا

"يصدُف أني أملِك نُسخةً حديثةً مِن إحدى الروايات الجديدة والتي لم تُنشَر بعد"

أخرجَتها مِن حقيبتِها وسلّمتها إلى تالين، أمسكَتها وقرأَت عُنوانها

"هكذا تفعلينَها بدون قلق"

عبسَت تالين قليلاً ثم قالت بِصوتٍ غير مسموع

"هل سيكون عليّ حِفظ هذا الهراء ؟"

ومع أنهم لم يسمعوها إلا أن آيدين قد سمِعها جيداً عبر تعزيز حاسة السمع، ابتسَم عليها في نفسِه ثم سألها

"كم تحتاجين من الساعات لحِفظها ؟"

ابتسمَت في قلبِها ثم أجابَته

"رُبع ساعة"

اتّسعَت عينا آيدين وتصنّع الصدمة كأنّه قد خسِر بالفِعل، وفي نفس الوقت تصاعدَت الضجّة من كل مكانٍ وعلِموا بأن آيدين سيخسَر أمامَها أيضاً، فبِسبب خسِارتِهم أمامَها.. كانوا في كل مرّةٍ يتمنّون لها الخسارة أيضاً، والآن اختفَى أملُهم الوحيد للانتقام.

جرّت تالين كرسياً وجلسَت عليه ثم قالَت بِنبرةٍ حزينةٍ بعض الشيء

"للأسف، أنا أملِك ذاكرةً تصويرية لا تنسى أي شيء"

_____________________
الشابِكة = شبكة المعلومات العالمية = مثل الإنترنت لكن طريقة عملِها مُختلِف

2020/03/01 · 924 مشاهدة · 1158 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024