الفصل الثالث: "تأملات كائنٍ عائد من السكون"
------
[تم تطبيق نظام المتجول.]
[تم تنشيط الإصلاح الجزئي.]
[بدأت عملية استعادة الجسد - التقدم: 0.3%]
اللحظة التي سمع فيها الصوت الغريب في رأسه، أدرك ليوكرد أن حياته لن تكون كما كانت، وأن هذا النظام الغامض ليس مجرد خيال. الصوت تردد في أذنه وكأنه يهمس من عالم آخر، يعيده إلى لحظات كانت غارقة في الضباب، لكن ليوكرد لم يكن من النوع الذي يتسرع في اتخاذ القرارات بناءً على الأفكار الأولى. لا، هو دائمًا ما يتأمل، يحلل، ومن ثم يتصرف.
تنهد بصوت منخفض، وهو يحاول استعادة توازنه في السرير. جسده... كان ضعيفًا، ولكن هناك شيء آخر يحدث، شيء لا يمكنه تفسيره بالكامل. شعور غريب يسري في أوصاله.
“ما الذي يحدث لي؟ هل هذه بالفعل هي الرواية التي كنت أقرأها؟ أم أني في حلمٍ آخر؟”
فيما كان يراود نفسه بتلك الأسئلة، شعر بشيء لطيف يلمس ذراعه. رفع عينيه ليجد "كلاود"، ابنه الصغير، يقف بجانبه، يحدق فيه بعيون متسائلة.
"أبي... هل أنت بخير؟"
صوته كان ناعمًا وبرئًا، لكنه كان يحمل قلقًا عميقًا. هذا القلق، لم يكن ليوكرد قد اختبره من قبل، ولكن في هذا اللحظة كان يعلمه معنى جديدًا.
نظر ليوكرد إلى الطفل بابتسامة باردة، لكنه لم يستطع إلا أن يشعر بشيء مختلف في قلبه. كلاود، ذلك الطفل الذي لا يملك سوى البراءة والحب في قلبه، كان جزءًا من هذا العالم الجديد.
"نعم، أنا بخير. فقط... جسدي بحاجة إلى بعض الوقت ليعود إلى حالته الطبيعية."
قالها ليوكرد وهو يحاول أن يبدو هادئًا، رغم أن الألم يعصر جسده.
فزع الطفل وقال بحزن:
"لكن... هل سوف تموت؟"
كلاود كان يمثل البراءة التي فَقَدت في حياته السابقة. لم يكن يعرف من هو ليوكرد كملك سابق، ولم يفهم بعد الأعباء التي يحملها والده، أو حتى الحقيقة القاسية حول ما كان يحدث في الإمبراطورية القديمة.
قال ليوكرد، وهو يمرر يده على رأسه برفق:
"في هذا العالم، الأشياء لا تجري كما نتوقع دائمًا. نحن نمر بتغييرات، صغيرها وكبيرها. لكن الأهم من ذلك... هو كيف نتعامل مع هذه التغييرات."
ثم نظر إلى الطفل بعينيه الباردتين التي لا تُظهر أي تعبير عاطفي:
"أنتَ الآن مسؤول عن حماية نفسك أولًا . لا تظن أن أي شيء هنا سيبقى ثابتًا."
وأضاف، وهو ينظر في الفراغ وكأنه يتحدث إلى نفسه:
"لا شيء هنا دائم، وكل شيء في هذا العالم يعتمد على القدرة على التكيف. على القوة."
فجأة قطع الصوت الخافت للدخول، إذ دخلت الخادمة "ليزا"، تحمل بعض الطعام في يديها. كانت تتردد قليلاً عند رؤيتها لليوكرد، الذي كان يبدو مختلفًا عن الرجل الذي عرفته. كان هناك شيء في عينيه، شيء لا يمكن تجاهله.
"سيدي... الطعام جاهز." قالتها بتهذيب، لكن في عينيها كان هناك شيء آخر، نوع من الفضول الممزوج بالقلق. كانت تتأمل في تحركاته، وتلاحظ كيف أن الملوك تغيروا أحيانًا، لكن التغير في ليوكرد بدا مختلفًا... أعمق.
قال ليوكرد بصوت هادئ:
"شكرًا، ليزا."
ثم نظر إلى كلاود، وقال بلطف لم يكن يتوقعه أحد منه:
"هل تريد أن تأكل معي؟"
ابتسم كلاود بتردد، وكأنه لا يستطيع فهم التغيير في سلوك والده. جلس بجانبه، وفي تلك اللحظة، شعر ليوكرد بشيء جديد. شعور لم يكن يعرفه في حياته السابقة... شيء أقرب إلى الحماية، والحاجة إلى التواصل.
بينما كان ليوكرد يأخذ رشفة من الماء، عاد الصوت ليظهر في عقله مرة أخرى.
[نصيحة: لا تستهِن بقوة العاطفة. يمكنك توجيه هذه العاطفة إلى القوة.]
[تم تنشيط تحليل البيئة المحيطة.]
تنهد ليوكرد، وأشار إلى ليزا لتقترب:
"أريدكِ أن تأخذي تقريرًا من جميع القادة العسكريين في المملكة. وأريدكِ أن تخبريني كل شيء عن وضع الخان الشمالي."
تراجعت ليزا قليلًا قبل أن تجيب:
"بالطبع، سيدي... لكن هل نعلم شيء عن نواياه؟"
نوايا الخان الشمالي...
كان الخان الشمالي يمثل تهديدًا قديمًا، يعرفه ليوكرد من الأيام التي كان فيها إمبراطور الشمس. كان طموحًا، ومُستعدًا للقتال من أجل إرثه. لكن، ليوكرد كان يعرف أن كل شيء في هذا العالم ليس كما يبدو عليه، وأن هناك دائمًا ما وراء الجدران.
بينما كانت ليزا تغادر، جلست بعض الوقت في صمت، يفكر ليوكرد في الوضع الحالي. "هل ما أعيشه الآن هو في الواقع نتيجة لما قرأته من قبل؟ أم أن هناك قوة أخرى تحرك هذا العالم؟"
في تلك اللحظة، قطع الصوت مجددًا عقله، ولكن هذه المرة، كان الصوت غير مألوف:
[تنبيه: تم اكتشاف ملف تعريف الخان الشمالي.]
----
في قاعة العرش الكبرى، حيث كانت الجدران المزخرفة تهمس بقصص قديمة عن صراعات وأساطير ماضية، كان الخان الشمالي جالسًا على عرشه المهيب، يتأمل في الحجرة المظلمة التي تحيط به. كانت نوافذ القاعة مغلقة، ولكن الضباب كان يتسرب من خلال الفتحات في السقف، يرقص في الهواء وكأنها روحٌ غامضة.
أمام الخان كان أحد مستشاريه، وهو رجل في منتصف العمر، ذو لحية كثيفة وشعر أسود مضفور، يبدو أنه قد عاش طوال حياته في العراء، بعيدًا عن فخامة القصور.
"سيدي، لدينا أخبار." قال المستشار بصوت منخفض، وهو ينحني أمام الخان، لا يجرؤ على رفع نظره.
"أخبار؟" جاء الرد، ولكن كان الصوت غريبًا في هدوئه، باردًا كالثبات على قمة جبل جليدي. "هل لديك أخبار عن إمبراطورية الشمس؟" أضاف الخان وهو ينظر بعيدًا، وكأن يديه تنسابان على سطح العرش الخشبي بطريقة متسارعة، معبرة عن تفكير عميق.
"نعم، سيدي." أومأ المستشار، ثم تابع: "إن الإمبراطورية السابقة... كانت في ذروتها، قبل أن تختفي فجأة. لكن، كما تذكر، هناك بعض القصص التي تتداولها الأرواح الميتة، عن إمبراطور الشمس."
كان الخان يحدق في الظلال التي تسكن المكان، متجاهلًا كلام مستشاره لبعض اللحظات. عينيه الحادتين كانت مثل تيارات هواء لا يمكن التنبؤ بها، وكأن فكره يغوص في أعماق الماضي البعيد، حيث كانت امبراطورية الشمس تحت حكم إمبراطورها القوي.
"إمبراطور الشمس..." قال الخان بصوت هادئ، ثم أضاف بنبرة تحمل شيئًا من الاستفهام: "لا أظن أن هناك أحدًا في هذا الزمان يذكره بعد. كل ما تبقى من إمبراطوريته هو الغبار والماضي الذي لا يُحكى عنه."
المستشار شعر بشيء من الارتباك وهو يضيف:
"لكن هناك من يقول إن الإمبراطور لم يُقتل... بل ربما... ربما اختفى عن عمد."
وكانت عيناه تتسعان قليلًا عندما قال ذلك، كما لو كان يشعر بثقل السر الذي يخبئه في قلبه.
الخان نظر إليه بعينين قاتمتين، مشددة ومليئة بالشكوك، وكأن ذاك الحديث يفتح أبوابًا لا يريد لها أن تُفتح.
"اختفى؟" همس، ثم رفع يده في حركة غامضة، كأن هناك خطأ في الحسابات أو أن شيئًا لم يكن مكانه.
"نعم، سيدي. هناك من يظن أنه لا يزال حيًّا. لكن لا أحد يعلم أين هو أو ماذا حدث له."
ثم أضاف المستشار، في محاولة لطمأنة نفسه أكثر مما كان يحاول طمأنة الخان:
"يقال إن الإمبراطورية انتهت... لكن قوتها موجودة، لا تزال تنتظر العودة."
الخان الشمالي نظر إلى أفق الظلال في القاعة بتمعن، كأن روح الإمبراطورية الشمسية قد أعادت حضورها، تتنفس من خلال الفراغات، تشعر بتحدي الزمان والمكان.
"الإمبراطورية الشمسية..." تكررت الكلمات في ذهنه، ثم رفع رأسه وقال بنبرة حادة:
"نحن بحاجة إلى العودة إلى هذا الإرث، وإعادة سيطرتنا. إذا كان هناك من بقي على قيد الحياة من ذلك الزمان، فسوف نكتشفه. لابد أن نضع يدنا على تلك القوة المفقودة."
أضاف المستشار، وقد بدأ يفهم ما يعنيه الخان، وأدرك أن المضي في هذا الطريق يعني شيئًا أكبر بكثير مما كان يتخيل:
"هل نبدأ البحث الآن، سيدي؟"
ابتسم الخان ابتسامة ذات طابع مشؤوم، ثم قال:
"كل شيء في وقته. ولكن إذا كانت تلك القوة قد عادت... سنكون مستعدين."
ثم نظر إلى الأرض حيث أضاءت شعلة خافتة من الضوء عبر الفجوات في السقف، وكأنها تؤكد على عزمه القوي. بدا الخان كما لو كان يفكر في شيء أبعد، ربما شيء أكبر بكثير مما يمكن أن يتصوره أي شخص في هذا العالم.
وكانت الساعات تمر ببطء، لكن الخان الشمالي كان يعلم تمامًا أن هذه اللحظة لن تُنسى أبدًا، وأن إرثًا قديمًا قد بدأ يعود إلى الظهور من جديد.
---
هل اعجبتك الروايه ؟