"هل تُريد أن تكون تلميذي الشخصي ؟"

أجابَه آيدين بدون تفكير

"لا"

رفع شويلّو حاجبَيه استغراباً مِن سُرعة آيدين في الإجابة، ابتسَم آيدين ثم قال

"سيكون من الجيّد ألا تكون علاقتُنا كـ مُعلّم وتلميذ، الأفضل أن تكون علاقة فائدةٍ مُتبادَلة، أنا بِحاجةٍ إلى طرفٍ أستنِد عليه وفي المُقابِل سأُرجِع فضلَك بِأفعالي، وأنا شخصٌ لا ينسى فضل الآخرين عليه"

توقّف قليلاً فقال شويلّو

"جيد، هذا يُناسِبني"

استطرَد آيدين بِنبرةٍ عميقة عِندما تذكّر موت عمّه

"هكذا.. لن أحزَن عليك عِندما تموت"

نظر إليه شويلّو باستغرابٍ لِبعض الوقت قبل أن يومِئ بِرأسه فابتسم آيدين ثم سألَه

"ما هو المُقابِل الذي تنتظِرُه منّي ؟"

عبس شويلّو قليلاً ثم قال

"أنا في آخر أيامي، ومع أن الصغار لا يعرِفونَني إلا أن كِبار الدول الخمسة يعرِفون مَن أكون، وهُم ينتظِرون مَوتي على أحرّ مِن الجَمر حتى يستَولوا على أرَوان، كما أن قوّة تلاميذِنا قد تناقصَت كثيراً مُقارنةً بالتلاميذ مِن الدول الخمسة، وحُلمي هو إنتاج تلميذٍ قويّ لِرفع قوة أرَوان مِن جديد، حتى وإن كان هذا لِفترةٍ مُؤقّتة"

قطّب آيدين حاجِبَيه ثم قال بِعبوس

"وهل تعتقِد بأني أستطيع استخدام الطاقة مع حالتي هذه ؟"

قال شويلّو بِتردّد

"حالتُك غريبةٌ جداً ولَم أرَ مِثلَها مِن قبل، فلا يبدو وكأَن مركز الطاقة هو الجائع وإنما جسدُك بأكملِه، فالطاقة الذهنية مثلاً يجب أن يتمّ امتِصاصُها من مِنطقة الجبين، بينما قُمتَ أنت بامتِصاصِها مِن صدرِك، على أي حال.. سنقوم بِتغذِية جسدِك أولاً ثم نرى"

عاد شويلّو إلى خِزانتِه ثم قال

"للأسف.. لا أملِك سوى ثلاثين بِلّورة حمراء، ولا أدري إن كانَت ستكفيك أم لا، لكن لا تقلَق.. سأعوّضُك بالبلّورات البيضاء والصفراء"

قال آيدين

"أنا أملِك بعض المال، كَم سِعر البلّورة الواحِدة ؟"

هزّ شويلّو رأسَه ثم قال

"المُشكلة هي نُدرتُها وليس سِعرَها، فهي ليسَت موجودةً على أطراف القارة بِسبب بُعدِنا عن مركز جوهر الطاقة، ونادراً ما تظهَر في المزادات وتُباع بأسعار كبيرة قد تتجاوَز العشرة آلاف عُملة حمراء، وسبَب الرغبة فيها هي استِخدامها للمركبات والآليات حيث بِلّورةٌ واحدة تُغني عن مليون بلّورة صفراء، وعن مليار بلّورة بيضاء والتي تأخُذ مِساحةً كبيرة، أما التلاميذ فلا يحتاجون إليها لِأن البلّورات البيضاء أكثر مِن كافيةٍ لهم، هل فهِمتَ الآن لماذا وصفتُ جسدَك بالجائع ؟"

في العادة.. لَن يحتاج المُتدرّبون تحت مستوى التمكّن إلى البلّورات الصفراء لِأن بلّورةً بيضاء تكفيهِم لعدّة أيام، بينما آيدين امتصّ بِلّورةً حمراء في أقل مِن دقيقة، فكيف لا يرغَب شويلّو في أخذِه تلميذاً رغم كل المخاطِر المُحتملة ؟

فهِم آيدين حالتَه وتذكّر معركة عمّه ضد تِلك القلعة العملاقة، ما يعني بأن عمّه قد وصل تدريبُه إلى مُستوىً مُرتفِع جداً، والآن يُعاني هو مِن جوع مركز الطاقة الخاص بِعمّه، تنهّد ثم فتح المتجَر وبدأ يتصفّح أحجار الطاقة، وفجأةً.. وجد بأنه يستطيع شِراء ما يُريد مِن البلّورات الحمراء بسِعر مائة عملة حمراء للواحِدة، اتّسعَت عيناه وكاد يصرُخ مِن الفرحة، لكنّه تمالَك نفسَه وقال

"سـ.. سأجِد حلاًّ لِـهذه المسألة، لا داعي لِتضيِيع هذه البلّورات عليّ"

قال شويلّو

"أنا لن أحتاج إليها في هذا العُمر، لذلك خُذها واستخدِمها بِبُطءٍ لإيقاظ مركز الطاقة الخاص بِك، وإذا استطَعتَ إيقاظَه خِلال الأشهُر الثلاثة القادِمة فسأطلُب مِنك مُساعدة مدرسة أرَوان خِلال المُسابقة التي تُقام للتلاميذ الجُدد، فمَع أن التلاميذ قد يسبِقونَك في التدريب إلا أنك ماهرٌ كِفايةً حتى بِدون استخدام الطاقة"

تفاجأ آيدين لأنه لا يملِك أي معلوماتٍ عن هذه المسابقة التي يتحدّث عنها، لذلك سألَه فشرَح له

"هي مُسابقةٌ سنوية بين التلاميذ الجُدد في أرضٍ مهجورة، حيث يقوم التلاميذ بإنشاء فِرقٍ مِن شخصَين إلى خمسة أشخاص، ويعتمِد الرّبح على مَن يجمَع أكبر عددٍ من النقاط بِأخذ شارات التلاميذ الآخرين، وتُسمَح جميع الأساليب مثل السرقة والقتال وحتى القتل، لكن القتل لا يعني قتلاً حقيقياً لِأن مِنطقة الاختبار مُجهّزةٌ بنِظامٍ مُعقّد يقوم بإخراج أي تلميذٍ يتعرّض لِخطر الموت، كما يستطيع أي تلميذٍ الخروج بِنفسِه مِن المنطقة إذا شعر بِالخطر"

ابتسم آيدين عِندما فكّر فيما سيفعلُه بأولئك الأمراء والنبلاء، لكنّه تذكّر شيئاً ما فقال

"لكن.. أنا لستُ تلميذاً، كما أنك ذكرتَ بأن المُشاركة تكون بالفِرق وأنا وَحدي"

قال شويلّو

"سيتمّ تسجيلُك حين تُوقِظ مركز الطاقة الخاص بِك، أما الفريق فهذِه مُشكِلتُك أنت، جِد لها حلاً يُناسِبُك، كل ما يهمّني هو أن تفوز في المُسابقة"

ابتسَم آيدين بِسعادةٍ لِأن هذا هو ما أرادَه، لكن.. وقبل أن يفرح كثيراً.. شعر بِشيءٍ خفيٍّ يستهدِفُه خُفيةً مِن الجانِب، استدار لِتلقّي الضربة إلا أنها كانَت خفيّةً لأنها مصنوعةٌ من الطاقة الذّهنية، وقعَت الضربة على صدرِه وقذفَته بعيداً حتى ارتطَم مع الجِدار، سقط وبدأ يسعُل ثم نظر نحو شويلّو بِغضب، لكن هذا الأخير أومأ بِرأسِه ثم قال

"جسدُك أقوى مِن الجسد البشري العادي، ولهذا لم يجرَحك ذلك السيف، هذا غريبٌ حقاً"

اقترَب مِنه فشعَر آيدين بأن العديد مِن الأذرُع الخفيّة تُمسِك بِيدَيه ورِجلَيه وتسحبُه للأعلى، التصَق مع الجِدار وكان لا يلبِس قميصاً بعد أن رماه في وقتٍ سابِق، وفجأةً.. ظهر قوسٌ فضّيٌ حاد أمام صدرِه وصنع عليه جُرحاً طولُه شِبران، بدأت الدّماء تخرُج قبل أن يلتئِم الجُرح تلقائياً وتختفي الدماء، اتّسعَت عينا شويلّو ثم قال

"هكذا إذن، جسدُك يمنَع الضربات الخفيفة بينما يُعالِج جروحَه بِنفسِه، حتى أنا لا أستطيع مُداواة جروجي بِهذه السرعة، هل أنت وحش ؟"

فجأةً.. ظهرَت العديد من أقواس الطاقة وبدأت تقطَع صدرَه، وهذه المرّة.. نظر إلى وجه آيدين الذي كان غاضباً، لكن الشيء المفقود هو تعابير الألم، استغرَب شويلّو أكثر وسأله

"ألا تشعُر بالألم ؟"

صرخ عليه آيدين بِغضب

"ومن لا يشعُر بالألم ؟"

قال

"إذن.. لِماذا لا تصرُخ ؟"

ضحِك آيدين وقال بِسُخرية

"سبقَ وجرّبتُ الألم الحقيقي، أما هذا فهو لعِب أطفال"

قطّب شويلّو جبينَه طويلاً وأراد سؤالَه عمّا إذا كان ضحيةً للتجارب على البشر، لكنّه فضّل ألا يغوص أكثر في ماضيه حتى لا يفقِدَه، لذلك أرخى طاقتَه الذهنية وقال له

"أنت تملِك الكثير من الإمكانيات، سأعمَل على رِعايتِك جيداً طالما كان ذلك في استِطاعَتي، على أمل أن تجعلَني أرى أمجاد أرَوان قبل رحيلي عن هذا العالم"

نهض آيدين وشعَر بِبعض الدّوخة فقالت فايري

{تحتاج إلى بعض الراحة لأنك فقدتَ الكثير من الدماء}

ومع ذلك.. لم يجلِس آيدين للراحة وإنما اتّجَه إلى خِزانة شويلّو ثم قال لها

[اِبحثي لي عن بعض المُغذّيات، وأشيري لي على أي شيءٍ مُفيد حتى آخُذَه معي]

استغرَب شويلّو مِن فِعلِه هذا قبل أن يشعُر بالخطر لأن آيدين كان يأخُذ الزجاجات والأغراض مِن هُنا وهناك، سألَه شويلّو

"ماذا تفعل ؟"

قال

"أنت هاجمتَني دون إذني، وأنا آخذ ما أُريد دون إذنِك، سأحتاج إلى هذه لاسترجاع الدماء التي خسِرتُها"

صمت شويلّو قليلاً وبدأ يُراجِع ما أخذَه آيدين فلاحَظ بأنه اختار بعِنايةٍ ولم يأخُذ بِعشوائية، لذلك ابتسَم ولم يقُل شيئاً، انتهى آيدين ثم سأله

"كيف أصِل إلى الساحة مِن هُنا ؟"

قال شويلّو

"اِتبعني، سأعطيك مكاناً للسكن ومِفتاحاً لإحدى قاعات التدريب، لكن.. سيكون عليك تجهيزها لأنها في الغالِب ستكون مليئةً بالغُبار مثل هذه القاعة"

تبِعَه آيدين فشرَح له شويلّو الكثير مِن الأمور حول المناطِق الداخلية بِالمدرسة، كما طلب مِنه الابتعاد عنه في الساحة حيث لا يجِب أن يظهرا معاً لأن هذا سيزيد الخطر عليه، فشخصٌ يخافُه الجميع مثل شويلّو.. لا يجِب أن يتّخِذ تلميذاً، لذلك ستكون لِقاءاتُهما عبر فتراتٍ مُتقطّعة يتّفقان عليها، وأخيراً.. أعطاه شارة التلميذ مِن جديد طلب مِنه أن يجِد جواباً مُقنِعاً عِندما يسألُه التلاميذ الآخرون عمّا يفعلُه في المدرسة بعد فشلِه في الاختبار.

بعد ساعةٍ كان قد حصل على شقّةٍ صغيرة في المنطقة السكنية المُخصّصة للعُمّال والحرّاس والموظّفين الصغار، وكانت الشقة مليئةً بالغُبار وليس فيها أي أثاث، بدأ أولاً بِأخذ بعض المُنشّطات ثم قام بِتنظيف الشقّة طيلة النصف الثاني من اليوم، وفي المساء.. اغتسَل واشترى بعض الأغراض مِن المتجر مثل فِراشٍ للنوم وبعض الأواني المنزلية، وللأسف.. لا يستطيع شِراء الأغراض الكبيرة مثل السرير والكراسي والأرائك، لذلك سيشتريها لاحقاً مِن الأسواق الخارجية.

انتهى مِن كل شيءٍ ثم جلسَ أرضاً وأخرَج البلّورات الحمراء التي أخذَها مِن شويلّو وبدأ يمتصّ طاقتَها، وأثناء ذلك.. سأل فايري

[ما الذي قصدَه الجد شويلّو بِـ مركز جوهر الطاقة ؟]

2020/03/04 · 888 مشاهدة · 1216 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024