"ضعوا أيديكُم على البِلّورة التي أمامَكم ثم أرخوا دفاعَكم وسيتمّ اختبارُكم تلقائياً"

سمِع التلاميذ الخمسون إرشادات مُمثّل لجنة التحكيم فوضعوا أيديهِم فوق البِلّورات الكُرويّة ثم أغلقوا أعيُنهم عِندما بدأت الطاقة تغزو أجسادَهم، وهذه العملية ستأخُذ بين دقيقةٍ وعشر دقائق حسب كل تلميذ، وأثناء ذلك.. شعر آيدين بأن أحدهُم يشقّ طريقَه نحوَه، نظر فإذا هي تِلك الفتاة من القطار الطائر، اقتربَت منه وقالت بِنظرةٍ خجولة

"مـ.. مرحباً، هل عُدتَ أخيراً ؟"

نظر إليها بِنظرةٍ بارِدةٍ فشعرَت بِإحراجٍ حقيقي وقالت بِتردّد

"أنـ.. أنا سايسي، كنتُ أبحث عنك لِطلب بعض النصائح منذ ذلك اليوم في القاعة، لكنّك اختفَيت بِدون أثر"

عبس آيدين عِندما شعر بِقلبه يهتزّ مرّةً أخرى كما سبق وحدث له في القِطار، وكان هذا مُزعِجاً لِشخصٍ باردٍ مِثلِه، ومع ذلك سألها

"نصائح ؟ ... بِخصوص ماذا ؟"

طأطأت رأسها قليلاً ثم قالت بِخجل

"ربما.. من الأفضل أن.. ما رأيك أن نلتقي لِوحدِنا بعد الاختبار ؟"

اقشعرّ جسدُه قليلاً واستغرَب مِمّا يحدُث له، فمع أنها كانت فتاةً جميلةً جداً إلا أنها ليسَت أول جميلةٍ يراها، وفي هذه اللحظة.. تدخّلت فايري قائلةً بِنبرةٍ تحذيرية

"لقد دخلَت مادةٌ مُهيّجة جِنسياً إلى جسدِك عبر الهواء، لابد بِأنها تستخدِم غازاً مُهيّجاً لا رائحة له"

عبس على الفور عِندما أشارَت الرؤية التحليلية إلى سِوارٍ على يد سايسي رغم أن فايري لم تكُن واثقةً تماماً بأن الغاز المُهيّج يأتي مِنه، ومع ذلك.. كانت هذه الإشارة كافيةً له فمدّ يدَه نحو يدِها بخِفّةٍ ونزع السوار بِقوّةٍ ثم رماه بعيداً، تغيّرَت ملامِح سايسي وصرخَت بدون شعور

"كيااااه ؟"

انتبهَ الجميع إلى مصدر الصرخة، وما هي إلا ثوانٍ حتّى اجتمَع أكثر من عشرين شاباًّ حول آيدين يُريدون الفَتك بِه، استغرَب مِن أعيُنِهم الحمراء فقالت فايري

"يبدو بأنك لستَ المُصاب الوحيد مِن هذا الغاز المُهيّج"

كانت سايسي تنشُر الغاز في المنطقة التي يوجَد بِها آيدين للإطاحة بِه عاطفياً عبر كلِماتِها المعسولة وحركاتِها المُغرِية، أما اهتياج الآخرين فليس مُهماًّ لها لِأن الغاز لا يُفقِد الذكور عقولَهم تماماً وإنما يُغيّر نظرتَهم نحوَها فقط، كما أنهم سيهتمّون بالفتيات الأُخريات عِندما تُغادِر أنظارَهم، لكن خُطّتها لم تُفلِح مع آيدين وإنما جعلَت الآخرين ينتفِضون ضدّه.

انتبهَ المُشرِفون إلى ما يحدُث فتدخّلوا وفرّقوا التلاميذ مع عِباراتٍ زَجريّة لأن التلاميذ الخمسين يحتاجون إلى الهدوء أثناء الاختبار، ومع أن الأمر قد مرّ بِسلامٍ إلا أن الجميع قد انتبهوا إلى آيدين بعد أن كان مُتخفّياً بين الذين لا يعرِفونَه، وكان بين الناظرين إليه من يُريد التقرّب مِنه للحصول على ولائه ومَن يُريد مُصاحبتَه أو الفَتك بِه، بالإضافة إلى مجموعةٍ من الفتيات اللواتي يُرِدنَ الإطاحة بِه قبل الأُخريات، ومع غضبِهنّ مِن الحركة الاستباقية التي قامَت بِها سايسي إلا أن آيدين قد رفضَها على ما يبدو، لذلك لا تزال فُرصة الحصول عليه سانحةً أمامهنّ.

في مكانٍ بعيد.. كان يقِف شويلّو حيث راقب كل حركات آيدين مُنذ افتِراقهِما لاهتِمامِه به، وبِطريقةٍ ما.. فقد حصل على ذلك السّوار الذي رماه آيدين بعيداً، نظر إليه باهتِمامٍ واستشعَر عبر هالتِه وخِبرتِه ما كان يتسرّب منه، وبِدون حركة.. تحوّل السوار إلى غُبار ثم نظر إلى آيدين وقال في نفسِه

'حتى هذا قد استطاع الشعور بِه بِدون طاقة ؟ ... غريب ... غريبٌ جداً'

وفي هذه اللحظة.. تحوّلت جميع الأنظار إلى طاوِلات الاختبارات عندما ظهرَت ثلاثة أضواء قويّة في البلّورة الكُرويّة الخاصة بالأمير رايفوس، وكان أحد الأضواء أحمر اللون والآخران باللون الفضّي، صاح الجميع من الجمهور

"رائع، إنه عبقري يستخدِم مركزَي طاقة"

"سيكون مُتلاعِباً ومُحارِباً في نفس الوقت"

"يبدو بأنه موهوبٌ في الطاقة الذهنية أكثر من الطاقة البدائية"

وأثناء ذلك.. أُضيئَت بِلّورةٌ أخرى وكان عدد أضوائها أربعةٌ باللون البنفسجي، نظر الجميع إليها وكانت الأميرة فلورا، صاح الجمهور مرةً أخرى

"يا إلهي، إنها إنها عبقريةٌ في الطاقة الخارجية"

"ستكون باعِثةً بارعة"

"الأمراء دوماً في المراتِب العُليا، يا لِحظّهِم"

"أنظروا.. إنه الأمير سامهي"

في هذه اللحظة.. بدأت الأضواء تنطلِق من طاوِلة الأمير سامهي وكان قد أضاء ثلاثة أضواء حمراء، وهذا يعني بِأنه سيكون مُحارباً، وبِهذا كان الأمراء أول مَن اجتاز الاختبار بِسبب كَون أجسادِهم قد عولِجَت بِالطاقة الذهبية مُنذ وِلادتِهم حيث تَستخدِم الأجناس القوية مثل الأمراء والنبلاء والتّجار الأصليّين طُرقاً سرّية وطاقةً خاصةً لِمُعالجة مواليدِهم حتى يكونوا أقوياء، بل وبعضُهم يقومون بِقتل المواليد الذين لم يتأقلموا مع الطاقة الخاصة بالعائلة لأنهم سيكونون عالةً عليهِم عِندما يكبرون، لكن بعض الأجناس مثل التجار لا يقتلون أبناءَهم وإنما يجعلونَهم يعملون في الأعمال العادية والشاقة مثل أي عاملٍ آخر ولا يرِثون أموال العائلة.

استمرّت الاختبارات وكان النبلاء مثل الأمراء في المواهِب رغم اختلاف أجناسِهم حيث صار ثلاثة نبلاء تلاميذ أساسيين مثل الأمير رايفوس، بينما حصل الآخرون على نتائج قريبة من الأميرَين سامهي و فلورا، أما باقي التلاميذ فقد كانوا أقل من الأمراء والنبلاء، بل وكان بينهم أكثر من عشرة فاشلين لم ينجحوا في إضاءة ضوء كامل، حيث المواطن العادي يستطيع إضاءة ضوءٍ غير كامل بشكل طبيعي، وهذا يعني بأنه غير مُبارك.

تم عزل الخاسرين في منطقة مُخصّصة وكانت تعابيرهُم سيئة جداً لِأنهم جاؤوا بأحلامَ كبيرة، ورغم أن أغلبهم كانوا قد جربوا مثل هذا الاختبار عدة مرّات منذ قدومهم إلى المدرسة إلا أنهم لم يفقدوا آمالهم إلا بعد اختبار اليوم.

وقَف الفائزون في عِدّة مناطق حسَب نتائجِهم حيث وقف التلاميذ الأساسيون في مكانٍ واضِح خلاف المجموعات الأخرى، وهذا جعل فلورا و سامهي في حالةٍ نفسيةٍ مُعقّدةٍ كَون رايفوس قد تغلّب عليهما، ونفس الشعور كان يختلِج في صدور النبلاء والتجار الأصليِين مع مَن يُوازيهِم في المرتبة الاجتماعية.

واصلَت المجموعات اختباراتِها وكانت نتائجُها مُتفاوِتةً مِثل المجموعة الأولى، استمرّوا على هذا حتى أتى دور المجموعة ما قبل الأخيرة وكانت فيها سايسي و تالين، اهتمّ بِهما آيدين رغبةً في معرِفة مُستوياتِهما، وأثناء ذلك.. شعر بنظراتٍ قاتِلة تأتي نحوَه مِن شابٍّ بعيد، نظر إليه عبر الرؤية التحليلية فقالت فايري

{هُناك تشابُه بينَه وبين تالين، ربما يكون أخاها الذي ذكرَته أمس}

لوَى آيدين فمَه ثم قال

[ليس لديّ نيّةٌ في التصادُم مع أحد، لكني لن أتراجَع إن كان مُصراًّ على القِتال]

ردّ بصرَه نحو طاوِلات الاختبار قبل أن تنطلِق سبعة أضواء حمراء مِن طاوِلة تالين، فتح الجميع أفواهَهم لأنها كانَت الأولى التي تستطيع إضاءة سبعة أضواء، ورغم أنها مِن نوعٍ واحِد إلا أن مُستقبلها القِتالي سيكون غير مُتوقّع، وهذا جعل المُصنَّفين كتلاميذ أساسيّين يَغارون مِنها بينما بدأت مُختلَف القِوى تُخطّط لِأفضل طريقةٍ للحصول على ولائها، أما آيدين فقد كان يتوقّع بأنها قويةٌ مُنذ رآها أول مرّة، لكنّه لم يتوقّع بأن تكون مُميّزةً إلى هذه الدرجة.

انتهَت المجموعة ما قبل الأخيرة وكانت لدى سايسي موهبةٌ عادية بِضوأين فضّيَين، ما يعني بأنها مُستخدِمة للطاقة الذهنية، لكنها لن تكون ذات سطوَةٍ بين الأجناس إذا لم تُقابِل بعض الحظوظ الجيّدة، انتهَت المجموعة فتقدّمَت المجموعة الأخيرة، ولِسببٍ ما فقد كان عدد أفرادِها واحداً وخمسين، لذلك اختار المُشرِفون خمسين تلميذاً وتركوا آيدين في الأخير بِسبب الضجّة التي أحدَثها قبل قليل، وهذا أعجَب الكثير من الحاضرين بِسبب اهتِمامِهم بهذا الطفل المُخادِع الذي جعل الأمراء والنبلاء أضحوكةً في يومِه الأول بِالمدرسة.

بعد رُبع ساعة.. كان قد مرّ الجميع وحصلَت المدرسة على أكثر مِن أربعمائة تلميذ من أصل ستمائة، وقَف الناجِحون في ستّ مجموعاتٍ مُختلِفة بينما وقف الخاسِرون في مكانٍ مُخصّص ريثَما يُسمَح لهم بِالمُغادرة حيث توجد فُرصٌ أخرى حتى للخاسرين.

وأخيراً.. تقدّم آيدين إلى إحدى طاوِلات الاختبار فبدأَت الصّيحات مِن الجمهور

"أنا أُشجّعك أيها العبقري"

"هيا.. أرِهم كيف يكون العباقرة"

"أنا أحبك يا آيدين"

ابتسَم قليلاً وشعَر بِالثقة ثم وضَع يدَيه على البلّورة الكُروية فأحسّ بأن طاقةً قويّةً تُحاوِل غَزو جسدِه، عبس قليلاً فقال له المُراقِب

"أرخِ دِفاعاتِك يا فتى حتى يتمّ اختِبارُك"

2020/03/03 · 881 مشاهدة · 1153 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024