"لا تعتَرضي طريقي مرّةً أخرى، أنا لا أملِك الوقت لِأمثالِك"

بِهذا عاتَب آيدين صاحبة السيف ثم غادر، راقبتهُ تالين بِنظرةٍ غريبةٍ حتى اختفى فقالت بِصوتٍ خافِت

"أنا ... آسفة"

سمِعها آيدين رغم بُعدِه لكنّه لم يهتمّ بِاعتذارِها كثيراً لأن شخصيّتها مُزعِجةٌ جداً، وسيكون من الأفضل أن تبقى بعيدةً عنه في المُستقبل، واصل طريقَه حتى وصل إلى الأشجار فاعتلى إحداها وبدأ مرحلة التأمّل لإيقاظ مركز الطاقة الذهنية، لكنّه للأسف لم يستطِع إيقاظَه حتى بعد ثلاثة أسابيع من التأمّل، بل ولم يستطِع حتى الإحساس بالطاقة الذهنية رغم مجهوداتِه والعقاقير الطبية التي كان يستخدِمها كل يوم.

بعد التأمّل لِأكثر من ساعتَين.. أحسّ بالإرهاق وقرّر التوقّف عن التدريب، استنَد إلى الشجرة ثم سأل فايري

[ألم تقولي بأن إيقاظ مركز الطاقة الذهنية لن يأخُذ أكثر من أسبوع ؟]

قالت

{هذا عِندما يكون مركزاً طبيعياً، لكنّك لستَ شخصاً مُباركاً وليس من الضروري أن تنجَح في استخدام الطاقة}

عبس وقال بنبرةٍ غاضبة

[ولماذا قد يُضحّي عمّي بِحياته لِأجلي وهو غير واثق ؟]

قالت

{عمّك كانت لديه أسبابه الخاصة لاختيارك وريثاً له، على الأقل جعلَك تعيش مثل المواطنين العاديّين عكس ما كنتَ عليه سابقاً}

صمت عندما سمع هذا وبدأ يتذكر ما مرّ بِه بعد قتل عائلته وجعلِه عبرةً للآخرين، ومع أنه قد تراجَع عن فكرة الانتقام بِطلبٍ من عمّه إلا أنه لن يُفضّل العيش كمواطنٍ عادي بعد الذي رآه، كما أنه لن يترُك الأجناس القوية تتنمّر عليه حتى وإن كان عليه القتال ضدّهم بدون قدُراتٍ فريدة.

.........................

في الصباح الباكر.. ضجّت الساحة العامة وسط المدرسة بالعُمال والموظّفين حيث كانوا يُجهّزون الساحة للامتحان السنوي والذي يُعتبَر أهم عاملٍ لِقبول التلاميذ، استيقظَ آيدين باكراً بِسبب نومِه في العراء، ورغم رغبتِه في إكمال نومِه إلا أن الضجة قد أزعجَته، لذلك أتى إلى الساحة وبدأ يُراقِب ما يحدُث، فجأةً.. رأى شويلّو قادماً وبين يدَيه صندوقٌ صغير فأسرَع نحوَه وأخذَه مِن يدَيه ثم سار بِجانِبه، رمقَه شويلّو من الجانب ثم قال له

"أنت ماكرٌ يا صغير"

قهقه آيدين ثم قال

"لستُ أمكَر مِنك يا جدّي"

تنهّد شويلّو ثم قال

"كيف عرَفتَ بِشأني ؟"

قال آيدين بِدون خجل

"إنها البصيرة"

صمت شويلّو قليلاً لاعتِقادِه بأن آيدين سيُنكِر الأمر، لكنّه تصرّف عكس المُتوقّع تماماً، لذلك قال

"وما الذي أخبرَتك بِه بصيرتُك هذه ؟"

نظر إليه آيدين قليلاً ثم قال

"أخبرَتني بِأن المُدير سوف يَستجوِب راندر وأنّك سوف تهتمّ بِأمري"

كان هذا هو ما تحدّث عنه شويلّو والمُدير بالأمس، عبس شويلّو وأخرَج بعض الهالة حتى كاد يفضَح تنكّرَه لِأنه مُتأكّدٌ بأن آيدين لا يملِك القدرات الكافية لِسماع حديثِهما وهو بِذلك البُعد، ابتسَم آيدين وقال

"مهلاً يا جدّي، فأنا لا أنوي شراًّ بِك أو بالمدرسة"

تغيّرت نبرة شويلّو وهو يسألُه

"كيف سمِعتَ ما قُلناه أنا والمُدير ؟"

قال آيدين بينما يهزّ الصندوق قليلاً

"ثلاثة خناجِر صغيرة مَصنوعة مِن معدنٍ خفيف ولا تصلُح للقِتال، ثلاث أوسمة مُختلفة الوزن والحجم، ثلاث زُجاجات وفي كل زجاجة حوالَي عشرين حبّة من العقاقير الطبّية، مِن رائحتِها فهي في الغالب عقاقير 'الأساس الثابِت' المشهورة والمُخصّصة لِرفع التدريب مِن مستوى الإيقاظ إلى مستوى النشاط، هل يُفترض بِهذه أن تكون جوائز الرابحين ؟"

كان يتحدّث بينما تتغيّر تعابير شويلّو لأنه هو الذي أعدّ هذه الجوائز بِيده قبل دقائق قليلة، ويستحيل معرفة مُحتوياتِها لأنه كان وحيداً عِندما أعدّها وأغلق الصندوق عليها، وفي الحقيقة.. كانت تعابير آيدين مُتغيّرة أيضاً لأنه لم يعتقِد بأن فايري تستطيع استكشاف ما في الصندوق فقط عبر الوزن وصوت تلاطُم الأغراض والرائحة المُنبعِثة مِنها، وهذا يدُلّ على أن الحواس البشرية أكثر حساسيّةً مِن إدراك العقل البشري.

توقّف شويلّو وسأل آيدين بِنبرةٍ تهديدية بعض الشيء

"مَن أنتَ يا هذا ؟"

ابتسم آيدين ثم قال بِهدوء

"أنا مُجرّد موهوب ولا أُجيد غير هذا، لِحدّ الآن"

صمت شويلّو طويلاً حتى قال

"أنا لا أشعُر بأي ذرّةٍ من الطاقة في جسدِك، كيف فعلتَها بِدون طاقة ؟"

تنهّد آيدين ثم قال بِحُزن

"أنا لا أدري إن كنتُ أملِك القدرة على استخدام الطاقة يوماً ما، وربما يكون هذا يَومي الأخير في مدرسة أروان، وكل مواهبي الحالية هي أني وُلِدتُ بِحواسّ حادّة، فأنا أستطيع رؤية وسماع وشمّ ما لا يستطيعُه الآخرون، وحتى راندر قد تغلّبتُ عليه لِأني أحسَستُ بِه وتوقّعتُ هجومَه، ولو كان مُنتبِهاً لما استطعتُ أذيّتَه بتِلك الطريقة"

أخيراً.. وصل شويلّو إلى السؤال الجوهري

"لِماذا تُخبِرني كل هذا ؟"

تنهّد آيدين ثم قال

"ربما لأني أردتُ شخصاً أحتَمي بِه بعد ما فعلتُه مع الأمراء والنبلاء، خاصةً بعد هجوم راندر عليّ بدون سبب، لكني تسرّعتُ على ما يبدو، فحينها كنتُ خائفاً مِن إدارة المدرسة ولم أعلم بأنك على علاقةٍ جيدة بالمُدير، كما أني لم أعلم بأن يوم الاختبار قد وصل بهذه السرعة، على أي حال.."

تنهّد مرةً أخرى ثم سلّم الصندوق إلى شويلّو وأراد الانصراف، إلا أن شويلّو سألَه باستغراب

"لماذا لا تبدو واثقاً مِن نفسِك ؟"

هزّ رأسَه وغادر وهو يقول

"إنها البصيرة يا جدّي ... إنها البصيرة"

نظر إليه شويلّو باستغرابٍ وهو يُغادِر ثم ابتسَم لِأنه لم يسبِق له رؤية شخصٍ مثل هذا في حياتِه الطويلة، هزّ الصندوق الذي بين يدَيه ثم قال في نفسِه

'هناك أشياء في الصندوق لم يستطِع رؤيتَها لأنها لا تُصدِر أي صوت وليس لها رائحة أو وزن، هل ما كان يقوله صحيح ؟'

رفع رأسه ونظر إلى آيدين وكان بعيداً جداً فقال له بِصوتٍ مُنخفِض

"إذا سمِعتني فاستدِر"

فجأة.. استدار ونظر إليه مِن بعيد، حينها فقط بدأ شويلّو يُصدّقه لأن وجود مِثل هذه الحواسّ يُعتبر نادراً جداً، وحتى إن حظِي أحدُهم بمِثل هذه المُباركة فلَن تكون جميعُ حواسّه مُعزّزةً مثل آيدين، كما أن الساحة كانت مليئة بالضجة ومع ذلك استطاع آيدين سماعَه واستدار إليه حسب طلبِه، وفي الحقيقة فليس آيدين هو الذي سمِعَه وإنما فايري هي التي تُحلّل كل ما يسمَعه أو يراه آيدين، بل وحتى باقي الحواسّ تقوم بِتحليلها على الدوام لأنها صارَت جُزءً من الجهاز العصبي وكل شيءٍ يمرّ خِلالها، لكن شويلّو لا يدري هذا، لذلك جرّبَه مرةً أخرى قائلاً

"سنُكمِل حديثَنا لاحقاً، إذهب الآن"

فجأة.. أومأ آيدين نحوَه ثم غادر، ابتسَم شويلّو عندما تأكّد مِن ادّعاءات آيدين ثم غادَر هو أيضاً لِتسليم الصندوق إلى لجنة التحكيم وكان قد قارَب وقت الامتحان.

بعد ساعة.. اصطفّ التلاميذ الجُدد وسط الساحة وكان عددُهم أكثر من ستمائة تلميذ، وخارج الساحة كان يوجد أكثر من ألف تلميذ قديم، بالإضافة إلى عددٍ كبير من الموظّفين ورجال الشرطة وغيرِهم، كما توجد مِنصّةٌ يجلِس عليها المُدير ومجموعةٌ مِن كِبار المسؤولين والمُستشارين، وفي منطقةٍ أمام المنصّة كانت توجد طاوِلاتٌ معدنية غريبة الشكل، حيث كان على كل طاولةٍ بِلّورةٌ بيضاء كُرويّةٌ كبيرة ومُثبّتة، وقف مُمثل لجنة التحكيم وقال عبر مُكبّر الصوت

"سنبدأ الاختبار النهائي لهذه السنة، وسيكون أول نشاطٍ هو معرِفة نوع مركز القوة الذي تستخدِمونَه ومُحاولة إيقاظِه، لدينا خمسون طاوِلة، وأمام كل طاوِلةٍ مُوظّفٌ للمراقبة، فليتقدّم أول خمسين تلميذ جديد"

كان آيدين واقفاً في الخلف بين التلاميذ الذين لا يعرِفونَه لأنه لم يرغَب بإثارة الضجّة، تقدّم خمسون تلميذاً وكان بينَهم الأمراء والنبلاء الذين حصلوا على الكثير من التجارِب حتى قبل قدومِهم إلى مدرسة أروان، وقفوا أمام الطاوِلات فقال المسؤول

"مَن استطاع إضاءة ضوءٍ واحد سيكون تلميذاً خارجياً، ومَن استطاع إضاءة أكثر من ضوءٍ واحد فسيكون مِن بين الموهوبين وسنقوم بالاعتناء بِه جيداً، أما مَن استطاع إضاءة ثلاثة أضواء أو أكثر فسيكون مِن التلاميذ الداخليّين وسيُعامَل مُعاملةً خاصة"

توقّف قليلاً ثم أكمل الشرح

"الضوء الأحمر يعني إيقاظ مركز الطاقة البدائية وأنك قد أصبحتَ مُحارِباً، والضوء الفضّي يعني إيقاظ مركز الطاقة الذهنية وأنك قد أصبحتَ مُتلاعِباً، والضوء البنفسجي يعني بأنّك باعِث ولديك الإمكانيات لإنشاء مركز الطاقة الخارجية، وإذا كُنتَ محظوظاً فقد تحصُل على مركزَي طاقة، وحينها لا تهمّ عدد الأضواء لِأنك ستكون تلميذاً أساسياً تحت أحد المُستشارين"

أنهى مُمثل لجنة التحكيم شرحَه للتلاميذ الجدُد ثم قال

"ضعوا أيديكُم على البِلّورة التي أمامَكم ثم أرخوا دفاعَكم وسيتمّ اختبارُكم تلقائياً"

2020/03/03 · 861 مشاهدة · 1197 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024