[ما هذا الشعور الغريب ؟]

في هذه اللحظة.. شعر آيدين بهالةٍ خفيفة تأتي مِن الغابة والصخور وتغزو جسدَه، ومع أنها كانت خفيفةً مقارنة بِالطاقة التي كان يسحَبها من الحجارة الحمراء إلا أنها كانَت أكثر لطفاً ويَسهُل امتصاصُها، وعندَما شرَح الأمرَ لـ فايري.. قالت

{الطاقة البدائية موجودةٌ في أغلَب العناصر بين السماء والأرض، لكن اجتماعَها حولَك يعني بِأن جسدَك يملِك صفات الباعثين، ربما هذا تطوّرٌ جديد بِسبب الجلد الصناعي المشبَع بِالطاقة البدائية}

راجع آيدين ما يعلَمه عن صفات الباعث إلا أن حالة جسدِه كانت أغرَب مِن حالة أجساد الباعثين، لذلك قرّر تجاهُل الأمر مؤقتاً لِأن عليه مغادرة المدينة قبل الصباح، وفي طريقِه نحو السلسلة الجبلية شرق أرَوان.. استخدَم خاصية السرعة التي تمنحُها له تقنية الظلال التسعة، وكانت تجعل جسدَه أكثر مرونة حتى صار وزنُه خفيفاً جداً رغم أنها في بدايتِها.

بعد ساعتَين مِن الجَري.. وصل آيدين إلى أعتاب السلسلة الجبلية، وكانت في منطقةٍ حدودية بين أرَوان ودولة الجبال الصفراء، لكن العديد مِن جِبال السلسلة كانت في أراضي أرَوان، بدأ بالصعود إلى قمّة الجبل الأول الذي وصل إليه، لكنّه توقّف فجأةً ونظر خلفَه فوجَد أكثر من خمسة مُطاردِين يتبعونَه ويصرخون

"لقد وجدناه أخيراً، اتّصِل بِالنبيل فارميس"

مِن النظرة الأولى.. علِم آيدين بِأنهم أقوى مِنه، كما أنهم كانوا يملِكون صِفاتٍ مُعدّلة مِثل الأنياب والآذان الطويلة وكأنهُم مجموعةٌ من الذئاب، ما يعني بأنهم مُتمرّسون في الصيد والمُطاردة، لذلك استدار وهرَب جانباً ولم يُكمِل الصعود لِأن الأمر سيكون أكثر صعوبة، ومع سُرعتِه وقُدرتِه على الرؤية الليلية إلا أن مُطارِديه كانوا يلحقونَه، ما يَعني بانهم بارِعون في استخدام الطاقة، وكانت هذه مشكلةً كبيرة له لأنه ليس واثقاً من قُدرتِه على قتالهم جميعاً، وفي هذه اللحظة العصيبة كان يُفكّر في شيء واحد فقط، وهو..

'مَن الذي أخبرَهم عن خروجي مِن المدرسة ؟'

واصل الهروبَ بِأقصى ما يملِك من سرعةٍ وعبَر عِدّة جِبالٍ قبل أن يصل إلى حافة جُرفٍ يُطلّ على وادٍ عميق، توقّف وأراد تغيِير المسار إلا أن أحد المطاردين كان أسرَع منه حيث انقضّ عليه وعانقَه بِقوة، جفل آيدين وأراد إخراج خِنجَرِه إلا أنه لم يستطع الإفلات، وفجأة.. فقدَ الاثنان توازُنهما وسقطا مِن الجرف، وصل المُطارِدون ونظروا إلى الوادي العميق فقال أحدُهم

"هذا اللعين قتل نفسَه وأخذَ يارني معه"

قال آخر

"لن ينجو أحدٌ مِن هذا الارتفاع، لقد مات بِالتأكيد"

قال الثالث

"يجِب إخبار النبيل فارميس أولاً، وعلى كل حال فإننا لا نستطيع النزول إلى الوادي مِن هُنا"

قال الأول

"سيُعاقِبنا النبيل فارميس بِالتأكيد لِأنه أراد الحصول عليه حياًّ"

......................

بعد بِضعة دقائق.. فتح آيدين عينَيه بِبطءٍ وشعَر بآلامٍ حادّة في جميع أطراف جسدِه، أراد أن يغفو إلا أن فايري قالت

{لديك ارتجاجٌ في المخّ والعديد من الإصابات والجروح وفقدتَ الكثير من الدماء، لِحسن الحظ أنك تملِك عِظاماً ذهبية وجسداً قوياً وإلا ما كُنتَ لِتنجو مِن هذا الارتفاع، لكن يجِب أن تنهَض وتُغادِر هذا المكان قبل أن يصِلوا إليك أو تنجذِب الوحوش إلى دِمائِك}

صمت طويلاً دون أن يقول شيئاً لِأن كل ما حدث قد كان صادِماً ومُفاجِئاً، وبعد دقيقةٍ مِن الصمت.. تحامَل على نفسِه ونهَض فشعَر بِشيءٍ ليّنٍ تحتَه، تحسّسَه فوجد بِأنها جُثّة الشاب الذي سقَط معه وكانت قد فارَق الحياة، ولِحُسن الحظ أنه كان تحتَه حيث خفّف الصدمة وأنقَذ حياتَه، نظر إليه قليلاً ثم قال

[أشعُر بأن الطاقة تُفارِق جسدَه، هل أستطيع أخذَها مِنه ؟]

تحسّس بَطن الشاب بِيدِه فبدأت طاقةٌ قويّة تخرُج مِنه وتدخُل إلى جسد آيدين، تدخّلَت فايري بِسرعة

{لا تفعَل هذا، فالطاقة التي تخرُج مِنه تحمِل بصمَته الخاصة، كما أنها مُعالجَة لِمُستخدمي النار وليس لِمُستخدمي الظلام مِثلَك، وإذا أدخَلتَها إلى جسدِك فقد يتضرّر مركز الطاقة الخاص بِك}

قال آيدين

[أنا لا أشعُر بأي خطر، كل ما أشعُر بِه هو النشوة والرغبة في الاستيلاء على طاقتِه]

حذّرَته فايري مرةً أخرى

{النار والظلام عدوّان طبيعيان، سيتضرّر مركز الطاقة الذي تعِبتَ في إنشائِه وقد يؤثّر على جسدِك}

قال

[أنا لا أُخزّن هذه الطاقة في مركز الطاقة وإنما أمنحُها لِجسَدي حتى يتعافى]

مُنذ البداية.. كان جسدُه يأخُذ أكبر حصّةٍ مِن الطاقة، لذلك قرّر منحَه هذه الطاقة التي يُخرِجُها مُباشرةً مِن جسَد الشاب، وبعد إصرارِه.. قالت فايري

{يجِب أن تعلَم بأن ما تفعلُه الآن جديدٌ على عالم الطاقة، فلا أحد يملِك القدرة على أخذ الطاقة المصقولة مُباشرةً من مركز الطاقة الخاص بِشخصٍ آخر، لذلك لا أملِك أي معلوماتٍ حول الأضرار التي قد تحصُل لك}

لَم يُجِبها آيدين وإنما واصل ما يفعلُه دون الاهتمام بِما قد يحدُث له، وكان هذا بِسبب غضبِه مِن هؤلاء الملاعين الذين يُريدون أخذَ حياتِه، وبعد أكثر من عشر دقائق.. شعر بأن جسدَه قد تعافى بعض الشيء فقرّر الانصراف قبل أن يأتي أعداؤه، سحب يدَه من جثّة الشاب وقرّر التخلّي عن الطاقة التي لا زالَت مُتبقّيةً في مركز طاقتِه لأن سحبها كلها قد يأخُذ عدّة ساعات، وقف وبدأ يبحَث عن الطريق الذي يجِب أن يسلُكَه قبل أن تطرأ عليه فِكرةٌ ما فسأل فايري

[هل أستطيع أخذ وجهِه الآن بِما أني أملِك الكثير من الطاقة ؟]

قالت فايري

{لا تزال بعيداً عن هذه الخُطوة لأنها تحتاج إلى الكثير مِن الوقت}

صمت آيدين قليلاً وأراد الانصراف، لكنّه توقّف مرةً أخرى وقال بعِناد

[علّميني كيف أقوم بِها، وحتى إن لم أنجَح فسيكون من الجيد التجربة]

لم تُجِبه فايري وإنما ضخّت المعلومات إلى ذِهنه فعلِم كيف يقوم بِها، حيث يجِب عليه أن يجعَل طاقتَه البدائية تغزو جسد الضحية بأكملِه حتى يستطيع نقل شكلِه وصِفاتِه وأماكِن نبات شعرِه وأماكِن جروحِه وشاماتِه..، بل وحتى وُشومَه سيتمّ نقلُها إلى فايري، حيث أن الصعوبة لم تكُن مِن جِهة فايري وإنما مِن جِهة مَسح شكل الجسد بالطاقة البدائية وتحويلِها إلى معلومات، فمثلاً.. تستطيع فايري تقليد الثياب بِمجرّد رؤيتِها، لكن تقليد الوَجه وشكل الجسد لن يكون دقيقاً إذا نقلَته بالنظر فقط، كما أنها غير مُبرمَجةٍ على هذا من الأساس.

بعد تبنّي آيدين.. قام صاحب المكتبة بالعديد مِن الأمور لِمُساعدتِه، ومِن بينِها تجهيز الجلد الصناعي وإعادة برمَجة فايري، وكانت هذه هي طريقتُه في نَسخ صِفات الجسد ومَنحِها إلى فايري حتى تُشكّل الجلد الصناعي إلى الشكل المسروق، لكن صاحب المكتبة لم يكُن واثقاً من المدى الذي سيصِل إليه آيدين، لذلك ترك الكثير من الأمور العالِقة فحسِبَت فايري بأنها قواعِد وقوانين لا يُمكِن أن يوجَد أفضل مِنها، لذلك كانت تُحاوِل مَنع آيدين من القيام بالكثير من الأمور مثل مُحاولة سرقة وَجه هذا الشاب أمامَه.

انحنى آيدين نحو جُثة الشاب مرةً أخرى ثم وضَع كفّه على رأسِه وأرسَل طاقتَه إليه، بدأت الطاقة تغزو وجهَه وجسدَه لأكثر مِن دقيقةٍ قبل أن يقول آيدين

[لقد استوفَيتُ الشرط الأساسي، ألم يكُن هذا أكثر سهولةً مِن وصفِك ؟]

قالَت فايري باستغراب

{هذا في العادة يجِب أن يأخُذ عدّة أيام، ربما يجب عليّ تحديث معلوماتي القديمة}

ابتسم آيدين ثم قال

[سأقوم بِسحب صِفاتِ جسدِه، استعدّي لاستقبال المعلومات]

بدأ يسحَب طاقتَه ويُعيدُها إلى جسدِه في الوقت الذي تأخُذ فيه فايري معلومات وقياسات الجسد مثل الشكل والصوت وغير ذلك من الأمور، وفجأةً.. شعر آيدين بِشيءٍ مليءٍ بالطاقة يتسرّب إلى جسدِه، أغلق عينَيه وبدأ يبحث عمّا أحسّ بِه قبل أن يُصدَم ويقول

[هذا.. أليس هذا مركز طاقة هذا الشاب ؟]

شعر آيدين بأن مركز الطاقة الذي كان يسرِق منه الطاقة قبل قليلٍ قد دخل بأكملِه إلى جسدِه، لكنّه بدأ يتلاشى بِسرعةٍ حتى اختفى كلياً فصرخ

[لقد اختفى، ما الذي يحدُث يا فايري ؟]

قالت فايري

{هذا مُشابِهٌ لاختفاء مركز الطاقة البِدائية الخاص بِعمّك ومركز الطاقة الذهنية الذي منحتُه لك، لكن هذا ليس كل شيءٍ أخذتَه مِن هذا الشاب، أنظُر إلى أنيابِه وأذنَيه}

نظر إليه فوجَد بأنها قد اختفَت وصار شكلُه مثل المُواطنين العاديّين بعد أن كان مِن جنسٍ مُعدّل يُشبِه رِجال الشرطة، صرَخ آيدين بِفزَع

[هل سيتحوّل جسدِي إلى هذا الشكل القبيح ؟]

2020/03/06 · 837 مشاهدة · 1178 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024