"أرخِ دِفاعاتِك يا فتى حتى يتمّ اختِبارُك"

فعل آيدين كما طلَب منه المُراقِب فلَم يتغيّر شيءٌ وإنما ازدادَت حدّة الطاقة التي تغزو جسدَه، وفجأةً.. اختفَت الهالة التي كانت تَنبعِث من البِلّورة بدل أن تزداد وتتحوّل إلى ضوء، فتح عينَيه عِندما توقّفَت الطاقة عن التسرّب إلى جسدِه وعبس عِندما لم يرَ حتى نِصف الضوء الذي يُميّز الفاشلين، فعكس الجميع.. كانت البِلّورة خامِلةً وخامِدةً وكأنها مُجرّد حجرٍ عادي، لم يكُن آيدين هو العابِس الوحيد وإنما فايري أيضاً لم تفهَم ما يحدُث، ولو كانت لديها ملامِح بشرية لكانت قد عبسَت أيضاً عِندما قالت

{هذا غير عادي، ربما هذه البِلّورة لا تعمل ؟}

عبس المُراقِب أيضاً وتقدّم نحو البِلّورة ثم وضَع يدَه عليها لِبعض الوقت قبل أن يطلُب مِن آيدين إعادة الاختبار على بِلّورةٍ أخرى، أعاد الاختبار فحدَث نفس الشيء تماماً، هزّ المُراقِب رأسَه وقال

"آسف يا فتى، أنت لستَ مُباركاً"

فجأةً.. ضجّت الجماهير وتفاوتَت الصدمة حسب غرض كل واحدٍ مِنهُم، فالأمراء والنبلاء صاروا أشد عداوةً نحوَه كونَهم قد خُدِعوا على يد مُواطنٍ غير مُبارك، والفتيات شعرنَ بِالحظ لأنّهن لم يتسرّعنَ مِثل سايسي، وهذه الأخيرة شعرَت بأن ذكاءَها قد خانَها للمرّة الثانية، فهذه المرة كادَت تسقُط لأجل مُواطنٍ عادي، وفي المرّة السابِقة كادَت تقع لِذلك المُجرِم الهارِب، ولو علِمَت بأنه نفس الشخص فربما سيُغمى عليها من شدّة الغضب.

بالنسبة باقي المخدوعين من التلاميذ.. ازداد مقتُهم له وقرّروا أن يفتِكوا بِه مهما طال الزمن بِسبب المشاكِل التي سبّبها لهُم، أما تالين فقد كانت تعابيرُها غريبةً لأنها كانت واثقةً من كَون آيدين عبقرياً لا مثيل له، بل وكانت تعتبِرُه وحشاً لا يتكرّر، وحتى بعد هذه النتيجة المُخزِية.. بقِيَت على رأيِها وظنّت بأنه ربما يُخفي قوّتَه بِطريقةٍ ما، ليس لِشيءٍ وإنما فقط لأنها لم ترَ أحداً بمِثل موهِبتِه مِن قبل، أو ربما لأنه نجح في ترك ظلٍّ شيطانيٍّ في قلبِها بعد إذلالِها بتِلك الطريقة القاسية.

كانت تعابير المُدير وبعض المُستشارين غريبةً أيضاً لأنهم كانوا يتوقّعون منه الكثير، والوحيد الذي كانت لديه نظرةٌ مُختلِفة هو شويلّو الذي راقب كل شيءٍ مِن بعيد، لكنّه لم يقُل شيئاً وإنما ترَك الأمور تَجري طبيعياً ولم يتدخّل فيها، وفي هذه اللحظة.. كانت تعابير آيدين قاسيةً لِبعض الوقت وهو يسمَع عِبارات القدح القادمة من التلاميذ

"أرجِع لي مالي أو سألحَق بِك أينما هرَبت"

"هل هذا هو العبقري الذي يتحدّث عنه الجميع ؟"

"كيف وقع الأمراء في فخّ مِثل هذا الفاشل ؟"

"مع أنه وسيمٌ إلا أنه سيبقى مُجرّد مُواطِن، يا للأسف"

تجمّد آيدين في مكانِه قليلاً قبل أن يتصنّع الابتسامة ويُغادِر الساحة، لكنّه لم يذهَب نحو مجموعة الفاشلين وإنما اتّجهَ نحو البوّابة، أوقفَه المُراقِب وهو يقول

"اِنتظِر قليلاً، فحتى الفاشِـ.. أقصد.. حتى المُواطِنون يستطيعون البقاء في المدرسة لِتعلّم المِهن المُختلِفة"

هزّ آيدين رأسَه بِالرفض ثم اتّجه نحو البوابة، لم يمنَعه أحدٌ حتى وصل أخيراً إلى البوابة فألقى رمز التلميذ على الحارِس ثم خرج، نظر قليلاً نحو السماء ثم قال بِنبرةٍ حزينة بينما يبتسِم

[فايري.. ماذا أفعَل الآن ؟]

قالت

{ربما يحتاج جسدُك إلى فترةٍ أطول حتى تندمِج مراكِز الطاقة معه، لكني في الحقيقة لا أعلم أيضاً ما يحدُث لِأن مركز الطاقة الذهنية الذي أعطيتُه لك قد اختفى تماماً بعد اختِبارِك السابِق ولم أعُد أشعُر بِه، على أي حال.. أراد لك عمّك حياةً سعيدة، وترك لك العديد من الأشياء التي تستطيع استِخدامها لِضمان سلامتِك}

صمت آيدين طويلاً قبل أن يقول

[سأُغادِر هذه الأرض ريثما أملِك الوقت، فهؤلاء الأمراء لن يتركوني وشأني]

قصَد الشمال وبدأ بِالجري ريثَما يجِد عربة أجرةٍ نحو المِنطقة الشمالية التابعة لِدولة ساردينا، ومِن هُناك سيركب في مركبٍ تِجاري ويُغادِر تحالُف الخمسة زائد واحد، أما المكان الذي سيستقرّ فيه فلا يدري بعد، خاصةً أنه لا ينوي ترك مجال التدريب رغم هذه الصدمة، لأن الأمر قد يكون كما قالَت فايري وكل ما يحتاج إليه هو مزيدٌ من الوقت.

بعد نِصف ساعةٍ من الجري.. كان على أعتاب المنطقة الشمالية، ولم يكُن بينَه وبين الحدود الوهمية أكثر مِن ألف خُطوة، وفجأةً.. ظهر عشرة أشخاص مُلثّمين يركبون الزلّاجات الحوّامة، وهي مِمّا يركبُه مَن يُريد الإسراع في طريقِه بدل العربات الطائرة، وتعمَل بالطاقة البِدائية المُستخرجَة من بِلّورات الطاقة مثل سائر العربات، ومِن سُرعتِهم والسيوف الذي كانت في أيديهِم.. فهِم آيدين ما كانوا يسعَون إليه قبل أن تشرَح له فايري، خاصةً أن الوقت لم يكُن يسمَح بالشرح لأنهُم قد وصلوا إليه بالفِعل.

لم يعلَم آيدين مَن المسؤول عن هذا الهجوم، لكنّه بالتأكيد مِن زُملائه في المدرسة، وبِما أن الأمر حتميٌّ فقد قرّر إفراغ غضبِه عليهِم دون الاهتمام بالنتيجة، خاصةً أنه لا يستخدِم الطاقة ولا يعلَم مُستوياتِهم التدريبية، أخرَج خِنجرَين في لمحة عين ثم استقبَل أوّل مُهاجِمٍ وكان هجومُه بِضربةٍ أفُقيّة بالسيف مُستغلاًّ سُرعة الحوّامة، درَس حركتَه جيداً عبر الرؤية التحليلية وتلقّى السيف بالخِنجَر فحوّل اتّجاهَه، وبِهذا صار أقرَب مِن المُهاجِم الذي كان دون دِفاع، وبِضربةٍ سريعةٍ بالخِنجَر الآخر.. استطاع نحرَه فتطايرَت الدماء ولطّخَت صدرَه.

كان آيدين قد تدرّب على مُختلَف الفنون القِتالية عندما كان مع عمّه، فهو يستخدِم الخِنجر والسيف والعصا، بالإضافة إلى العديد من الأسلحة المُختلِفة ومِنها أسلِحة الشرطة والتي تعمل بالطاقة للتصويب عن بُعد، كما يستخدِم كِلتا يدَيه جيداً وبِنفس القوّة، والآن صار يملِك فايري التي تُعزّز حواسّه وتجعلُه يرى ويُحسّ بِكل شيءٍ حتى مِن خلف ظهرِه، لذلك استطاع نحرَ هذا المُهاجِم قبل أن ينتقِل إلى الثاني حيث قفز نحوَه وضغط على سيفِه بالخِنجَر حتى ألصقَه على صدرِه ثم رمى الخِنجر الآخر نحو المُهاجِم الثالث فاخترقَ جبهتَه، وقبل أن يسقُط المُهاجِم الثاني.. كان آيدين قد أخرَج خِنجراً ثالثاً مِن مخزن أغراضِه وغرزَه في كتِف خصمِه.

صرخ المُهاجِم الثاني بينما كان الاثنان يسقُطان على الأرض فاستغلّ آيدين الفُرصة وطعنَه عدّة مرّاتٍ حتى فارق الحياة، وقف ورمى خِنجرَيه على مُقاتِلَين آخرَين إلا أنهما استطاعا صدّهُما ولم يقعا في نفس خطأ المُهاجِم الثالث، ابتسم آيدين مثل الوحش وكان مُغطىً بالدماء، قذَف سيف المُهاجِم الثاني بِقدمِه نحو الأعلى ثم أمسكَه بِيدِه وقال

"ثلاثة مِن عشرة، كم عليّ أن أقتُل قبل أن تفهموا بأنكم لستُم خصوماً لي ؟"

نظر مُقاتِلان نحو بعضِهما البعض ثم هجما في نفس الوقت، إلا أنه تفادى الهجمتَين بِبراعةٍ قبل أن يظهَر خلفَهُما ويقطَع أحدهُما مِن ظهرِه، أما الثاني فقد أفلتَ مِنه بِأعجوبة، وفي هذه اللحظة.. سقط سيف أحد المُقاتلين الآخرين على ظهر آيدين بِقوّة، عبس وهرَب نحو الأمام لأنه وقع في خطأٍ كبير قد يُكلّفُه حياتَه، إلا أنه تفاجأ لِأن السيف لم يُسبّب له أي ألم، ومع أنه لم يفهَم ما يحدُث إلا أنه فكّر في جِلدِه الصناعي والذي اندمج سابقاً مع جسدِه وصار جُزءً منه، ومع أنه مثل الجِلد العادي إلا أن فايري كانت تتحدّث دائماً عن صلابتِه، وربما يكون هذا ما حدث وصدّ ضربة السيف.

نظر المُهاجِمون نحو بعضِهم البعض قبل أن يركَبوا زلّاجاتِهم ويَلوذوا بالفِرار لأن خصمَهم ليس كما قيل لهُم، لكن آيدين ليس مُتسامِحاً كثيراً حيث رمى السيف بِضربةٍ مثل الرمح فخرَق بِها ظهر أحدِهم ثم انقضّ على الثاني الذي كان قد نجا سابقاً مِن ضربتِه ولوى ذِراعَه فأسقطَه أرضاً، وبهذا كان قد قتل خمسةً مِنهم وأمسَك السادس بينما هرب الأربعة الآخرون، وسهولة هذه المعركة قد أنبأت آيدين بأنهم مُجرّد مُواطنين عاديّين ولا يستخدِمون الطاقة، وإلا لما كان قد فتَك بهِم بِهذه السرعة.

لوى آيدين ذِراع المُهاجِم بِسهولةٍ حتى كاد يكسِرُه، رفع حاجِبَيه قليلاً لأنه تفاجأ مِن كون قوتِه أكبر مِمّا كان عليه سابِقاً، لم يفهَم كيف حصل على مثل هذه القوة والصلابة إلا أنه فكّر في الهِبة التي وهبَها له عمّه مثل الجِلد الصناعي وعِظام الذهب العُضوي، بالإضافة إلى تداريبِه اليومية خلال الأسابيع الماضية، وعلى أي حالٍ فالوقت لم يكُن مُناسباً للتفكير في هذا وإنما بدأ يكسِر ذِراع المُهاجِم بِبطء، صرَخ المُهاجِم بأعلى صوتِه فتوقّف آيدين وسألَه

"مَن الذي أرسلَك ؟"

وقبل أن يُجيب.. رفع آيدين رأسَه وتغيّرَت تعابيرُه لِأن عدداً كبيراً من عربات الشرطة كانَت تتّجِه نحوَه مِن كل مكان، وما هي إلا ثوانٍ قليلةٍ حتى أحاطوه ولم يعُد بإمكانِه الهرَب، نزل رجال الشرطة مِن عرباتِهم وصوّبوا نحوَه أسلِحتَهم قبل أن يصرُخ عليه قائدُهم

"مكانَك أيها المُجرِم ... دَعه وانبطِح على الأرض ... الآن"

2020/03/03 · 887 مشاهدة · 1234 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024