13 - "ماركو" الطبيب المحتال محب الحلوي (1)


عندما وصل خبر عودة شاريوس للعاصمة لم يكد جميع سكان العاصمة يصدق اي منهم خبر عودته ..

و لم يكد يصدق الملك نفسه ما قد سمعه عن خبر عودته ..

حتي عندما دخل المدينة و بداء بالسير فيها وسط جنوده ..

لم يكن اي من سكان المدينة يكاد يصدق ما كانت تراه عيناه ..

لزم منهم الامر وقتا حتي يتحول صوت صمتهم الي هتافات ملئت العاصمة و الارجاء ..

في النهاية دخل شاريوس قصر الحاكم بالعاصمة ..

و ما ان دخل القصر ترك رجاله و بداء يتقدم الي قاعة العرش ..

دخل القصر بينما كانت الانظار كلها إليه .. الخدم .. و الجنود الذين كانوا بالقصر ..

و كذلك تلك الفتاة التي بدت و كأنها كانت تنتظر عودته بفارغ الصبر ..

تقدم الي القاعة كما داخل إلها اول مرة .. تقدم إليه ليقدم له ما وعد به أول مرة ..

و أنتهي بالفعل من تقديم ما كان لديه .. و لقد حان دور الملك لتقديم ما قد وعد به ..

الملك : أطلب ما أردت و تأكد من انني سأحققه لك ..

أبتسم له قائلا ..

شاريوس : اذكر جيدا انك قلت هذا و أذكر جيدا انني قلت لك لن اطلب منك شيئا ..

لن اطلب منك مالا .. و لن أطلب منك المستحيل ..

لكن .. لكن ... ان كان ذلك ممكنا ..

اريد منك طلبا واحدا و لن يكون هناك ثاني له ..

ما قاله شاريوس قد اثار فضول الملك بالفعل ..

الملك : و ما هو طلبك الوحيد ذاك اذا .. ؟!

شاريوس : اريد منك ان تعفوا عن " ماركو " .

تتغير تعابير وجه الملك ليبدوا عليه الغضب ..

الملك : و من اين لك معرفة ذلك الرجل .. ؟!

شاريوس : انه شخص انا لازلت ادين له الي الان بالكثير ..

الملك : حتي و ان عفوت عنه الان ..

تدرك جيدا انه لم يعد علي قيد الحياة ..

لن يكون للعفو عنه فائدة بعد الان ..

شاريوس : حتي و ان كان بريئا .. ؟!

تتيغر تعابير وجه الملك ببطئ بينما يتابعشاريوس الحديث إليه ..

شاريوس : سأمر عليك غدا قبل الغروب .. و سأستمع لما لديك ..

و ياً يكن قرارك سأستمع إليه ..

يغادر شاريوس القاعة .. بعد ان بدا ان الملك قد رفض طلبه الوحيد ..

يغادر وقد بدا حزينا بشدة بشأن ما حدث قبل قليل ..

خرج من القاعة و بداء بالسير في القصر الي ان خرج للحديقة

رآته و هو يغادر ولقد بدى لها انه كان حزينا ..

رآه ايضا عدد من الجنود و هو يغادر القصر ..

يقترب بعضهم منه للحديث ..

" الي اين انت ذاهب .. يا سيدي .. ؟! "

شاريوس : ثمة شخص اردت رؤيته منذ وقت طويل ..

غادر شاريوس القصر وحيدا و بداء التجول داخل العاصمة علي قدميه ..

يمر من الشوارع واحدة تلو الاخري .. و تتغير معالم العاصمة كلما ابتعد اكثر عن القصر ..

الي ان خرج .. ووصل اخيرا الي الاحياء الفقيرة التي كان قد اعتاد علي ان يقيم فيها ..

كان يسير وسط الاحياء الفقيرة و لقد كان مصدر انتباه جميع من كان فيها ..

بدي ان كل منهم كان سعيدا برؤيته لشاريوس و هو علي قيد الحياة ..

بدت سعادتهم برؤيتهم له كأنه كان فردا من أسرتهم بالفعل ..

نساء و اطفال و كذلك العجائز و بعض من الحراس كذلك ..

يتقدم ببطئ لي ان وصل اخيرا الي المقبرة التي كانت تقع قرب الاحياء الفقيرة ..

يتقدم شاريوس وسط القبور و شواهدها ببطئ ..

يتقدم ببطئ و تعابير وجهه لم تتغير عن ما كانت عليه قبل ان يغادر القصر ..

يتقدم ببطئ الي ان وقف اخيرا امام ذلك القبر ..

شاريوس : مر وقت طويل حقا .. ايها الطبيب .. !

أخرج شاريوس سكينا كانت بحوزته و يبداء بتحريك يده و يقوم بجرح يده ..

كانت تتساقط قطرات من دمه علي ذلك القبر .. نقطة تلو الاخرى ..

شاريوس : لا اذكر انني كنت قادرا علي الضحك سابقا ..

و لا اذكر انني كنت سعيدا كما كنت عليه رفقتكما سابقا ..

منذ ان فقدت كل شئ ذلك اليوم و منذ ان فقدت كل سكان قريتي ..

لم يعد لدي سبب للعيش "بأيزان" حينها ..

مضت بضعة اشهر فقط منذ ان فقدت قريتي .. تمكنت من مغادرة " أيزان " ..

و بطريقة ما تمكنت من الوصول لعاصمة " كيريان "

في ذلك الوقت لم يكن لدي المال .. او المئوي ..

و لم يكن بمقدوري الحصول علي الطعام كذلك حينها ..

كان الامر مسئلة وقت فقط حتي تنتهي حياتي حينها ..

ألتقيت به ذلك اليوم في الاحياء الفقيرة حينها ..

ظننته كان رجلا مهما .. فلقد كان يتجول بالاحياء الفقيرة و معه تلك الحقيبة و امرأة تسير بجانبه ..

امسكت قطعة زجاج مكسورة كانت علي الارض .. أمسكتها بقوة حتي ان يدي قد جرحت بشدة حينها ..

و من شدة الارهاق و الشعور بالبرد كنت قد عجزت عن الشعور بالدماء التي كانت تسيل من يداي حينها ..

امسكت قطعة الزجاج و بدأت التقدم إليه .. أردت سرقة ما كان لديه ..

تقدمت إليه و لقد رآني و انا أتقدم إليه ..

رآني و انا أتقدم إليه و بيدي تلك القطعة من الزجاج ..

و اذكر جيدا ما حدث بعدها ..

قام بركلي بقوة حينها .. سقطت ارضا غير قادر علي الحراك حينها ..

سقطت ارضا و قد سقطت لقطعة الزجاجية التي كنت ممسكا بها ..

وسقطت ايضا القطعة القماشية التي وضعتها حول عيني التي اصيبت حينها ..

ماركو : انظر جيدا لنفسك كيف لك ان تحمل قطعة من الزجاج دون ان تشعر ان يدك قد جرحت ..

كانت معه امرأة اخري كانت تقف بجانبه .. رآتني و انا علي الارض بلا حراك ..

تقدمت إلي حينها و أمسكتني قائلة ..

" ماركوا .. أنظر له جيدا .. أنه مصاب .. "

ماركوا : ..

تقدم إلي حينها بعد ان ألتزم الصمت لوقت طويل ..

تقدم إلي و بالكاد كنت قادرا علي الشعور بما هو حولي حينها ..

ماركوا : من بحق الجحيم قد يفعل شيئا كهذا لطفل صغير .. !

رآيته حينها و قد كان غاضبا بشدة ..

شعرت انه كان غاضبا بشدة بعد ان رآني بتلك الحال ..

بينما كانت تلك المرأة تتحدث ..

" لا اظن انه سيكون بخير ان بقي علي هذه احال لوقت طويل .. "

كان ذلك اخر ما كنت اذكره حينها ..

أستيقظت بعد بضعة ايام لاحقة بذلك المنزل الصغير ..

و قد كانت تلك الضماضات علي وجهي .. ناحية عيني اليسرى التي قد اصيبت ..

و أستيقظت لاجد تلك المرأة التي كانت بجانبي نائمة .. لقد بدت و كأنها كانت مرهقة ..

كان واضحا انها بقيت بجانبي لوقت طويل تنتظر أن استيقظ من جديد ..

نظرت حولي لاجد المكان مختلفا بشدة عن ما كان عليه بالاحياء الفقيرة قبل ايام ..

كان منزلا هادئا .. جعلني ذلك المكان أشعر بالحنين الي قريتي و كذلك منزلي ..

لم أرد ان أوقظها و لم أرد ان أسبب لهم الكثير من الازعاج ..

فلقد قاموا بمساعدتي في النهاية و لقد قاموا بعلاجي ..

حاولت مغادرة السرير بهدوء و لكنها كانت مستيقظة بالفعل ..

" هل أستيقظت .. ؟!

ماركو .. ماركو .. لقد أستيقظ الصغير .. "

دخل الغرفة بعد ان نادت بأسمه عدة مرات .. أتي مسرعا الي الغرفة ليلقي نظرة ..

ماركو : .. أستيقظت أخيرا .. جعلتنا نشعر بالقلق عليك ..

كان عليك ان تقول انك كنت مصابا حينها او انك أردت طعاما ..

كنا لنساعدك حينها ..

ألتزمت الصمت حينها و لم أقل شيئا لهما ..

بينما هو بداء بالحديث بينما كان يقترب مني حينها ..

ماركو : ما حدث لوجهك أمر مؤسف حقا ..

كانت لتكون لك شعبية كبيرة لدي النساء لولا تلك الندبة التي أصبت بها ..

أذا .. ألا تريد ان تخبرنا بما حدث معك ..

او علي الاقل كيف أنتهي بك الامر بتلك الاصابات .. ؟!

شاريوس : ." ..... "

ماركو : لا اظن انك تريد ان تتحدث ..

بينما قاطعت الحديث قائلة ..

" أظن ان وقت الغداء قد حان .. سأذهب لتجهيزه الان .. "

لم يمضي كثير من الوقت و قد قامت تلك المرأة بتحضير طعام للغداء ..

و لقد كان علي طاولة غداء ثلاثة اطباق فقط ..

ثلاثة اطباق لثلاثة اشخاص .. الزوجة و ذلك الرجل و انا كنت ثالثهم ..

لم يكن لدي خيار سوي تناول الطعام .. فلقد مر وقت طويل لم اتناول فيه طعاما ..

كان الطعام الذي اعدته تلك المراة كافيا لجعلي اشعر بالحنين ..

كان لطعامها نفس رائحة و مذاق الطعام الذي كانت تعده والدتي قبل وقت ليس بطويل ..

كان مذاق و رائحة الطعام كافيان لجعلي ابداء بالبكاء بينما كنت اتناوله ببطئ ..

كنت اتذكر كل لحظة ممكنة عندما كنت رفقة والدتي و كذلك سكان قريتي ..

رآتني تلك المرأة و انا أبكي و لم تستطع الحديث .. كانت حزينة ..

تلك المرأة كانت حزينة و هي تراني أبكي .. بينما ذلك الرجل بداء الحديث ..

ماركو : لا بد و انك قد مررت بالكثير ..

لم يكن بمقدوري الحديث .. بكيت بشدة ..

عجزت عن الرد او الحديث ..

تحدثت لكلايهما بعد بضعة دقائق ..

وحكيت لكلاهما ما حدث لي و ما حدث لسكان قريتي قبل بضعة اسابيع ..

كانت تلك المرأة تبكي بينما هو بداء الحديث ..

ماركو : ما رآيك ان تكون جزء من عائلتنا .. ؟!

أعلم ان ذلك قد لا يكون مقبولا لك ..

و أعلم جيدا .. انك لن تستطيع تقبل فكرة اننا سنكون كعائلة بالنسبة لك ..

و لكن كما ترى .. لا احد بهذا المنزل سواي انا و زوجتي ..

لم يرزق اي منا بالأطفال .. و لكن ...

ولكن لا بأس ان كان اول أطفالنا أنت ..

يبتسم بينما كان يتابع الحديث ..

ماركو : ففي النهاية انا ايضا اريد ان اكون شعبيا لدي النساء ..

و أنت ستساعدني بذلك ..

نظرت زوجته له بغيرة شديدة .. بعد ان قامت بقرصه بقوة من خده ..

" أولست كافية بالنسبة لك .. ؟! "

ماركو : نعم كافية و لكن انا أريد المزيد ..

" المزيد .. ؟!

اذا لا مزيد من طعام الغداء ولن يكون لك طعام للعشاء اليوم .. "

ماركو : مهلا ..

كانت تلك اول مرة منذ وقت طويل ابتسم فيها ..

و كانت تلك هي أول مرة اجد بها عائلة جديدة و مكان لالجاء إليه أخيرا ..

لكن .. حتي ذلك لم يدم طويلا ..

ففي النهاية كان مقدرا لذلك الطبيب ان يموت ..

و كان مقدرا ان اعود للحياة التي كانت لدي قبل ان ألتقي بهما اول مرة ..

.

.

يتبع

2018/12/20 · 556 مشاهدة · 1682 كلمة
4p7
نادي الروايات - 2024