[عمـ.. عمّي ؟]

كانَت ملامِح الشاب الطويل قريبةً جداً من ملامِح صاحِب المكتبة، تعرّف عليه آيدين قبل أن تختفي الصور وتقول فايري

{نعم، هذا عمّك، والآخرون هُم مُلّاكي السابقين، وكل واحدٍ مِنهم أجاب على السؤال الجوهري الذي طرحَه عليك عمّك قبل موتِه، ومهمّتُك هي إيجاد طريقِك الخاص وتحديد أي نوعٍ من الأجناس تُريد أن تكون}

صمت آيدين طويلاً وبدأ يستَذكِر ما رآه حتى قال

[لا أستطيع الاختيار ما لم أملِك القوة لِدعم قراري، لذلك لن أُجيب عن السؤال حتى أقوم بِتفعيل مركزَي الطاقة الحقيقيَين]

صمت قليلاً ثم سأل

[هل الباعِثون لا يملِكون مراكِز طاقةٍ حقيقية لذلك يصنعون مركز طاقةٍ وهمي ؟]

قالت

{يولد الباعِث بِجسدٍ صديق مع الطاقة البدائية، حيث يستطيع جمع وتحريك الطاقة وهي خارِج الجسد، وهذا أمرٌ لا يُمكِن اكتِسابُه بِالتدريب لأنه يعتمِد على الموهبة الفطرية، تماماً مِثلما لا يستطيع المواطِن العادي اكتساب مركز الطاقة البدائية بِالتدريب، وأنت لستَ مُباركاً حيث فشِلتَ في جميع الاختبارات التي جعلَك عمّك تمرّ خِلالَها، ولولاه هو وأنا لما حصلتَ على مركزَي طاقة}

بعد هذا.. أومأ وصمت لِبعض الوقت قبل أن يسمع صوتاً مِن ناقلات الصوت

"سوف نصِل بعد نِصف ساعةٍ إلى مدينة أرَوان، إذا كانَت هذه هي زِيارتُك الأولى فمِن الأفضل قراءة منشور القوانين المحلّية قبل النزول"

كان آيدين يسمع مثل هذه النداءات طيلة الأيام الماضية كلما اقترب القطار الطائر إلى إحدى المحطات، وقف واستعدّ للخروج لِأنه وصل أخيراً إلى وِجهتِه، ومع أنه لا يدري ما الذي ينتظِرُه إلا أنه قرّر اتّباع الخطة التي رسمَها له عمّه، خاصةً أنه دفَع حياتهُ لِأجل إنجاحِها، وقبل الخروج.. ظهر أمامَه خاتمٌ غريب أسود اللون، أمسكَه وسأل فايري

[ما هذا ؟]

قالت فايري

{هذا من الأغراض التي تركَها لك عمّك، قُم بارتِدائه}

استغربَ كثيراً مِن شكل الخاتم قبل أن تظهر في ذِهنِه مجموعةٌ من أشكال الثياب والأحذية، استغرَب أكثر فشرحَت له فايري

{كان هذا الخاتم مِلكاً لِعمّك في شبابِه، وهو كنزٌ لا يُقدّر بِثمن لِأنه يحتوي على دِرعٍ قوي يحميك من الهجمات القوية، ويُمكِنُه تغطِية جسدِك في لمحة عين، وعِندما انتهى عمُّك مِن قُدرة تغيِير الوجه الخاصة بِك.. دفع مبلغاً طائلاً للتعديل على هذا الخاتم وتحويل الدرع لِيبدو مِثل أي زيٍّ عادي، حيث صار بإمكانِك تغيِير شكلِه ولونِه إلى عدّة أشكال كما هو واضحٌ أمامَك أو أي شكلٍ تختارُه مِن ملابِس الآخرين بعد أن أقوم أنا بِتحليلِها وتصميمِها، بِالإضافة إلى قُدرتِه على إزالة الرائحة وتغيِير بَصمة طاقتِك البدائية لِمنع تقفّي أثرِك، ناهيك عن تنظيف نفسِه بِنفسِه وقُدرتِه على إصلاح نفسِه إذا تمزّق، وكل هذا حتى تعيش حياةً آمنة في حال فَشلِك في التدريب}

استغرَب آيدين كثيراً مِن مثل هذه الهدية التي لا مثيل لها، وعلِم بِأن عمّه قد عدّلَها له خِصّيصاً بِسبب قُدرتِه على تغيِير الوجوه، فما هي فائدة تغيِير الوجه إذا لم يَستطِع تغيِير لِباسِه بِسرعة ؟

أثنى في قلبِه على كرَم عمّه ثم نزَع ثيابَه التي اشتراها سابقاً ولم يدَع إلا ثِيابَه الداخلية، اختار شكلاً شبابياً فبدأَت مادةٌ لزِجَة تخرُج من الخاتم بِسرعةٍ كبيرة وتُحيط جسدَه، بدأت بعدَها تتموّج ويتغيّر لونُها وشكلُها حتى صارت مُماثِلةً للصورة المعروضة، وحتى حِذاؤه قد تشكل أيضاً إلى نفس الشكل في الصورة، وأثناء هذه العملية.. لاحظ آيدين بِأن المادة اللزِجة التي تشكّل منها الزي الجديد تُشبِه جِلدَه الصناعي عِندما يُغيّر وجهَه، غير أن تشكّل الزّي كان أسرَع بِكثير مِن تشكيل وجهٍ مُختلِف، وربما هذا لِأنه لم يتدرّب كثيراً على إمكانيات جِلدِه الصناعي أو ربما بِسبب اختِلاف المادّتَين.

انتهى مِن إعداد شكلِه الجديد ثم خرَج يتنزّه فلاحظ بِأن أغلب الراغبين بِالنزول في مثل عُمرِه، ما يعني بِأنهم يرغبون أيضاً بِالالتحاق إلى مدرسة أرَوان، وبعد نصف ساعةٍ بدأ القطار الطائر ينزل في محطةٍ واسعة، وقف في مكانٍ بعيد فلاحظ بأن تِلك الفتاة التي أزعجَته سابقاً كانت تلتفِت يميناً وشِمالاً وكأنها تبحث عن شخصٍ ما، تراجَع للخلف ولم يدَعها تراه لِأنه لا يُريد أي إزعاج، وأثناء ذلك.. قالت فايري

{أنت لن تخرُج مِن البوابة}

استغرَب مِن هذا فقالَت

{يُريد عمُّك أن تتسلّل إلى أرض أروان حتى لا يعلَم أحدٌ كيف وصلتَ إليها، ولهذا أعطيتُك هذا الزّي}

عبس طويلاً قبل أن ينظُر في الأرجاء فلاحظ مجموعةً من الموظّفين يُنزِلون حقائِب العملاء إلى الطابق السفلي حيث يتم تفتيشُها، ركّز على أحد الموظّفين ثم قال في نفسِه

[هل أستطيع الحصول على مِثل هذا الزّي ؟]

قالت

{سأقوم بِتحليلِه لإنشاء نُسخةٍ مِنه}

وبعد ثوانٍ قليلة.. قالَت

{تم}

ظهرَت صورة الزي أمامَه فاختار مكاناً خفياً وغيّر الزيّ فصار شبيهاً بِمُوظّفي القطار، نزل بعدَها إلى الطابق السفلي خِلسةً حتى وصل إلى مكانٍ تُجمع فيه الحقائب وصناديق السّلع بِغرض تفتيشِها، اختار مكاناً مُظلِماً واختبأ فيه حتى نزل القطار وبدأ العمّال يُنزِلون الصناديق ويجعلونَها تمرّ على شريطٍ مُتحرّك حتى تدخُل في جِهاز الكشف عن مُحتوياتِها، استخدَم آيدين خاصية تعزيز الرؤية لِمُلاحظة أصغر الأمور مثل حركات الحرّاس والتنبّؤ بِالمكان الذي سينظرون إليه تالياً، بِالإضافة إلى طريقة العمّال في حمل وتسليم الصناديق والأماكِن التي يستطيعون الوصول إليها حيث توجد ثلاث بواباتٍ لإخراج الصناديق.

بعد مُلاحظة ما يحدُث لِأكثر مِن خمس دقائق.. ابتلَع ريقَه واتّجَه نحو الصناديق ثم حمَل أكبرَها على كتِفه وخرج بِه، وأثناء ذلك.. لاحظ بأن الرّكاب قد نزلوا بِأكملِهم عبر جِسرٍ مُعلّق يصِلُهم إلى بوابةٍ خاصة، حمل الصندوق حتى وصل إلى حيث يجب أن يضعَه، استخدم الرؤية التحليلية لِيرى كل شيءٍ أمامَه حتى لاحظ فجوةً بين الأماكِن التي ينظُر إليها الحرّاس، لكن سيكون عليه الجري لِأكثر مِن عشرين متراً في ثلاث ثوانٍ حتى ينجو مِن إدراكِهم، وضع الصندوق وانطلَق بِأسرع ما يُمكِن مُستغلاً بعض الآليات للاختباء مِن أنظار الحراس حسب ما تُمليه عليه إشارات الرؤية التحليلية، وبالفِعل.. نجح في الوصول إلى النقطة الحاسِمة ولم يعُد بينَه وبين الخروج غير عبور الباب الأخير.

تنهّد داخلياً ثم عبر الباب وهو يرتدي زيّ الموظّفين، لكن.. وبِمجرّد مرورِه عبر الباب.. قالَت فايري

{هناك حراسٌ آخرون على الطرف الآخر من البوابة}

ويبدو بِأنها قد أدركَت هذا عبر حاسة السمع فقامَت بِتحذيرِه، لكن الوقت كان قد فات لأنهم سبق ورأوه وهو يخرُج، وكانوا ثلاثة حُرّاسٍ ومعهُم كِلابٌ مُدرّبة، ومع ذلك.. لم يهتمّوا له في أول ثلاث ثوانٍ لأنه يوجد بعض العمال من أرض أرَوان ويخرجون أحياناً لِقضاء بعض الأمور قبل العودة، لكن هذا لم يدُم طويلاً حيث صرَخ أحدُهم

"أنت هُناك ... هل سجّلتَ خروجَك ؟"

تصلّب آيدين قليلاً ثم بدأ بِتحليل المُحيط حيث كان يبعُد عن الحراس بِأقلّ من عشرة أمتار، بينما أقربُ مبنىً إليه كان يبعُد عنه أكثر من ثلاثين مِتراً، ومع ذلك.. قرّر أنه لن يتراجَع بعد أن خرج، لذلك قفز للأمام وأسرَع نحو المباني القريبة مِنه، انتفَض الحراس وأطلقوا عليهِ كِلابهُم ثم تبِعوه بينَما أطلق أحدُهم صفّارة الإنذار، انتبَه الجميع إلى ما يحدُث وبدأ المُسافِرون يرمقون آيدين بِنظرات الخوف والاحتقار لأن وجود مِثل هذه الحادِثة سيجعل مهمّة العبور أكثر صعوبةً عليهِم، وبين الذين رأوه كانت تِلك الفتاة المُزعِجة وذلك الشاب المُسرِع، وكِلاهُما قد تصادما معه في الرحلة لذلك يتذكّرون ملامِحَه جيداً، خاصةً تِلك الفتاة المُزعِجة التي وضعَت عينها عليه واتّهمَتهُ بِأنه يُخفي شيئاً ما.

استخدَم آيدين كل ما يملِك مِن قدراتٍ جسدية للهروب من الكلاب لأنها كانت الأقرب إليه، وبعد خمس ثوانٍ أخرى كان قد وصل إلى أول بِناية واتّخذ مُنعرَجاً حتى يُظلّل الكِلاب، ومع سوء مَوقِفه إلا أنه كان هادئاً بِسبب تدريبِه القاسي وتجرِبتِه لِلخوف والهلَع مُنذ كان طِفلاً، وبِمساعدة الرؤية التحليلية.. استطاع رسم خُطّة النجاة بِسرعةٍ كبيرة عندما رأى زِقاقاً صغيراً أمامَه، وكانت خُطّتُه تعتمِد على الوصول إليه قبل أن تُدرِكَه الكِلاب المُدرّبة، عرَض خطّتَه على فايري ثم صرَخ عليها

[استعدّي وانتظري إشارتي]

2020/02/28 · 1,049 مشاهدة · 1153 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024