40 - النظام الخُماسي

{لقد نجَحت، يجب أن تستفيق الآن}

بعد تدخّل فايري.. لم يعُد آيدين يرى ذلك الحُلم الغريب، فتح عينَيه فلاحظ بأنه لم يكُن نائماً وإنما كان ما رآه أشبَه بالذّكريات، صمت طويلاً ثم سأل فايري

[لقد رأيتُ رؤيا غريبة، هل كان يعرِفني عمّي قبل أن تُقتَل عائلتي ؟]

قالت فايري

{أنا لا أملِك مثل هذه المعلومات}

عبس آيدين بشدّة قبل أن يصرُخ عليها

[ما معنى هذا ... ألستِ تُسجّلين جميع الذِكريات ؟]

قالت

{قام مالكي السابِق بِحذف أجزاء كثيرة مِن ذاكِرتي}

صمت آيدين طويلاً وهو يفكّر فيما رآه، لكنّه قرّر أخيراً تَرك الأمر والتخطيط للأيام القادِمة، لذلك قال

[أنا لم أعُد أشعُر بِمركز الطاقة الذهنية، ما قصدُك بأني نجَحت ؟]

قالت فايري

{لقد سيطَر مركَز الطاقة الذهنية الذي منحتُه لك على مركز شويلّو، والآن أستطيع التحكّم بِه مِن جديد، لكن الأمر يستلزِم استخدام تقنيات الطاقة الذهنية، وأنا أملِك واحِدةً تتناسَب معي، ومِن خِلالِها سأكون قادِرةً على مُساعدتِك في القِتال، هل تُريد اختِيارَها أم تُفضّل اختِيار تقنيةٍ أخرى وتعتمِدَ على نفسِك ؟}

تفاجأ وسألها بِاستغراب

[ستُقاتلين معي ؟]

قالت

{ليس القتال فقط وإنما سأحميك أيضاً مِن الهجمات التي لم تصِل إليك في مُحيط عشرة أمتار، وتزيد هذه المسافة كلما تطوّر مَركز الطاقة الذهنية وتقدّم في مُستويات التدريب، هذا هو ما تقوم بِه تِقنيَتي الخاصة، لكنّك حينها لن تستطيع استِخدام مَركز الطاقة الذهنية، ومع ذلك.. أنا أقرأ أفكارك وأستطيع تنفيذَها لأجلِك بِطريقةٍ تكامُلية}

ابتسم وقال

[هذا يعني بأني سأحصُل على المزيد من الأذرُع والأقدام، كيف لا أختار هذا ؟]

قالت

{حسناً، جاري إعادة برمجة مركز الطاقة الذهنية، سيحتاج الأمر إلى عدّة ساعاتٍ بِسبب تغيُّر تركيبتِه}

تركَها آيدين تقوم بِعملِها ثم بدأ يُفتّش أغراض شويلّو حتى رفع قُرصاً غريباً، تصفّحه ثم ابتسَم بِخُبثٍ دون أن يقول شيئاً، وذلك لِأنه كان يُجهّز لِشيءٍ سيجعل الأمراء والنبلاء يُصدَمون أكثر مِن صدمتِهم الحالية.

.....................

بعد شهر.. كان آيدين قد أنهى الكثير من المهام، حيث زار المنطقة التجارية والتقى مع ماليان لأمور التجارة، استخدَم وجهاً آخر وادّعى بأنه يعمل مع آيدين، سلّمَه خمسة حقائب تخزينٍ تحتوي على الكثير من السّلع الجديدة، وكانت إحدى الحقائب تحمِل ما لا يحتاج إليه مِن أغراض شويلّو، أما باقي الحقائب فقد كانت مليئةً بالسّلع المطلوبة في تحالُف الخمسة زائد واحد والتي يشتريها آيدين بأسعار رخيصة من المتجر، بعدها.. أخبرَه بأن لا يذكُر اسم آيدين ولو مُزاحاً لأنه يُعاني من بعض المشاكِل مع السلطات، لذلك ستتأخّر دُفعات السّلع في المُستقبل، لكن في المُقابِل.. أخبرَه ألا يُرسِل الأموال إلى حِساب آيدين وإنما يستطيع استِثمارَها في مشاريع جديدة، وإذا وجد صفقةً جيدةً واحتاج للمال فما عليه إلا الاتصال بِه لطلب المزيد من المال، وهذا لأنه صار يملِك الكثير مِن أموال شويلّو.

لم يكتفِ آيدين بِسرقة البطاقات المالية الخاصة بِـ شويلّو وإنما استطاع بِمُساعدة فايري أن يستحوِذ على حِسابِه المالي وتحويلِه إلى حِسابٍ آخر، وفي لمحة عين.. أصبح آيدين أحد أغنى رِجال تحالُف الخمسة زائد واحد، خاصةً أن شويلّو كان قد باع جميع متاجِره وشرِكاتِه في آخر أيامِه بِسبب تقدُّمِه في العُمر وعدم وجود أحدٍ مِن عائلتِه، لذلك كان يملِك المِليارات البارِدة في انتِظار مَن يستحوِذ عليها.

جُنّ جنون مُدير أرَوان عِندما اكتشف بأن خِزانة شويلّو قد تم نهبُها، اعتقد في البِداية بأن شويلّو هو الذي قام بإفراغِها، لكنه غيّر رأيَه عِندما وجد الغاز السامّ في القبو السّفلي، ولم يكُن الأمر يحتاج إلى الكثير من الذكاء لِيعلم بأن آيدين هو الفاعِل، لكنه لم يعلم الطريقة التي دخل بِها إلى الخِزانة، إلا أن يكون شويلّو هو الذي سلّم له المفاتيح قبل أن يموت.

مع مرور الأيام.. احتدّت لهجة الأجناس مع الأمراء وبدأ الجميع يرمقونَهم بِنظرات الاتّهام، ومع أنهم لم يجرؤوا على أخذ خُطوةٍ للأمام إلا أن العديد مِن القوى قد بدأت تجتمِع سراًّ لِمُناقشة الخطوات المُستقبلية، وقبل أن تهدأ الأوضاع.. بدأت حركةٌ جديدة في كامِل أراضي التحالُف، ورغم أن تأثيرَها كان بسيطاً في البِداية إلا أنها بدأت تحتدّ بعد أسبوعٍ واحدٍ مِن بدئها.

كانت هذه الحركة هي مجموعة المقعد الفارغ التي أمرَها آيدين بالانتقام، وكانت أولى أعمالِهم هي استِهداف مؤسسات وشركات الأمراء والنبلاء، حيث تمّ إحراق وتخريب المِئات من المتاجِر والعشرات من الشركات في أول أسبوعَين، وكانت عملِياتُهم تعتمِد على الضرب والاختفاء، لأن المُخرّبين كانوا في العادة مُجرّد أشخاصٍ عاديّين لهُم أعمالُهم الخاصة، وكان لديهِم نِظامٌ رائع يسيرون عليه لِضمان استِمرارِهم، وهذا النظام يُسمّى بِـ النظام الخُماسي.

صُنِع النظام الخُماسي لِإنجاح عمليات جماعة المقعد الفارغ، ويعتمد النظام كلياً على السرّية حيث حتى القادة لا يعرِفون بعضهُم البعض، وكل قائدٍ من الذين تحدّث معهم آيدين يملِكون خمس قادةٍ تحتهُم، وهؤلاء الخمسة أيضاً لا يعرِفون بعضهم البعض، وكل واحدٍ مِنهم يملِك خمسة أتباع لا يعرِفون بعضهم البعض، وهكذا حتى صارَت شبكتُهم ضخمةً جداً وكل مُنتمي لا يعرِف سِوى قائدَه، وحتى إذا أتَت الأوامِر باللقاء مع الأفراد الآخرين فلا يُسمَح لهم بالسؤال عن الأسماء والمعلومات الحسّاسة، وكل هذا حتى يمنعوا انهِيار الجماعة في حال تم الإمساك بالقادة والأفراد.

كان الأمر يقتصِر على التخريب فقط في أول أسبوعَين، لكن الأمر تعدّى ذلك إلى القتل حيث تمّ تصيُّد بعض حفلةٍ للنبلاء فتمّ إهلاكُهم جميعاً، ومِثل هذا الحدَث الكبير.. هزّ جميع الأجناس القوية لِأن الأجناس الأضعَف قد عبرَت الخطّ وتجرّأت عليهِم، وما هي إلا أيامٌ قليلةٌ حتى تكرّر نفس الأمر في دولةٍ أخرى حين قُتِلت ثلاث أميرات في وسط الشارِع دون أن يترُك القاتِل أي أثرٍ يدلّ عليه، وبعدها انطلقَت سلسلة من الأحداث المُشابِهة.

لم تكُن جماعة المقعد الفارِغ مُتحمّسةً كثيراً وإنما كانت تتصيّد الأهداف التي تكون متأكّدةً مِن تنفيذِها بِنجاح، وبعد التنفيذ يختفون نهائياً لأنهم يعودون إلى أعمالِهم التي كانوا يعملون فيها منذ عقود، وفي العادة سيكون من الصعب ربط جميع أعمالِهم لأنّهم لا يُصرّحون بِما فعلوه ولا يُلقون البيانات الصحفية لأن أعمالَهم تجعل الجميع يفهمون تلقائياً بأن هدفهُم هم الأجناس القوية، ومع ذلك.. كانوا يتركون رِسالةً واحدةً في كل مكانٍ ينشُطون فيه، وسواءً كانت الرسالة في ورقةٍ أو بِطاقةٍ أو مرسومةً على الجدار.. فإنها دائماً نفس الرسالة، وهي مُكوّنةٌ من بِضع كلماتٍ فقط وهي "عديم الوجه مرّ مِن هنا".

صار عديم الوجه أسطورةً يفتخِر به الضُّعفاء سراًّ ويرتجِف مِنه الأقوياء جهراً، وكان الكثير مِنهم يعتقِدون بأنه حقاً شخصٌ واحِد ينتقِل بين الدول بِسرعة البرق ويقتُل مَن يشاء وقتما شاء، وهذا أثّر على الكثير من الأنشِطة التي كان يتباهى فيها النبلاء والأمراء على باقي الطبقات مثل الحفلات الراقصة وحملات الصيد وغيرها من الأمور المُمتِعة، حيث كان شهرٌ واحِد أكثر مِن كافٍ لإلجام الأجناس القوية ووَضعِهم في حالةٍ لم يعيشوها منذ وقتٍ طويل.

التقى الملوك الخمسة سراً دون حضور المُدير وناقشوا أفضل الطّرُق لِلقضاء على ما وقعوا فيه بأيديهِم، حيث علِموا أخيراً بأن أسلافَهم لم يكونوا يُخوِّفونَهم مِن شويلّو وحدَه وإنما من الجماعة التي تدين له بالولاء، والآن عليهِم دفع الثمن حتى بعد موتِه، أما قضية دولة هيلدوم فقد بدؤوا يعتقِدون بأنها مُجرّد إشاعة لأن عديم الوجه هذا يتبع أسلوب جماعة المقعد الفارِغ التي ذكرَتها التقارير القديمة، أما آيدين فقد وُضِع سراًّ في قائمة المطلوبين وسيتمّ الإمساك بِه بِمجرّد ظهورِه، وحينها سيعلمون حقيقتَه ويُحاوِلون التصالُح معه إذا كان حقاً مِن عشيرةٍ قوية، وإلا فسوف يُذيقونَه الويلات في حال كان يكذِب لأنه المسؤول عن هذه الفوضى التي وقعوا فيها.

.....................

كل هذه المشاكِل.. لم تمنَع مدرسة أرَوان مِن تنظيم الاختبار الميداني في أرضٍ مُغلقَة، حيث اجتمَع تلاميذ السنة الأولى بالقُرب مِن بوّابةٍ عِملاقةٍ في إحدى الساحات الداخلية بالمدرسة، وكان يوجد الكثير من المسؤولين والتلاميذ القُدامى وأولياء أمور الأمراء والنبلاء وغيرِهم، وكان أغلب التلاميذ قد شكّلوا مجموعاتٍ من شخصَين إلى خمسة أشخاص وأطلقوا أسماءً على مجموعاتِهم، وفي نفس الوقت كان بعضُهم يبحثون عن الأفراد في آخر لحظةٍ لأنهم لم ينجحوا في تشكيل الفِرق في وقتٍ سابق، وكانت تالين أحد هؤلاء لأن آيدين كان قد طلب مِنها الاشتراك معه، إلا أنه لم يكُن حاضِراً بين المُرشّحين للدخول إلى أرض الاختبار، تنهّدَت ثم قالت في نفسِها

'يبدو أن كلامَه لم يكُن أكثر مِن فُقاعةٍ فارِغة'

2020/03/08 · 854 مشاهدة · 1217 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024