"لا أدري ما سيحدُث بعد هذا، لكنّه بالتأكيد سيكون وقتاً عصيباً"

يعلَم الملوك الخمسة بِأن هناك الكثير من القوى التي تبحَث عن سببٍ لإثارة الشعوب ضدّهُم، ومِثل هذه الفضيحة ستكون قاصِمةً للظهر إذا استغلّها النبلاء أو غيرُهم، نظر ملك فلوريم نحو المُدير وقال بِغضب

"كلّ هذا بِسببِك أيها المعتوه"

نظر إليهِما باقي الملوك فأكمَل ملك فلوريم

"أنتُم الذين عبَثتُم مع ذلك الفتى من دولة هيلدوم العظيمة، وها هُم قد أرسلوا خبيراً يملِك القُدرة على تتبُّعِنا دون أن نشعُر بِه"

عبس الملوك الآخرون لِأنهم لم يَعلموا شيئاً عن قضية آيدين، أحسّ المُدير بِنظراتِهم فصرَخ على ملك فلوريم

"ابنُك هو المعتوه الذي جلَب لنا كل هذه المشاكِل، هو الذي تعدّى حدودَه وفشِل في اغتِيالِه مرّتَين، وحتى عِندما ساعدناه فشِل ثالث مرّةٍ وتسبّب في كل هذا"

عبس ملك فلوريم ثم انتبَه إلى أن الحشود قد بدأت تنظُر إليهِم بِسبب صُراخ المُدير، وقف وقال

"أنا لن أتراجَع عن مكاسِب اليوم، ولا أهتم كثيراً بِما تقولُه الأجناس الأخرى، أما ذلك الخبير مِن دولة هيلدوم العظيمة..، حسناً، سأرى كيف يُمكِنُنا إرضاؤه"

بعدَها.. نزل مِن المنصة وغادَر مع حاشِيتِه، نظر إليه باقي الملوك ثم عادوا إلى المُدير فقال ملك تاليمار

"أخبِرنا عن ذلك الفتى مِن دولة هيلدوم العظيمة، ما الذي حدث بالضبط ؟"

.......................

انفضّت الجنازة وقام بعض العُمّال بِدفن شويلّو دون أي رسمياتٍ إضافية، عاد الملوك إلى مناطِقهم الخاصة لِيدخلوا عبرَها إلى دُولِهم بينما بدأت مُختلَف الأجناس تُناقِش ما حدث، وكان بينهُم النبلاء الذين يبحثون عن فُرصةٍ لأخذ الحُكم من الأمراء، والتّجار الذين لن يسمحوا لأي جِنسٍ بالتحكّم المُجحِف في تِجارتِهم، والرّهبان الذين لا يتسامحون مع الفضائح الواسِعة لأنها تُصعّب الأمور عليهِم، فهُم يدعمون الأمراء ما دامَت تجاوُزاتُهم فردية، لكن إذا صارت الأجناس الأخرى ناقمةً عليهِم فقد يدعمون جِنساً آخر للسيطرة على الأوضاع وتجنّب الفوضى، أي أن عملَهُم مُضادٌّ تماماً لِما يقوم بِه آيدين.

في خِضمّ هذا التوتّر.. عاد آيدين إلى الفُندق الصغير وبدأ يُراجِع أغراض شويلّو ويُرتّبها، وكانت هذه هي الجائزة الكُبرى بِالنسبة له، فبِغضّ النظر عن الكنوز القيّمة التي وجدَها في الخِزانة أو البِطاقات المالية المُتخمَة التي حوّلها إلى حِسابِه.. كان يوجَد غرضٌ آخر وهو السبب الرئيسي الذي جعل آيدين يُغامِر بِحياتِه بِالتسلل إلى الخِزانة.

تُعتبَر خِزانة شويلّو سرّيةً ولا أحد يدخُلها غيرُه، وعِندما قُتِل.. كان المُدير يُخطّط لِفتحِها بِالقوة، لكنّه انتظَر مرور الجنازة حتى لا يُقال بأنه كان طامِعاً في أموالِه وكنوزِه، كما أن الدخول إلى الخِزانة سيحتاج إلى كسر الكثير مِن الأبواب الآمنة، وكل باب سيأخُذ الكثير من الوقت، لذلك لم يستعجِل المُدير في هذا، لكنّه لم يعتقِد أبداً بأن آيدين سوف يسبِقُه بالدّخول في اللحظة التي يَنشغِل فيها الجميع بِالفضيحة.

ما جعَل آيدين يَسرِق الخِزانة هو شيءٌ وجدَته فايري في ذاكِرة شويلّو، والآن قد حان وقت استِخدامِه، حيث كان آيدين يتصفّح أداة اتّصالٍ غريبة من طِرازٍ خاص، قام بِتشغيلِها فخرَج مِنها ضوءٌ قوي وشكّل شاشةً من الأشعّة، وضعَها أمامَه على الطاوِلة وتركَها لِأكثر مِن ساعةٍ حتى ظهر اسمٌ رمزيُّ في الشاشة ونقل صوتَه قائلاً

"السيف الأحمر يطلُب النصيحة"

بعد دقائق أخرى.. بدأت الأسماء الرمزية تظهر على الشاشة

"القمر المُظلِم يسأل عن الصّواب"

"عصفور الصباح ينتظِر الإرشادات"

"الوعد الأخير يرجو السلام"

استمرّت الأصوات والأسماء الرمزية بِالظهور على الشاشة خِلال ساعةٍ كامِلة حتى صارَت الشاشة مليئةً بِها، وكان صوتٌهم مُشوّهاً ولا يُمكِن التعرّف عليه، وبعد حضور الجميع.. قال آيدين

"الأجناس الخبيثة قد أحزنَت قلبي، المقعد الفارغ يجب أن يُملأ، هل لا زِلتُم على عهدِكُم ؟"

أجاب الجميع بِصوتٍ واحِد

"المقعد الفارغ ... إلى الأبد"

كانت هذه مجموعةً سرّيةً يقودُها شويلّو مُنذ زمنٍ طويل، وهي مُكوّنةٌ من العديد من العشائر والمدارِس والعائلات، وكلّ حليفٍ يَملِك أداة اتّصالٍ يأخُذ مِن خِلالِها أوامِر الزّعيم، وبهذه الطريقة كان شويلّو يُخيف الدول الخمسة وليس عبر قوّتِه فقط، لكنّه أوقف المجموعة مُنذ أكثر مِن خمسين سنة لأن قناعاتِه قد بدأت تتغيّر، وهذا لم يوقِف أتباعَه مِن مُواصلة توريث أداة الاتّصال وتعليم ورثتِهم حول المُهمّة المُقدّسة التي تجعلُهم يُحافِظون على توازُن القِوى بين الأجناس.

كل ما قاله آيدين وأفراد تِلك المجموعة لِحدّ الآن كان عِبارةً عن كلماتٍ سرّية للتعريف عن أنفُسِهم، وبعد انتِهائهم.. قال آيدين

"أنا وريث السيّد شويلّو، كلّفني بِتنفيذ هذه المُهمّة المُقدّسة عِندما شعَر بِالغَدر والخِيانة، الآن وقد غدروا بِه.. أقول لكم بِأن فترة الراحة التي انتهَجَها هي التي جعلَت المُلوك يتجرّؤون عليه بتِلك الطريقة المُهينة، فهل ترغَبون بِالانتقام لِأجلِه ؟"

أجاب الجميع بِصوتٍ واحِد

"نعم"

قال أيدين

"إذن.. سنبدأ مَرحلة التّعويم، هل مِن اعتِراضات ؟"

أجابوا مرّةً أخرى بِصوتٍ واحِد

"لا"

قال آيدين

"الاسم الرّمزي هو: عديم الوجه"

قال هذا ثم أغلق أداة الاتّصال، ابتسَم وقال في نفسِه

[لم أَعتقِد بِأني سأقَع على مِثل هذه المُساعدة الكبيرة، هكذا سيكون كل شيءٍ أكثر سهولة]

قالت فايري

{حسب ذكريات شويلّو فهُم يعمَلون في الخفاء ويعلَمون جيداً ما يجِب عليهِم القيام بِه، لكنّهم يَنتشِرون في الدول الخمسة فقط ولا يوجد أحدٌ مِنهم في أرَوان}

ابتسَم وقال

[أنا مَن سيهتمّ بِـ أرَوان، لكنّي سأحتاج إلى تطوير تدريبي في أقرَب وقت، هل يوجَد شيءٌ مُفيد بين أغراض شويلّو ؟]

قالت

{يملِك بعض الأعشاب والعقاقير القوية، لكنّها كلّها تخص الطاقة الذهنية}

قطّب آيدين جبينَه قليلاً قبل أن يُخرِج مجموعةً من الأعشاب والعقاقير الطبّية، أشارَت فايري إليها مع ذِكر خصائصِها فرفع إليه زُجاجةً فيها حبّةٌ طبّية فضّية اللون وأراد ابتِلاعها، إلا أن فايري قالت

{هذه الحبّة الطبّية قوية جداً، وهي تصلُح لِتعزيز العلاقة بين الجسد ومركز الطاقة الذّهنية، لكنّك لا تملِك مركزاً للطاقة الذهنية، لذلك لن تنفعَك}

ابتسم آيدين ثم ابتلعَها وقال

[ومَن قال بأني لا أملِك مركزاً للطاقة الذهنية ؟]

جلس آيدين ودخَل في حالة التأمّل فبدأ يشعُر بِكمّيةٍ مِن الطاقة الذّهنية تنبعِث مِن الحبّة الطبّية، ومع أنها كانت قويةً وبدأ يتعرّق بِسببِها إلا أنها طاقةٌ ذهنيةٌ في النهاية ولَن تُشكّل عليه خطراً لِأنها ستخرُج في النهاية مِن جسدِه إذا لم تجِد مركزاً يحتويها، بعد التركيز لِبعض الوقت.. نجح في توجيهِها نحو مركز الطاقة الذهنية الذي سرقَه من جسد شويلّو، وكانت هذه مُجرّد تجرِبة لعلّه يستطيع التحكّم بِه بعد إطعامِه لأنه علِم مِن تجارُبِه السابقة بأن مراكِز الطاقة التي يسرِقُها تكون ضعيفةً وتحتاج إلى الطاقة للانتعاش.

في الأيام السابقة.. سرَق العديد مِن مراكِز الطاقة عِندما قضى على تِلك العِصابة المجهولة، لكنه لم يدمِج مراكِز الطاقة التي حصل عليها مع بعضِها البعض لأنها لن تنفعَه حتى إذا قام بِدمجِها لأنها ضعيفةٌ جداً وتحتاج إلى التدرّب على العديد من التقنيات المُناسبة، خاصةً أنه لا يملِك الوقت لِتطويرِها جميعاً ما دام يتدرّب على تقنية الظلال التسعة، لذلك قرّر إطعامَها وتَركها دون تِقنيات.

بدأت الطاقة الذهنية تغزو مركز الطاقة الخاص بِـ شويلّو، وبعد أكثر مِن ساعة.. شعر آيدين بأن مركز الطاقة الذهنية الصغير الذي كان قد أخذَه من أحد أتباع النبيل فارميس قد بدأ يتحرّك نحو المركز الآخر حتى اندمَج معه، ومع أنه لم يُحدِث أي تأثيرٍ بِسبب حجمِه الصغير إلا أن ظهورَه بعد اختِفائه سابقاً قد كان أمراً مُبشّراً.

استمر آيدين في تعميم الطاقة الذهنية لِأكثر من أربع ساعاتٍ أخرى حتى قالت فايري

{أحسنت، لقد بدأتُ أستشعِر مركز الطاقة الذهنية الذي أعطيتُه لك في السابِق، يبدو بِأنه كان نائماً بِسبب الجفاف}

استمرّ آيدين على حالِه حتى انتهى تأثير تلك الحبّة فابتلَع بعض الحبوب الأخرى ووَاصل عملَه طيلة الليل، وفي الصباح.. شعر وكأن شيئاً غريباً يحدُث في جبهتِه، فتح عينَيه وشعر بالدّوخة قبل أن يدخُل في حالة غيبوبة، لكنه لم ينَم وإنما دخل في دوّامةٍ من الأحلام الغريبة، وغرابة الأمر هو أنه تذكّر ذِكرياتٍ لا يذكُرها مع عمِّه صاحب المكتبة، لكن الغريب هو أنه كان لا يزال طِفلاً عادياً غير محروق الجسد، وهذا جعلَه يتعذّب في حُلمِه وكأنه يرى كابوساً لأنه لم يتعرّف على عمِّه إلا بعد حادِثة إحراق عائلتِه، فكيف يرى مِثل هذا الآن ؟

رأى بأنّه كان يعيش مع عمِّه في قصرٍ كبير، ولِسببٍ ما فقَد كان القصر فارغاً لا أحد فيه، وكان عمُّه يُعلّمُه القِراءة مِن كِتابٍ قديم، وفجأةً.. ارتجّ القصر وبدأت الجُدران تتساقَط عليهِما، لكن عمّه قام بحِمايتِه وأخرجَه مِن بين الرّكام، وفي هذه اللحظة.. بدأ العديد من الأشخاص الغُرباء الذين يلبِسون ثِياباً سوداء عليها نقوشٌ غريبة يظهرون أمامَهما، ولِسببٍ ما فإن آيدين الصغير لم يستطِع رؤية وجوهِهم، وفي هذه اللحظة.. ظهرَت أمامَه فايري وقالت

{لقد نجَحت، يجب أن تستفيق الآن}

2020/03/08 · 920 مشاهدة · 1268 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024