عاد آيدين إلى المنطقة السّكنية الخاصة بالعُمّال مباشرةً بعد إنهاء هدفِه باللقاء مع ماليان و تالين، وفي النصف الثاني مِن اليوم.. تعرّف على بعض جيرانِه وساعدَ بعضهُم في أشغالِهم وكأنه يعرِفُهم منذ وقتٍ طويل، واستمرّ بِهذه الطريقة لِأكثر مِن شهرٍ حيث كان يدخُل إلى منازِل الجيران ويلعَب مع صِغارِهم ويستفسِر عن مشاكِلهم ويُساعِد يافعيهِم في أمور الدّراسة..، وأحياناً يمنَح بعض الهدايا لِمُحتاجيهِم حتى صار محبوباً جداً في المِنطقة، بل حتى أن أغلب بنات العُمّال البُسطاء قد وقعنَ في حُبّه سراًّ، ومع أنه توجَد أكثر مِن ثلاثمائة عائلة في تِلك المنطقة السكنية إلا أنه تفاعل معهم جميعاً.

لم يقتصِر الأمر على التفاعُل معهم في المنازِل فقط وإنما كان يذهَب معهم إلى أعمالِهم أيضاً، استغلّ ذاكِرة ومعرِفة فايري لِيتعلّم مِهنَهم بِسرعةٍ فصار يُجيد الطبخ والخياطة وفنون التنظيف، وزار المعامِل والمصانِع المُدمَجة مع المدرسة حيث تُدرِّس أروان جميع أنواع الفنون وليس القِتال فقط، لأن الطاقة يُمكِن استِخدامُها في الكثير من الأعمال المُختلِفة، وبعد التدرّب على مِهنةٍ مُعيّنة.. سيتحوّل الشخص مُباشرةً مِن جنس المُواطنين إلى جِنس المِهنة التي تعلّمها مِثل جِنس النجّارين وجِنس الحدّادين وغيرِهم، لكنهم يبقون مُواطنين ما داموا تحت مُستوى الطمع.

لِحُسن الحظ أن أرَوان لا تُعدِّل على الأجناس لذلك لا يختلِف النجّارون والحدّادون والطبّاخون عن باقي المُواطنين مِن حيث الشّكل، أما خارِج أرَوان فيُعتبر الشّكل إلزاماً قانونياً حسب المِهنة حتى وإن كان التعديل عليهِم لا ينفعُهم في أعمالِهم مثل النجّار الذي يُجبَر على تركيب طوقٍ خشبي على جبهتِه ونفس الشيء للحدّاد حيث يكون الطّوق معدنياً حتى يتعرّف عليه الجميع مِن النظرة الأولى.

أُعجِبَ جيران آيدين بِذكائِه وسُرعة تعلُّمِه مع أنهم لم يعلموا لِحد الآن مَن يكون وكيف يستطيع الذهاب معهم دون اعتِراض المسؤولين، وكل هذا بِسبب شويلّو الذي سمح له بالتحرّك بِحرّيةٍ في المدرسة ما دام لا يؤثّر على العمل والإنتاجية، وهذا القرار قد أعلنَه المُدير وليس شويلّو، لذلك راجَت الإشاعات حول إمكانية أن يكون آيدين ابناً غير شرعي للمُدير، وبِما أنه فاشلٌ في القتال فقد سمح له باللعِب في الأرجاء تحت حِمايتِه، وهذه الإشاعات استنبَطها الجميع مِن مزاح آيدين حين كان يُخبِرُهم ضاحكاً بأنه ابن المُدير.

ما جعل شويلّو يُعطيه كل هذه الحرّية هو تقدّم تدريبِه بِشكلٍ غريب، حيث صار جسدُه لُغزاً أمام خبيرٍ قديم مثلِه، ومع أن آيدين لِحد الآن لا يستطيع الشعور بالطاقة المُخزّنة في جسدِه إلا أنها موجودةٌ وسيشعُر بِها يوماً ما، خاصةً بعد استِهلاك كميةٍ هائلةٍ مِن البِلّورات الحمراء، ولولا التغيّرات التي تطرأ على جسدِه لخشِي آيدين مِن انفِجارِه، لكنّه يشعُر كل يومٍ بِأن الطاقة التي يستهلِكُها تقوم بِتعديل جسدِه بِطريقةٍ ما.

كل ليلة.. يأتي آيدين بِمجموعةٍ مِن الحرّاس ويطلُب مِنهُم ضربَه بِالمضارِب الخشبية دون رحمة، وذلك لِأن أول تجرِبةٍ على ساعِده قد كانَت ناجِحة، وبِسبب التعرّض للضرب.. صار جسدُه أقوى بِكثيرٍ مِن السابِق لِدرجة أن أقواس الطاقة الذهنية الخاصة بِـ شويلّو لم تعُد تجرحُه إلا إذا زاد مِن حِدّتِها وقوّتِها، وهذا هو ما جعل شويلّو ينصحُه بالتدرّب على إحدى تِقنيات الجسد للحصول على جسدٍ خارِق، لكن آيدين لا يستطيع الشعور بالطاقة حتى يتدرّب على التقنيات، كما أن فايري أخبرَته بأن عمّه قد ترك له تِقنياتٍ ذات مُستوى مُرتفِع، بالإضافة إلى أنها هي أيضاً تملِك الكثير من التقنيات القوية في أرشيفِها.

التقى آيدين بِضع مرّاتٍ مع ماليان وأعطاه عدّة دُفعاتٍ من السّلع النادِرة، لم يكُن يُخبِرُه بالسّعر الحقيقي الذي يشتري بِه وإنما كان يرفعُه كثيراً حتى لا يشكّ فيه ماليان، وبعد البيع كان يستلِم حِصّتَه في حِسابِه المالي مُباشرةً، وخِلال هذا الشهر فقط.. صار آيدين مِليونيراً دون تعَب، وكانت أرباحُه عِدّة أضعافٍ مِن أرباح ماليان، حيث يأخُذ سبعين في المائة مِن الأرباح بالإضافة إلى الفارِق الشاسِع بين سِعر الشراء الحقيقي والسّعر الذي يُخبِر ماليان عنه.

لم تبحَث عنه تالين لذلك لم يبحَث عنها هو أيضاً، وعموماً.. كان آيدين يَبتعِد كثيراً عن الساحة والمناطِق التي يكثُر فيها التلاميذ، وإذا رأوه فإنه يكون مع العُمّال، لذلك اعتقَد أغلبُهم بأنه يتدرّب لِيصير عامِلاً في أرَوان، ومع مرور الوقت.. نسيَه الجميع ولم يعُد أحدٌ يذكُر اسمَه.

بعد مرور شهر.. وقَف آيدين وسط قاعة التدريب وكان خمسة حُراسٍ يقِفون حولَه بِالمضارِب الخشبية الغليظة استِعداداً للبدء في ضربِه كما كانوا يفعلون كل ليلة، ومع أنهُم لا يعلمون السبب إلا أن فِكرة التدريب على تقوية الجسد كانت قد استحوذَت على أذهانِهم، لكنّهم لم يروا يوماً مثل هذا التدريب لِأن تقنيات تدريب الجسد تعتمِد عادةً على الطاقة والموارِد، أما تقوية الجسد بِالضرب فهذا شيءٌ جديد، والأغرب مِن هذا هو أن جسد آيدين لم يكُن صلباً وإنما كان ليّناً مِثل أي جسدٍ عادي، ومع ذلك كان يستقبِل آلاف الضربات كل ليلةٍ دون أن يتضرّر، خاصةً في الأيام الأخيرة حيث أخبرَهم آيدين بأن عملهُم الجانبي سيتوقّف قريباً لأنه لم يعُد مُفيداً له.

نزع آيدين قميصَه فبدأ الخمسة يضرِبونَه بِما يملِكون مِن قوّة، وكانوا يُوزّعون ضرباتِهم على جميع مناطِق جسدِه، وفي هذه اللحظة.. شعر آيدين بِشعورٍ غريب ينبعِث مِن كامِل أنحاء جسدِه، وفجأةً.. أصدر جسدُه هالةً قويةً جعلَت المضارِب الخشبية لا تصِل إليه وإنما تتوقّف في الفراغ، استغربَ الجميع فقالَت فايري

{أخيراً.. تمّ إيقاظ مركز الطاقة الخاص بِك}

توقّف الجميع عن الضرب وبدأ آيدين يتحسّس جسدَه باستغرابٍ فقالت فايري

{يبدو بِأن الطاقة الكبيرة والضرب الشديد هُما السبب في هذا الإيقاظ، لكن مركز الطاقة الخاص بِك ليس مثل أي مركز طاقة آخر، فجسدُك بِأكملِه قد صار يتفاعل مع الطاقة البِدائية دون الحاجة إلى خطوط الطول}

استأذَن آيدين مِن الحرّاس الخمسة ثم غادر إلى منزِله لأنّه يحتاج إلى بيئةٍ هادئة حتى يفهم ما يحدُث، بعدَها.. سأل فايري

[كيف يُعقَل بِأني لستُ بِحاجةٍ إلى خطوط الطول ؟]

قالَت

{أنا بِنفسي لا أعلم، لكن جسدَك قد صار يتعامل مع الطاقة بِطريقةٍ غريبة، ولا أدري إن كان هذا شيئاً جيداً أم لا، ربما تحتاج إلى استشارة شويلّو، لكن.. جرّب أولاً إيقاف الهالة التي يبعثُها جسدُك حتى لا تُستنزَف هباءً}

جلس أرضاً ودخل في حالة تأمّل للتواصُل مع طاقتِه بِمساعدة فايري، وبعد بِضع ساعات.. بدأ يتخيّل شكل الطاقة في ذِهنِه، رفع يدَه فتجمّعت الهالة التي كانت تحمي جسدَه حتى صارَت مِثل الكُرة فوق يدِه، فتح عينَيه فإذا بالطاقة تنفجِر وتندثِر في الأرجاء وتسبّبَت باهتِزاز الأثاث، وكانت هذه إشارةً على أنه قد دخل إلى عالم مُستخدِمي الطاقة، لذلك قرّر أن يقضي بِضعة أيامٍ في التدريب على استشعار الطاقة والتحكّم بها قبل أن يسأل شويلّو.

مع أن فايري كانت لا تملِك أي معلوماتٍ عمّا يحدُث لِجسد آيدين إلا أنها تملِك ذكاءً تحليلياً خارِقاً، وكانت تَبني فهماً جديداً على ما تشعُر بِه مِن تغيِيرات، وبِما أنها آلةٌ لا ترتاح فقد كانت تُسجّل وتُحلّل أصغر التغيِيرات في مسالِك الطاقة وطريقة تعامُل جسد آيدين معها، ومع الوقت.. وصلَت إلى استِنتاجٍ بِأن الجِلد الصناعي قد تغيّر عمّا كان عليه بعد بَدء آيدين في امتصاص الطاقة مِن البلّورات الحمراء، حيث صار مركز القوة مُندمِجاً مع كامِل الجسد بِسبب هذا الجِلد الصناعي، لذلك بدأت تبحَث عن مركز الطاقة الذهنية الذي اختفى أيضاً دون أثر، وإذا كان قد اندمَج مع كامِل الجسد فهذا سيكون أكثر غرابة.

لاحظَت فايري أيضاً بِأن جسَد آيدين ليس جائعاً وإنما جاذِباً، حيث يُسيطِر على الطاقة بِمجرّد اقتِرابِها مِنه، لكن سُرعة التِهام الطاقة ليسَت كافيةً لامتصاص هجمات الطاقة من الخصوم، وإلا لَـكان آيدين سيقِف فوق جميع المُتدرّبين لِأن هجماتِهم ستنقلِب إلى غذاءٍ مجّاني، لذلك لم يُركّز آيدين على هذه الخاصية وإنما صبّ كل اهتِمامِه على الشعور بِالطاقة في جسدِه والتحكّم بِها مِثل إخراجِها بأشكال مُعيّنة ومِن مناطِق مُختلِفة مِن جسدِه.

بعد ثلاثة أيام مِن التأمّل.. صار يشعُر بِالطاقة التي يملِكُها في جسدِه، لكن حجم الطاقة المُتوفّرة للاستخدام قد كان أقل بِكثيرٍ ممّا يجِب عليه أن يكون، خاصةً بعد امتِصاص كميةٍ هائلة مِن الطاقة، وهذا قادَه للتفكير بِأن جسدَه يستهلِك الطاقة لِتطوير نفسِه، ما يَعني بأنه قد يحتاج إلى المزيد مِن الطاقة في المُستقبَل، وربما لن تكون البِلّورات الحمراء كافيةً له بعد هذا الذي رآه.

في اليوم الثالث.. أخرَج ذلك الخاتمَ الذي تركَه له مُعلّمه والذي كان دِرعاً ثم تحوّل إلى ثِياب حامية، نظر إليه قليلاً ثم سأل فايري

[هل يُمكِنني استِخدامُه الآن ؟]

قالت

{إنه جافٌّ لا طاقة فيه، اِشحنهُ بِبعض الطاقة أولاً}

2020/03/05 · 920 مشاهدة · 1245 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024