🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الركن الجنوبي الغربي من الساحة الخارجية لقصر الشتاء
وقف رجل في منتصف العمر يرتدي قبعة من اللباد الرمادي الداكن وسط الحشد، وقد شد حافتها إلى الأسفل فلم يظهر سوى عينين زرقاوين جليديتين
كان في فمه قطعة تبغ، ويبدو من الخارج كبائع محلي متجول، لكن في يده كان يمسك بشدة منظارًا صغيرًا
لم يكن شخصًا عاديًا
إنه أوسفال دوشين، عميل من الغرفة السابعة في مجموعة المستشارين العسكريين لمملكة فرنسا، وقد أُمر بالتسلل إلى الشمال لمراقبة العرض العسكري لجيش المينغ
غير بعيد عنه، وقف رجل قصير ممتلئ، يرفع رأسه بين حين وآخر لينظر إلى السماء، أو يحدق لتقييم آثار جنازير الدبابات
ذلك كان جيفرسون وايت، المراقب من إمبراطورية بريطانيا العظمى
وكان هناك أيضًا رجل في منتصف العمر يلف جسده بعباءة، تخفي على صدره شعار النسر الملكي النمساوي، متنكرًا في هيئة قس أرثوذكسي، يتمتم بالصلاة بلا توقف، بينما يسجل ملاحظات بلا انقطاع
كان هؤلاء الثلاثة ينتمون إلى أجهزة استخبارات عسكرية لثلاث دول أوروبية مختلفة، وكان من المفترض ألّا يجتمعوا في مكان واحد في الوقت نفسه
لكن الآن، كانت عيونهم جميعًا مثبتة على اتجاه واحد
تلك القافلة من المركبات الفولاذية المتجهة نحو تشو يوجيان
همس الرجل النمساوي بصوت خافت، وقد انعقد صوته في حلقه: "أمنا مريم..."
في تلك اللحظة، بدا أن الطريق الحجري بأكمله يهتز
لم يكن زلزالًا، ولا خيولًا عسكرية، ولا عربات مدفعية
بل كان صفًا من الوحوش المصفحة بالكامل، الضخمة والمتراصة، كالقلاع المتحركة، تسحق طريقها ببطء
لم يسبق لهم أن رأوا شيئًا كهذا
كان الدرع الرمادي الداكن يلمع بضوء الحديد، وتومض النيران عند فوهات المدافع، كصولجان حاكم الرعد المشتعل
كانت الجنازير تحتك بالأرض، وتصدر صريرًا يشبه صوت سحق العظام في كل ثانية
تساءل الرجل النمساوي، وقد كاد ينسى أن يتنفس: "ما... ما هذا؟"
لقد شارك في حصار الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ورأى المدافع وهي تفجر الأبراج، لكن هذا الصف من الوحوش الفولاذية أمامه كان أكثر وحشية من أي آلة حرب يتخيلها
قال أوسفال الفرنسي بصوت منخفض، ويده ترتجف قليلًا: "هذا... يسمونه دبابة"
"هذا الوحش يستطيع التحرك بحرية على الثلج، والطين، والحجارة، ولا توقفه مصائد الخيول، ولا يخاف السهام أو الرماح، ولا تحرقه الزيوت المشتعلة"
"تلك الفوهة الأمامية تستطيع تدمير قلاعكم بضربة واحدة"
ردد الرجل النمساوي كمن لا يصدق: "تدمّر... القلاع؟"
تذكر دفاعه عن الجدار الغربي لفيينا ثلاثة أيام، ذلك الجدار الذي كان مجد المدينة وخط دفاعها، بسماكة ثلاثة أمتار من الحجارة، ومنصات نيران، وأبراج سهام متشابكة
والآن، وهو يرى دبابة تي-34 تتوقف ببطء، وفوهة مدفعها موجهة للأمام، استطاع أن يتخيل بسهولة أنه بضربة واحدة فقط، ستتحطم بوابات فيينا كأنها من ورق
قال جيفرسون بأسنان مشدودة: "هم لا يملكون قلاعًا"
"هم لا يحتاجون للدفاع عن المدن أصلًا"
"هم... قلاع ماشية"
مرّت خلفهم دبابة جديدة بطلاء رمادي باهت، تحمل آثار رصاص على درعها، وقد كُتب على برجها "كتيبة الشرق الاستكشافية الخامسة"، مع أرقام وشعارات تنين، وحتى جنازيرها ما زالت تحمل طين المعركة ودمائها
قال جيفرسون، وهو يقبض على منظاره ووجهه شاحب: "هذه ليست للعرض"
"هذه وحدات عائدة من قتال حقيقي"
"كل واحدة منها تبدو وكأنها خرجت للتو من ساحة المعركة، لم تُغسل حتى من غبارها"
تنفس جيفرسون بصعوبة، والعرق البارد يتصبب على صدغيه
قال ببطء: "أتدري؟ نحن نحاول منذ زمن الخروج من العصور الوسطى، خطوة بخطوة، من العربات، إلى البنادق الحجرية، إلى المدافع البدائية"
"لكنهم... لقد حوّلوا الحرب إلى آلات"
"هم ليسوا فرسانًا"
"هم صناعة"
في تلك اللحظة، عمّ الصمت بينهم، ليس لأنهم يجهلون الأمر، بل لأنهم أدركوا فجأة أن الدول التي يمثلونها، سواء جيش الردكوت البريطاني، أو رماحي فرنسا، أو فرسان النبلاء النمساويين، ليست سوى عروض دمى خشبية في مواجهة هذا الطابور المدرع
ثم جاء هدير من السماء البعيدة
ثلاث طائرات مقاتلة حلّقت على ارتفاع منخفض، أجنحتها تكاد تلامس قمة برج ساعة قصر الشتاء، تخترق الهواء، وتكاد تلمس الأرض، مطلقة دويًا يصم الآذان
تبعها طائرتان هجوميتان تنفثان لهب العادم، وعلى بطونهما وحدات قنابل ظاهرة بوضوح
وفي المؤخرة، قاذفة ثقيلة ثنائية المحرك، كوحش يزمجر في السماء العالية، يقطع دخانها الأسود الأفق كله
اجتاحت موجة الضغط الجوي الشارع بأكمله، وتناثر الغبار، وطارت الحمائم فزعًا، وارتفعت الأعلام في الهواء
انخفض كثير من المشاهدين بشكل غريزي، وبعضهم ركع للصلاة ظانّين أنها بداية غارة جوية
أما أوسفال الفرنسي، فقد ارتجف جسده لأول مرة بشكل غريزي
تمتم: "ليس لدينا وحدات تستطيع الطيران بهذا الانخفاض"
"لا يوجد جيش طائر عندنا يستطيع تنفيذ غطس منخفض بهذا الشكل دون أن تتفكك تشكيلاته"
كانت كلماته كأنه يحدّث نفسه، أو يعلن استسلامًا نهائيًا
استمر العرض العسكري في التقدم
وقف العملاء السريون عند زاوية الشارع، وكادوا ينسون تدوين الملاحظات
رأوا صفوف المشاة تضغط كالجبل على المدينة، دون هتافات أو شعارات، كل خطوة تهبط على نفس الشق الحجري، بخطوة منسقة كأنهم تروس تدور من نفس المحرك
لم يكن في وجوههم فخر، ولا عرض، بل نية قتل صامتة
استدار ألف رجل في اللحظة نفسها، بزاوية دقيقة كالملليمتر، كجدار ينعطف
ما هزّهم لم يكن السلاح، بل البرود الميكانيكي على وجوه من يتحكمون به
لا شغف، ولا كراهية، ولا شراسة
بل ثبات في القتل، وإتقان في التنفيذ، ونظرة لا تهتز عند تنفيذ الأوامر
قال أوسفال بصوت منخفض كاد يذروه الهواء: "هذه ليست جيشًا"
"هذه آلة حرب"
ابتلع ريقه، وكأن يده على حلقه: "هم لم يفوزوا فقط"
"بل أخضعوا هذا العالم"
لم يرد جيفرسون، لكنه نظر إلى ظهور أولئك الجنود، وشعر لأول مرة بذبذبة من الشك
وأدرك أنه حتى لو لم يكن هذا عرضًا عسكريًا، بل تحركًا نحو الغزو، وحتى لو عبروا البحر نحو سواحل بريطانيا ووجّهوا مدافعهم نحو قصر باكنغهام، فإنهم سيستولون عليه فورًا
وعندها، سيكون مصيرهم كمصير دوقية موسكو، ترتجف تحت حوافر المينغ الحديدية
توقف الثلاثة عن الكلام، وشاهدوا بصمت آخر دبابة تمر، ثم انسحبوا من الحشد متفرقين
كانوا يعلمون أن هناك شيئًا واحدًا فقط يجب فعله عند عودتهم: التقرير
وبعد أسبوع، في لندن، داخل مجلس العموم في اجتماع مغلق زمن الحرب...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
شاركنا رأيك واقتراحاتك في التعليقات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ