35 - الطاولة المُستديرة

[هل سيتحوّل جسدِي إلى هذا الشكل القبيح ؟]

قالت فايري

{لقد اندمجَت أعضاؤه الصناعية مع جِلدِك الصناعي كما حدَث مع خاتم الأزياء، يبدو أنك صِرتَ جِنساً فريداً يتغذّى على خصائص باقي الأجناس الأخرى}

همهم آدين في نفسِه

[جِنس يتغذّى على باقي الأجناس، هذا يُذكّرني بِالسؤال العالِق الذي طرحَه عليّ عمّي]

نظر إلى جُثّة الشاب ثم قال

[هل أستطيع تقليد شكلِه الآن ؟]

قالت فايري

{سأحتاج إلى بعض الوقت لدِراسة المعلومات التي نقَلتَها إليّ وتحويلِها إلى نموذَجٍ جديد، كما أن استِخراج وأرشفة ذِكرياتِه سيأخُذ أكثر مِن ساعة}

قطّب آيدين حاجِبَيه وصرخ في نفسِه

[ذِكريات ؟]

قالت

{نعم، فالعملية تجلُب الطاقة الذهنية أيضاً، لذلك سنحصُل على بعض المعلومات مِن ذِكرياتِه حسَب قوّتِه الذهنية، لكنّي سأحتفِظ بِها ولَن أضُخّها في ذاكِرتِك حتى لا تُسبّب ثِقلاً على دِماغِك، وإذا احتَجتَ إلى معلومةٍ ما مثل أسماء معارِفِه عندما يلتقي بِهم ونوع العلاقة بينهم فسأطبعُها في ذاكِرتِك المؤقتة ويكون لديك خِيار تذكُّرِها أو نِسيَانِها}

صمت آيدين طويلاً فقالت له

{مِن الأفضل أن تُغادِر هذه المنطقة قبل أن يصِل أعداؤك}

تنهّد آيدين ثم نظر إلى الشاب وقال

[ربما يجب علي دَفن هذه الجثّة، لِأنه سيكون مِن الغباء تركُها هُنا ثم التنكّر بِوجهِه وشكلِه]

إذا تركَه في مكانِه ووَجدَه زملاؤه فسيكون مِن الصعب أن يقوم بخِداعِهم، قالت فايري

{سأشتري لك حِمضاً قوياً لإذابتِه}

وفجأةً.. ظهرَت عدّة قوارير مليئة بِمادةٍ صفراء، شرحَت فايري مَخاطِر الحِمض وطريقة استِعمالِه فتخلّصَ مِن الجثّة بِسهولةٍ بعد أن رماها في فَجٍّ عميق بين الصخور وأفرَغ عليها بعض القوارير، ولم تختفِ الجثّة وملابِسُها فقط وإنما حتى الحِجارة قد أذابَها، نظر آيدين إلى قوّة الحِمض فقرّر شِراء كميةٍ مِنه وتركَها في خِزانَتِه لِأنه مُفيدٌ جداً، وهذه طبيعتُه كلما اكتشَف شيئاً قوياً يصلُح للقتال أو النجاة بِشكلٍ عام لأنّه سيستخدِم أي طريقةٍ لِهزيمة أعدائه ولن يهتمّ بِما يُسمّى الشرف إلا إذا كان خصمُه شريفاً حقاً، أما عدوٌّ يُريد اغتِيالَه فهذا حُثالةٌ ولا يجِب التهاوُن معه.

غادر المِنطقة نحو عُمق الوادي واستخدَم سُرعةً كبيرةً حتى يصنَع فارِقاً بينَه وبين أعدائِه، وبعد عدّة ساعاتٍ بدأت الشمس تُشرِق فبحَث عن مكانٍ يرتاح فيه، وبعد فترةٍ وجد كهفاً فقرّر الاختباء فيه حتى يَستجمِع طاقتَه، وبعد استِقرارِه.. سأل فايري

[ثلاثةٌ فقط هُم مَن عرف بأني خرجتُ من المدرسة، المدير و شويلّو ومُحب القِمار، لا أدري مَن الفاعِل لكني أعتقِد بأن مُحب القِمار قد كان يملِك أداة اتّصالٍ مخفية، ما رأيُك ؟]

قالت

{حتى وإن كان يملِكُها فإنه لن يستطيع إخبار أحدٍ لِأن الزنزانة كانت في مكانٍ معزولٍ عن الاتّصال بالشابِكة، فأنا أيضاً لم أكُن مُتّصِلةً عِندما كُنّا في الأسفل}

عبس آيدين ثم قال

[حسَب تحليلاتِك للمُدير و شويلّو، مَن مِنهُما يُمكِن أن يَبيعَني ؟]

قالت

{إذا كان أحدُهما أو كِلاهما فيجِب أن يكونا قد قرّرا الغَدر بِك بعد خروجِك، لأنهما لم يُظهِرا علامات الغدر عِندما كُنتَ معهما، إلا أن يكونا مُمثّلَين بارِعَين فهذا أمرٌ آخر}

تنهّد آيدين ثم قرّر ألا يَعود إلى مدرسة أرَوان علانيةً وإنما سيفعَل شيئاً آخر حتى يتأكّد مِن هويّة الخائن الذي باعَه إلى النبيل فارميس، سأل فايري عن ذِكريات يارني الذي سقط معه إلى الوادي والنموذَج الجديد المُستخرَج مِنه فأخبرَته بأنها قد انتهَت من كل شيء، لكن المعلومات التي يملِكُها في ذكرياتِه لا تتعدّى تلقّيه اتصالاً مِن زُملائه للخروج والصيد، لكن الغريب هو أنهم قد تلقّوا صورة آيدين وهو يقِف فوق مِنصّة الاختِبارات الأولى في مدرسة أرَوان، ما يعني بِأن الذي يستهدِفُه يملِك علاقةً مع جماعة راكبي الزلّاجات الذين استهدفوه مُباشرةً بعد الاختِبارات قبل شهرٍ ونصف.

بعد استحضار الأدلّة ومُناقشتِها مع فايري لِبعض الوقت.. فتح خِيار تغيِير الشكل فوجَد بِأن نموذجاً جديداً قد انضمّ إلى النموذج الذي يستخدِمُه في الوقت الحالي، اختارَه فتغيّر جسدُه بِأكملِه حتى صار شبيهاً بِذلك الشاب مِن حيث الملامِح ولون الجِلد وشَعر الرأس..، لكنّه لم ينسُخ أنيابَه وأُذنَيه فسأل فايري عن السّبب، أجابَته

{لم تنسُخ طاقتُك تِلك الأجزاء المُعدّلة لأنها ليست جُزءً مِن الجسد، لكنّي أستطيع تقليدَها باستخدام جُزءٍ من جِلدِك الصناعي لأنّه يحتوي الآن على المادّة اللزِجة التي كانَت في خاتم الأزياء وتِلك الأعضاء المُعدّلة التي قُمتَ بامتِصاصِها سابقاً}

وبِتعديلٍ بسيط.. نبتَت له أنيابٌ وطالَت أذناه وصارَتا مِثل آذان الذّئاب، ونفس الشيء للزّي الذي كان يلبِسه ذلك الشاب حتى صار نُسخةً طِبق الأصل، شعر آيدين بِأنه قد صار خارِقاً بِسبب هذه القدُرات والمواهِب، وبعد صمتٍ وتفكيرٍ فيما مرّ بِه مُنذ لِقائه مع صاحب المكتبة إلى أحداث اليوم.. رفع رأسَه ونظر إلى الأعلى ثم قال بِنبرةٍ عاطفية

"عمّي، أعتقِد بأني وجدتُ جواب سؤالِك"

تنهّد ثم أضاف

"أنا لستُ بطلاً يبحَث عن العدالة، ولا شُجاعاً يبحَث عن المجد، بل سيكون مِن الأفضل ألا يعرِف أحدٌ أي شيءٍ عنّي، لذلك.. قرّرتُ أن أكون جِنساً فريداً لا مثيل له، لا حاكماً ولا محكوماً، جنسٌ يتغذّى على الجميع، يتلاعب بالجميع، يتعاوَن مع الجميع لِأجل الجميع، يخدَع الجميع لِيُسعِد الجميع، سأكون فرداً في شكل جماعَة، سأجعل الجميع يهتِفون بأسماء لا وجود لها، ويخشَون وجوهاً لا أصل لها، وهدَفي النّهائي هو إسقاط النّظام الظالِم، لكنّي لَن أُشارِك في إنشاء نِظامٍ عادِلٍ بعدَه، وإنما سأكتفي بِدعم مَن يُريد إنشاءَه من الظلال"

طأطأ رأسَه وشدّ قبضتَيه ثم قال

[أعلم بأن هذه أحلامٌ كبيرة، وربما لن أُحقّقها أبداً، ولا أدري ما الذي كُنتَ تنتظِرُه منّي يا عمّي، أو ما هو الجواب الأفضل لِسؤالِك، لكني قرّرت.. مِن اليوم.. من هذه اللحظة.. سأكون جِنساً جديداً، بِلا اسمٍ ولا وجود، سأكون.. عديم الوجه]

...................

في مكانٍ ما.. توجد قاعةٌ مُظلِمة لا أحد فيها، وفي أرجائِـها توجد طاولةٌ مُستديرةٌ واسعة تُحيط بِها العشرات مِن الكراسي، وفوق الطاوِلة.. توجد لوحاتٌ كريستالية أمام كلّ كُرسي، وكانت أغلَب اللوحات تحمِل أسماءً غريبة، وفجأةً.. سُمِع صوتٌ صليلٍ قادِم مِن إحدى اللوحات الفارِغة أمام إحدى الكراسي وكأن أحدَهُم ينقُش عليها اسماً جديداً، وما هي إلا ثوانٍ قبل أن يظهَر اسمٌ واضِح على اللوحة، ولو كان آيدين هُنا فسيُصاب بِالصدمة لِأن الاسم كان "عديم الوجه".

...................

في الصباح.. وصل أربعةٌ مِن المُطارِدين إلى حيثُ سقط زميلُهم يارني الذي أخذ آيدين شكلَه وأذاب جُثّتَه، وكان النبيل فارميس قد طلب مِنهُم النزول والبحث عن جثّة آيدين كعِقابٍ لهم على فشلِهم في الإمساك بِه، لذلك عادوا إلى بِداية الوادي وتبِعوه طيلة الليل حتى الصباح، لكنّهم لِحد الآن لم يجِدوا غير آثار الدماء في مكان السقوط، أما مكان إذابة الجثّة فقد كان مخفياً عن الأنظار، وحتى إن وجدوه فلَن يعلموا أبداً ما حدَث هناك لِأن الحِمض لم يترُك أي شيءٍ غير مُذاب.

بعد البحث لِبعض الوقت.. وجد أحدُهم آثار أقدام آيدين، استغرَب الجميع مِن وجود ناجٍ من الاثنَين فقرّروا مُطاردتَه لِمعرِفة ما يجري، وبعد ساعاتٍ من التتبّع.. توقّف الأربعة عِندما رأوا صديقَهم يارني مُختبئاً خلف إحدى الصخور وكانَت ثِيابُه مُقطّعةً ومليئةً بالدماء، وكان هذا هو آيدين بعد تحوُّلِه إلى شَكل يارني، وحتى ثِيابُه قد تمّ نسخُها وهي مُقطّعة، نظر إليه الأربعة قليلاً قبل أن يصنَع أحدُهم صوتاً خفيفاً فارتجَف آيدين ونظر نحوَهم ثم ابتسَم وأشار إليهِم بِيدِه طالِباً مِنهم الاقتراب والتِزام الصّمت.

استغرَب الجميع مِن كونِه على قيد الحياة، لكن حركاتِه تدلّ على أن خصمَهم آيدين على قيد الحياة أيضاً، لذلك قرّروا الاقتراب مِنه والتركيز على المُهمّة بدل الانشغال بِسؤالِه عن سبَب نجاتِه، وصلوا إليه فأشار إلى الكهف حيث كان يختبِئ وقال بِصوت صديقِهم يارني

"لقد نجَونا بأعجوبة، ومع أنه مجروحٌ إلا أنه خطير، هرَب منّي ودخل إلى ذلك الكهف، لكنّي مجروحٌ أيضاً ولا أستطيع هزيمتَه وَحدي"

نظر الأربعة إلى الكهف وقال أحدُهم

"اِبقَ هنا، سنذهب نحن لإمساكِه"

قال آيدين

"من الأفضل أن يذهَب اثنان فقط حتى لا تقعوا جميعاً في مَكائدِه"

ابتلَع قائدُهم ريقَه ثم نظر إلى اثنَين مِنهُم وقال

"إذهبا أنتُما وأمسِكا بِه، ونحن سنُراقِب هُنا في حال هرَب مِنكُما"

ذهب الاثنان بِتردّدٍ نحو الكهف حتى دخلا إليه، انتظر آيدين مع الاثنَين الآخرَين لِأكثر مِن دقيقةٍ لكنّهم لم يسمعوا أي عِراك، استغرَب الاثنان مِن الهدوء فتحرّك آيدين إلى الأمام بِاعوِجاجٍ وكأنّه مُصابٌ في قدمِه، نظر إليه الاثنان باستغرابٍ فقال

"اللعينان.. سيأخذان جميع أغراضِه، لقد رأيتُ عِندَه خِنجراً مِن مُستوى أرض"

ارتجَف الاثنان عِند سماع مُستوى السلاح لِأنه يُساوي ثروةً لا يَحلُمون بِمِثلِها، لذلك انطلقا بِسرعةٍ ودفَع أحدُهما آيدين فسقَط على الأرض وبدأ يضحَك في نفسِه على غبائهِما، دخلا إلى الكهف وصرَخ القائد

"ضعا كل شيءٍ على الأرض أيها الحقيـ.. إييييه ؟ ... ما هذا ؟"

2020/03/07 · 873 مشاهدة · 1270 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024