37 - الغادِر المغدور

"عِندما أرجِع.. سأجعلُكم تندهِشون جميعاً"

قال آيدين هذا ثم أغلَق الاتّصال حتى لا يقول شيئاً أكثر حِدّة، وذلك لأنه صار مُتأكداً بأن شويلّو هو الذي باعَه، حيث قالت فايري بأن أجهِزة الاتّصال لا تعمل في تِلك المِنطقة تحت الأرض، والآن يُريد شويلّو إلصاق الأمر بِمُحب القمار.

ما لا يعلمُه آيدين هو أن شويلّو والمُدير قد تناقشا بعد خروجِه مِن المدرسة، وموضوع النقاش كان حول خلفية آيدين الغامِضة، فمَع أنه دعمَهم بِالتقنيات السماوية والأرضية إلا أنه يُريد شنّ حربٍ ضد الأمير رايفوس، وإذا حدث هذا فستقوم دولة فلوريم بِلَوم أرَوان على ذلك، خاصةً أن آيدين تلميذٌ غير مُسجّل، وإذا فعل شيئاً فسيقول الجميع بأنه يعمل لِصالِح شويلّو والمُدير، بل حتى أن هُناك مَن يُردّد إشاعةً بأنه ابن المُدير.

للتهرّب مِن المشاكِل.. اتّصل المُدير بِالأمير رايفوس وأخبرَه عن مُحبّ الخمر وبأن غباءَه هو الذي تسبّب بِقتل طِفلةٍ بريئة مع أمها، ومع ذلك.. عبّر المُدير على أنه سيُقدّم خِدمةً لِدولة فلوريم بدل رفع قضيّةٍ ضدّها أمام تحالُف الخمسة زائد واحد، وفي المُقابِل.. سيكون عليه التخلّص مِن آيدين قبل عودتِه إلى المدرسة، وبِهذا حصلَت أرَوان على دينٍ لدى أمير درجة أولى، حيث وعدهُم رايفوس بِدعمِهم مُستقبلاً لِتستُّرِهم على فضيحَتِه.

بعد فشل أتباع النبيل فارميس.. صار الأمير رايفوس قلقاً مِن انتقام آيدين، لذلك أتى إلى المُدير وطلب مِنه الاتّصال بِـ آيدين للاستفسار عن مكانِه، لكن المُدير ليس على علاقةٍ بِه، لذلك استدعى شويلّو للقيام بِهذا.

.......................

في مكتب مُدير أرَوان.. كان رايفوس والمُدير ينظُران إلى شويلّو العَبوس بعد انتِهاء اتّصالِه مع آيدين، صمت طويلاً قبل أن ينظُر إلى المُدير ويقول

"إنه يعرِف"

عبس المُدير وقال بِأسف

"هذه.. قد تكون مُشكِلةً كبيرة"

قال رايفوس

"إنه مُجرّد مُواطنٍ عادي، كيف تكون مُشكِلةً كبيرة ؟"

نظر إليه المُدير بِصمتٍ قبل أن يقول

"قد لا يكون مُجرّد مُواطِنٍ عادي، فرِسالة التوصية التي دخل بِها إلى المدرسة كانت مِن دولة هيلدوم العظيمة، ومع أنه قد أنكَر أي اتّصالٍ بِها إلا أن جُرأتَه في أول يومٍ له شجاعتَه على تحدّي الأمراء تُفسّر بأنه لا يخاف أحداً"

تغيّرَت تعابير رايفوس لأن عشيرةً واحدةً مِن دولة هيلدوم تستطيع إرهاق تحالُف الخمسة زائد واحد، وإن كان آيدين ينتمي إلى قوةٍ ما فسيكون الأوان قد فات لأنه ربما يكون قد اتّصل بِقومِه قبل مُدّة، ومع أن دولة هيلدوم بعيدةٌ ويستغرِق وصولهم إلى أرَوان أكثر مِن شهرٍ إلا أن عليهِم الاستعداد مِن الآن، وهذا جعل رايفوس يقوم ويصيح بِنبرةٍ مُرتجِفة

"ولِماذا لم تقولوا شيئاً عن هذا منذ البداية ؟"

نفض يدَه ثم صرخ

"أهآآآآ ... فهِمتُ الآن، لقد أردتُم مُنذ البِداية توريطَ دولة فلوريم، لكنّ هذا لن ينجَح، خاصةً مع شخصٍ ذكيٍّ مِثلِه، سأذهب لإخبار أبي عن هذا"

قال هذا ثم خرَج، عبس المُدير لِأنه كسَب عداوَة الشخص الذي أراد كسبَ وُدِّه، وبِهذا كان قد أساء إلى دولة فلوريم وأميرِها بعد أن أساء إلى شخصٍ مجهول مِن دولة عظيمة، فجأةً.. وقف شويلّو وقال

"سأبحَث عنه بِنفسي"

قال هذا ثم خرَج، تغيّرَت تعابير المُدير ولم يعلَم ما قصد شويلّو، فهل يُريد قتلَه أم حجزَه أم التصالُح معه، ومع ذلك لَم يعترِض لأنه يملِك خُططَه الخاصّة.

.......................

بقِي آيدين على تِلك القمّة العالية يتدرّب على خاصية الاغتيال التي يمنحُها المستوى الثاني من تقنية الظلال التسعة، ومع أنه تقدّم فيها إلا أنه لا يزال بعيداً عن إتقانِها كلّياً، حيث تحتاج إلى فَهم قانون الفضاء لِنقل الضربة إلى مكانٍ بعيد، والمُشكِلة التي واجهَها آيدين هو أنه لِحد الآن لم يستطِع نقل الضربة لأبعد مِن شِبرٍ واحِد، كما أن زخَم الضربَة يضيع أثناء نقلِها ولا تبقى بِنفس القوة، وهذا صنع له عقبةً يصعُب تجاوُزها.

بعد بِضعة أيام أخرى.. قامَت فايري بِتعزيز حاسة السمع دون تنبيه، استغرَب آيدين فقالت

{هُناك صوت قِتالٍ شرِس يأتي مِن الشرق}

ركّز آيدين ولَم يسمَع شيئاً إلا بعد أكثر مِن دقيقةٍ حيث سمِع صوتاً خافِتاً يقترِب، ويبدو بأن هُناك مجموعةً من الأشخاص يتقاتَلون على أرض دولة الجبال الصفراء، لكن الغريب هو أن صوت القِتال كان يقترِب بِسرعةٍ كبيرةٍ من الجبل الذي يقِف عليه آيدين، لذلك نصحَتهُ فايري بالاختِباء وإخفاء هالتِه حتى لا يشعُر بِه أحدٌ مِنهم، وبعد بِضع دقائق.. مرّ بعض المُقاتلين بِسرعةٍ كبيرةٍ مِن أسفل الجبل، لم يقِفوا وإنما واصلوا طريقهُم نحو الغرب، لم يرَهُم آيدين وإنما سمِع أصواتهُم فقط، ومِن سُرعتِهم فيجِب أن يكونوا أقوياء جداً.

لم يستطِع آيدين رؤية أي شيءٍ بِسبب السّحُب والضباب، لذلك ركّز على حاسة السمع فقط، وبعد دقائق.. توقّف المُقاتِلون ثم عادوا مِن نفس الطريق، وكانت سُرعتُهم هذه المرّة أقلّ من السابِق، لذلك سمِع آيدين حديثهُم بِوضوحٍ مِن قمّة الجبل

"لَن ينجو بالتأكيد، لكنّي أخشى أن تحدُث موجةٌ من المشاكِل"

"وماذا إذن ؟ ... إذا مات هو فسيكون أتباعُه في أيدينا، المُهم هو أن نتفاهَم نحن حول طريقة التحكّم فيهِم"

"آآآآه ... ذلك الوغد كان شاباًّ قوياً عِندما كان جدّي مُجرّد طفلٍ صغير، لطالما أوصاني ألا أعبَث معه"

"هيهيهي لقد كان يعتقِد بأنّنا لا نعلَم بِشأن مرَضِه"

"للأسف.. لا نستطيع مُطاردَته أكثر، أتمنى أن يسقُط في الطريق قبل أن يصِل"

"لقد انتهى زمانُك أيها العجوز شويلّو، الغَدر يفتِك بالأقوياء أيضاً"

اهتزّ قلب آيدين عِندما سمِع اسم شويلّو، إلا أنه تمالَك نفسَه عِندما تذكّر خِيانة شويلّو له، لذلك بدأ يُفكّر في سبب مجيئِه إلى هذا المكان، هل يُعقَل بأنّه أتى لِأجلِه ؟

مرّ أكثر مِن رُبع ساعةٍ بعد ذلك حتى اختفَت أصوات تِلك المجموعة، لم يعلَم آيدين مَن يكونون أو لِماذا طاردوا شويلّو، لكنّه تنهّد ثم قال

[سيكون مِن الأفضل مُغادرة هذه السلسلة الجبلية]

قالَت فايري

{أعتقِد بأن شويلّو قد سقَط أرضاً ولم يعُد يتحرّك}

استغرَب آيدين لأنه لم يسمَع أي شيء، كما أن فايري قالت بِأنها "تعتقِد"، وهذا يعني بأنها ليسَت مُتأكّدةً من المعلومة، ومع ذلك.. قال

[مُثير للاهتمام، سيكون جيداً إذا وجدتُ فُرصةً للتخلّص مِن عدوٍّ قوي مِثلِه]

قال هذا ثم قفَز نحو الغرب، قضى أكثر مِن نَصف ساعةٍ وهو يَجري بأقصى سُرعةٍ مُعتمِداً على حواسِّه، لكنّه لم يصِل بعدُ إلى مكان سقوط شويلّو، وهذا بِسبب اختِلاف السّرعة حيث قضى شويلّو ومُطارِدوه بِضع دقائق فقط لِقطع نفس المسافة، ومع ذلك صار الآن مُتأكّداً مِن اقتِرابِه حسب تصريحات فايري، وبعد دقائق أخرى.. كان على مشارِف المدينة عِندما رأى جسداً نحيلاً مُلقى على الأرض.

وقف بعيداً وركّز عليهِ فسمِع ضربات قلبِه الضعيف وكأنه شخصٌ يُحتضَر، اقترَب مِنه بحِرصٍ فوجدَه بالكاد يستطيع تحريك عينَيه، وكان جسدُه مليئاً بالجروح العميقة، حرّك شويلّو عينَيه نحو آيدين وبقِي ينظُر إليه طويلاً حتى قال بِنبرةٍ شِبه مكتومة

"آيدين ... أنا سعيد ... لأنك ... مَن سيأخُذ ... حياتي"

عبس آيدين في وجهِه ثم قال

"إذن فأنت تعترِف بِغدرِك بي ؟"

قال

"لم أغدِر بِك ... لكنّي ... لم أوقِف المُدير ... لأنه العقل المُدبّر"

عبس آيدين أكثر لِأن شويلّو لم يتستّر على المُدير، فحتى وإن كان هو العقل المُدبّر إلا أنه سيكون من الأفضل التستّر عليه لأنه زميلُه، لذلك صرخ عليه

"تُلصِق التّهمة بِالمُدير حتى وأنتَ على وشك الموت ؟"

ابتسم شويلّو بِصعوبةٍ ثم قال

"لقد ... غدَر بي ... أيضاً"

قطّب آيدين حاجِبَيه ثم سأله

"مَن فعل بِك هذا ؟"

قال

"الملوك الخمسة، أردتُ ... التصالُح معك، ... أتَيتُ للبحث ... عنك في دولة ... الجبال الصفراء، لكنّهم كمَنوا ... لي لِأن المُدير ... قد نسّق معهُم"

بدأت دقّات قلبِه تتناقَص أكثر وأكثر بِسبب كثرَة الحديث ونُقصان الدّماء، ومع ذلك واصل الحديث

"أقتلني ... أقتل المُدير ... لكن ... أرجوك ... دَع المدرسـ.."

كانت هذه آخر كلِمةٍ قالها وتزامنَت مع آخر دقّات قلبِه، نظر إليه آيدين طويلاً وشعر بِبعض الأسى لِأن شخصاً قوياً مِثلَه لم يكُن يجِب أن يموت غدراً، لكنّه لم يعُد يُكنّ له أية عواطِف بعد أن كاد غدرُه يقتُله، لذلك انحنى إليه وبدأ يسرِق وجهَه كما يفعل بِضحاياه، ومع أنه لا يعرِف كيف قد يستخدِم وجهَه إلا أنه كان يهدِف إلى أشياء أخرى مِثل مركز الطاقة الذهنية الخاص بِه، وكانت عملية النسخ أبطأ بِكثيرٍ من الأشخاص العاديّين بِسبب مُستوى تدريبِه وطول عُمرِه، انتهى أخيراً من العملية ثم قال

"على الأقل.. لن أُذيبَ جُثّتَك بالحِمض حتى تحصُل على دفنٍ لائق"

2020/03/07 · 849 مشاهدة · 1237 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024