{توقّف ... سمٌّ فتّاك قد دخَل إلى جسدِك}

كان تحذير فايري مُتأخراً كثيراً، وما هي إلا ثوانٍ قبل أن يشعُر آيدين بِأن جسدَه قد بدأ بِالغليان وكأنّه يذوب، أمسَك بطنَه فبدأَت رغوَةٌ تخرُج مِن فمِه قبل أن يبدأ بالتقيّء اللا إرادي، لم يستحمِل جسدُه آثار السمّ فبدأ يفقِد الوعي تدريجياً حتى سقط على الأرض ودخل في دوّامةٍ من الكوابيس المُزعِجة.

كان السمّ الذي أكلَه في الحلوى يستهدِف الجِهاز العصبي ويتسبّب بِموجةٍ من الكوابيس المُزعِجة، وتستمر نوبة الكوابيس حتى يتوقّف قلب المُصاب أو يُصاب بالجنون، لكن هذا لم يكُن التأثير الوحيد وإنما كان يغزو الأعضاء الداخلية أيضاً ويُسبّب الشلل المؤقّت، لذلك يُعاني المُصاب في صمتٍ ولن يستطيع الحركة أو طلب المُساعدة، لكن آيدين كان يملِك فايري داخِل جسدِه، ورغم تأخُّرِها على تحذيرِه إلا أنها لم تتأخّر في عِلاجِه.

بِمجرّد تحذيرِه.. أخرجَت فايري مصلاً من الخِزانة الخفيّة التي لا يستطيع آيدين الوصول إليها، وكان هذا المصل مِن الأغراض التي تركَها له عمّه، وهو مصلٌ نادِر مصنوعٌ باستخدام العديد من السموم الشهيرة، لكنّه لم يكُن مُخصّصاً للقتل وإنما لمُعالجَة الجسد حتى يكتسِب مناعةً ضد السموم، وكانت مُهمّة فايري مُعالجة جسد آيدين بِهذا المصل بعد إيقاظ مركز الطاقة، ولو فشِل آيدين في إيقاظ مركز الطاقة فلَن تستطيع استِخدامَه عليه لأنّه مُعدٌّ خصّيصاً لِمُستخدمي الطاقة.

هذا المصل يحتاج إلى شجاعةٍ كبيرة لِأن الشرط الثاني لِنجاحِه هو أكل سمٍّ فتّاك قبل استخدامِه، ولَن تجِد فايري أفضل مِن هذه الفُرصة حيث أكل آيدين أحد السموم الفتّاكة وصار يفي بالشّروط اللازِمة، لذلك حقنَت المصل في قلبِه مُباشرةً باستخدام مِجسّاتِها الطويلة، وهكذا سيصِل المصل إلى كامل جسدِه في أسرع وقت، لكنّها لم تكتَفِ بِهذا وإنما اشترَت بعض الأدوية من المتجَر لِمُعالجة الأعضاء المُتضرّرة، وبعدها.. ركّزَت اهتِمامها لِرصد أي تغيِيرٍ في أعضائِه وجِهازِه العصبي.

بعد خمسة أيام.. فتح آيدين عينَيه وكان نِصف وجهِه مُلصقاً على الأرض بِسبب القيء الجاف، بقِي على حالِه لِعدّة دقائق بِسبب شعورِه بالضّعف والفشل، بعد تذكّر ما حدث.. تحامَل على نفسِه وجلَس على الأرض ثم سأل فايري

[ما الذي حدث ؟]

قالت

{أعطيتُك مُضاداً للسموم ومجموعةً من الأدوية والمُغذّيات، جسدُك لا يُعاني من أي إصابات الآن، لكنّك بِحاجةٍ إلى الطعام وشُرب الكثير من الماء لإخراج بقايا السمّ مِن جسدِك}

فتح المتجر واشترى بعض الأطعِمة السائلة، أكل بِهدوءٍ رغم جوعِه بعد أن نصحَته فايري حتى لا يؤذي جهازَه الهضمي، خاصةً بعد الإصابة التي أُصيبَ بِها بسبب ذلك السمّ الفتّاك، أكل قليلاً ثم بدأ تعميم الطاقة في جسدِه فشعَر بِبعض الحيوية مِن جديد، وبعد أربع ساعاتٍ من الراحة.. بدأ يسترجِع قوّتَه فأخرَج أداة اتّصالٍ كان قد اشتراها وربطَها مع شويلّو و ماليان، اتّصل بِـ شويلّو وطلب مِنه اللقاء في قاعة التدريب حيث توجد خِزانتُه، عرف شويلّو مُباشرةً بأن شيئاً قد حدث له بِسبب صوتِه المبحوح، لذلك وافق على القدوم لأجلِه.

خرج مِن بيتِه فلاحظ بأن الوقت ليل، راجع الوقت فوَجد بأن الفجر قريب، حينها فقط انتبه بأنه قد اتّصل بِـ شويلّو في عزّ الليل، ومع ذلك لم يكُن شويلّو نائماً عندما اتّصل بِه، لذلك وصل بعد رُبع ساعةٍ فقط إلى القاعة وكان آيدين قد سبقَه إليها، عبس شويلّو عِندما رأى حال آيدين حيث كان وجهُه ضعيفاً وشاحِباً، أخبرَه آيدين عن السمّ وأنه لِحسن الحظ كان يملِك مُضاداً للسموم، لكنّه لم يُخبِره عن روشان الصغيرة حتى لا تتورّط هي أو أمها، لكن شويلّو سأله

"هل لتِلك الأرملة وابنتِها الصغيرة علاقةٌ بِما حدث لك ؟"

قطّب آيدين جبينَه بشدّةٍ ثم قال بِتردّد

"كيف ... عرفت ؟"

قال شويلّو

"ماتَت الأم وابنتُها قبل أيام بِسبب تسرّب الغاز في منزِلهما"

شعر آيدين بِرجفةٍ في قلبِه عِندما سمِع الخبر، رفع يدَه وغطّى بِها وجهَه ولم يعُد يظهَر مِنه غير عينَين برّاقتَين مليئتَين بالحِقد والألم، تسارَع تنفُّسه قليلاً قبل أن يتمالك نفسَه ويسترجِع هدوءَه، خفض يدَه ونظر نحو شويلّو ثم قال

"السم كان في الحلوى التي أتَتني بِها روشان الصغيرة، أخبرَتني بأن أمها كانت تبكي، ما يعني بأنّه قد تمّ تهديدُها لاستخدام ابنتِها، بل ربما قد تمّ تهديدُها باستخدام ابنتِها، وبعد انتهاء الأمر.. تم التخلّص مِنهما لِمحو أي أثر، لكن.. هُناك شيءٌ واحد يجب علينا وضعُه في الحُسبان"

أخذ شهيقاً عميقاً ثم قال

"يوجد خائنٌ في منطقة السكن هذه، وأنا أملِك القدرة على الإمساك بِه"

صُدِم شويلّو مِن سُرعة سيطرة آيدين على عواطِفه، بل حتى أنه قد انتقَل مِن الغضب العاطفي الشديد إلى التحليل والتخطيط في أقل مِن ثلاث ثواني، وهذا لا يفعلُه الأشخاص العاديون، ناهيك عن شابٍ صغير.

بعد استيعاب ما قاله آيدين.. سألَه شويلّو

"كيف ستفعلُها ؟"

قال

"إحدى قُدراتي هي قراءة لغة الجسد، كل ما أحتاجُه هو اللقاء بِالخائن وسأتعرّف عليه بِسهولة"

صمت شويلّو طويلاً هذه المرّة لأنه لا يدري كيف قد ينقلِب الأمر إذا تم فتح تحقيقٍ مُوسّع، لاحظ آيدين تردّده فقال

"لا تقلق، أنا لن أُثير أية ضجّة، وحتى إن وجدتُه فلَن أتصرّف معه وإنما سأُخبِرك عنه وأنت تتصرّف، لأننا نحتاج إلى العقل المُدبّر وليس إلى كلبِه الذي ينفِّذ جرائمَه"

في آخر مرّة.. حاولَت الشرطة الحصول على المعلومات من راكِب الزلّاجة الذي أطاح بِه آيدين مع رِفاقِه، لكنّه مات بِطريقةٍ غامِضةٍ وهو في الحجز، لذلك لم يحصلوا على أية أدلّة لِحد الآن، تنهّد شويلّو أخيراً ثم قال

"يجب أن ترتاح أولاً، يُمكنك البقاء في هذه القاعة مؤقتاً تجنباً لأي مُحاولة اغتيالٍ أخرى"

وافق آيدين ثم جلس على الأرض وبدأ يتأمّل، نظر إليه شويلّو طويلاً قبل أن يُغادِر، وفي الصباح عاد إليه بِالطعام والثياب لأنه لا يعلم شيئاً عن الخزانة التي يملكها آيدين، بعدَها.. راجع معه شويلّو مستوى الإيقاظ واستخدامَه للطاقة فاستغرَب وقال له

"أنت الآن تستطيع استخدام الطاقة بالتأكيد، لكني لا أستطيع الإحساس بِمستوى تدريبِك وكأنك مُجرّد مُواطنٍ عادي"

قال آيدين بِعبوس

"أنا بِالكاد أفهم ما يحدُث لِجسدي، لذلك لا أعرف ما تتحدّث عنه"

شرح له شويلو بأن أي مُتدرّبٍ يستطيع الإحساس بِمستويات تدريب المتدربين الآخرين ما داموا أضعف منه أو في مثل مُستواه، وذلك بِسبب تسرّب الهالة مِن مركز الطاقة، لكن جسد آيدين لا يُسرّب أي هالةٍ في الأوقات العادية، كما أنه لم يَستطِع إدراك مستواه حتى عندما استخدَم طاقتَه، لذلك استغرَب مِن هذا الأمر غير المألوف.

أراد شويلو أن يمنحَه بعض التقنيات إلا أن آيدين رفض دون شرح السبب، وبعد يومين مِن التأمل.. استطاع أخيراً إنشاء مركز طاقة وهمي داخل جسدِه، وبعد عِدّة مُحاولات.. صار يستطيع إنشاءَه بِسرعةٍ أكبر مِن الباعثين، لِأن الباعِث يَعتمد على الطاقة الخارجية التي يصعُب جمعُها، أما آيدين فيعتَمد على الطاقة المُخزّنة في جسدِه.

مع أن آيدين قد نجح في إنشاء مركز الطاقة الوهمي إلا أنه لا يستطيع جعلَه يضغَط الكثير من الطاقة، لذلك ستكون استِخداماتُه محدودةً في الوقت الحالي، ومع ذلك.. أراد آيدين البدء بالتدرّب على التقنيات التي تركَها له عمّه، فقالَت فايري

{التقنيات التي تركَها لك عمّك هي تقنياتٌ ذات مرتبة سماوية، ولن تجِد مِثلها في هذه القارة النائية، بل ربما لن تجِد فيها حتى التقنيات المتوسطة ذات المرتبة الأرضية}

تنقسِم التقنيات إلى ثلاث مراتِب هي بشرية - أرضية - سماوية، والفرق بينها قد لا يتّضِح في بداية التدريب، لكنّه سيظهَر مع تقدّم التدريب حيث يستحيل تقريباً أن يتساوى مُتدرّبان في القوة وهُما يتدرّبان على تقنياتٍ من مراتِب مُختلِفة، واصلَت فايري شرحَها

{ترك لك عمّك مجموعتَين مِن التقنيات، الأولى ستجعلُك قوياً بِشكلٍ لا مثيل له إذا واصلتَ التدريب عليها، والثانية تجعلُك تستطيع تنفيذ المهامّ المستحيلة وهزيمة حتى مَن هُم أقوى مِنك بِكثير، والفرق بين المجموعتَين هو شرف المُحارِب ومدى استِعدادِه لِتلويث اسمِه}

صمت آيدين قليلاً ثم سألها

[ما هي التقنيات الموجودة في المجموعة الأولى]

قالَت

{فيها ثلاث تقنيات سماوية، الأولى للسرعة، والثانية للقوّة، والثالثة للدفاع}

فكّر لِبعض الوقت ثم قال

[أنا أتدرّب بالفِعل على تقوية الجسد، أما القوة والسرعة فهما ضروريتان، لكن..]

صمت قليلاً ثم سألها

[والمجموعة الثانية.. ما هي التقنيات التي تحتوي عليها ؟]

قالت

{تقنية واحدة ذات مرتبة بشرية}

2020/03/05 · 891 مشاهدة · 1200 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024